18/10/2021 - 00:15

تحطيم "الأسود" في رام الله: اضطراب العلاقة مع مكونات المجال العامّ

أوقفت الشرطة الفلسطينية، الأحد، مواطنا قام بتحطيم أجزاء من تماثيل "الأسود" في ميدان المنارة وسط رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لتعلن في وقت لاحق، أنه "قام بفعلته تحت تأثير اضطراب نفسي". لكن الحادثة أثارت تفاعلا واسعا في موقع التواصل الاجتماعيّ

تحطيم

التمثال بعد أن تمّ تحطيم جزء منه (الأناضول)

أوقفت الشرطة الفلسطينية، الأحد، مواطنا قام بتحطيم أجزاء من تماثيل "الأسود" في ميدان المنارة وسط رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لتعلن في وقت لاحق، أنه "قام بفعلته تحت تأثير اضطراب نفسيّ". لكن الحادثة أثارت تفاعلا واسعا في موقع التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك".

وقال الناطق باسم الشرطة لؤي ارزيقات، في بيان، إن مواطنا حطم أجزاء من أسدين صغيرين في ميدان المنارة. وأضاف: "على الفور قامت قوة من الشرطة بالقبض على المعتدي، ومنعته من تحطيم بقية الأسود".

وذكر أنه "تم التحفظ على الشخص من أجل استكمال الإجراءات القانونية وإحالته إلى النيابة العامة".

ولاحقا، ذكر ارزيقات في بيان آخر، أن "الشرطة أحضرته لمديرية محافظة رام الله والبيرة، وبدأت إدارة المباحث العامة إجراءات البحث والتحري، وتوصلت إلى أن الشخص متعاطٍ للمخدرات وفقا لإفادات شقيقه منذ عدة سنوات وصادر بحقه أمر حبس لعدم دفع دين".

وأضاف ارزيقات أنه "تم الاستعانة برئيس وحدة الطب النفسي في وزارة الصحة، الدكتورة سماح جبر لإجراء الكشف الطبي على الشخص، وأفادت بعد الكشف بأنه يعاني من اضطرابات نفسية وبحاجة للعلاج وقام بفعلته تحت تأثير اضطراب نفسي".

وأوضح أن "الأجهزة الأمنية قبضت على الشخص الذي قام بالتحريض على التعدي على التماثيل، وتم توقيفه مع الشخص المعتدي لحين إحالتهما للنيابة العامة لاتخاذ المقتضى القانوني بحقهما".

وأظهر مقطع فيديو متناقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي مواطنا يحمل مطرقة ويحطم بها أجزاء من التماثيل، وسط تنديد من المارة، قبل اعتراضه واعتقاله من قِبل عناصر الشرطة.

كما سُمِع في خلفية المقطع صوت لشخص يقول إنه "لا يعبد الأصنام"، في إشارة إلى التماثيل، وصوت لشخص آخر يحرض على التحطيم، قائلا "اضرب الكبير (التمثال الأكبر حجما)".

ويعدّ ميدان المنارة أشهر ميادين رام الله، ويتزين بخمسة تماثيل من الأسود، وخلف أحدها ثلاثة أشبال. وترمز الأسود الخمسة إلى أبناء مؤسس رام الله راشد الحدادين، بحسب ما ذكر موقع بلدية رام الله.

وقال الكاتب عبّاد يحيى في منشور عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إنه "من الواضح أن هناك خوفا كبيرا على شيء في رام الله يجعل رد فعل كثيرين على حادث عابر، مشحونا بكل عبارات القلق والرثاء والحسرة، أو بنبرة خطابية حادة، تعكس حديتها ضعفا بدل الثقة".

وذكر يحيى أنه إذا "كانت رام الله تمثل تنوعا وتعددا وفرادة في نسيجها الاجتماعي فإن الخوف الكبير يشير إلى أن ما يتهددها أكبر بكثير من حادثة اليوم"، مشيرا إلى أنه "من المفيد نقاش هذا ’الخوف/ القلق’ بمعزل عن الحادث، الذي يسهل القول إنه فعل شخص واحد مضطرب نفسيا أو فعل ما فعل تحت تأثير عرضي".

وأضاف: "قبل سنوات قلع رأس تمثال لعبد القادر الحسيني في بيرزيت، وأعيد بناؤه بتكوين أمتن وأقل جمالية، وفي غزة تعرض نصب الجندي المجهول لتشويهات عدة وبفعل عنيف"، مشددا على أنّ "العلاقة مع مكونات المجال العام عندنا مضطربة، إما بترميز مفرط أو باغتراب واضح أو بعنف يقف الناس منه موقف المتفرج".

وذكر يحيى أن "جنبات شوارع رام الله تمتلئ بحجارة منقوشة في مواضع استشهاد شهداء المدينة، وبجولة بسيطة يمكن الوقوف على غياب رعايتها وحفظها، ما يجعلها غير مرئية في أحيان كثيرة، حتى هذه المعالم التي لا تعوزها الرمزية والمعنى تعاني ما تعاني من فقدان الحس بالعام المشترك بين الناس".

وأضاف أنه "من السهل ترميم الأشبال المهشّمة حول أحد أسود المنارة، أما العمل على ترميم العلاقة بين الناس ومجالهم العام فهو مشروع كبير قوامه تحويلهم من متفرجين إلى شركاء ذوي حق في المكان ليدافعوا عنه".

من جانبها، ذكرت الباحثة هنيدة غانم، أنه "في فيديو تحطيم تماثيل الأسود، ارتفع صوت شاب ما بين المسخرة والتشجيع -كسر الكبير (الأسد)... وبعده صوت فتاة- وين الشرطة!".

ورأت غانم أن في ذلك "تلخيص لمنظومة العنف الذكورية وفكرة النظام المتسيد بقوة الذراع، تقابله مناداة النساء للعدالة والنظام... لذلك أكرر النساء هن الأمل!".

بدوره، ذكر وزير الثقافة الفلسطيني السابق، إيهاب بسيسو في منشور أن "المشهد لم يختلف كثيرا في رام الله عن غزة عن مقاطعة باميان في أفغانستان عن الموصل في العراق وعن تدمر في البادية السورية، حين ظن البعض بأن استهداف المنحوتات الفنية أو التاريخية طريقة من طرق إظهار ’الإيمان الحداثي’ فكانت النتيجة مساهمة مقصودة في تنمية الجهل المتعمد على حساب التاريخ والهوية الحضارية والإنسانية".

وقال بسيسو إن "تدمير التماثيل بحجة أنها أصنام لا بد من إزالتها، هواية رديئة يمتزج فيها الجهل الفكري بسمِّ الوقت الذي أفرزته الحروب والصراعات وسياسات الاستعمار القديم والحديث على حد سواء من أجل محو وجود آثار الإنسان الحضارية وسرقة دلالات التاريخ من الحجارة "، مشيرا إلى أنه "قد تكون السياقات مختلفة مع كل جريمة، غير أن الهدف المزعوم واحد ’إزالة الأصنام’".

وأضاف أن "هذا التوحش الممنهج الذي يخشى من المنحوتات الفنية والتاريخية على الإنسان ويحاول تمرير ’وصاية’ مرفوضة على الفكر الانساني باعتبار الفكر الإنساني قاصر وبحاجة إلى هذا النوع من الوصاية العدمية، يجعلنا أمام معضلة قديمة متجددة تتجاوز معول الهدم الذي يظهر في الأيدي المجرمة كي تصل إلى ذهنية الإقصاء الفكري التي يريد البعض أن تكون بديلا للتعدد والاحترام المتبادل القائم على رحابة الفضاء الإنساني".

وتابع: "آليات الهدم الممنهج للإنسان في سياق محاولاته الحثيثة لحوار الطبيعة والتاريخ والخلود عبر مساهماته الفكرية والإبداعية واستبداله بالإنسان -الآلة- المشوه والممنهج كـ’روبوت’ مصنوع من اختلالات فكرية حادة، ليكون أداة قتل لا يمكن أن تنتصر، رغم خطورة ما تشكله من تحديات متواصلة عبر التاريخ".

وذكر بسيسو أن "أُسوُد دوار المنارة ليست مجرد تماثيل أو أحجارا تستدعي الهدم والإقصاء من المشهد اليومي للمدينة... أسوُد مدينة رام الله والتي تعرضت لرصاص الاحتلال الطائش في اجتياح 2002 كتمثال الجندي المجهول في غزة، والذي فجره جنود الاحتلال مع احتلال المدينة عام 1967، ثم أعيد تشييده في التسعينيات كعلامة من علامة الذاكرة الوطنية قبل أن يعاد تدميره في حزيران 2007".

وأضاف: "أحداث لا يمكن أن تضمر في الذاكرة، بل ستظل شاهدًا ضروريًا من أجل تعزيز التماسك الوطني والثقافي أمام غيلان الحكايات المتوحشة"، وتابع "ندرك تمامًا بأن الإقصاء والقصور الذهني والتوحش لن ينتصروا على روح الإنسان وفهم التاريخ والحضارة رغم المرارة المصاحبة لعمليات الهدم المأساوية".

وقال إن "أسود دوار المنارة زأرت صباح هذا اليوم (الأحد) في وجه الجهل ليمتد الصدى عبر الجغرافيا وسنوات التاريخ الطويلة كحكايات صمدت وستظل صامدة في وجه العتمة رغم فداحة الخسارة".

وشدد على أن "من يشجع أو يبرر تنفيذ هذه الجرائم لا يقل جُرمًا عمن ينفذ الجريمة ومن يصفق للجريمة مثل من يصمت على حدوث الجريمة ومن يصمت مثل الذي يُقتل ولا يدافع بالحد الأدنى عن حقه في الصراخ".

وختم بالإشارة إلى أن "المسلمين شيدوا بقصر الحمراء في غرناطة بهو الأسود أو قاعة الأسود كتحفة معمارية تمثل ساعة مائية تتشكل من اثنا عشر أسدا كجزء من عمارة القصر والحدائق؛ لم يعتبر المسلمون آنذاك أن أسود قصر الحمراء بمثابة أصنام لا بد من إزالتها ولم نسمع عن فتوى دينية في التاريخ تبيح هدم أسود قصر الحمراء، بل حرص المسلمون في الأندلس على عمارة حضارية بقيت شاهدًا على براعة الإبداع على مر العصور".

التعليقات