13/11/2023 - 10:20

الحرب على غزة: صحافيون عرب في مرمى الاعتداء

تلاحق مجموعات متطرفة من الإسرائيليين عددا من الصحافيين العرب الذين يقومون بتغطية الحرب على قطاع غزة، والتي اندلعت أحداثها يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

الحرب على غزة: صحافيون عرب في مرمى الاعتداء

رجل أمن إسرائيلي مسلح يهدد مراسل "العربي" في أسدود

لم تكن الخوذة ولا سترة الصحافة للزميل مراسل التلفزيون العربي، أحمد دراوشة، ولا الميكروفون الذي يحمله، ولا الكاميرا، لتسعفه من تهديد رجل أمن إسرائيلي مسلح، أثناء حديثه على الهواء مباشرة من منطقة أسدود، جنوبي البلاد، عن التطورات الميدانية على الحدود مع قطاع غزة، يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

"ماذا تبُثُّ؟" سأل رجل الأمن الذي كان بلباس مدني وقبعة كُتب عيها "أمن"، "أنا في بث مباشر" أجاب دراوشة. "ماذا يعني وإن كنت في بث مباشر؟ رد رجل الأمن بانفعال وتوتر شديدين، ثم شرع بتوجيه تهديدات وثّقت في البث الحي والمباشر، وهو يشير إلى دراوشة بأصبعه، "أتمنى أنكم تبثون أمورا جيدة، وكل حماس يجب أن نذبحهم، هل فهمتني؟ ويلكم إذا لم تبثوا الحقيقة، يا ويلكم!".

لطالما مثّلت مهنة الصحافة في فلسطين بكل مناطقها، حالة استثنائية تعدت التغطيات فيها مجرد عملٍ ووسيلة لأداء الرسالة ونقل الحقيقة، إذ تحوّلت في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، إلى مهنة مصحوبة بالمصاعب، والتهديدات، والاعتداءات في بث مباشر، وكمائن للصحافيين الذين يتعرضون للتحريض على القتل والإيذاء.

في الميدان، بات واضحا أن المعركة الإسرائيلية لا تقتصر على الجبهات المتعددة (جبهة الجنوب وجبهة الشمال) إنما على الكلمة، والصورة، والرواية، وفي هذا الجانب، جعلت الحرب على غزة الصحافيين العرب، في واجهة التحريض ومرمى الاعتداء، فسعت عناصر أمن إسرائيلية، والصحافة، والمتطرفين لتكميم أفواههم، مرة بالتهديد بالاعتقال، وأخرى بالتحريض والاعتداء.

بعيدا عن أخلاق المهنة

في العالم ككل، لطالما كانت الروايات والكلمات متضاربة بين وسائل الإعلام، إلا أن الزمالة بين الصحافيين من كل أنحاء العالم كانت تطغى، بحكم أخلاق المهنة، فالدرس الأول في المدخل إلى دراسة الإعلام، هو احترام زميلك الصحافي، مهما كانت آراؤه تخالف أفكارك، ولكن في إسرائيل ثبُت في الحرب الأخيرة، أن حتى هذا الدرس، اختُرق وانتُهك، ولم يعد قائما أساسا.

لم تتفاجأ الزميلة مراسلة قناة الميادين، الصحافية هناء محاميد، من التحريض، ولا من الاتهامات الكاذبة والمضلّلة، ولا من التهجّم العدائي نحوها، بقدر انذهالها من الحضيض الذي انحدر إليه صحافي إسرائيلي في ملاحقتها ومطاردتها، قالت في حديث لـ"عرب 48".

هناء محاميد لم تتفاجأ من التهجّم العدائي بقدر انذهالها من الحضيض الذي انحدر إليه صحافي إسرائيلي في ملاحقتها ومطاردتها

كذلك، لم تقتصر مضايقة الصحافي الإسرائيلي لمحاميد في اعتراضه طريقها إلى مركبتها، وهي محاطة بشكل استفزازي، بثلاثة أشخاص يوثقون الاعتداء عليها، إنما أطاح بها كيلٌ من الاتهامات، والأسئلة التي هي أشبه بتحقيقات من قبل عناصر المخابرات.

تروي محاميد ما تعرضت له من اعتداء من قبل من يعد نفسه "صحافيا"، وتقول "نحن لم نتعلم في كليات الصحافة أن نكون محققي استخبارات وقضاة ميدانيين للناس، بل تعلمنا كيف نصغي ونحترم ونحلّل المعلومات ونختار ما ننشره دون تعريض أي طرف لأي خطر. وأنا أتعهد على الرغم من كل ما مررت به من تحريض دموي أن أحافظ على قيمي الإنسانية، وشرف مهنتي، وقدسية الحقيقة".

"بطيبة قلب" توجهت محاميد، يوم الإثنين الماضي، بعدما تلقت اتصالا هاتفيا من شخص ادّعى أنه يعمل في البريد، وأن هناك ظرفا بريديا لم يتمكنوا من إيصاله إلى عنوانها بسبب الظروف الأمنية الراهنة، وأن عليها استلامه في فرع تابع للبريد في مدينة "كفار سابا"، توجهت لاستلام الظرف الذي قيل لها إنه قد أرسل من وزارة الداخلية الإسرائيلية. مباشرة بعد وصولها إلى داخل الفرع قامت مجموعة من الأشخاص بتطويقها حيث كان أربعة منهم يحملون كاميرات ويقومون بتصويرها والخامس كان صحافي يدعى حاييم إتغار، يعمل لدى القناة الإسرائيلية 12، هو نفسه الذي ضايق مراسل الجزيرة، الزميل الصحافي إلياس كرام، قبل أيام من ملاحقة محاميد.

بدأ إتغار بكيل الأسئلة المبطنة بتهم خطيرة، محاولا إجبارها على تقديم إجابات له حول ما ادعاه بأنها والقناة التي تعمل بها، تبث الأكاذيب وبأنها تدعم الإرهاب، على حدّ قوله.

رفضت محاميد الإجابة عن أسئلته الاستفزازية، ثم خرجت من داخل البريد محاولة الوصول إلى سيارتها، فيما واصل هو ومن معه من مصوّرين مطاردتها وكيل الاتهامات ضدها، ولم يتوقفوا عن ذلك حين وصلت مركبتها، بل إنه وقف عند باب السيارة واعترض طريقها، "من خروجي من البريد إلى السيارة ودخولي بها، شعرت لدقائق طويلة أنها دهرا"، قالت محاميد.

تسرد قصتها وهي لا تصدق أنها خرجت بسلام، "لا أصدق أن من اعتدى عليّ بكل وقاحة تحت قبعة الصحافة وتحرّي الحقيقة. أعلم، الآن، أكثر من ذي قبل أن قيمي المهنية والإنسانية أرفع بكثير مما لا يمكنني أن أقارن نفسي وزملائي الشرفاء به، الصحافة هي أن نروي الحقيقة التي نراها ونختبرها، ونستمدها من الواقع".

تستذكر محاميد وتعترف بأنها شعرت بالخوف والرعب. وتؤكد أن ما جرى معها هو حلقة في سلسلة خطيرة جدا من الترهيب المسيّس الذي يتعرض له الصحافيون الفلسطينيون، "اليوم، لكوننا ببساطة نرفض غسل الأدمغة ولأننا ننتمي إلى الشعب الفلسطيني، سنستمر بالتغطية. أنا سأعيش لأروي الحقيقة".

تهديد في بث مباشر

في الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، أي ثمانية أيام بعد اندلاع الحرب، كان مراسل التلفزيون العربي، أحمد دراوشة، يتمتع بحرية وهو يغطي الأحداث على مشارف بلدة أسدود، حتى تلك اللحظات التي جاء بها أربعة أشخاص مسلحون، كانوا بلباس مدني يلبسون قبعات الشرطة الإسرائيلية، هددوه وهو في بث مباشر.

لم يدر في ذهن دراوشة أن يُقتحم البث المباشر، ويبدأ ذلك الشرطي بكيل المسبات والوعيد والتهديد له وللصحافيين أمام العالم، "أنا أعمل واجبي الصحفي، وهو حق مكفول في كل العالم، حرية الصحافة".

كانوا أربعة أشخاص يروي دراوشة، داخل جيب لونه أسود، اقتربوا نحوه وإذا بأحدهم يفتح الشباك ليستمع ماذا ينقل أمام الكاميرا. الشخص الذي كان يجلس في المقعد الخلفي، تعمد أن يكشف المسدس الذي يحمله لدراوشة في إشارة لترهيبه، "كان بدون قبعة ويرتدي لباسا مدنيا، ووثق شخص آخر تحركاتنا، وبدأت المضايقات، وفي وقتها شعرت بالخوف والقلق"، أكد دراوشة.

تظهر الاعتداءات التي تعرض لها صحافيون عرب خلال الحرب منها ما تم توثيقه أمام الكاميرات، بأنها ليست مجرد حوادث عابرة، إنما هي عمل ممنهج لاستهداف الصحافيين وترهيبهم، كل الصحافيين وخصوصا الذين ينطقون اللغة العربية، لتحديد تحركاتهم، وكلماتهم، وزرع الخوف في نفوسهم ومنعهم من نقل الحقيقة.

هذا الاعتداء، حرم دراوشة من التحرك بحرية خلال تغطية الحرب، فبعد انتشار الخبر وضعت "إشارة حمراء" عليه حيث بات إسرائيليون يعرفونه بالوجه، ويقصدون مضايقته لأكثر من مرة حين يقابلوه في الميدان. "اضطررت بعد هذا الحدث أن أغطي ضمن مجموعة من الصحافيين وليس لوحدي كما كنت أفعل سابقا. الآن، أبث من داخل المدن وأتعمد أن أتواجد في مناطق فيها مواطنون عرب"، أوضح دراوشة.

ملاحقات وتحريض

ويتعرض الزميل الصحافي حسن شعلان، هو الآخر، لملاحقة من قبل مجموعات إسرائيلية متطرفة بسبب تغطيته لأحداث الحرب، بسبب نشره على حسابه الخاص في شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) أخبارا ومعلومات تظهر فظاعة الدمار والقتل في قطاع غزة، حتى دون أن يرفق معها تحليلا ومنشورات.

حسن شعلان تعرض لاعتداء من الشرطة في الشيخ جراح، يوم 5 أيار 2021

فجأة، بدأ يتلقى شعلان رسائل على حسابه الخاص في فيسبوك ذات محتوى تحريضي وتهديد، جزء كبير من هذه الرسائل أرسل عبر حسابات وهمية وغير معروفة، "لا يريدون أن ننشر أي شيء يتعلق بغزة، حتى المواد الإعلامية التي تنتشر في كل محل"، أوضح شعلان لـ"عرب 48".

أصبح شعلان يمر على كلماته قبل أن ينشرها، ويجري رقابة ذاتية على ما ينشر لئلا يقع في ما يعرضه للأذى والتحريض، أو يفسّر من قبل المجموعات الإسرائيلية المتطرفة بأنه "تحريض على الإرهاب".

وختم شعلان بالقول إن "هذا يضيّق مساحة حرية الرأي عل عملك كصحافي، أصبحت تخشى نشر أمور تفسر ضدك أو تستعمل للتحريض عليك، وللأسف لا يوجد قانون يعاقب المحرضين".

التعليقات