24/11/2017 - 23:17

متحرّشون في الجامعات... كيف نواجههم؟

متحرّشون في الجامعات... كيف نواجههم؟

Rob Dobi

في اليوم العالمي لمكافحة العنف ضدّ النساء، الذي يحلّ يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر)، ارتأيت أن أسلّط الضوء على ظاهرة ليست وليدة اليوم، إلّا أنّها طفت على السطح بكثافة مؤخّرًا، ما يجعل تناولها على نحو مهنيّ ودقيق أمرًا مهمًّا، وكذلك عرض الأطر التي تعمل على علاجها وتصحيحها في سياق أراضي 48، ألا وهو سياق المواطنة الإسرائيليّة.

تنشط مجموعة من المحاضرات والمحاضرين العاملين في مؤسّسات التعليم العالي في إسرائيل، منذ فترة ليست ببعيدة، ضمن حراك يُدعى 'الأكاديميّة من أجل المساواة'، الذي يُعنى بمحاربة ظاهرة المضايقات والاعتداءات الجنسيّة في مختلف مؤسّسات التعليم العالي. وينصبّ عمل هذا الحراك في متابعة ومراقبة الشكاوى التي تُقدّم في تلك المؤسّسات، من خلال فحص كيفيّة معالجة القضايا، والوقوف على الخلل أو القصور في عمل المؤسّسات، وما قد تفتقده من مهنيّة ومصداقيّة في التعامل مع مثل هذه القضايا الشائكة.

علاج منقوص... حدّ الإهمال

نُشِرت في الآونة الأخيرة تقارير عديدة، صادرة عن مؤسّسات إسرائيليّة مختلفة، تتناول شكاوى حول مضايقات واعتداءات جنسيّة؛ كالتقرير الذي صدر عن مراقب الدولة، ولجنة الطلّاب، والاتّحاد الطلّابيّ، وتنظيمات المحاضرين، بالإضافة إلى التقارير الرسميّة التي تُقّدم لمؤسّسات التعليم العالي. كلّ هذه التقارير تؤكّد على وجود نسبة كبيرة جدًّا من المضايقات والاعتداءات الجنسيّة في مؤسّسات التعليم العالي، كما تؤكّد على أنّ علاج هذه القضايا غير متكامل ومنقوص، ويمكن الذهاب إلى حدّ القول إنّه مهمل.

ينبغي على مؤسّسات التعليم العالي في إسرائيل تقديم تقرير سنويّ مفصّل للجنة تطوير مكانة المرأة والمساواة الجندريّة في الكنيست (البرلمان الإسرائيليّ)، يتضمّن عدد الشكاوى التي قُدّمت خلال العام في ما يتعلّق بالمضايقات والاعتداءات الجنسيّة، وكذلك الفعاليّات التي تنظّمها الجامعات والكلّيّات والمعاهد من أجل التثقيف حول هذه الظاهرة ورفع الوعي تجاهها، وعن طرق العلاج، وكيفيّة تشجيع الضحايا للتقدّم بطلب مساعدة.  

من تظاهرة لحراك 'أكاديميّة من أجل المساواة' في جامعة تل أبيب

يُذكر أنّه في عام 2016، قدّمت 65 مؤسّسة فقط، من مجموع 152، تقريرًا للّجنة، أي ما يقارب الـ 43%؛ ثمّة ارتفاع ملحوظ في التزام مؤسّسات التعليم العالي بتبليغ اللجنة منذ أن سُنّ قانون واجب التبليغ، إلّا أنّ النسبة ما زالت لا تتعدّى الـ 50%، وهذا بحدّ ذاته مثير للقلق.

مفوّضيّة الشكاوى

وفق قانون منع المضايقات الجنسيّة الذي سُنّ عام 1998، وبمقتضى تعليمات مجلس التعليم العالي، يجب تعيين مفوّضيّة مسؤولة عن شكاوى المضايقات والتحرّشات الجنسيّة في مؤسّسات التعليم العالي، لفحصها ومعالجتها. يعمل في هذه المفوّضّية مسؤولة واحدة أو اثتنين وفق عدد الطلّاب في المؤسّسة التعليميّة، فإذا كانت تحوي عدد طلّاب كبير، يجب تعيين مسؤولتين، تكون إحداهما مندوبة عن الطاقم الأكاديميّ، والأخرى عن الطاقم الإداريّ (لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الغالبيّة العظمى من طاقم المفوّضيّات من النساء، إلّا في حالات نادرة).

تشير معطيات عام 2016 إلى تقديم 231 شكوى في مؤسّسات التعليم العالي حول تحرّشات واعتداءات جنسيّة؛ 80% منها كانت شكاوى لتحرّشات واعتداءات بحقّ نساء، و70% من مجمل هذه الشكاوى كانت من طلّاب وطالبات ضدّ محاضرين وطلّاب آخرين، و11% منها كانت من الطاقم الإداريّ (سكرتيري أقسام)، أمّا باقي الشكاوى فكانت من الطاقم الأكاديميّ وعمّال المقاولة.

وجود القانون وعمل المفوّضّية غاية في الأهمّيّة من جهة، لكنّ الأمر ليس ناجزًا من جهة أخرى، إذ إنّ المفوّضّية تفتقر إلى الحياديّة الكاملة في التعامل مع قضايا المضايقات والاعتداءات الجنسيّة، ولا سيّما عندما يدور الحديث عن محاضرين في درجات عليا ومواقع متقدّمة في المؤسّسة، كما تفتقر هذه المفوّضيّة إلى قوّة وثقة وجرأة لفحص القضايا بعمق وفرض العقوبات اللازمة، وفي بعض الأحيان قد تربط المسؤولات عن المفوّضيّة علاقات وثيقة مع المحاضرين المشتكى عليهم. من دون الجرأة والثقة، يصبح عمل المفوّضيّات بلا مضمون، مجرّد كلام لا يملك القدرة على التأثير وردع المعتدين.

مراقب الدولة الإسرائيليّ يوسف شابيرا

في معظم الحالات التي قُدّمت بها شكاوى في مؤسّسات التعليم العالي، لم تستطع المسؤولة في المفوّضيّة أن تحدّد بشكل واضح إذا كان ثمّة مضايقة أو اعتداء جنسيّين. في 11% من الحالات التي نوقشت في المفوّضيّة فقط، جُزِمَ أنّ الحالة العينيّة المفحوصة حالة مضايقة أو اعتداء جنسيّين تستوجب ردع، ومحاسبة، ومعاقبة المعتدين والضالعين بها. في 29% من الحالات، اكتفت المؤسّسة بتحذير وتوبيخ المعتدي، وإلزامه بتقديم اعتذار. في 21% من الحالات، قرّرت المفوّضيّة فصل المعتدي، أو إبعاده، أو تقليص حجم وظيفته. في 15% من الحالات، اكتفت المفوّضيّة بتوضيح القوانين مرّة أخرى للمعتدي، مع إبقائه في وظيفته. في 14% من الحالات حصل فصل بين المعتدي والمشتكية داخل المؤسّسة. في 9.5% من الحالات، قرّرت المفوّضيّة تقديم المعتدي للجنة الطاعة.

لماذا لا تقدّم ضحّيّة الاعتداء شكوى؟

يتبيّن لنا بعد عرض المعطيات أعلاه، أنّ إدارات مؤسّسات التعليم العالي تعكس في تعاملها مع قضايا المضايقات والاعتداءات الجنسيّة، صورة مصغّرة لما يحدث خارجها، فهي تنقل الديناميكيّات الدقيقة للتعامل مع الضحّيّة ومع المعتدي في المجتمع وغيرها من المؤسّسات، بتقنيّاته، وهياكله، واعتباراته، وتسمياته.

في النقاش الأخير في لجنة الكنيست، أُبلغ المحاضرون وأصحاب المناصب الإداريّة الرفيعة في مؤسّسات التعليم العالي، بأنّ ثمّة صعوبة بنيويّة وجوهريّة في معالجة الشكاوى التي تُقدّم في مؤسّساتهم. إنّ إحدى المشاكل المركزيّة التي يواجهها الجهاز المعالج لقضايا المضايقات والاعتداءات الجنسيّة في القطاع الأكاديميّ، افتقاره للقدرة على خلق بيئة آمنة من شأنها أن توفّر الأمان والشعور بالثقة لضحّيّة المضايقة والاعتداء، ما يمكّنها من تقديم شكوى للجهات المسؤولة. كما أنّ هذا الجهاز لا يستطيع خلق مجموعة أكاديميّة داعمة، تمنح جوًّا آمنًا، للمسؤولين عن محاسبة ومعاقبة المعتدين أيضًا.

تجدر الإشارة إلى أنّ التقرير السنويّ لهذا العام، الذي قدّمه اتّحاد مراكز مساعدة ضحايا المضايقات والاعتداءات الجنسيّة، يشير إلى أنّ 92% من ملفات المضايقات والاعتداءات أغلقتها النيابة من دون تقديم لائحة اتّهام. 26 ملفًّا فقط من أصل 350، قُدّمت فيها لوائح اتّهام. قد تفسّر هذه المعطيات، مثلًا لا حصرًا، أسباب مشاعر الخوف لدى ضحايا المضايقات والاعتداءات الجنسيّة، وكذلك عدم الثقة بالمؤسّسات القانونيّة والجهات المختصّة التي من المفترض أن تعالج القضيّة، وبالتالي عدم إقدام الضحايا على تقديم شكوى.

ومن الأسباب أيضًا، أنّ سيرورة الكشف عن المضايقات والاعتداءات الجنسيّة تتطلّب من الضحّيّة مواجهة إسقاطات عديدة، مثل الشعور بالخجل كون القضيّة ترتبط بالجنس، وعدم الثقة، وتذنيب الضحّيّة لذاتها: لماذا حصل معي أنا هذا الشيء؟ ربّما أنا من دفع بالأمر نحو ذلك. لماذا يتعاملون معي بهذه الطريقة؟ كلّ هذه الأسئلة تتوارد إلى الضحّيّة قبل مواجهة الجهات المختصّة والكشف عن القضيّة، ثمّ تناولها في الإعلام.

عام 2016: 231 شكوى قدّمت في مؤسّسات التعليم العالي حول مضايقات واعتداءات جنسيّة

كما تكمن إشكاليّة في العلاقة المركّبة التي تجمع الطالبات، والمحاضرين، والمشرفين على أطروحة الماجستير أو الدكتوراه، والتي تستمرّ لسنوات عديدة؛ فكلّما تعمّقت واستمرّت العلاقة الأكاديميّة بالمحاضر/ المشرف، تعمّقت علاقات القوى، وازداد التعلّق بالمحاضر/ المشرف ومساعدته، وهكذا فإنّ الاستغلال يزيد في كثير من الحالات، كما تزداد الصعوبة في التبليغ عن الاعتداء الجنسيّ، أو عن استغلال  علاقات القوى والصلاحية. في هذه الحالة، يكون معنى تقديم شكوى مخاطرة ومجازفة حقيقيّة وفعليّة للضحّيّة؛ اسمها، ومهنتها، ومستقبلها الأكاديميّ. 

بيئة آمنة وداعمة

في ظلّ صعوبة العمل من أجل القضاء على ظاهرة المضايقات والاعتداءات الجنسيّة، سواء على المستوى الأكاديميّ، والقضائيّ، والمجتمعيّ، تستطيع عضوات وأعضاء 'الأكاديميّة من أجل المساواة' العمل على تقليص الظاهرة والحدّ منها، وذلك على مستويات متعدّدة: خلق بيئة آمنة وداعمة للضحّيّة، ولا سيّما من الطلّاب في الحرم الأكاديميّ، ومن المحاضرين والطاقم الأكاديميّ أيضًا، بالإضافة إلى تشجيع الضحّيّة على التوّجه للمفوّضيّة وتقديم شكوى، وبدء إجراءات فحص القضّيّة، وكذلك تثقيف وتوعية الطالبات والطلّاب، وتنظيم أيّام دراسيّة وورشات عمل للحديث عن قضايا الاعتداءات الجنسيّة وإسقاطاتها ومخاطرها. 

إنّ تضافر الجهود جميعها، وحشد الطلّاب في مؤسّسات التعليم العالي ودمجهم في الفعاليّات لرفع الوعي والتثقيف، من أجل الحدّ من ظاهرة المضايقات والاعتداءات الجنسيّة في مؤسّسات التعليم العالي، وخلق جوّ متعاون، سواء داخل الحرم الأكاديميّ أو خارجه، حتمًا سيشكّل أساسًا قويًّا لرفض المعتدين والأجواء التي تسمح لهم بممارسة اعتدائهم، وكذلك لاختراق الصمت حولهم، ولنبذهم، وبالتالي ردعهم عن استغلال قوّتهم وصلاحيّاتهم.

خلق هذه البيئة الداعمة يدفع نحو الأمل، من خلال شعور الجميع بالمسؤوليّة، واستفاقة الضحايا المستغلّة، في سبيل خلق علاقات سليمة بديلة لعلاقات القوى والاستغلال، وتوفير مناخ وبيئة صحّيّين وسليمين للناهلين من العلم والعاملين في القطاع الأكاديميّ.

 

منال شلبي

 

محاضرة وناشطة نسويّة وسياسيّة. تعمل باحثة في مركز دراسة المجتمع – جامعة حيفا. مؤسّسة ورئيسة جمعيّة 'آذار: منتدى المهنيّين والمهنيّات لمحاربة جرائم قتل النساء'. عضو مؤسّس في 'الأكاديميّة من أجل المساواة'. حاصلة على اللقب الثاني في الدراسات الجندريّة، وتحضّر لنيل درجة الدكتوراه في قسم العمل الاجتماعيّ – جامعة حيفا.

التعليقات