27/10/2021 - 12:18

كيف تتعامل خوارزميات "فيسبوك" مع اللغة العربية؟

حظر تطبيق "إنستغرام" لفترة وجيزة وسم "الأقصى"، وذلك في ذروة الهبة الشعبية الأخيرة ومع احتدام العدوان على غزة ومع تصاعد التوترات في جميع أنحاء العالم العربي في مايو أيار الماضي من هذا العام.

 كيف تتعامل خوارزميات

"فيسبوك" وتطبيقاته ( أ ب)

حظر تطبيق "إنستغرام" لفترة وجيزة وسم "الأقصى"، وذلك في ذروة الهبة الشعبية الأخيرة ومع احتدام العدوان على غزة ومع تصاعد التوترات في جميع أنحاء العالم العربي في مايو أيار الماضي من هذا العام.

واعتذرت شركة فيسبوك، التي يتبعها تطبيق "إنستغرام"، لاحقا وأوضحت أن خوارزمياتها أخطأت في اعتبار ثالث أقدس موقع في الإسلام ذراع "كتائب شهداء الأقصى" التابعة لحركة فتح.

وبالنسبة للعديد من المستخدمين الناطقين بالعربية، كان هذا مثال قوي على كيفية قيام وسائل التواصل الاجتماعي بتكميم الخطاب السياسي في المنطقة.

ويُشار إلى أن اللغة العربية من بين أكثر اللغات استخداما على "فيسبوك"، وعادة ما تصدر الشركة اعتذارات بعد عمليات إزالة محتوى بالخطأ.

وأوضحت الوثائق الداخلية المسرّبة من "فيسبوك" من خلال مهندسة البيانات السابقة في الشركة، فرانسيس هوغن أن المسألة أكثر منهجية بكثير من مجرد أخطاء بسيطة، وأن الشركة تدرك عمقها منذ سنوات، ولم تفعل شيئا لحلها.

فرانسيس هوغن - مهندسة بيانات سابقة في فيسبوك ( أ ب)
مهندسة البيانات السابقة في فيسبوك، فرانسيس هوغن ( أ ب)

ويكشف فحص الملفات أنه في أكثر المناطق اضطرابًا في العالم يتمّ نشر محتوى الإرهاب وخطاب الكراهية، وأن مثل هذه الأخطاء غير قاصرة على اللغة العربية، لأن الشركة لا تزال تفتقر إلى موظفين يتحدثون اللهجات المحلية ويفهمون السياق الثقافي. كما أنها فشلت في تطوير حلول الكترونية تمكنها من كشف المحتوى السلبي باللغات المحلية المختلفة.

وسمحت هذه الثغرات بانتشار المحتوى الإرهابي وخطاب الكراهية والتحريض، في أفغانستان وميانمار مثلا، لكن في سوريا والأراضي الفلسطينية، يقوم موقع "فيسبوك" بحظر مصطلحات وكلمات شائعة ليست ذات مدلول إرهابي أو يحضّ على كراهية.

وقال متحدث باسم شركة "فيسبوك" "للأسوشيتدبرس" إنه على مدار العامين الماضيين قامت الشركة بتعيين المزيد من الموظفين المطلعين على الثقافات واللغات المحلية، في محاولة لتجنب تلك المسألة الشائكة.

وادّعت فيسبوك إنه لا يزال أمامها المزيد من العمل للقيام به، فيما يخصّ المحتوى العربيّ، وأنها تقوم بأبحاث لفهم المشكلة بشكل أفضل وتحديد كيفية تجنبها لتحسين المحتوى.

ورغم أن هذه المشكلة تظهر أيضا في الهند وميانمار، إلا أنها تشكل تحديات خاصة في اللغة العربية، سواء للأنظمة الآلية أو البشر.

وتضمّ اللغة العربية العامية المغربية كلمات فرنسية وأمازيغية. أما العربية المصرية فتضم كلمات من أصول تركية، بينما لهجات أخرى في العالم العربي أقرب إلى لغة القرآن. وفي كثير من الحالات لا تفهم هذه اللهجات خارج موطنها.

وزاد عدد متابعو "فيسبوك" في الشرق الأوسط زيادة هائلة خلال انتفاضات الربيع العربي عام 2011، ووجدوا فيه فرصة نادرة للتعبير بحرية ومصدرًا للأخبار في منطقة تمارس فيها الحكومات ضوابط صارمة على كليهما.

لكن كل ذلك تغيّر في السنوات الأخيرة، فتمّ حذف حسابات العشرات من الصحفيين والناشطين الفلسطينيين. واختفت أرشيفات الحرب الأهلية السورية. وأصبحت المصطلحات العادية محظورة على المتحدثين باللغة العربية، ثالث أكثر اللغات استخداما على "فيسبوك" من ملايين حول العالم.

فمثلا تلقى الصحفي البارز في قطاع غزة المحاصر، حسن اصليح إشعارا من "فيسبوك" يقول "تم وقف حسابك بسبب انتهاك معايير مجتمع فيسبوك"، وذلك في ذروة حرب غزة عام 2014، بعد تصنيف منشوراته الإخبارية حول العنف بين إسرائيل وحماس على أنها انتهاكات لمعايير "فيسبوك".

حسن اصليح - غزة ( أ ب)
حسن اصليح - غزة ( أ ب)

في لحظات كان قد فقد كل ما جمعه خلال ست سنوات ذكرياته، وتقارير عن غزة، وصور لغارات جوية وقصف إسرائيلي للقطاع، والأهم من ذلك 200 ألف متابع.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يوقف فيها حسابه، بل السابعة عشرة. وتعين عليه أن يبدأ من الصفر.

تعلم اصليح الدرس: فبات يتجنب كلمات مثل "شهيد" و "أسير"، وإذا كتب عن جماعات مسلحة بات يضيف رموزا أو مسافات بين الحروف، في عمليات التفاف بات وغيره يجيدونها لخداع خوارزميات "فيسبوك".

من ذلك استخدام كتابة عربية يعود عمرها لقرون لا تستخدم النقاط او الهمزات التي تساعد على التمييز بين الأحرف المتشابهة. إلا أن اصليح يعتقد أنه تم حظره لمجرد قيامه بعمله كمراسل في غزة، ينشر صور المتظاهرين الفلسطينيين المصابين، والأمهات يبكين أبناءهن، وتصريحات من حركة حماس.

وجاء في إحدى وثائق "فيسبوك" أن الوضع الحالي "يحدّ من مشاركة المستخدمين العرب في الخطاب السياسي، مما يعيق حقهم في حرية التعبير".

تضمّ القائمة السوداء لفيسبوك حركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والعديد من الجماعات الأخرى التي ينتمي لها الكثيرون في الشرق الأوسط، كما تظهر الوثائق الداخلية.

وقالت الموظفة السابقة في فيسبوك، مي المهدي التي كانت تعمل على تعديل المحتوى العربي حتى عام 2017 "إذا نشرت عن نشاط متشدّد دون إدانته بوضوح، فستعامل كما يعامل هذا النشاط ".

وأوضحت شركة "فيسبوك" إنها تسعى لتطوير سياسات الاعتدال بها من خلال خبراء مستقلين لضمان عدم انحيازهم لدين أو منطقة أو منظور سياسي أو أيديولوجي. وأضافت "نعلم أن أنظمتنا ليست مثالية".

ويقول موظفون سابقون بالشركة إن بعض الحكومات تمارس ضغوطا على الشركة، وتهدد بغرامات. فإسرائيل مثلا هي مصدر مربح لعائدات الإعلانات على "فيسبوك"، وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يوجد بها مكتب "لفيسبوك".

وتراقب أجهزة الأمن الإسرائيلية "فيسبوك" وتغرقه بآلاف الأوامر لحذف حسابات ومنشورات فلسطينية تعتبرها تحريضية.

وقال الرئيس السابق لسياسة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الشركة، أشرف زيتون، والذي غادرها عام 2017 "إنهم يهيمنون على أنظمتنا ويتغلّبون عليها، ما يؤدي لارتكاب أخطاء لصالح إسرائيل. "

وردا على ذلك قالت الشركة إنها تعامل طلبات الحكومات تماما كتلك الواردة من المنظمات الحقوقية أو غيرها.

واضافت "أي اقتراح بإزالة محتوى تحت ضغط من الحكومة الإسرائيلية فقط أمر غير دقيق على الإطلاق"

كذلك اشتكى الصحفيون والناشطون السوريون، الذين يغطون أخبار المعارضة في البلاد، من الرقابة مع قيام كتائب إلكترونية تدعم بشار الأسد بالشكوى بشكل متكرّر من محتوى المعارضة لإزالته.

وقال مراسل سابق في مركز حلب الإعلامي، رائد المعارض الذي اكتفى بذكر اسمه الأول فقط خشية الانتقام، إن "فيسبوك" أزال معظم توثيق قصف الحكومة السورية للأحياء والمستشفيات.

وأضاف "يبلغنا فيسبوك دائما أننا نخرق القواعد، لكنه لا يخبرنا ما هي القواعد".

وتقول إحدى الوثائق "في كثير من أنحاء العالم العربي، تعتمد شركة "فيسبوك" بشكل مفرط على مرشِحات الذكاء الاصطناعي التي ترتكب أخطاء.

وعندما تستعين شركة "فيسبوك" بالبشر في عمليات تعديل المحتوى فإنها تعتمد على مجموعة عاملين محليين معظمهم من المغاربة الذين يبدو أنهم يبالغون في قدراتهم اللغوية. وتقول إحدى الوثائق إنهم غالبا ما يتوهون وسط ترجمة 30 لهجة عربية مختلفة، ويشيرون إلى منشورات عربية غير مسيئة على الإطلاق على أنها محتوى إرهابي في 77% من المرّات.

ويحتلّ العراق المرتبة الأولى في المنطقة من حيث بلاغات خطاب الكراهية على "فيسبوك".

وقال ناشط في مجال حرية الصحافة من بغداد، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته خشية الانتقام "يحاول الصحفيون فضح انتهاكات حقوق الإنسان، لكن يتمّ حظرنا فورًا. نحن نفهم أن فيسبوك يحاول الحد من تأثير الميليشيات، لكن الأمر لا يسير على هذا النحو."

التعليقات