17/10/2017 - 13:59

إستراتيجية إدارة ترامب نحو إيران والتصعيد المحسوب

أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنه لن يصدّق على التزام إيران بالاتفاق النووي لعام 2015، لكنه لم ينسحب من الاتفاق بحسب تهديده من قبل، محمّلًا الكونغرس مسؤولية بحث إجراءاتٍ جديدة تعزّز شروط الاتفاق.

إستراتيجية إدارة ترامب نحو إيران والتصعيد المحسوب

خلال المفاوضات قبيل توقيع الاتفاق (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنه لن يصدّق على التزام إيران بالاتفاق النووي لعام 2015، لكنه لم ينسحب من الاتفاق بحسب تهديده من قبل، محمّلًا الكونغرس مسؤولية بحث إجراءاتٍ جديدة تعزّز شروط الاتفاق.

وحذر ترامب من أنه سيلغي الاتفاق، إذا فشل الكونغرس في التوصل إلى صيغة جديدة، خلال ستين يومًا، تضمن منع إيران نهائيًا من إمكانية تطوير برنامج نووي عسكري، وضبط جماح تجاربها الصاروخية الباليستية، فضلًا عن وقف دعمها "الإرهاب".

وقد عارضت روسيا والصين ودول أوروبا الغربية الحليفة للولايات المتحدة توجهات ترامب، في حين أيدته قوى في الإقليم، هي إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

تحديات إيران في مقاربة ترامب

في إطار تبريره رفض التصديق على الاتفاق، قدّم ترامب لائحة طويلة من الاتهامات ضد إيران، تتضمن دورها بوصفها دولة راعية للإرهاب، وتطويرها ونشرها صواريخ تهدد الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة، وتهدد الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر. هذا فضلًا عن التعاون مع كوريا الشمالية في شراء تكنولوجيا الصواريخ وتطويرها.

ويرى ترامب أن الاتفاق النووي مع إيران لم يعالج أيًا من تلك القضايا، وأن لائحة الاتهامات الموجهة إليها هي تحديدًا ما دفع الولايات المتحدة على مدى سنوات إلى تشديد العقوبات الاقتصادية عليها. من هنا، فإن "خطة العمل الشاملة المشتركة" التي جرى التوصل إليها لكبح البرنامج النووي الإيراني، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والمصرفية المفروضة على إيران، بعد التأكد من وفائها بالتزاماتها بموجب الاتفاق، لم تشتمل على تفاهماتٍ معها حول ما تصفه واشنطن "دعم إيران الإرهاب". ولكن هذا تحديدًا هو الأساس الذي قام عليه الاتفاق (بإصرار إيراني)، أي الفصل بين هذه القضايا ومسألة منع التسلح النووي الذي أصبح وحده موضوعًا للاتفاق.

وبحسب مقاربة ترامب، فإن هذا الاتفاق الذي يعزز الإجراءات والضمانات الرقابية الصارمة على النشاطات والمنشآت النووية الإيرانية، ويضع قيودًا على مستوى تخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم، ويحدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران، فضلًا عن فرض رقابة صارمة على نشاطاتها ومنشآتها النووية، بما فيها بعض المنشآت العسكرية، ليس كافيًا. فهو لا يشمل منع إيران من تطوير الصواريخ الباليستية وإطلاقها، كما أنه يسمح لإيران بالتحرّر من قيود تخصيب اليورانيوم، وتحديد أعداد أجهزة الطرد المركزي خلال فترة تراوح ما بين عشرة وخمسة عشر عامًا، في حين ينص الاتفاق على موافقة طهران على عدم بناء أي منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم مدة 15 عامًا، واستمرار عمليات التفتيش القوية لسلسلة تعدين اليورانيوم وتخصيبه مدة 25 عامًا.

ويريد ترامب ألا يكون هنا أي سقف زمني لالتزامات إيران تلك، بمعنى أن تكون مطلقة وأبدية. بناء على التقويم السابق، يجد ترامب أن الاتفاق النووي "السيئ" مع إيران الذي فاوضت عليه إدارة باراك أوباما، ألقى للنظام الإيراني بحبل نجاة سياسي واقتصادي أمام الضغوط المحلية جرّاء العقوبات الاقتصادية الدولية التي كان النظام على وشك "الانهيار التام" جراءها، كما قال. كما يرى ترامب أن الاتفاق أفرج عن مئة مليار دولار مجمدة لإيران، يجري استخدامها في "تمويل الإرهاب" وتطوير برنامجها النووي، وذلك مقابل قيود غير صارمة، وعمليات تفتيش ضعيفة، تقوم فقط بتأخير حصول إيران على الأسلحة النووية، لا منعه. كما اتهم إيران بأنها خالفت "روح" الاتفاق مرارًا.

إستراتيجية ترامب الجديدة

عل الرغم من أن الرئيس الأميركي لم يذهب إلى حد إعلان انسحابٍ أحادي للولايات المتحدة من الاتفاق، فإنه هدّد بذلك، إذا لم تلتزم إيران جملة جديدة من الشروط. وعمليًا كان ترامب يرغب في الانسحاب من الاتفاق، إلا أن موظفيه الكبار، وتحديدًا وزيري الخارجية والدفاع ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، إضافة إلى مستشاره للأمن القومي، هربرت ماكماستر، حذّروه من مغبة ذلك، وطرحوا عليه، في المقابل، صيغة بديلة تقوم على إعلان رفضه الاتفاق، من دون الخروج منه مباشرة. ونصحوه بالاكتفاء، في المرحلة الراهنة، بوضع شروط إضافية ينبغي لإيران التزامها، فإن لم تفعل يمكن للولايات المتحدة حينها الانسحاب من الاتفاق ولوم إيران.

وبحسب تيلرسون، ستكون هذه محاولة أميركية "لإصلاح الاتفاق [...] فإن لم ننجح قد ننتهي خارجه". وعمليًّا، لم يكن الانسحاب ممكنًا. ولو أن إدارة ترامب بادرت إلى الانسحاب الأحادي المباشر من الاتفاق، لكانت في وضع صعب دبلوماسيًا، ذلك أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلًا عن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، أعضاء مجموعة 5+1، أكدوا التزام إيران نصوص اتفاق عام 2015، وأعلنوا معارضتهم محاولات الولايات المتحدة المسَّ به. بل إن وزيري الدفاع والخارجية ورئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، أكدوا مرارًا التزام إيران بنود الاتفاق، وأن بقاء الولايات المتحدة فيه مصلحة أميركية، خصوصًا في ظل التصعيد النووي مع كوريا الشمالية حاليًّا.

بناءً على ما سبق، حدّد ترامب إستراتيجيته الجديدة في أربع نقاط أساسية: أولًا، العمل مع الحلفاء لمواجهة نشاطات إيران "المزعزعة للاستقرار ودعم وكلائها الإرهابيين في المنطقة". ثانيًا، فرض عقوباتٍ إضافية على النظام الإيراني لمنعه من "تمويل الإرهاب". ثالثًا، التصدّي لنشر إيران صواريخ وأسلحة "تهدد جيرانها، والتجارة العالمية، وحرية الملاحة". رابعًا، إغلاق كل طرق الحصول على سلاح نووي أمام إيران. وقد وضع ترامب ثلاث خطوات رئيسة لتحقيق ذلك:

• فرض عقوبات صارمة على الحرس الثوري الإيراني، وقد خوّل ترامب وزارة المالية الأميركية فرض عقوبات على الحرس الثوري، وعلى مسؤوليه ووكلائه والشركات التابعة له. لكنّ ترامب لم يذهب إلى حد تصنيف الحرس "منظمة إرهابية أجنبية"، ذلك أن هذا سيعني تكبيل يد الولايات المتحدة قانونيًّا في العمل في ساحاتٍ مشتركةٍ معه ومع إيران، كما في العراق.

• فرض عقوباتٍ شاملة على إيران، خارج نطاق الاتفاق النووي، تستهدف برنامجها للصواريخ الباليستية، ودعمها الإرهاب، ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وحث الحلفاء الأميركيين على الانضمام إلى الولايات المتحدة في ذلك.

• عدم التصديق على التزام إيران الاتفاق. وبحسب ترامب، تضاعف "السلوك العدواني" للنظام الإيراني منذ توقيع الاتفاق النووي، وخصوصًا مع تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران واستمرارها في تطوير برامجها الصاروخية والباليستية. ولأن قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني الذي سنه الكونغرس عام 2015 يفرض على الرئيس الأميركي أو من ينوبه أن يصدّق على أن تعليق العقوبات بموجب الاتفاق "مناسب ومتناسب" مع تدابير إيران لإنهاء مشروعها النووي غير المشروع، فقد أعلن ترامب "بناء على سجل الحقائق الذي أشرت إليه، أننا لا نستطيع، ولن نقوم، بالتصديق" على التزام إيران الاتفاق.

"محفزات" إعادة فرض العقوبات

من الواضح أن ترامب، بناء على توصية كبار مساعديه، لا يريد إلغاء الاتفاق من جانب واحد، لذلك يسعى إلى دفع الكونغرس إلى سن تشريع جديد يفصل في "محفزات" إعادة فرض تلقائي للعقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران. وقد حدّد ترامب هذه "المحفزات" في ثلاثة:

• استمرار إيران في إطلاق صواريخ باليستية.

• رفض إيران تمديد السقف الزمني للقيود المفروضة على إنتاجها للوقود النووي، إذ ينص الاتفاق على تواريخ محددة زمنيًّا لإمكانية استئناف بعض نشاطاتها النووية، وهو ما يريد ترامب إلغاءه كليًّا، كي تكون مفتوحةً بلا سقف زمني.

• استنتاج الاستخبارات الأميركية أن إيران قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال أقل من عام. وإذا خالفت إيران أيًّا من هذه الشروط، أو عجز الكونغرس والحلفاء الأميركيون، فإن الولايات المتحدة ستنسحب أحاديًّا من الاتفاق، بحسب تحذير ترامب.

لكن تحميل ترامب الكونغرس المسؤولية يُعدّ مغامرة غير مضمونة النتائج، ذلك أن ضمان ستين صوتًا من أصل مئة في مجلس الشيوخ لسن تشريع جديد يبدو مهمةً شبه مستحيلة، فالجمهوريون يتمتعون بأغلبية ضئيلة (52 جمهوريًّا مقابل 48 ديمقراطيًّا). ومن المؤكد أن أغلب الديمقراطيين سيعارضون أي محاولاتٍ تقوم بها إدارة ترامب لتفكيك إرث إدارة أوباما. كما أن بعض الجمهوريين يبدون متردّدين، إن لم يكونوا رافضين المسّ بالاتفاق النووي. وعلى الرغم من ذلك، يعكف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، السناتور بوب كوركر، بالتنسيق مع مسؤولي الإدارة، ومع السناتور توك كوتون، المتشدّد في معارضة الاتفاق النووي مع إيران، على صياغة مشروع قانون جديد، يقوم على فكرة "المحفزات" التلقائية التي طلبها ترامب لفرض عقوبات اقتصادية من جديد على إيران، إذا لم تمتثل لشروط إدارته. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات متوقعة في الكونغرس:

• أولًا، إذا أعاد الكونغرس فرض عقوباتٍ على إيران، تكون الولايات المتحدة قد انتهكت شروط الاتفاق النووي الذي قد ينهار على الأرجح. وعمليًّا، ليس الكونغرس في حاجة إلى الانسحاب من الاتفاق، ذلك أن ترامب مخول قانونيًّا بإعلان الانسحاب منه، من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس.

• ثانيًا، أن يسعى الكونغرس إلى محاولة "تحسين الاتفاق" بفرض شروط جديدة على إيران. ويبدو أن هذا ما يفضله ترامب الذي يريد، بحسب تيلرسون، "محفزات" فرض تلقائي للعقوبات على إيران، إذا لم تلتزم الشروط الجديدة. ولكن هذا سيواجه برفض إيراني على الأغلب، وقد ينتهي الأمر إلى تحلل الطرفين من الاتفاق.

• ثالثًا، ألا يقوم الكونغرس بفعل شيء، وهذا احتمال كبير في ظل تعقيدات تركيبة مجلس الشيوخ. وفي هذه الحالة، يستطيع ترامب لوم الكونغرس على عدم فعل ما ينبغي له، في حين قد يتهم الكونغرس ترامب بالمراوغة عبر محاولة تحميل الكونغرس المسؤولية، وخصوصًا أن ترامب يملك صلاحية الانسحاب من الاتفاق.

في الأحوال جميعها، تبدو كل الخيارات المتعلقة باتفاق إيران النووي والعلاقة الأميركية بها معقدة وصعبة، والآفاق مفتوحةٌ على كل الاحتمالات. الأمر الواضح الوحيد هو العودة إلى سياسة التصعيد الأميركي مع إيران، وممارسة الضغوط عليها.

 

التعليقات