02/07/2018 - 19:09

نعيش لنأكل أم نأكل لنعيش؟

"قبل أيام تعشّينا أنا ولجنة العمل أو الهيئة التدريسية في مطعم كذا... وما أن وصلنا وجلسنا، حتى جاء نادلان وأنزلا على الطاولة ستة عشر صنفًا من السّلطات، والحقيقة أننا شبعنا سلطات، الحمّص طيب، وهو لوحده يُشبع (..)"

نعيش لنأكل أم نأكل لنعيش؟

كثيرًا ما يتردّد السؤال الفولكلوري، هل أنت تعيش لتأكل أم تأكل لتعيش؟

وطبعًا نجيب كلنا بأننا نأكل لنعيش، ويبدو أنه لولا ضرورات البقاء في الحياة لما أكلنا، فهل حقا نأكل لنعيش أم نعيش لنأكل؟؟

الحقيقة أن الطعام متعة ذوقية، إضافة لضرورته الصحية، وقد وعد الله المؤمنين بالفاكهة ولحم الطير وغيرها من مأكل للتمتع به، لأن من يسكن الجنة مخلد فيها، ولن يموت حتى لو لم يأكل، إذًا فالطعام متعة، إلا أن البطنة هي السيء في الأمر، هو البطر، وهي البطنة التي تذهب الفطنة " حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ".

حوارنا الطعامي بكلمات مثل: "قبل أيام تعشّينا أنا ولجنة العمل أو الهيئة التدريسية في مطعم كذا... وما أن وصلنا وجلسنا، حتى جاء نادلان وأنزلا على الطاولة ستة عشر صنفًا من السّلطات، والحقيقة أننا شبعنا سلطات، الحمّص طيب، وهو لوحده يُشبع، وعندما وصلت الوجبة الرئيسة التي طلبناها، بصعوبة أكلناها، لأننا صرنا شبعانين، ولكن الطعام زاكي جدًا، والأسعار مقبولة، ثم قدموا القهوة والبقلاوة على حساب المحل، المهم الوجبة كبيرة، والنادل رايح جاي يسأل: ناقص إشي يا جماعة؟ حتى صاحب المطعم، جاء عندنا وعرّف على نفسه وسأل: ناقص إشي يا جماعة...لا تستحوا؟".

يتنطح آخر ويقول: "ولكن مثل مطعم أبو (...)مفيش، صحيح أنه لا ينزل كثيرًا من السلطات، يعني خمسة ستة أنواع، ولكن لقمته طيّبة، ما الحاجة لستة عشر نوعًا من السلطة؟ أنا يكفيني الفطاريش والطحينة والسلطة العربية وشويّة حمّص، طبعا الفلفل التركي والمقبّلات".

هنا ننتقل للحديث عن طعام قاعة الأعراس: "يا جماعة كان الأكل يجنن، كل أنواع السلطات، ووجبة متوسطة، شيش لحم وكباب، وكلاماري وقريدس، طيّب شو ظل؟ الواحد قديش بقدر يوكل؟ وما حكينا على اللوز والجبنة المقلية والحلويات. ولكن أكثر الناس لم يأكلوا الوجبة الأخيرة، لأن الكل صار شبعان!".

يتحدث آخر عن مطعم، "عنده كل إشي، حتى فريكة ومجدّرة ومحاشي، واللي بدك إياه، حتى بامية ولوبيا، يا زلمة اليهود يأتون من تل أبيب ليأكلوا عنده".

هكذا يستمر الحديث عن الطعام والمطاعم والقاعة وطبيخ العرس ولا ينتهي، ويلحق الدور للكافيتيريات التي تقدم الحلويات والمشروبات الخفيفة، أيها أرخص وأنظف ومتنوع أكثر؟ ثم نعرّج على محلات الأراجيل والعصائر، وأسعارها والجلسة المريحة.

عمليا لا يمر يوم إلا ونتحدث عن الطعام والمطاعم، أضف لهذا السؤال الأبدي في البيت: شو طابخين اليوم؟ أو شو بتحب نطبخ؟ شو جاي على بالك؟ شو بدِّك تغدّينا؟

نتحدث بالصدفة عن البطيخ، وكيف نعرف البطيخة الجيدة من غيرها؟ وما هو الأطيب البطيخ مع اللبنة أم مع الجبنة! ولماذا في دكان فلان نجد الخضار طازج، وهنا تأتي بعض النصائح عن المكان الأرخص والأفضل لاقتناء الخضار، مع ذكر تفاصيل لا تنتهي "اشتريت من المحل الفلاني الثلاثة بعشرة، وضمة بقدونس ما أخذ حقها"؛ "وعند فلان اشتريت بأربعمئة وشيكلين، طلب الشيكلين قبل الميّات! وإذا بدك تنبسط باللحمة بس من عند فلا!؟ وكنافة نابلس تعلو ولا يعلى عليها؟ إنت ذقت مرة كنافة محل كذا؟؟ إذا بتذوقها تدمن عليها".

أضف إلى هذا عند الحديث عن نيّة السفر إلى خارج البلاد، فأول مقارنة تجري بين بلد وبلد، ليس بغناه التاريخي وموسيقاه وإبداعات أبنائه، يبدأ الحديث عن الطعام، وتتشعب المقارنات بين البلدان والفنادق، الشرم أم أنطاليا؟ وهنا يطول الشرح، وكل واحد من الحاضرين سيتحدث عن تجربته الشخصية مع كبة الأعشاب والبرغل والعسل والزبدة التي لم يذق مثلها في كل حياته، وحتمًا سيعرض أحد الحضور صورًا لبوفيه الفندق الذي كان فيه، أو لقاعة الطعام، ومعرض الأطعمة والحلوى، فيديو يحوّله على "واتسأب" للجميع، وقد ينزله على "فيسبوك"، ليس لـ"مقاهرة" الجياع لا سمح الله، فالجياع لا يجلسون على "فيسبوك" أصلا.

وتستمر المقارنة، والأسطوانة تعود على نفسها، من يُرد التسوّق فليذهب إلى إسطنبول، ومن يرد النقاهة فعليه بأنطاليا أو شرم الشيخ، ويقع هنا خلاف من أفضل شرَم أم أنطاليا، ومرمريس وبودروم، أم كريت.

أحد أمراض العصر هي السمنة، فهل نستطيع أن نخفّف؟ هل نملك إرادة لنقول لأصحاب المطاعم: عفوا، لا حاجة لخمسة عشر نوعًا من السلطة!

هل نستطيع أن نقيم فرحًا في القاعة ونرقص باختصار وجبات الطعام مثلا؟ فنوفّر على صاحب الفرح ونربح صحّتنا؟ هل نملك الجرأة على احترام وتقدير من قدّم طعامًا مقبولا ومتواضعًا في عرس ابنه!

وعودة للسؤال هل نأكل لنعيش أو نعيش لنأكل؟

إذا كنا ندفع كل هذه الأموال لطعام يُسكب الكثير منه إلى القمامة، من دون تأنيب ضمير، فهل تجدنا مستعدين لشراء ثلاثة كتب بثمن وجبة طعام واحدة، أو عشرة كتب بثمن مشاركة في ليلة عرس واحدة؟

هل نستطيع أن نحضر مسرحية أو عرضًا موسيقيًا راقيا وندفع ثمن بطاقة الدخول الذي لا يتجاوز ثمن وجبة متوسطة؟ هل نلبّي دعوة مجانية مع ضيافة للقاء ثقافي أو سياسي أو اجتماعي في مكان ما؟ وكم عدد الذين يلبّون دعوات معارض الرسم وإشهار الكتب؟ وكم عدد أعضاء نوادي القراءة مجتمعين في بلادنا!

حقا، هل نحن شعب يأكل ليعيش أم عايش ليأكل؟

 

التعليقات