04/10/2017 - 17:46

في حضرة الجثمان: حين أعلنت "فرانس برس" أن غيفارا مات

نعيد نشر، في ما يلي، التقرير الذي أعده أوتن، ونشر في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1967. في تغطية خاصة للحدث التاريخي قبل خمسين عاما كما رواه الصحافي الذي توفي في العام 2012.

في حضرة الجثمان: حين أعلنت

(أ ف ب)

سُجي جثمان المناضل الأرجنتيني أرنستو "تشي" غيفارا، أمام صحافيين في مشرحة ميدانية في فالي غراندي بجنوب بوليفيا، آخر محطاته النضالية، لتتطفل عدسات الكاميرات وينال وميضها من جسد المقاتل المرهق الملقى على سطح مهمل، وذلك في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1967.

وكان الصحافي في وكالة "فرانس برس"، مارك أوتن، حينها، بين الصحافيين الحاضرين، وجابت الصور الملونة التي التقطها لجثمان رفيق سلاح الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، العالم.

وأكد الجيش البوليفي أن "تشي" مات متأثرا بجروحه، التي أصيب بها في تاريخ 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته، لكن تبين لاحقا أنه تم إعدامه.

نعيد نشر، في ما يلي، التقرير الذي أعده أوتن، ونشر في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1967. في تغطية خاصة للحدث التاريخي قبل خمسين عاما كما رواه الصحافي الذي توفي في العام 2012.

أمام جثمان "رامون"

فالي غراندي (بوليفيا)، 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1967 - عاينت بالأمس الجثمان المخترق بالرصاص لمحارب يطلق عليه اسم "رامون"، الاسم الحربي لأرنستو "تشي" غيفارا.

كنا نحو ثلاثين صحافيا من بيننا ثلاثة مراسلين أجانب فقط، توجهنا إلى فالي غراندي، البلدة الهادئة في يوم حار جدا من قيظ جنوب بوليفيا للتأكد من مقتل أحد أشهر الثوار في العالم.

وحطت طائرة "داكوتا" التي انطلقت من مطار لاباز الواقع على ارتفاع 4100 متر في فالي غراندي. عند أحد أطراف البلدة التي خلت شوارعها من الحركة في فترة القيلولة، كان ضباط وبعض الجنود المسلحين في انتظارنا داخل اسطبل سابق تم تحويله إلى مشرحة ميدانية.

هناك رقد جثمان رجل ملتح شعره طويل يرتدي فقط سروالا أخضر داكنا على نقالة وضعت على طاولة مجلى من الإسمنت. وفاحت رائحة "الفورمالديهايد" الحافظة فوق الجثة التي اخترقها الرصاص، بينما ألقيت جثتان أخريان تحتها على الأرض.

وراح الضباط المكلفون بتبديد أي اعتراض حول هوية "رامون"، يلفتون بإصرار إلى أوجه الشبه الكاملة بين الجثة والمحارب الشهير، مشددين على عدم وجود أي شك. فالبصمات مطابقة لبصمات غيفارا.

وقال قائد الكتيبة الثانية العاملة في القطاع، الكولونيل أرنالدو سوسيدو، إن "رامون" أصيب بجروح مميتة خلال معركة الأحد الماضي، على بعد بضعة كيلومترات من لاهيغيرا بالقرب من فالي غراندي. وتوفي متأثرا بجروحه في الساعات الأولى من يوم الإثنين، موضحا "لم يتم الإجهاز عليه".

صدمة وعدم التصديق

قال القائد الأعلى للقوات المسلحة البوليفية، الجنرال ألفريدو أوفاندو، إن غيفارا همس للجنود الذين أسروه "أنا تشي غيفارا ولقد فشلت". لكن الكولونيل سوسيدو كان قد أكد في وقت سابق في مؤتمر صحافي أن "رامون" لم يستعد وعيه في أي وقت.

وساد شعور بالصدمة بين الصحافيين المنتشرين حول المشرحة والمصورين ومصوري الفيديو، ونوع من عدم التصديق. لكن الخطأ حول الهوية بدا مستحيلا.

وقال لي زميل بوليفي "فالي غراندي دخلت التاريخ الثوري لأميركا الجنوبية (...)".

وأكد الكولونيل سوسيدو، خلال مؤتمر صحافي، بعد عرض الجثث، أنه لم يتبق سوى تسعة محاربين في كامل جنوب شرق بوليفيا، وأنه تم القضاء على كل مواقع الثوار. ووقف سوسيدو، ذو الشارب الأسود والقوي البنية، تحت صورة دينية معلقة على أحد جدران قاعة الفندق التي اجتمعنا داخلها.

وحضر عسكري أميركي المؤتمر. لم يكن يضع أي شارة، لكن هيئته ولباسه كانا كافيين لإزالة أي شكوك حول جنسيته. حاولت أن أطرح عليه سؤالا بالإنجليزية، لكنه التفت إلى جندي بوليفي وسأله بالإسبانية عما أريد وقال لي "نو كومبريندو" (لا أفهم، بالإسبانية) قبل أن يغادر المكان.

وعندما سألت الكولونيل سوسيدو أجاب بـ"نعم، إنه عسكري أميركي، مدرِّب من مركز سانتا كروز. لقد حضر هنا بصفته مراقبا، إذ لا يشارك أي عنصر من، القبعات الخضر، في العمليات العسكرية في بوليفيا".

ترك مفكرة

ونشرت السلطات في فالي غراندي قائمة بأسماء 33 مقاتلا من بينهم نحو 12 كوبيا قتلوا منذ بدء العملية العسكرية في 23 آذار/ مارس.

وأكد أوفاندو في إعلان أثار استغرابا، أن عديد القوات البوليفية التي تقوم بالعمليات لم يتجاوز أبدا 60 شخصا.

وقال أوفاندو "انتهت مغامرة الثورة، كما يجب أن تنتهي أي مغامرة متهورة. وفشلها مرده غياب أي دعم شعبي وساحة المعركة غير المؤاتية التي تم اختيارها". وأضاف "سندفن غيفارا هنا في فالي غراندي".

وقتل المحارب "رامون" في واد ضيق بعد معركة ضارية ومن على مسافة قريبة. فقد أطلقت الرصاصات التسع التي أصابته من على بعد 50 مترا.

وترك يوميات مدونة على مفكرة ألمانية الصنع لا يترك الخط فيها مجالا للشك حول هوية الكاتب، ومؤرخة بين 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1966 و7 تشرين الأول/ أكتوبر 1967، أي 11 شهرا بالتمام.

وتضمنت المفكرة جملة كانت "قاضية" لريجيس دوبري، إذ كشفت أنه "كُلف بمهمة خاصة لحساب الثورة (...)".

 

التعليقات