مناهج التعليم وأولادنا في ظل السياسات القامعة للحريات، من سيحمي هؤلاء؟

على الأهل ولجان أولياء الأمور في المدارس بدء التفكير بمواجهة سلك التعليم للأيام المقبلة التي ستزداد عنصرية، بالتأثير على المناهج والتربية في ظل اليمين الفاشي الذي سيتوغل أكثر فأكثر في شتى المؤسسات التعليمية، بهدف أسرلتها والتأثير على طمس الهوية الفلسطينية والعربية، ومحاولة صهرها بالمجتمع والتاريخ والثقافة واللغة العبرية شيئا فشيئا، وكأنه لا يكفي ما آلت إليه الأوضاع التعليمية السيئة حتى اليوم.
الأمر ليس جديدا الآن، ولكن بتشكيل وزراء متطرفين "بنغفيريين"  سوف نشهد تغييرات متطرفة إلى حد لا يحتمل لنا كأقلية قومية تعيش تحت ظل الاحتلال في دولة أبرتهايد لا تضمن حقوق الأقليات الفلسطينية العربية منذ إقامة الدولة وحتى اليوم، وهدفها اليوم الأجيال الجديدة وطمس هويتهم الأصلية.
ويبقى همنا الكبير هو هذه الأجيال القادمة اليوم، إلى أين؟؟، طلاب المدارس ومن بعدها الجامعات، من سيحمي هؤلاء؟ من سيرفع الوعي لديهم ويثقفهم عكس ما تصبو إليه دوائر ومناهج اليمين المتطرفة.

 

الدكتور شرف حسَّان

عن هذا الموضوع توجهنا للدكتور "شرف حسان" رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، ليحدثنا عن كل القضايا والحلول المجتمعة معا في المجتمع العربي، من هيئات مختصة وأولياء أمور للطلاب ومعلمين ومجالس ومدراء مدارس وغيرها فقال:     

"استطعنا في السنين الأخيرة وضع موضوع مضامين مناهج التعليم وموضوع التربية للهوية والانتماء كقضية هامة في مجتمعنا، كذلك توسيع العمل على رفع الوعي للمشاكل التي تحتويها مناهج وكتب التدريس، لقد انتقلنا من حالة رد الفعل والاكتفاء باستنكار ونقد المناهج والمطالبة بتغيير السياسات إلى المبادرة والفعل وبناء استراتيجية عمل، سترتكز على تنظيم المعلمين والتربويين والناشطين العرب في منتديات وأطر ولجان مختلفة، ومن ثم تطوير مواد بديلة ومقاطعة كتب فيها إشكالية، والمثابرة في تنظيم مؤتمرات المعلمين العرب لرفع الوعي لقضايانا، ونشر نماذج عمل ناجحة قائمة في بعض مدارسنا حول موضوع الهوية، كذلك القيام بتطوير برامج جديدة تتعلق بموضع الهوية والانتماء مثل: مشروع الجذور، وفي طرحه على السلطات المحلية لتبنيه على صعيد بلدي، وفي تطوير حقائب تربوية في مجال اللغة العربية خاصة.  

نحن نسعى من خلال هذا إلى بناء قوة في مجتمعنا، تبدأ من القاعدة وأخذ زمام المبادرة، فهناك الكثير مما يمكن أن نفعله حتى في ظل الوضع القائم.

- في نفس الوقت علينا أن نعمق ونوسع الاحتجاج، ليس فقط ضد التغييرات الحاصلة في المناهج وبروح اليمين الاستيطاني الديني الصهيوني فقط، وإنما من أجل بناء مناهج تلائم مجتمعنا واحتياجاته وهويته، ونيل حقوقنا الكاملة في مجال التربية والتعليم بقضايا الموارد والمضامين والمكانة والتمثيل وتأهيل المعلمين وغيرها.

جزء من هذه الاستراتيجية المطروحة مبني على قيام الأهالي والسلطات المحلية والمجتمع المدني العربي، إلى جانب المعلمين والمدراء الملتزمين وكافة التربويين والمحاضرين العرب بدور أعمق.

- دور الأهالي مقابل المدرسة يجب ألّا يقتصر على موضوع التحصيل أو السلوك، بل يجب أن يتدخل الأهالي بشكل إيجابي للاحتجاج على مضامين إشكالية في مواد التدريس المتعلقة بتاريخنا، هويتنا، وأيضا للمطالبة بإدخال قضايا مغيَّبة متعلقة بتاريخنا وهويتنا ورؤيتنا واحتياجاتنا كمجتمع.

- أعتقد أن الأهالي يجب أن يُعَّمقوا عملهم أيضا مع أبنائهم في البيت حول قضايا مغيبة من مناهج التعليم.      على المدارس ان تعرف أن للأهالي وللمجتمع العربي توقعات عالية منهم لا تقتصر على العلامات معهم، بل أيضا على مستوى القيم والهوية الوطنية الفلسطينية والتاريخ، وتعميق الحس النقدي والتوعية السياسية، واستيعاب جميع الطلاب وخصوصا المهمشين منهم، أبناء الطبقات المسحوقة.

بدون كل هذا ستستمر المدارس بعملها كمصانع علامات ومؤسسات خالية من أي روح تعمل على تعميق حالة الاغتراب وتوسيع الفجوات في مجتمعنا. 

- مهم القول، أن ما نقوم به على صعيد التنظيم المجتمعي كإقامة منتديات للمعلمين ولمديري أقسام التربية والشبيبة في السلطات المحلية وللأهالي وبناء شراكات مختلفة مع قوى تنشط في المجال التربوي وطرح قضايا متعلقة بالمضامين وبقضايا حارقة متعلقة بوضع التعليم العربي، في كل المناطق الجغرافية المختلفة في البلاد بهدف تعميق التأثير على الخطاب التربوي، ومعالجة نقاط ضعف متعلقة بنا، وتهيئة الشروط لتصعيد العمل المنظم والنضال بهدف تغيير السياسات.

 - هناك تجارب للاحتجاج الشعبي خضناها مؤخرا  في النقب وفي مجال موضوع المدنيات وخلال فترة الكورنونا وفي أماكن وقضايا أخرى، ونضالات على صعيد قضائي وجماهيري، يجب ان نستفيد منها ونُراكِم عليها في عملنا المستقبلي.

- حسب رأيي هناك الكثير مما يمكن فعله على صعيد مجتمعنا في مجال التربية والتعليم كأهالي وسلطات محلية ومجتمع مدني ومؤسسات تربوية وتربويين وناشطين وسياسيين، من المهم والضروري أن نعمل بشراكة واسعة وبتنسيق وبروح واحدة لجلب التغيير الذي نريده، وعدم الجلوس في انتظار تغيير سياسات من فوق. 

     - باعتقادي ان هذا التطور في رفع الوعي وفي التنظيم له تأثيره المستقبليـ فالنضالات هي سوف تكون مقبلة والإضرابات العامة سيكون موضوعها قضايا التربية والتعليم باعتبارها قضية استراتيجية لمجتمعنا وقد عبرنا عن ذلك كلجنة متابعة للتعليم أمام مسؤولين وزاريين وأمام جمهورنا ومؤسساتنا.

 - بالنسبة لموضوع المدنيات عينيا، كان هناك مقاطعة لكتب فيها إشكالية وجرى إصدار مواد بديلة طوَّرها المعلمون بأنفسهم بدعم من الهيئات التمثيلية المختلفة، وهذا أعطى القوة للدفع وحصانة أيضا، وهو تأطير المعلمين في منتدى خاص كي لا يشعر كل معلم بأنه لوحده في الحقل أمام الوزارة والتفتيش، وهذا يشجع الإبداع والمبادرة والتواصل والتنسيق الدائم مع لجنة متابعة التعليم والهيئات القطرية، وبناء شراكات مع قوى  أخرى ترفض التغييرات في مناهج التعليم، في مؤسسات الدراسات العليا والمجتمع المدني وغيرها. وهذا سيجري في الصفوف الإعدادية أيضا، فهنالك مرونة أكبر بعدم وجود امتحان خارجي. 

- من المشجع القول ان العديد من الدراسات التي أجريت ونُشرت في السنوات الأخيرة تشير إلى تطوير المعلمين العرب لاستراتيجيات ناقدة مختلفة لرفضهم الخنوع لمناهج تعليم إشكالية واعتقد أن هذا التوجه سيستمر بالاتساع مع مواصلة عملنا وتوسيعه بين صفوف المعلمين العرب.

أما المربية ومدرسة موضوع المدنيات والبرلمانية السابقة في البرلمان الإسرائيلي والناشطة السياسية والاجتماعية والأم ليافا وكرمل، السيدة "نيفين أبو رحمون"، فحدثتنا عن تجربتها ورأيها في تلك السياسات المجحفة بحق طلابنا ومناهجنا قائلة:  

السيدة نيفين أبو رحمون

 - بات واضحا لنا  تلك السياسات التي تنتهجها إسرائيل في مدارسنا، سياسات التجهيل والنّيل من هويّة الطّالب الفلسطيني. ويبقى سؤال المواجهة حاضرا من خلال المعلّمين والأهل، وكيف يكون ذلك؟
 - في ظل سياسة الملاحقة والتضييق بامكان لجان أولياء الأمور أن تتحوّل الى مجموعة ضاغطة من أجل تغيير السياسات، أو على الأقل من أجل العمل على خلق بديل تربوي يعمّق من علاقة الطالب في محيطه وقضيته وشعبه، خصوصا أن هنالك تغييب تام في المناهج التعليمية.

 - من أهم صلاحيات لجان أولياء الأمور هو المتابعة الفعلية للمناخ التربوي والمناهج، وقد يكون ذلك بمثابة رافعة للعمل من أجل التغيير المنشود خصوصا إذا أدركت اللجان قوّتها وصلاحيّتها في ذلك.
 - عندما نتحدّث عن بديل تربوي ثقافي نتحدّث عن مضامين مغيّبة من المناهج بقرار سياسي ويمكن استعادة معناها إلى داخل المدرسة من خلال نشاطات طلابية تعزِّز من الانتماء والارتباط في السياق الوطني.
 - إضافة إلى ذلك كل منهاج المدنيات الذي يعمل في السنوات الأخيرة على تعميق مفهوم إسرائيل كدولة يهودية ويقلّص المعنى الديموقراطي في المادة، يؤثر أيضا على الطالب وفهمه للموضوع، فهل يعقل ان يدرس الطالب مفهوم المواطنة بدون التطرق لخاصيته كطالب فلسطيني وتاريخه وشعبه؟

- لكن من الواضح أن كل ذلك يصاغ من أجل نزع المعنى في الدراسة، لذلك هنالك حاجة الى حث الطلاب على استحضار الهوية السردية من خلال فعاليات متنوعة، وخلق مساحات بديلة من خلال النقاش أو المناظرة أو      أي فعل تربوي قد يعطي الطالب معنى مختلف للتعلّم.
- لذلك نقول، نحن نعي تماما سياسات إسرائيل في التضييق على التعليم والتعامل مع مدارسنا كآلية سيطرة على مجتمعنا الفلسطيني، ولكن كما ذكرت، يبقى سؤال المواجهة حاضرا من خلال لجان أولياء الأمور، كيف يكون من أجل انتاج المعرفة البديلة، ومن أجل تعزيز الهوية الذاتية والجمعية لدى الطالب.

أعدت التقرير: سوسن غطاس، موجهة مجموعات أهل ومحررة في موقع والدية برعاية موقع عرب 48