التهديد الصامت: صحافيون في دائرة العنف

لم تكن الحادثة التي وقعت مع الزميل شعلان غريبة عن واقع التهديد والوعيد الذي يعيشه الصحافي العربي، والذي يتم التكتم عليه خوفًا من المجهول وبسبب فقدان الثقة بالشرطة والمؤسسة الإسرائيلية الرسمية.

التهديد الصامت: صحافيون في دائرة العنف

(أرشيفية - أ ف ب)

ساعات قبل انطلاق الوقفة الاحتجاجية ضد جرائم قتل النساء التي نُظمت في مدينة الطيبة، مساء السبت الماضي، تلقى الزميل الصحافي حسن شعلان الذي كان أحد المبادرين للنشاط الاحتجاجي، محادثة هاتفية هدده فيها المتصل بالقتل والمساس بزوجته وأولاده في ما إذا شارك بالنشاط الاحتجاجي وعمل على تغطيته صحافيًا.

بدت لهجة المتصل في المحادثة القصيرة، أكثر حدة وجدية من تهديدات سابقة تلقاها شعلان، ليُضاف هذا التهديد إلى سلسلة التهديدات والمضايقات التي تعرض لها شعلان الذي يعمل مراسلا للشؤون العربية في الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقع صحيفة "كل العرب"، وذلك على خلفية التقارير التي نشرها وتناول من خلالها قضايا العنف والجريمة.

التهديد الصامت

لم تكن الحادثة التي وقعت مع الزميل شعلان غريبة عن واقع التهديد والوعيد الذي يعيشه الصحافي العربي، والذي يتم التكتم عليه خوفًا من المجهول وبسبب فقدان الثقة بالشرطة والمؤسسة الإسرائيلية الرسمية.

ولتسليط الضوء على تحديات وواقع الصحافي ومكانته في ظل العنف والجريمة، أجرى مركز "إعلام" بشهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو الماضيين استطلاعا مهنيا شمل 159 صحافيًا في البلاد (130 صحافيا وإعلاميًا يهوديا و29 صحافيا وإعلاميًا عربيًا).

وأظهرت نتائج الاستطلاع معطيات مقلقة وصورة قاتمة لكنها واقعية بخصوص ظروف عمل الصحافي العربي وواقعه والتحديات التي يواجهها، سواء أمام المؤسسة الإسرائيلية أو المجتمع العربي ودوامة العنف والتهديدات التي تحيط بعمله.

ووفقا للاستطلاع، فإن 82% من الصحافيين والإعلاميين اليهود أشاروا إلى شعورهم بالأمان أثناء تغطية أو تناول قضايا فساد وجريمة، مقابل 27% من الصحافيين والإعلاميين العرب. وقال 65% من الصحافيين والإعلاميين العرب إنهم تعرضوا لسلوك عدواني أو عدائي خلال تغطياتهم الصحافية، مقابل 42.2% من الصحافيين والإعلاميين اليهود.

التعامل بتمييز

وفي ما يخص الدعم وتوفير الحماية من قبل المؤسسات الإعلامية التي يعملون بها، فإن 81% من الصحافيين اليهود أجابوا أن المؤسسات الإعلامية التي ينتمون إليها تدعمهم وتوفر لهم الحماية والدعم في حال واجهوا تهديدات أو مشاكل تتعلق بعملهم الصحافي، مقابل 62% من الصحافيين العرب، فيما أجمع 59% من الصحافيين العرب واليهود على أن الوزارات تتعامل بتمييز مع الصحافي العربي وبشكل مختلف عن اليهودي، عندما يتم معالجة تقارير ناقدة لسياسات الحكومة.

وفي ما يتعلق بتعامل الوزارات مع الصحافيين العرب، فإن 72% من الصحافيين اليهود يعتقدون بأنه يتم التعامل بتمييز مع الصحافي العربي، فيما يجمع 64% من الصحافيين العرب بأنهم عرضة للتمييز عند التوجه لأي استفسار أو الحصول على تعقيب من قبل الوزارات أو المؤسسات الحكومية.

إلى جانب ذلك، رصد مركز "إعلام" العنف تجاه الصحافيين العرب من قبل المؤسسة الإسرائيلية أيضًا؛ وخلال العام الجاري سُجلت حالات عنف وانتهاكات حقوقية من قبل المؤسسة الإسرائيلية، نذكر منها ملاحقة قوات الاحتلال في القدس للزميلة كريستين ريناوي، ورفض السلطات استصدار بطاقة صحافي رسمية للزميلة هبة مصالحة، أو المضايقات التي تعرض لها الزميل علي مغربي.

العنف المجتمعي

حسن شعلان

وسط مشهد العنف المجتمعي والتمييز المؤسساتي وتقاعس الشرطة بتوفير الأمن والأمان للصحافي، استعرض شعلان لـ"عرب 48" التهديدات التي تعرض لها في الأشهر الأخير، مؤكدًا على أنها على خلفية التقارير التي تناولت جرائم القتل في منطقة وسط البلاد والمثلث الجنوبي ووادي عارة والجليل. إذ تلقى العشرات من الاتصالات التي طالبته بالكف عن تناول جرائم القتل في البلدات العربية، ووصلت إلى درجة التهديد بإضرام النار بمنزله وعائلته، ومنهم من هدد باقتحام منزله وإطلاق النار عليه أمام زوجته وأولاده، وفي بعض الأحيان، وخوفًا على سلامة عائلته، كان يضطر لإجراء تعديلات في نص التقرير، مع الحرص على عدم حذف المعلومات مثلما كان يطالب المهددون.

ويجزم شعلان أن ما تعرض له من تهديد مباشر تعرض له جميع الزملاء الصحافيين الذين يلتزمون الصمت خوفًا على حياتهم وعائلاتهم، ولا يتوجهون لتقديم شكاوى للشرطة كونهم يرون أن الشرطة تتقاعس في مكافحة العنف والجريمة وتعجز عن توفير الحماية للمواطنين العرب.

فضح التهديدات

وخلافا لمرات سابقة، حيث تجاوز شعلان التهديدات دون تبليغ الشرطة، اختار هذه المرة وكون التهديدات كانت جدية وتستهدف حياة زوجته وأولاده أيضًا، التوجه للشرطة للتقدم بشكوى رسمية، لكنه ليس على ثقة بأن الشرطة ستقوم بإلقاء القبض على من قام بتهديده.

وأوضح شعلان أنه في ظل استفحال العنف والجريمة في المجتمع العربي وما تعرض له من تهديدات، فإن أي زميل صحافي يمكن أن يتعرض لتهديدات وإلى العنف بكافة أشكاله، وشدد على ضرورة كسر حاجز الخوف والكف عن الصمت وفضح وكشف التهديدات والعنف ضد الصحافيين ووسائل الإعلام العربية.

دائرة القتلى

لكن يتساءل شعلان، كيف للصحافي العربي أن يتقدم بشكوى للشرطة حول تعرضه للعنف والتهديدات، وكم من مشتكي ومشتكية قدموا شكاوى للشرطة حول تعرضهم للعنف والتهديد والابتزاز، دون أن توفر لهم الشرطة أي حماية، ومنهم من كان في دائرة القتلى دون أن تقدم الشرطة لوائح اتهام ضد الجناة.

وشكك شعلان في قدرة الشرطة على توفير الحماية للصحافيين، متسائلا كيف نريد أن توفر لنا الشرطة الحماية وهي تتقاعس في جمع الأسلحة التي تُسفك بها الدماء في البلدات العربية؟ كيف لك أن تقدم شكوى للشرطة وفي العام الماضي سجلت 95 جريمة قتل بالمجتمع العربي، وفقط 39 جريمة فكت رموزها، وفي غالبيتها العظمى بقي المجرم حرًا طليقًا؟

الإعلام الناقد

خلود مصالحة

من جانبها، ترى مديرة مركز "إعلام"، خلود مصالحة، أن الكثير من التحديات تواجه الصحافي العربي في البلاد إلى جانب العنف والتضييق من قبل المؤسسة الإسرائيلية، ولعل أبرزها قضية العنف بمختلف أنواعه التي لا تقتصر على التهديد المباشر بالقتل، وإنما تأخذ أشكالا مختلفة من عنف جسدي ولفظي ونفسي وترهيب ومقاطعة، وحتى محاولة التضييق والمحاصرة على الصحافي وعرقلة عمله سواء كان ذلك مباشرة أو بشكل غير مباشر.

وعن التهديد الأخير الذي تلقاه الزميل شعلان، تقول مصالحة لـ"عرب 48" إن "ذلك لا يقتصر على حالة فردية بصفوف الصحافيين، وإنما ظاهرة تعكس حالة العنف التي يعيشها المجتمع العربي الذي يجد صعوبة في تقبل الإعلام الناقد، ويجهل حيثيات ومكانة الصحافي وطبيعة عمله وخصوصية الإعلام والقوانين التي من المفترض أن توفر الحماية والحصانة للصحافي ولحرية التعبير".

وأوضحت مصالحة أن الكثير من الصحافيين يتعرضون وتعرضوا للتهديد المباشر حتى بالاعتداء الجسدي والقتل مثل الزميل شعلان، لكنهم وبسبب الخوف وشعورهم بانعدام الأمن والأمان وغياب الحصانة، سواء على صعيد المؤسسة الرسمية أو المجتمع، فإنهم يلتزمون الصمت ولا يقدمون شكاوى للشرطة بسبب عدم ثقتهم بالشرطة وسلطة إنفاذ القانون، التي من المفترض أن تعالج ظاهرة العنف والجريمة في المجتمع العربي.

مجتمع مُعنف

ووسط حالة التهديد الصامت التي يعيشها الصحافي العربي في البلاد، تشير مصالحة إلى أن مشاهد العنف بكل المستويات تتكرر ضد جمهور الصحافيين في ظل اتساع وتصاعد أحداث العنف في المجتمع العربي الذي يسعى للهروب وتجاهل ما يحصل، وهذه الحالة خلقت مجتمعًا مُعنفًا ومأزوما، بحيث أن كل فرد بالمجتمع يسعى لتصدير أزمة العنف تجاه الآخر وبضمنهم الصحافيين، الذين باتوا في دائرة ودوامة العنف.

وترى مصالحه أنه عندما يجري الحديث عن العنف المجتمعي، لا يمكن أن نعزل الصحافيين وكأنهم فئة مستقلة تقف على مسافة من هذا المجتمع وتراقبه، فهم داخل المجتمع، يعيشون آلامه وأحداثه وينقلون هذا الألم والأحداث.

وأوضحت أن المجتمع يعيش حالة من الصدمة الخبيثة، وهي بخلاف الصدمة العادية، ناتجة عن سيرورة كاملة من التهميش والإقصاء والتمييز والممارسات العنصرية من قبل المؤسسة الإسرائيلية، وغياب الأفق سواء كان سياسيًا أم اجتماعيًا أم اقتصاديًا، ليعيش حالة قلق دائم ومتواصل.

تهديدات متواصلة

ومع ازدياد جرائم القتل سنويًا في المجتمع العربي وصعود قوة الإجرام المنظم في كافة المناطق، تقول مصالحة: "بتنا نلحظ أن الصحافي يعاني من تحد إضافي، وهو العنف المجتمعي، كيف يغطي الصحافي مواضيع الجريمة وعصابات الجريمة المنظمة؟ كيف يتعامل مع ملف مصرع الناشطة والفنانة عروب حبيب الله من عين ماهل دهسًا قبل فترة وجيزة، دون أن تصله عشرات الرسائل تطلب منه تغيير النص بادعاءات مختلفة؟ كيف يتعامل مع قضية ’قتل امرأة من الطيبة’ من دون أن يصله تهديدات متواصلة؟".

وفي ما يخص الحلول الممكنة، تقول مصالحة إنه "يجب علينا التكاتف. هناك ما يسمى باللغة الإعلامية ’التغطية’، ما يعني أن الصحافي الذي يعاني من تضييقات يكشف ذلك لمجموعة من الزملاء ليقوم الجميع بالتطرق إلى ذات الملف في آن واحد، بهذه الطريقة يقلل من احتمال التعرض له ويوسع دائرة الدعم والنشر للموضوع".

تهديدات لفظية

طه إغبارية

وتعليقا على هذه المعطيات والتهديدات والتحديات التي يعيشها الصحافي العربي، قال الصحافي طه إغبارية، وهو محرر في موقع "موطني 48"، والذي طالته هو الآخر التهديدات الكلامية والجسدية، إن الصحافي العربي في الداخل كما المواطن العربي لا يشعر بالأمن والأمان وغير محمي، بحيث لا توجد نقابات ومؤسسات رسمية داعمة له مقارنة بالدعم الذي يحصل عليه الصحافي اليهودي، وبالتالي مشهد التهديد للصحافي هو جزء من حالة الفوضى التي يعيشها المجتمع العربي.

وتساءل إغباريه في حديثه لـ"عرب 48"، "ماذا يجب أن يفعل الصحافي بحالة تعرضه لتهديد بالقتل؟ هل يتنحى جانبًا ويتنازل عن مهنيته؟ هل يتراجع خوفًا على حياته وحرصًا على سلامة أفراد أسرته ويكتفي بالكتابة العمومية دون الغوص بعمق القضايا والملفات الحارقة؟".

فقدان الحماية والرقابة الذاتية

ويؤكد طه أن الصحافي العربي الذي يواجه العنف بمختلف أشكاله يفتقد للحماية والحصانة، بحيث أن مثل هذه التحديات تؤثر سلبًا على العمل الصحافي المهني، داعيًا الصحافيين إلى التصرف بحكمة وبمسؤولية شريطة عدم التنازل عن مهنتيهم وأخلاقيات العمل الصحافي، التي تلعب دورا مهما في تنشئة الجيل وتطوير المجتمعات.

وأكد أن حالة الزميل شعلان تعكس ظاهرة يتم التكتم عليها، إذ إن العديد من الزملاء الصحافيين يتعرضون للتهديدات والعنف بجميع أشكاله ومستوياته ويلتزمون الصمت خوفا على سلامتهم، واستبعد طه أن تدفع مثل هذه التهديدات الصحافي إلى أن يترك عمله، لكنه يعتقد أن الصحافي طور لذاته رقابة ذاتية في تناوله للقضايا والملفات، وفي ظل الرقابة التراكمية وهشاشة المؤسسات الإعلامية العربية، "بتنا نلمس التراجع في العمل الصحافي وغياب التقارير المعمقة والصحافة الاستقصائية والتحقيقات إلا ما قل وندر".

اقرأ/ي أيضًا | ملف خاص | الإجرام المنظم: دولة داخل دولة

التعليقات