15/05/2016 - 14:40

أحمر بالخط العريض: ما الذي تريدونه منّا؟

والسؤال الموجه الآن هل سقف حريّة التعبير المرتفع الذي يتمتّع به البرنامج، في استضافته قضايا حساسة كتلك (في سويسرا، تقول رويترز، إن سيّدة سجنت لأنها أرضعت نجلها البالغ من العمر 6 أعوام، للمفارقة، بعد بث حلقة أحمر بالخط العريض بيومين)، يمكن

أحمر بالخط العريض: ما الذي تريدونه منّا؟

من البرنامج (تصوير شاشة)

بعد الجدل الذي أثارته الحلقة الأخيرة من برنامج 'أحمر بالخط العريض' المعروض على قناة إل بي سي آي، والتي تطرّقت إلى موضوع البنات، وتربيتهنّ، يحق لنا أن نتساءَل ما الذي يريده البرنامج منّا؟

حيث دأب مقدّم البرنامج الشاب، مالك مكتبي، على استضافة حالات لا يمكن وصفها إلا بـ'المتطرّفة' لناحيّة القضيّة التي يطرحها في حلقاته، التي عادة ما تعالج أمورًا 'حمراءَ بالخط العريض'، ينشغل الرأي العام اللبناني والعربي بعدها تحليلًا لمضمونها و'تشييرًا' (مشاركة) لفيديوهاتها، التي يحضّرها طاقم البرنامج نفسه لرفعها على صفحة البرنامج في مواقع التواصل الاجتماعي، تزامنًا مع عرضها على القناة، أو بعد ذلك بفترة وجيزة.

وبالعودة إلى موضوع الحلقة الأخيرة، يستضيف مكتبي في ستوديو البرنامج سيّدةً اسمها منى، تتحدّث عن كرهها للبنات، بناتها تحديدًا، حيث أن البنات 'آخرتُن للبيت والمطبخ'، وفق ما تقول منى، بالطبع، مقابل حبّها لأبنائها التوأم، وفق ذرائع واهيّة، لا يناقش أحد في أنها تحفظ ما تقول ولا تعيه وأنه عُبِّئَ في رأسها منذ نعومه أظفارها، حيث أنها لا تقّدم حججًا منطقيّة مثلًا؛ إلّا أن مالك مكتبي يبدأ في نقاشها من فوره، بانفعال واضح، يبدو أنه مقصود، وكأنه يناقش رسالة دكتوراه في الجامعة، أو قضيّة مصيريّة تهزّ الأوساط اللبنانيّة (كعدم وجود رئيس في لبنان منذ عامين).

أنا لا أنكر أننا بحاجة لنقاش هذه الأفكار، التي أستغرب وجودَها أصلًا بيننا ولست حسّاسًا لنقاشها ودحض تلك الادعاءات كافّة، بيد أن النقاش الحاد، يتوجّب أن يكون مع فعاليّات المجتمع المدني والدولة اللبنانيّة والوزارات المختصّة حول الدور المنوط بها تجاه هذه القضايا، التي يتوجّب أن لا يكون لها مكان في عصرنا الحديث، وعمّا فعلته وعن خططها للعقد المقبل، وعن رؤيتها لرفع نسب الإناث الحاصلات على لقب أول أو ثانٍ أو ثالث، لا مع سيّدة لا تملك قدرة على النقاش وتعود على حديثها تكرارًا، مرتبكة على الهواء، مقابل مذيع متمرّس، قدّم عشرات الحلقات المسجّلة والمباشرة، وربّما مرّ بمساقات تجهزه للنقاش وبمصطلحات من أنهى دراسة جامعيّة.

قد يبدو الموضوع الذي يقدّمه المذيع جديرًا بالمتابعة، صحيح، لكن إذا ما قورن بمواضيع أخرى قدّمها البرنامج مسبقًا، كالأم التي ترضع ابنها بعدما قارب عمره العشرين عامًا، حيث يعطيها المذيع منبرًا تتحدّث منه للرأي العام وتخاطبه، وسط إهمال تام للنسبة التي تمثّلها السيّدة من اللبنانيين والعرب، والأهم، ما الذي سيربحه المجتمع اللبناني والسيّدة نفسها بعد انتهاء الحلقة؟ ولماذا الإصرار على استضافة هذه الحالات الشاذّة في مجتمعها؟ إن كان الهدف هو الـrating، فهنالك الكثير من المواضيع التي أجزم أنها ستهمّ الرأي العام اللبناني وستثير في همّة العمل لا الاشمئزاز، مثل تأثير أزمة النفايات على المياه الجوفية اللبنانيّة وما الأمراض التي يسبّبها تكدّسها على أطراف المدن والقرى والضيع اللبنانيّة دون رقيب؟ أو أن يناقش المذيع، مثلًا، تأثير الأزمة السياسية الراهنة في لبنان على جيب كل مواطن لبناني، وما يعنيه غياب الأمن جرّاء تدخل شطر لبناني وانخراطه في الحرب السوريّة، في ظل نأي لبنان الدولة عن ذلك، وما تلاه من تراجع للسياحة مقابل تعاظم ثروات السياسيين اللبنانيّين، أو عمّا تحمله العقوبات الأميركيّة على المصارف اللبنانيّة من أثقال ماديّة على جيوب المواطن العادي.

والسؤال الموجه الآن هل سقف حريّة التعبير المرتفع الذي يتمتّع به البرنامج، في استضافته قضايا حساسة كتلك (في سويسرا، تقول رويترز، إن سيّدة سجنت لأنها أرضعت نجلها البالغ من العمر 6 أعوام، للمفارقة، بعد بث حلقة أحمر بالخط العريض بيومين)، يمكن أن يتمتّع بها برنامج يناقش القضايا السياسيّة الحساسّة في البلد، دون خلفية طائفية أو انقسام بين قطبي السياسة المتنازعين الثامن والرابع عشر من آذار؟

عندها، وفقط عندها، ستظهر قدرة المذيع المنمّق على النقاش والمحاججة ودحض أفكار خصومه من سياسيّين وخبراء مال ورجال علم، لا من خلال نقاشه مع سيّدات، هنّ في الغالب الأعم، لا يفقهن من القراءة والكتابة شيئًا، فصحيح أنني لم أتعلم الإعلام، إلا أنني أنتمي لمؤسسة صحفيّة علّمتني، منذ اليوم الأول لعملي، أن الصحافي الناجح والذكي هو الذي يتعامل مع جمهوره وقرّائه (ومشاهديه في هذه الحالة) بذكاء لا بسطحيّة.

اقرأ/ي أيضًا | #أوقفوا_أحمد_آدم: البلياتشو التافه السمج

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، إلى متى سيستمر اللبنانيّون والعرب في مشاهدة هذا البرنامج؟ خصوصًا أنها ليست المرّة الأولى التي تقدّم فيها وسائل الإعلام اللبنانية برامجَ تثير نسب عالية من المشاهدة، كان أشهرها برنامج 'سيرة وانفتحت' مع زافين على المستقبل، وقد يكون عدم معرفتي إن كان البرنامج مستمرًا حتى الآن أم تم إيقافه، أفضل مثال على أن المشاهد يمل من التكرار حتّى من تلك القضايا 'المثيرة'.


>> أحمر بالخط العريض

تقديم: مالك مكتبي

إخراج: إيلي أبي عاد

الأربعاء من كل أسبوع | 20:45 | إل بي سي آي | إل دي سي

التعليقات