25/06/2021 - 16:58

"أسبوع الاقتصاد الوطنيّ"... تنظيم الذات الفلسطينيّة

سوق بيت لحم | إسماعيل ألونسو، Flickr

 

في الـ 18 من أيّار (مايو) المنصرم، عمّ «إضراب الكرامة والأمل» الشامل فلسطين التاريخيّة، ورغم الكثير من الأحداث الّتي جرت، ولا تزال تجري، منذ بداية الهبّة الفلسطينيّة ضدّ الاستعمار الصهيونيّ في عموم فلسطين التاريخيّة؛ إلّا أنّ أهمّها وأشدّها جذريّة كان حدث الإضراب الشامل، الّذي شكّل الأرضيّة الصلبة لحراك «أسبوع الاقتصاد الوطنيّ»، ما بين 06 و12 حزيران (يونيو) 2021، وحراكات أخرى أدركت ضرورة إعادة النظر في ماهيّة الصراع الفلسطينيّ الصهيونيّ، وكذلك إعادة التفكير في الاقتصاد محورًا أساسيًّا من محاور الصراع، لا ضدّ الاستعمار الصهيونيّ فحسب، بل أيضًا ضدّ البنية الفلسطينيّة الرأسماليّة النيوليبراليّة، المستفيدة من البنية الاقتصاديّة الاستعماريّة بشكلها الحاليّ، والّتي تعمل على الحفاظ على المجتمع الفلسطينيّ مفكّكًا هشًّا، اقتصاديًّا واجتماعيًّا؛ لإدامة حالة التبعيّة الاقتصاديّة الفلسطينيّة للاقتصاد الصهيونيّ.

 

من منشورات «إضراب الكرامة والأمل»

 

في هذه المقالة أقدّم قراءة في «أسبوع الاقتصاد الوطنيّ»، وفي الخطابات المعرفيّة الاقتصاديّة والوطنيّة الّتي يمكن أن تنشأ عن هذا الحراك الشعبيّ، ضمن ثلاثة محاور:

أوّلًا - الاقتصاد أو السوق [سوق العمل، وسوق الاستهلاك] بوصفه مكوّنًا أساسيًّا؛ وبالنسبة إلى بعض الباحثين مثل غيرشون شافير، شكّل أساسًا لمنطق الإبادة والإزاحة الصهيونيّة في فلسطين. إضافة إلى التحوّلات الّتي طرأت على مشروع الاستعمار الاستيطانيّ من مشروع يهدف إلى تطبيق آليّات الإبادة السكّانيّة إلى مشروع دولة استعمار استيطانيّ، تستفيد من هندستها للمجتمع الأصلانيّ كحاضنة عمالة رخيصة، وسوق لفائض الإنتاج الصهيونيّ.

ثانيًا - قراءة حراك «أسبوع الاقتصاد الوطنيّ»، بوصفه محاولة لكسر سياسات الشرذمة الجغرافيّة والديمغرافيّة المطبّقة على الفسطينيّين، ومحاولة لاستعادة الذات الجمعيّة الفلسطينيّة وأنماط التضامن والتكافل الجمعيّ المضادّة لصورة الفلسطينيّ الجديد النيوليبراليّ، المنغمس في فردانيّته وعلاقته بالمؤسّسة الاقتصاديّة والسياسيّة الحاكمة.

ثالثًا - قراءة في فعاليّة المقاطعة، وإمكانيّة وجود نموذج اقتصاديّ وطنيّ واقعيّ، ووجود آليّات نضال اقتصاديّة واجتماعيّة غير مستكشفة من قبل؛ بوحي «إضراب الكرامة» (18 أيّار)، مثل التفكير في نموذج اقتصاديّ تعاونيّ تضامنيّ، يمكّن الفلسطينيّات والفلسطينيّين من الصمود سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا في عموم فلسطين التاريخيّة كجماعة وطنيّة واحدة أو ككلّ فلسطينيّ.

 

من الإبادة إلى الإخفاء

يعتقد المؤرّخ الإسرائيليّ غيرشون شافير أنّ الاستيطان اليهوديّ في فلسطين، تطوّر بشكل خاصّ استجابةً لصراعات سوق العمل، وتحديدًا في المستعمرات الزراعيّة الصغيرة، عند وصول موجة المهاجرين اليهود الأولى الّتي فرضت على ملّاك الأراضي آنذاك الاختيار بين توظيف العمّال الفلسطينيّين من المناطق المجاورة للمستوطنات اليهوديّة، أو توظيف المهاجرين اليهود العاطلين عن العمل، "وقد وقع الاختيار على المزارعين الفلسطينيّين لأنّهم الأرخص والأكثر مهارة"[i]. وقد تعرّض هذا التوجّه لانتقادات شديدة من عمّال موجة الهجرة اليهوديّة الثانية، الّذين توجّب عليهم بعد فشلهم في فرض مطالبهم وتأمين العمالة اليهوديّة في سوق العمل، اللجوء إلى إستراتيجيّة بديلة صُمِّمت لاحتكار سوق العمل تحت شعار «غزو العمل» (بالعبريّة כיבוש העבודה - Kibush ha’avodah)، ويمكن فهمها على مستويات ثلاثة: غزو الذات؛ أي الانقلاب على البنية الوظيفيّة اليهوديّة ليهود أوروبّا، لغاية اكتساب عادات العمل الزراعيّ الّتي تلائم سوق العمل الفلسطينيّة. وثانيًا، تصعيد الصراع الطبقيّ بين المزارعين [اليهود] وملّاك الأراضي [اليهود] على شروط العمل. وأخيرًا، الصراع من أجل الإقصاء الإثنيّ الّذي سعى إلى إزاحة العمّال العرب من سوق العمل؛ ما عنى تحويل العمّال الفلسطينيّين إلى هدف إثنو - قوميّ لصراع العمّال اليهود[ii].

سياسات المكان الاستعماريّة تتضمّن علاقة معيّنة بالأرض يمكن تعرّفها في إطار عمليّتين أساسيّتين: «الاستيلاء» (Capture)، و«الإيلاء الحصريّ» (Exclusive Appropriation) – أي الاستيلاء على الأرض وما عليها من موارد...

ويعتقد شافير وسفيرسكي، أنّ هذه النقطة كانت بداية ظهور دافع «الإزاحة» كدافع استعماريّ استيطانيّ، سرعان ما جرى تحويله إلى إستراتيجيّة صهيونيّة، وتحويل «الإزاحة» إلى شرط ضروريّ لتحويل الصهيونيّة إلى واقع مادّيّ. وفي هذه الإستراتيجيّة الإقصائيّة المتمثّلة في الإزاحة التراكميّة من قِبَل كيانات عنصريّة استيطانيّة، وصلت ذروتها خلال أحداث نكبة 1948، الّتي شهدت تهجير ما يزيد على 750 ألف فلسطينيّ والاستيلاء على ممتلكاتهم، يمكن تتبّع الإجراءات الجنينيّة الّتي دفعت إلى تقسيم سوق العمل والاقتصاد في فلسطين، خلال العقود الأولى من القرن الحاضر، وتطوّر هذا التقسيم في الزمن الحاضر، محوّلة الاقتصاد إلى آلة فصل عنصريّة اجتماعيّة ستتمكّن مع مرور الوقت من الهيمنة على الفضاء الزمانيّ والمكانيّ بأكمله[iii].

تمكّنت القوى الصهيونيّة الّتي ترابطت في ما بينها منذ ذلك الوقت من تشكيل العربيّ الفلسطينيّ كآخر وكموضوع للإزاحة [أو الإخفاء لاحقًا] في سوق العمل، من إنتاج رغبة صهيونيّة جديدة على علاقة برغبات أخرى موجودة أصلًا، تدفع نحو توسيع الحضور اليهوديّ من خلال التوسّع الديمغرافيّ، الّذي خلق دافع الإزاحة المكانيّة وآليّاتها؛ فالمشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ الصهيونيّ لم يكن مدفوعًا بدافع استغلال عمالة السكّان الأصلانيّين الرخيصة، بل بدافع التخلّص منهم ومحوهم من المكان. "فالمستعمرات الاستيطانيّة لم تُؤَسَّس في الأصل لغاية التحصّل على فائض القيمة من عمالة الأصلانيّين، بل على أرضيّة إزاحتهم – أو استبدالهم – من الأرض"[iv]. وقد أثبَت من قبل كلّ من المؤرّخ الفلسطينيّ رشيد الخالدي والإسرائيليّ إيلان بابيه، أنّ تهجير الفلسطينيّين خلال عامي 1948 و1967 لم يكن جرّاء أحداث عشوائيّة أو بسبب فوضى الحرب، بل كان عملًا ممنهجًا منظّمًا، وخُطِّط له قبل وقت طويل من بداية أحداث النكبة[v]. إلّا أنّ فشل الإبادة الكاملة عام 1948 وتكرار هذا الفشل مرّة أخرى عام 1967، إضافة إلى السيطرة الإسرائيليّة الكاملة على فلسطين التاريخيّة، فرضَ على المؤسّسة الاستعماريّة التعامل مع واقع فشل دوافع مشروعها الأوّليّة، المتمثّلة في الإبادة الديمغرافيّة للفلسطينيّين واستبدالهم بمستوطنين يهود، وهو الفشل الّذي سمح بظهور دوافع اقتصاديّة أخرى، داخل بنية مجتمعيّة تتحرّك فيها قوى اقتصاديّة تبحث عن الربح الرأسماليّ، ودفعت باتّجاه استغلال العمالة الفلسطينيّة الرخيصة، وتحويل الفلسطينيّين إلى سوق لفائض الإنتاج الصهيونيّ – بعد أن كان المنتج الصهيونيّ أيديولوجيًّا يُنْتَج لمنفعة اليهود بشكل حصريّ.

إلّا أنّ ذلك لا يعني اختفاء دافع الإزاحة المكانيّة للفلسطينيّ؛ فسياسات المكان الاستعماريّة تتضمّن علاقة معيّنة بالأرض يمكن تعرّفها في إطار عمليّتين أساسيّتين: «الاستيلاء» (Capture)، و«الإيلاء الحصريّ» (Exclusive Appropriation) – أي الاستيلاء على الأرض وما عليها من موارد من الأصلانيّين، وإيلاؤها حصرًا لمنفعة المستوطنين. وقد تحوّل دافع الإبادة مع مرور الوقت إلى آليّة من آليّات الإخفاء المطبّقة على الأصلانيّ؛ الإخفاء من الخطاب العامّ الرسميّ وغير الرسميّ، الإخفاء من معالم المكان مادّيًّا وثقافيًّا، وتحويل الفلسطينيّين إلى أجساد شبحيّة حاضرة غير مرئيّة، والتعامل معهم كجزء من الموارد الّتي جرى الاستيلاء عليها وإيلاؤها حصرًا لمنفعة المستوطنين، بوصفهم قوّة عاملة رخيصة وسوقًا استهلاكيّة يُمْنَع عنها التطوّر أو الحركة خارج السوق الصهيونيّة وقطاع الإنتاج الصهيونيّ.

 

هنا يأتي الثامن عشر من أيّار

لم تتغيّر دوافع المشروع الصهيونيّ من دافع الإبادة إلى دافع استغلال العمالة الرخيصة إذن؛ بل هي قدرة المشروع الاستيطانيّ على تكييف الفلسطينيّين واستيعابهم، داخل بنية اقتصاديّة سياسيّة تُهَيْمِن عليها قوّة صهيونيّة، وسيطرة يهوديّة على قطاعات الإنتاج، مع الإبقاء على سياسات إفقار الفلسطينيّين، والسيطرة على مواردهم الطبيعيّة، وتشغيلهم في الدرجات الدنيا من البنية الاقتصاديّة، وحرمانهم من امتلاك القدرة على التطوّر الطبيعيّ كجماعة وطنيّة، أو القدرة على تطوير اقتصاد وطنيّ مستقلّ عن الاقتصاد الإسرائيليّ. بكلمات أخرى؛ الإبقاء على الفلسطينيّين في نوع من أنواع «الحياة العارية» اللامُحتملة، والتفكير فيهم بوصفهم سوقًا لفائض الإنتاج اليهوديّ، عمالة رخيصة، بلا أيّ ملامح هويّاتيّة، وبلا أيّ عقد اجتماعيّ يحافظ حتّى على وجودهم المادّيّ؛ يشتغلون في قطاعات البناء، في الخدمات، في المطاعم والورش الصناعيّة، كأجسام غير مرئيّة تُدْفَع لها الأجور الرخيصة – مقارنة بالأجور الإسرائيليّة – لمجرّد أن تستمرّ في العيش، وإن قُتِلَت ذات يوم بسبب إطلاق النار عليها في طريقها إلى العمل، فلا يهمّ، وإن تلوّثت أجسادها بالسرطانات والأمراض القاتلة بسبب جحيم المخلّفات الكيميائيّة الّتي تُلْقى في أراضيها الزراعيّة، فلا يهمّ، وإن تجاوزت نسبة البطالة في مجتمعاتها الـ 50% - بالمجمل بين الضفّة وقطاع غزّة، وأراضي 48 – فلا يهمّ أيضًا؛ فهي غير موجودة أصلًا في الخطاب الرسميّ ولا في الوعي الجمعيّ اليهوديّ. وفي الأثناء تستمرّ المؤسّسة الأمنيّة في مراقبة هذه الأجساد، وقياس مدى انضباطها، تستمرّ في معاقبتها، وفي منعها من التحوّل إلى كيان جمعيّ وطنيّ. تُمنَع من التلاقي والتكوّن كشعب وكينونة وطنيّة، ويُفْرَض عليها البقاء في حالة شرذمة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، مجرّد مجموعة غيتوهات مليئة بالبشر الفائضين عن الحاجة، والّذين يجري التعامل معهم بوصفهم مشكلة أمنيّة وتهديد ديمغرافيّ – وإلى حين حلّ هذه المشكلة، تُسْتَغَلّ عمالةً رخيصة وسوقًا لفائض الإنتاج اليهوديّ.

هنا يأتي «إضراب الكرامة» أو «إضراب الثامن عشر من أيّار»، وكذلك «أسبوع الاقتصاد الوطنيّ»، لاستعادة الحقّ في تنظيم الذات جمعيًّا كجماعة وطنيّة، تفكّر في نفسها ككلّ وطنيّ ضدّ كلٍّ صهيونيّ يعمل على نفيها من المكان، من سوق العمل، والحدّ من إمكانيّات تطوّرها الطبيعيّ الاقتصاديّ، واستغلال إمكانيّاتها الحاليّة لخدمة المشروع الاستيطانيّ، يأتي لكسر حالة الشرذمة السياسيّة والاقتصاديّة، المفروض على الفلسطينيّين بفعل التقسيم السياسيّ، والاقتصاديّ، والجغرافيّ؛ لتصبح مقاطعة السوق الإسرائيليّة والمنتج الصهيونيّ وسيلة لتحقيق حالة وعي فلسطينيّة بالذات، وبالانتماء إلى ذات أكبر وأضخم من مجرّد الذات النيوليبراليّة الفرديّة، الّتي خُلِقَت نتيجة سياسات الشرذمة وتوحّش رأس المال الصهيونيّ والفلسطينيّ. هي مقاطعة اقتصاديّة في الدرجة الأولى، ومحاولة لتدعيم السوق الوطنيّة في الدرجة الثانية، ولكنّها أيضًا وسيلة من وسائل إعادة إنتاج الهويّة الوطنيّة، فمثلًا شَكّل «غزو العمل» الصهيونيّ وسيلة لخلق «الآخر الفلسطينيّ»، وأنتج دافع إزاحته وإبادته. تعمل المقاطعة الاقتصاديّة الآن على إعادة إنتاج «الآخر» الصهيونيّ، وبموازاة ذلك إعادة إنتاج الهويّة الفلسطينيّة؛ إنتاج الأنا الفلسطينيّة. وفي الضدّ من الآخر تتشكّل الأنا، تشكّل حدود ذاتها وحدود انتمائها الهويّاتيّ وأدوات معرفتها لذاتها، وللآخرين الّذين يشتركون معها في هويّتها الجمعيّة، وداخل حراك «أسبوع الاقتصاد الوطنيّ» يجري العمل على نسج هذه الروابط، أو حتّى اكتشاف إمكانيّة تحقيقها في الواقع؛ الروابط بين الفلسطينيّين في عموم فلسطين التاريخيّة، وضرورة استغلال هذه الروابط في نضال اقتصاديّ اجتماعيّ مشترك ضدّ البنية الاستعماريّة الصهيونيّة.

لم تتغيّر دوافع المشروع الصهيونيّ من دافع الإبادة إلى دافع استغلال العمالة الرخيصة إذن؛ بل هي قدرة المشروع الاستيطانيّ على تكييف الفلسطينيّين واستيعابهم، داخل بنية اقتصاديّة سياسيّة تُهَيْمِن عليها قوّة صهيونيّ...

 

ما يجعل خطاب «أسبوع الاقتصاد الوطنيّ» مختلفًا عن خطابات المقاطعة الاقتصاديّة السابقة، هو شموليّته الّتي تنمّ عن إدراك متكامل للحالة الفلسطينيّة؛ فهو يشدّد على أنّ المقاطعة الاقتصاديّة للمنتج الصهيونيّ لا تقتصر على مجرّد فعل المقاطعة، بل يجب أن تكون لحظة لإعادة التفكير في السلوك الاقتصاديّ للأفراد الفلسطينيّين، الاستهلاكيّ والإنتاجيّ؛ أي أنّها دعوة إلى الانقلاب على النمط الاستهلاكيّ النيوليبراليّ الفردانيّ، المتمحور حول الفرد وحاجاته الشخصيّة – وهو ما يعبّر عنه مثلًا ملصق «لا تكن مثل يعقوب» الّذي ينتقد السلوك الفرديّ القائل إن قاطعت أنا فلن يقاطع غيري – والتحوّل إلى نموذج اقتصاديّ تكافليّ تضامنيّ يستند إلى حاجات المجتمع والكلّ الفلسطينيّ، ويميّز بين قطاعات الإنتاج المهمّشة المستهدفة من قِبَل النيوليبراليّة الفلسطينيّة، مثلما هي مستهدفة من قِبَل المؤسّسة الاستعماريّة، وبين قطاعات الإنتاج النيوليبراليّة الفلسطينيّة المستفيدة من البنية الاستعماريّة؛ ففي ندوة إلكترونيّة، تؤكّد الباحثة الاقتصاديّة ريّا الصانع، أنّه عند التفكير في استهلاك الفلسطينيّ يجب الانتباه إلى أنّه ليس كلّ ما هو فلسطينيّ جائزًا وشرعيًّا، ومن الضروريّ التفكير في مَنْ هم الفلسطينيّات والفلسطينيّون الّذين نريد أن نكون في حالة تكافل معهنّ ومعهم. وذلك يعني ضرورة التفكير في سؤال لمَنْ نمنح قوّتنا الشرائيّة، وإن كانت ضعيفة؛ إذ يجب التفكير في ماهيّة النضال الوطنيّ الّذي نريده، وكيف يمكن بناء قوّة اجتماعيّة نضاليّة غير واهمة، بل واقعيّة تفكّر في أشياء وأهداف يمكن أن تنعكس على وعينا بأنفسنا، أفرادًا ينتمون إلى هويّة وطنيّة جمعيّة.

إنّ معنى الكلّ الفلسطينيّ، أو الهويّة الجمعيّة الفلسطينيّة، في حالة تطوّره خلال الهبّة الأخيرة «هبّة القدس»، يعكس إدراكًا متناميًا بأنّ النضال ضدّ البنية الاستعماريّة لا يمكن إلّا أن يكون شموليًّا ضدّ البنية وبناها التابعة؛ فالنضال ضدّ توحّش سياسات الإفقار النيوليبراليّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، هو جزء لا يتجزّأ من النضال ضدّ سياسات الاستيطان والتهويد الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة، والقدس، وأراضي 48. وما دامت المؤسّسة الاستعماريّة الأمنيّة تنظر إلى الفلسطينيّين ككلٍّ يشكّل هدفًا لسياسات الإفقار، والإزاحة، والتهجير، والمصادرة، والاعتقال، والسجن، والقتل؛ فإنّ من الضروريّ أن يكون نضال الفلسطينيّين متوحّدًا في بنية مقاومة واحدة ضدّ بنية الاستعمار؛ فكما أنّ الاستعمار بنية وليس حدثًا، على المقاومة نفسها أن تكون بنية وليست حدثًا، وذلك ما تجسّد أخيرًا في حراك «أسبوع الاقتصاد الوطنيّ»، الّذي حاول أن يبني على منجز «إضراب الكرامة» (18 أيّار)، وأن يطرح أسئلة واقعيّة عمّا بعد هذا الأسبوع وبعد هذه الهبّة؛ عن إمكانيّة تطوير رؤية نضاليّة شموليّة توسّع حدود فعل المقاومة ومعانيه ضدّ الاستعمار الصهيونيّ.

 

..........

إحالات

[i] Shafir, Land, Labor and the Origins of the Israeli-Palestinian Conflict, 54-60.

[ii] Ibid, 58-62.

[iii] Svirsky, Marcelo, “Resistance is a structure not an event,” Settler Colonial Studies, (2016).

[iv] Wolfe, Settler Colonialism and the Transformation of Anthropology, 1.

[v] للاطّلاع: إيلان بابيه، التطهير العرقيّ في فلسطين (مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، 2006)؛ رشيد الخالدي، حرب المئة عام على فلسطين - قصّة الاستعمار الاستيطانيّ والمقاومة 1917-2017 (بيروت: الدار العربيّة للعلوم، 2020).

 


أنس إبراهيم

 

 

كاتب وباحث. حاصل على البكالوريوس في العلوم السياسيّة، والماجستير في برنامج الدراسات الإسرائيليّة من جامعة بير زيت. نشر العديد من المقالات في عدّة منابر محلّيّة وعربيّة في الأدب والسينما والسياسة.

 

 

نروي الهبّة: من الشيخ جرّاح إلى غزّة | ملفّ

نروي الهبّة: من الشيخ جرّاح إلى غزّة | ملفّ

12/08/2021
«إِنْ أَنْ قَدْ آنَ أَوانُه»... فنّ يفضح

«إِنْ أَنْ قَدْ آنَ أَوانُه»... فنّ يفضح

04/06/2021
محمّد الكرد... شاعر من القدس يكتب عن رِفْقَة | حوار

محمّد الكرد... شاعر من القدس يكتب عن رِفْقَة | حوار

28/06/2021
جدليّة شَبابْنا مْلاح وْبَناتْ بِتْأَرْجِلْ

جدليّة شَبابْنا مْلاح وْبَناتْ بِتْأَرْجِلْ

04/08/2021
في مديح الْجَدْعَنَة

في مديح الْجَدْعَنَة

03/07/2021
«جمل المحامل»... يعود شابًّا وملثّمًا في غزّة

«جمل المحامل»... يعود شابًّا وملثّمًا في غزّة

27/05/2021
خوارزميّات الموت والاضطهاد: الحزن، التفاعل التشاركيّ، البعثرة الخورازميّة في السوشال ميديا

خوارزميّات الموت والاضطهاد: الحزن، التفاعل التشاركيّ، البعثرة الخورازميّة في السوشال ميديا

16/05/2021
في الجَناح يا عمّي: معجم المواجهة والاشتباك

في الجَناح يا عمّي: معجم المواجهة والاشتباك

14/06/2021
هبّة من أجل القدس: ثقافة الرفض وأفعال المقاومة

هبّة من أجل القدس: ثقافة الرفض وأفعال المقاومة

30/05/2021
ابن العنف: سارتر والاستعمار وفلسطين

ابن العنف: سارتر والاستعمار وفلسطين

07/06/2021
مستشفيات إسرائيل... احتفاء واهم بالتعايش

مستشفيات إسرائيل... احتفاء واهم بالتعايش

04/07/2021
مغترب أمام حدث وطنيّ اسمه «الهبّة»

مغترب أمام حدث وطنيّ اسمه «الهبّة»

24/06/2021
 قواعد الاشتباك الأربعون

 قواعد الاشتباك الأربعون

25/05/2021
"هبّة القدس"... ثوريّة البذاءة

"هبّة القدس"... ثوريّة البذاءة

26/07/2021
نروي الحكاية، نستعيد الجبل

نروي الحكاية، نستعيد الجبل

27/06/2021
مستحيلات المكان وأعجوبة السمكة

مستحيلات المكان وأعجوبة السمكة

02/06/2021
هستيريا جماعيّة: انفجار نظريّة العرق في وجه أصحابها

هستيريا جماعيّة: انفجار نظريّة العرق في وجه أصحابها

14/05/2021
الهبّة... عودة الفنّان إلى شارعه

الهبّة... عودة الفنّان إلى شارعه

30/06/2021
معركة «سيف القدس»: صحف أوروبّا وأمريكا تنحاز لسرديّة إسرائيل

معركة «سيف القدس»: صحف أوروبّا وأمريكا تنحاز لسرديّة إسرائيل

19/05/2021
للحارات شباب يحميها | شهادة

للحارات شباب يحميها | شهادة

27/05/2021
حيفا إلنا: ما بين الحارة، والمحطّة، والمحكمة | شهادة

حيفا إلنا: ما بين الحارة، والمحطّة، والمحكمة | شهادة

25/05/2021
مظاهرة هارتفورد: الهتافات، والشرطة، واللغات

مظاهرة هارتفورد: الهتافات، والشرطة، واللغات

21/05/2021
لنضع ذكرياتنا في الحقيبة... جاءت الحرب | شهادة

لنضع ذكرياتنا في الحقيبة... جاءت الحرب | شهادة

29/05/2021
التضامن مع سلوان... وجهة نظر معلّمة

التضامن مع سلوان... وجهة نظر معلّمة

26/07/2021
الصراع في ضوء الهبّة: الرواية والزمن والتدويل

الصراع في ضوء الهبّة: الرواية والزمن والتدويل

01/06/2021
الجسد حين يقاوم: تأمّلات في سياسات الموت والحياة

الجسد حين يقاوم: تأمّلات في سياسات الموت والحياة

18/05/2021
الاحتلال متقدّم في قياس حالة الطقس!

الاحتلال متقدّم في قياس حالة الطقس!

19/06/2021
الصور الّتي لن تفارقنا

الصور الّتي لن تفارقنا

21/05/2021
لأنّ حياة الفلسطينيّين أيضًا مهمّة

لأنّ حياة الفلسطينيّين أيضًا مهمّة

05/07/2021
واجبنا أن نغضب | ترجمة

واجبنا أن نغضب | ترجمة

22/05/2021
جغرافيا من مسنّنات

جغرافيا من مسنّنات

13/08/2021
عنوان المعركة: وعي جديد يفكّك وعيًا مريضًا

عنوان المعركة: وعي جديد يفكّك وعيًا مريضًا

18/05/2021
مراكز غزّة الثقافيّة ومكتباتها... هدفٌ دائم لإسرائيل

مراكز غزّة الثقافيّة ومكتباتها... هدفٌ دائم لإسرائيل

21/06/2021
«أجمل ما فينا»... قيم الهبّة ومعانيها

«أجمل ما فينا»... قيم الهبّة ومعانيها

21/06/2021

التعليقات