20/07/2018 - 11:11

شعبوية في مواجهة فاشية

كيف بمقدورنا أن نواجه الفاشية والعنصرية بخطاب وعنتريات شعبوية؟ هل نواجه شعبوية اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو بشعبوية عربية، مع فارق هام أن شعبوية اليمين لها رؤية وبوصلة وتعرف ماذا تريد والأهم أنها تحكم؟

شعبوية في مواجهة فاشية

تدّعي السطور التالية أن حالة الجزر في العمل الوطني الجماهيري ناتجة عن انحراف المنظومة الأخلاقية الضابطة للعمل السياسي، والتي يمكن اختزالها بتحول الفهلوية الفردية إلى حالة طاغية ونموذج للتقليد، أي تحول الخطاب السياسي إلى خطاب شعبوي قولًا وممارسة. وهنا مربط الفرس: عطبٌ أخلاقي شوّه العمل السياسي لتحل الشعبوية والافتراضية محل العمل الوطني في الميدان. 

وهذا الانحراف ستلمس الأحزاب قاطبة آثاره في الانتخابات البلدية القادمة. وسيتبيّن لهذه الأحزاب، بأنها بدل تخليص الناس من هيمنة العائلية، تورطت هي بالعائلية، وسوف تدفع ثمن ذلك لأنها خانت رسالتها التنويرية وخيبت آمال أجيال شابة ترفض الخضوع للعائلية، الذي هو شكل من أشكال انحراف المنظومة الأخلاقية والتحول نحو الشعبوية.

وليست مشاهد بعض النواب في احتفال تحرير الطفل كريم جمهور من قلنسوة، وحضورهم المثير للسخرية، إلا انعكاسًا للعطب في أخلاق العمل السياسي وتعزيزًا للشعبوية. فهي لم تكن منافسة على قلوب وعقول الجماهير، بل استهبال واستحمار للناس باعتبارهم رعاعا عطشى للإثارة والدماء.

قبل عقدٍ مثلًا، لم تكن الشعبوية مهيمنة، بل كانت حالة فردية اقتصرت على البهلوانية والفهلوة، لكنها اليوم صارت نموذجًا يحتذى به، بعد أن قصّرت منصات التواصل الاجتماعي، فيسبوك وغيرها، المسافة بين السياسة والشعبوية، وإن كان في السابق الرصيد السياسي بموقف الشخص المبدئي والتحامه مع قضايا الناس في الميدان والمرجعية الحزبية، صارت اليوم الممارسات الشعبوية هي المتحكمة، من خلال خطابات فارغة في الهيئة العامة للكنيست تدغدغ مشاعر الناس وتحصد اللايكات، لكن تتجاهل عقولهم.

الشعبويّة أخت الفاشيّة. ومناسبة هذا الكلام هو أنّ فشل النواب العرب في الكنيست (في القائمة المشتركة والأحزاب الصهيونيّة) في إحباط قانون القومية وغيره من القوانين المعادية للديمقراطية والعرب، رغم حديث بعضهم المتكرر عن "ديل" مع الحريديّين، يؤكد أن الأداء السياسي للقائمة المشتركة تحديداً (ولجنة المتابعة أيضاً)، فشل بعدما طغت عليه الشعبوية والفئوية، على الرغم من أنه المفترض أن معظم نواب القائمة ليسوا شعبويين.

وهذا يستدعي السؤال: كيف بمقدورنا أن نواجه الفاشية والعنصرية بخطاب وعنتريات شعبوية؟ هل نواجه شعبوية اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو بشعبوية عربية، مع فارق هام أن شعبوية اليمين لها رؤية وبوصلة وتعرف ماذا تريد والأهم أنها تحكم؟

ومخاطر الشعبوية لا تقف عند حد القائمة المشتركة، بل تتغلغل في الأحزاب ولجنة المتابعة. فإن كانت الشعبوية ناتجة ومسببة في الآن معاً لانحراف في المنظومة الأخلاقية الضابطة للعمل السياسي، فإن ذلك يترافق مع إنكار العجز وتضخم الذات في الصفوف الأمامية للأحزاب، الأمر الذي حوّل العمل السياسي إلى "مخترة موديرن"، ووأد إمكانية ظهور قيادات شابة لها امتدادات شعبية ولديها القدرة على إعادة ضبط المنظومة الأخلاقية المنحرفة.

لذلك، اقتصرت مواجهة قانون القومية على ممارسات شعبوية وتضليل، على الرغم من أن القانون يصادر كل فلسطين ويحصر شرعية الوجود فيها لليهود فقط. فمثلا، لماذا خرج عشرات الآلاف في البلدات العربية في يوم الأرض في العام ١٩٧٦ احتجاجًا على مصادرة عشرات آلاف الدونمات في البطوف، وقادت هذه الاحتجاجات قيادات وطنية ملتحمة بالناس، بينما القانون الذي يصادر فلسطين يواجه بتمزيق أوراق وصراخ غير مفهوم. قد تكون المقاربة بين مصادرة أراضي البطوف في يوم الأرض ومصادرة فلسطين في قانون القومية ليست بديهية بالنسبة للناس العاديين، لكن كان من المفترض أن تكون بديهية للقيادات الوطنية. 

والتسليم بأن حكومة نتنياهو قادرة على فعل كل شيء نتيجة الدعم الأميركي المفتوح والانهيارات العربية في المحيط، هو انعكاس لحالة إنكار العجز وتضخم الذات واستصغار الناس وقدرتهم على حرف مسار السياسة. هل كان سيشرع قانون القومية مثلا لو دأبت القائمة المشتركة ولجنة المتابعة على الحشد الشعبي وتنظيم تظاهرات كبيرة في الناصرة وسخنين وتل أبيب والقدس ورام الله وغزة؟ ألم تكن صور عشرات آلاف المتظاهرين لتردع اليمين من التمادي في مشروعه لحسم الصراع في فلسطين من خلال تشريعات قانونية؟

أثبت قانون القومية أن الموضوع ليس توحش إسرائيل نتنياهو فقط، ولا انعدام المشروع السياسي الواضح لدى القائمة المشتركة ولجنة المتابعة والأحزاب لمواجهة الفاشية والعنصرية، ولا انعدام الإيمان بالقدرات الذاتية لنا كشعب، بل عطب عميق في أخلاق عملنا السياسي، وإصلاح هذا العطب لا يكون بمحاولة ردم الفجوة بين الناس والأحزاب من خلال الشعبوية، بل بتجديد الطاقات بالأحزاب أساسًا والعمل اليومي المتواضع لكن المثابر لبناء جبهة وطنية  ذات رسالة بمقدورها أن تقود النضال في المرحلة المقبلة. 

في المجتمعات الطبيعية تكون الشعبوية مؤشرًا إلى توجهات فاشية، ولكن في مجتمعنا تكون الشعبوية مؤشرًا إلى توجهات إجرامية، لأن الشعبوي لا قاع له.

الشعبوية تعبير عن أزمة العمل السياسي والوطني، وفشل الأحزاب في إفراز قيادات جديدة لديها قدرة عالية على مخاطبة الناس بعقلانية (وليس تقديم تحليلات للسياسة الإسرائيلية) وثقة بالنفس (ليس جعجعة وزعبرة) وإيمان بالطريق. ومهمة القضاء على الشعبوية لن تكون إلا مسؤولية الأحزاب ومعها المثقفون والباحثون والصحافيّون، الذين مِن بينهم، أيضًا، من انزلقَ إلى حالات شعبوية مثيرة للشفقة.

اقرأ/ي أيضًا | احتواء وإقصاء...

تبدو مهمتنا مزدوجة: وضع برنامج عمل وطني شامل لمواجهة إسرائيل نتنياهو، وإعادة تنظيف عملنا السياسي والوطني من مظاهر الفساد وأولها الشعبوية، ودون ذلك، سيبقى نضالنا منتهي الصلاحية.

التعليقات