09/09/2016 - 10:50

"سيلفي والطلاب خلفي" يهز الجزائر

"لم يفتح التحقيق لأنها قالت إن العربية لغة أهل الجنة كما روج البعض الذين يستمدون أخبارهم من مواقع التواصل الاجتماعي، التحقيق فتحناه لأنها خالفت اللوائح التنظيمية الداخلية، حيث يمنع التصوير داخل الأقسام”.

أثار فيديو سيلفي صورته معلمة جزائرية مع تلاميذها بمناسبة بداية العام الدراسي، تحدثت فيه عن اللغة العربية والتربية الخلقية وفتحت وزارة التعليم تحقيقا حوله، جدلا واسعا في البلاد التي تعيش منذ أشهر نقاشا حادا حول ملف الهوية في قطاع التربية بسبب إصلاحات أدخلت على المناهج.

لم تكن صباح بورداس، المعلمة بالمرحلة الابتدائية بمحافظة باتنة (450 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائر) تتوقع أن فيديو سيلفي مع تلاميذها بمناسبة بدء العام الدارسي الأحد الماضي، نشرته على الإنترنت سيتحول إلى أكثر القضايا تداولا على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في البلاد.

وتظهر المعلمة في الفيديو وهي تلقن تلاميذها وهم يرددون معها "العربية أغنى لغات العالم ولغة أهل الجنة وهذا العام سيكون لساني عربيا إلى جانب مفاهيم في التربية الخلقية مثل المحبة والوفاء والصدق”.

وبعد تداول الفيديو، قالت وزيرة التعليم نورية بن غبريط، الثلاثاء الماضي في مؤتمر صحفي: "قررت فتح تحقيقا في القضية لانتهاك هذه المعلمة لخصوصية التلاميذ وعدم التزامها بقانون يمنع التصوير داخل الأقسام (الفصول)”.

وأطلق هذا القرار شرارة موجة تضامن واسعة مع هذه المعلمة على شبكات التواصل الاجتماعي، في شكل وسوم مختلفة منها، "كلنا مع الأستاذة صباح"، و"متضامون مع صباح"، فيما بادر معلمون إلى نشر صور سيلفي مع تلاميذهم داخل الأقسام تضامنا مع زميلتهم.

وقالت المعلمة صاحبة الفيديو لوسائل إعلام محلية أمس الأول، الأربعاء: "أنا صدمت للغط الذي أحدثه هذا الفيديو وفتح تحقيق حوله كون رسالتي كانت نبيلة وربما خطئي الوحيد هو التصوير داخل القسم كما أتبرأ من كل التأويلات التي ذهب إليها البعض بشأنه”.

وتقصد بورداس بالتأويلات الزج بقضيتها في قلب نقاش بشأن إصلاحات في قطاع التعليم شرع في تطبيقها هذا العام، يقول معارضوها إنها تشكل تهديدا للهوية العربية الإسلامية للمدرسة الجزائرية، فيما تؤكد الوزارة أنها لتحسين المستوى.

وأدخلت وزارة التعليم الجزائرية هذ العام تعديلات على مناهج التعليم في الطور الأول (التعليم الأساسي) وهي تخص تقليص حجم مواد العلوم الإنسانية مقابل زيادة المواد العلمية وتقول الوزارة إنها بهدف رفع مستوى التلاميذ.

وتستعد الوزارة لعرض مشروع لإصلاح التعليم الثانوي أمام مجلس الوزراء لإصلاح البكالوريا (الثانوية العامة)، تقول معلومات مسربة إنه يتضمن استعمال الفرنسية كلغة للمواد العلمية بدل العربية وتقليص معاملات مواد مثل التربية الإسلامية والعربية والتاريخ.

وقال مسعود بوديبة، الناطق باسم نقابة مجلس مستخدمي التعليم (مستقل) لوكالة الأناضول: "نستنكر إثارة مثل هذا الموضوع الهامشي من قبل الوزارة في وقت هناك مشاكل كبيرة يعيشها قطاع التعليم تم تجاهلها”.

وتابع: "أصل المشكلة أن الوزارة لم تقم ببرمجة تكوين (لوائح أو تعليمات) خاص للأساتذة والمعلمين الجدد حول القوانين التي تحكم القطاع لمنع حدوث مثل هذه الأخطاء التي تريد التحقيق فيها”.

وكتبت نورة خربوش، النائبة بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائر) عن حركة مجتمع السلم (إسلامي) تعليقا على القضية على صفحتها على "فيسبوك"، متسائلة: "لماذا فتح تحقيق لأجل فيديو من دقيقتين لمعلمة مع تلاميذها في أول يوم من الدخول المدرسي تقول فيه إن العربية لغة أهل الجنة، في حين أن هناك فضائح كثيرة تملأ سماء وأرض قطاع التعليم وبقية القطاعات؟”.

وتلتقي أغلب تعليقات المتضامين مع هذه المعلمة على مواقع التواصل الاجتماعي في أن سبب فتح تحقيق معها هو إشادتها باللغة العربية ودفاعها عنها.

من جهتها، قالت وزير التعليم نورية بن غبريط، أمس الخميس، في حوار مع صحيفة "الحوار" الجزائرية (خاصة): "لم يفتح التحقيق لأنها قالت إن العربية لغة أهل الجنة كما روج البعض الذين يستمدون أخبارهم من مواقع التواصل الاجتماعي، التحقيق فتحناه لأنها خالفت اللوائح التنظيمية الداخلية، حيث يمنع التصوير داخل الأقسام”.

وتابعت: "ليس لدي أي مشكلة مع اللغة العربية ولا مع الأستاذة صاحبة الفيديو، للأسف لا يزال الكثير يصطاد في الماء العكر”.

ويرى عبد القادر فضيل مسؤول التعليم الأساسي (المرحلة الأولى في التعليم بالجزائر تليها التعليم المتوسط ثم الثانوي ثم الجامعي) في وزارة التعليم الجزئرية سابقا: "يبدو أن الوزارة بفتحها تحقيقا ضخمت القضية وجعلت من الحبة قبة (في إشارة إلى تضخيم الموضوع)”.

وتابع في تصريح للأناضول: "قد يكون التصوير داخل الأقسام ممنوعا لكن اعتقد أن الجدل الحاصل حول نية الوزيرة تطبيق إصلاحات جديدة تهمش العربية والتربية الإسلامية وحتى التاريخ هو ما أحدث هذا الصخب وجعل قضية المعلمة تأخد بعدا آخر ويتبنى المدافعون عن هوية المدرسة قضيتها”.

الحادثة ذاتها كانت مادة لكتاب أعمدة في صحف جزائرية بين منتقد للوزيرة ومؤيد لها.

وجاء في العمود الافتتاحي لصحيفة "الشروق"، أمس الخميس، أنه "لا ريب أن ما أثار حفيظة الوزيرة نورية بن غبريط في فيديو المعلمة صباح بورداس هو حديثها عن اللغة العربية باعتبارها لغة التعبير في المدرسة، وإيحاءاتها إلى ضرورة تعزيز مكانة التربية الإسلامية في المنظومة التربوية”.

وتابع: "الوزيرة فهمت أن المقصود بـالعربية لغة التعبير في المدرسة التي جاءت في الفيديو هو رفض إصلاحاتها المزعومة التي ترمي إلى فرْنسة قطاع التعليم”.

أما الروائي الجزائري الشهير رشيد بوجدرة فكتب مقالة رأي في موقع "كل شيء عن الجزائر" الناطق بالفرنسية يعلن فيها دعمه لوزيرة التعليم.

وخاطب الوزيرة قائلا: "هذه الحملة تعني أنك ستنجحين (في إصلاحاتها) رغم الانتقادات والشتائم والتهم السياسية الباطلة والأشخاص الذين ينتقدونك هم أشخاص يحبون الجمود”.

وقال سمير القصوري عضو المكتب المسير للمنظمة الجزائرية لأولياء التلاميذ (غير حكومية) للأناضول: "هذه القضية كانت ستمر مرور الكرام غير أن وزيرة التربية أعطتها بعدا آخر بإعلان فتح تحقيق حولها بشكل جعلها محلا للتأويلات”.

وتابع: "من الناحية القانونية، فالوزارة تؤكد أن هناك انتهاك لخصوصية التلاميذ بتصويرهم فالتصوير يقوم به مسؤولون في الوزارة سابقا وليس جديدا فضلا عن أن التلاميذ وأولياؤهم راضون عن ذلك ولم ينتقدوا المعلمة على ذلك وبالتالي فالأمر فيه مزايدة”.

وحسب نفس المتحدث: "من الناحية البيداغوجية هذا الفيديو الذي قامت به المعلمة نثمنه كونه عامل تحفيز للتلاميذ حول طريقة جديدة للتعلم عن طريق الإلقاء بل ونطالب كل المعلمين والأساتذة بتقليدها “.

من جهته، قال قويدر يحياوي، الناطق باسم نقابة عمال التربية (مستقلة) للأناضول: "وزيرة التربية أعطت هذه القضية أكبر من حجمها بفتح تحقيق في فيديو عادي لا يخدش الحياء وليس فيه تشهير والقانون لايمنع ذلك بصراحة لأنه لا يمس الأخلاق”.

وتابع: "كانت هناك فيديوهات وصور سابقا حول الرقص في المؤسسات التعليمية التزمت الوزارة حولها الصمت فلماذا تحقق في هذا الموضوع الآن؟ ..يبدو أن الأمر مقصود لإلهاء الرأي عن المشاكل الحقيقية لقطاع التعليم".

اقرأ/ي أيضًا| مجلة صينية تعتذر للبريطانيين عن إرشاداتها العنصرية

ويقول نقابيون إن قطاع التعليم يشهد مشاكل كثيرة مثل اكتظاظ الفصول وغياب النقل المدرسي والمطاعم داخل المؤسسات التعليمية فضلا عن نقص تأهيل الأساتذة حول المناهج الجديدة.

التعليقات