28/11/2017 - 16:04

الحكم المطلق الحديث

لطالما تغنت المؤسسة الإسرائيلية وتبجحت أمام العالم، أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن على الدول المجاورة التمثل بمنظومة الحكم الإسرائيلية وانسيابيتها.

الحكم المطلق الحديث

لطالما تغنت المؤسسة الإسرائيلية وتبجحت أمام العالم، أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن على الدول المجاورة التمثل بمنظومة الحكم الإسرائيلية وانسيابيتها.

نجحت المؤسسة الإسرائيلية بتسويق هذه الكذبة على مدار سنوات، عن طريق إعلامها الموجه الذي حرص أن يبرز الزوايا الديمقراطية للترسانة العسكرية على الدوام.

إن رعيل الصهاينة الذي اغتصب الأرض وأقام الكيان الصهيوني، عمل بانسيابية تامة وبسلاسة ووحدة، موجها عداءه تجاه "الفزاعة العربية" مكبلة اليدين.

لقد عملت حكومات الكيان بأكثر من رأس حربة وبانسيابية تامة، وظهرت أمام العالم على أنها مجموعة ديمقراطية وتعمل بشكل ديمقراطي، حتى ظهر ملك ملوك إسرائيل الواحد الأوحد بلا منافس أو منازع، بمساعدة أبواق الإعلام وكأنه لا يوجد بديل له، أو إمكانية وجود رئيس حكومة بديل يحمل كفاءات نتنياهو.

لم يحضر نتنياهو إلى مكتب رئيس الحومة بالدبابة، كما ولم يحاصر البرلمان ولم يحرر رفاقه من سجن الباستيل، ولكنه قضى إعلاميا وميدانيا على كل منافسيه، وكل من كان من الممكن أن يهدد عرشه.

بنى نتنياهو ترسانة إعلامية، والتي قامت بدورها بالقضاء على كل منافس له، من ساعر وليبرمان وغيرهم من صقور اليمين واليمين المتطرف. بانسيابية تامة، وتأثرا بالمحيط العربي المستبد بحكامه، وتماشيا مع الشارع المحلي المنجرف يمينا وأصبح أكثر تطرفا.

استسلم الشارع الإسرائيلي لحاكمه المستبد الذي يبث ليل نهار، أن الكيان الإسرائيلي موجود بحالة عداء دائم، كالدعاية التي بثها عشية الانتخابات الأخيرة، بأن العرب يتوجهون بآلافهم إلى الصناديق للإطاحة بحكمه.

يلعب نتنياهو دورا مركزيا ببث الطمأنينة من جهة، وبث أن خطر التهديد مدقع وعلى الأبواب، وأن وجوده في الحكم هو الذي يمنع أي اعتداء من الدول المجاورة ومن المجموعات التي تنخر بها ليل نهار.

يقوم نتنياهو بالتلاعب بتركيبة حكومته حسب ما يراه مناسبا لأهدافه ومشروعه، كما وله أبواق وأذرع في السلطة تخدمه وتخدم ثباته في الحكم، وتمنع من بروز أي شخصية منافسة، حيث تقوم هذه الأذرع بالتضييق على هؤلاء المنافسين وقذفهم خارج الساحة السياسية، وبعيدا عن مراكز اتخاذ القرارات، وبهذه الطريقة يستبد نتنياهو باتخاذ قراراته بدون أي خلل أو نقاش.

مؤخرا، يعمل نتنياهو ليل نهار على تأجيل تقديم لائحة اتهام ضده، ومنع تقديمه للمحاكمة، وحتى اللحظة، نجح نتنياهو بتبديد لائحة الاتهام ضده وما زال مستمرا بالانفراد بإدارة أمور الدولة، في الوقت الذي يلهي به أطراف حكومته، كل في ملفه الخاص.

تعمل المنظومة الإسرائيلية اليوم تحت وطأة نظام الطوارئ، ولا تلبث أن تتخذ قرارا حتى يليه ما يلغيه، وأخذ مسار آخر بعيدا عما خطط له من قبل.

لم تعرف المؤسسة فترة فساد كالتي تمر بها اليوم، ولا حياة لمن تنادي، حيث صوت المعارضة بات باهتا لا يسمعه أحد ولا يلتفت إليه أحد، لأن الأغلبية الساحقة تقع ليل نهار تحت وطأة أبواق السلطة التي تتحدث ليل نهار عن المخاطر والتهديد الذي تقبع تحته دولة إسرائيل وكأن جحافل الجنود تهرول على الحدود الإسرائيلية.

إن نتنياهو يستحضر ما تلا الثورة الفرنسية التي استحضرت حاكما مطلقا كنابليون، الذي حاول أن يحكم العالم ويسيطر على بقاع الارض حالما بتحقيق ما لم يحققه الرومان، بينما يحلم بالسيطرة على مؤسسات الدولة داخليا، والسيطرة على زمام الأمور والعبث بالمحيط العربي والفلسطيني كلما شعر أن ثمة خطرا ما يهدد كرسيه.

في الوقت الذي يحاول فيه نتنياهو تثبيت حكمه المطلق، تعمل أذرعه ليل نهار لتوسيع الفجوة بين المواطنين العرب والمواطنين اليهود، حيث يشعر العرب بأنهم مضطهدون ولا يقوون على مجاراة الواقع الصهيوني المريض، حيث بذلك يستحضر النظام الصهيوني ويتبنى نظام تطهير عرقي جديد.

وفي الوقت الذي يقمع به الحكم المطلق الصهيوني المواطنين العرب، تحت وطأة نظام أبرتهايد مدروس ومبرمج، يصر العرب على التركيز على خلافاتهم واختلافاتهم التي أرهقتهم وأضعفتهم في نضالهم أمام المؤسسة التي تعمل ليل نهار على قمعهم.

الحكم المطلق الحديث في إسرائيل بات انتقائيا، ليس مقابل المواطنين العرب فحسب، إنما مقابل كل الأعراق الأخرى من شرقيين بالأساس، والذين يرى بهم الحكم المطلق الـبيض أنهم أقل قيمة ومقدارا من الجنس الأبيض الذي يستحق الحكم وإدارة الأمور، وأن يكون بمراكز اتخاذ القرار دون غيره.

 

التعليقات