08/09/2021 - 17:22

«مِنْ سجن عكّا»: كيف تفاعلت صحف فلسطين مع إعدام المناضلين الثلاثة؟

«مِنْ سجن عكّا»: كيف تفاعلت صحف فلسطين مع إعدام المناضلين الثلاثة؟

أسرى فلسطينيّون خلال الاحتلال البريطانيّ (1930) | Getty

 

في 17 حزيران عام 1930، أقدمت حكومة الانتداب البريطانيّ في فلسطين على إعدام ثلاثة مناضلين فلسطينيّين: محمّد أبو جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، بعد أن حكمت عليهم محكمة الجنايات بالإعدام شنقًا؛ بادّعاء ارتكابهم جرائم قتل، في خضمّ أحداث ما يُعْرَف بـ «ثورة البُراق» في آب (أغسطس) 1929.

كان المحكومون الثلاثة من ضمن العشرات الّذين اعتقلتهم سلطات الانتداب وحكمت عليهم بالإعدام آنذاك؛ على أنّ أحكام الإعدام الّتي صدرت ضدّ باقي المعتقلين استُبْدِلَت بها أحكام بالسجن المؤبّد في أوائل حزيران (يونيو) عام 1930. نُشِرَت أسماء المعفيّين من حكم الإعدام، ضمن بلاغ رسميّ رقمه 14 في الصحف المحلّيّة؛ ليتبيّن أنّ أسماء الرجال الثلاثة قد اسْتُثْنِيَت من العفو. وما إن جرى التأكّد من الأسماء الثلاثة، حتّى بدأت الصحف باستقبال أخبار ومقالات وتحليلات، ونشرها، ركّزت جميعها على القضيّة.

سنتناول في هذه المقالة تفاعل الصحف والمجلّات الفلسطينيّة مع هذه القضيّة، وصوت الفلسطينيّين المعبّر عنه في ما نُشِرَ فيها، وأشكال هذا التعبير ومضمونه.

 

احتجاج الأمّة

بدأ الأمر بالتعبير عن انتقاد العفو غير الشامل الّذي منحه المندوب الساميّ؛ فنجد، مثلًا، صحيفة «مرآة الشرق» تعبّر في عددها الصادر يوم 4 حزيران (يونيو) 1930 عن الرأي العامّ تجاه قرار العفو، جاء فيه: "لا ريب أنّ الناس كانوا فرحين جدًّا يوم تلقّوا هذا الخبر، ولكنّ فرحهم لم يكمل حينما قرؤوا أنّ هناك ثلاثة أشخاص لم يشملهم العفو"[1]؛ وهو ما عبّرت عنه صحيفة «فلسطين» في اليوم نفسه، حين نشرت أنّ "العفو لا يَحْسُن وَقْعُه إلّا إذا كان شاملًا"، وأنّ "العفو الناقص الّذي أصدره فخامة المندوب الساميّ لا يفيد في لَأْم الجراح وتهدئة ثائرة النفوس"[2]، وهو أيضًا ما نشرت عنه صحيفة «الكرمل» في اليوم نفسه، حين كتبت عن "الإنجليز [الّذين[ يحكموننا مباشرةً في فلسطين، [وعن[ أنّ هذه الأحكام صدرت عن محاكم إنجليزيّة صرفة"[3]، طاعنةً في عدالتها.

رغم ذلك كلّه، قوبِلت المطالبات بالرفض، وأُعْدِمَ جمجوم وحجازي والزير شنقًا في يوم 17 حزيران (يونيو) في سجن عكّا، فخصّصت الصحف صفحاتها الأولى لإعلان الإعدام وحداد وطنيّ شامل...

ومع إعلان تاريخ 17 حزيران (يونيو) موعدًا للإعدام، ارتفعت الأصوات بالمطالبة بالعفو، ومعها الدعوة إلى إضراب عامّ في أرجاء فلسطين؛ احتجاجًا على قرار الإعدام. وكان يوم 15 حزيران (يونيو) يوم الإضراب المنشود، الّذي "تقوم به الأمّة احتجاجًا على تنفيذ حكم الإعدام في حجازي وجمجوم والزير"[4]. وسرعان ما تحوّلت الصحف الفلسطينيّة إلى منصّة لنشر الاستنكار وطلبات العفو، الّتي أرسلها الناس أفرادًا وجماعات إلى المندوب الساميّ، وإلى ملك بريطانيا نفسه، الملك جورج الخامس؛ فها هي «الجمعيّة الإسلاميّة المسيحيّة» في اللدّ، مثلًا، تنشد الملك العفو عن المحكومين في عدد من الصحف، منها صحيفتا «الحياة» و«اليرموك»، بين صحف أخرى. وكان من ضمن المجموعات الّتي ساهمت في طلب العفو، بحسب صحيفة «الكرمل» في عددها الصادر بتاريخ 14 حزيران (يونيو): «جمعيّة السيّدات بعكّا»، و«الوفد الفلسطينيّ العربيّ»، و«الجمعيّة الإسلاميّة بحيفا»، و«جمعيّة الاتّحاد النسائيّ»، إلى جانب أفراد محلّيّين ووفود أحزاب وصحف وطنيّة في سوريا، حتّى وصل الأمر إلى رئيس وزراء العراق، الّذي أرسل "كتابًا إلى جلالة ملك بريطانيا بواسطة المندوب الساميّ في العراق، بيّن فيه أنّ تخفيف عقوبة الثلاثة الّذين لم يشملهم العفو في فلسطين لا يمسّ العدل". وامتدّت المطالبات إلى لبنان والعراق والحجاز وشرق الأردنّ؛ فكانت البرقيّات "تطير يوميًّا من الجمعيّات إلى فخامة المندوب الساميّ، وإلى صاحب الجلالة الملك"[5]، حتّى أصدرت اللجنة التنفيذيّة بيانًا جاء فيه: "لم تبقَ هيئة رسميّة ولا سياسيّة ولا صحيفة من الصحف في فلسطين وفي سواها، إلّا وألحّت على الحكومة بطلب العفو عن المحكومين بالإعدام" [6].

رغم ذلك كلّه، قوبِلت المطالبات بالرفض، وأُعْدِمَ جمجوم وحجازي والزير شنقًا في يوم 17 حزيران (يونيو) في سجن عكّا، فخصّصت الصحف صفحاتها الأولى لإعلان الإعدام وحداد وطنيّ شامل؛ مبيّنةً أنّ هذا الإعدام "مظهر من مظاهر سياسة تصريح بلفور"، في ربط مباشر بين الأطماع الصهيونيّة في البلاد وضحايا الإعدام. عَمَّ الإضراب "سائر جهات فلسطين، مدنها وقراها، برّها وبحرها، متاجرها ومصانعها ومدارسها"[7]، وراحت الصحف تنشر تفاصيل السويعات الأخيرة من حياة الشهداء، وأحاديثهم، ووصاياهم.

 

حداد شعريّ

وما إن انقضى يوم الإعدام حتّى بدأت الصحف بنشر مقالات تعزّز الانتماء القوميّ، وراحت تنشر قصائد لشعراء معروفين وآخرين مغمورين تنعى الشهداء وتفخر بهم، وتستدعي صور التضحية والفداء والبطولة، حتّى القداسة الّتي أُسْبِغت على الشهداء، إلى درجة "تنافس الشعراء وكتّاب الأغاني الفلسطينيّون في مدح الشهداء [الثلاثة]"[8]. فكان الشعر من أدوات الاحتجاج الشعبيّ الصارخ، الّذي وثّق الالتفاف الشعبيّ الضخم حول الشهداء الثلاثة، من خلال قصائد ترسم فلسطين بامتداداتها الوطنيّة والقوميّة والتاريخيّة، على نحو شمل بلادًا أخرى وأزمنة أخرى تتّصل وجدانيًّا بحدث الإعدام.

فنرى، على سبيل المثال، قصائد تمنح الشهداء الثلاثة صورة المسيح الفادي المصلوب المنتصر على الموت. بعد يومين من الإعدام، نشرت صحيفة «اليرموك» في عددها الصادر يوم 19 حزيران (يونيو)، قصيدة بعنوان «أرجوحة الأبطال»، موقّعةً باسم «عربيّ» من مدينة نابلس، جاء فيها:

"هذا هوَ فؤادٌ يتبرّعُ بنفسِهْ

هذا هوَ عطاءٌ يجودُ بروحِهْ

هذا هوَ محمّدٌ يبذلُ مهجتَهْ

[...]

يموتونَ لنحيا!                                                                                                        

يُصْلَبون لنعيش!

[...]

أيّتُها الضحايا المقدّسة!

ماذا فعلَ ذكراكِ في النفوس؟

أنتِ موجودةٌ ولو كنتِ في الرموس

أيُّها المصلوبونَ

أنتم باقونَ وإنْ غيّبَكم القبر"[9].

 

قبور الشهداء: محمّد جمجوم، فؤاد حجازي، عطا الزير | صحيفة «القدس»

 

الصورة نفسها تظهر في قصيدة «شهداء فلسطين»، للشاعر الملّاح بصحيفة «الحياة» الصادرة في تاريخ 25 حزيران (يونيو)، جاء فيها:

"لهفي على شهداءِ حقٍّ صُلِبوا ظلمًا! وويلي مِنْ ظلومٍ صُلِبا

ثارتْ بِهِم للذودِ عَنْ أوطانِهم دعوى يهود بِها، ونخوةُ يَعْرُبا[10]

 

لم تكن هذه أوّل مرّة تُسْتَخْدَم فيها صورة المصلوب للإشارة إلى هؤلاء الشهداء؛ فقد اسْتُخْدِمَت بكثرة في مناشدات الناس عدم «صلب» المحكومين قبل الإعدام، واستمرّ استخدام الصورة ذاتها بعد ذلك، حتّى في المقالات والأخبار التقريريّة غير الشعريّة، وفي قصائد منوّعة.

لم تكن هذه أوّل مرّة تُسْتَخْدَم فيها صورة المصلوب للإشارة إلى هؤلاء الشهداء؛ فقد اسْتُخْدِمَت بكثرة في مناشدات الناس عدم «صلب» المحكومين قبل الإعدام، واستمرّ استخدام الصورة ذاتها بعد ذلك...

إنّ استدعاء صورة المسيح المصلوب في شخوص الشهداء، ينطوي على تداعيات تفرض نفسها على المشهد العامّ، وتُعَرِّف طبيعة العلاقة بالإنجليز من جهة واليهود من جهة أخرى؛ فإذا كان الشهداء الثلاثة يستحضرون المسيح المصلوب، فإنّ بريطانيا «المسيحيّة»، بالتالي، تستحيل إلى روما «الوثنيّة» الّتي أعدمت المسيح، وزعماء اليهود الّذين طالبوا بإعدام المسيح قبل ألفي عام، ينعكسون في صورة الحركة الصهيونيّة الّتي عارضت طلبات العفو الصادرة عن هيئات فلسطينيّة؛ على أنّ حكاية المسيح لا تنتهي على الصليب؛ فالشهيد يحيا بعد الموت ويُوْلَد من جديد، مهما تغيّر وجه الظلم وتبدّلت لغته. وكأنّ الشعراء يقولون: لئن كنّا عربًا ومسلمين، فإنّا أَوْلى بالمسيح ابن البلاد، من مستعمر أجنبيّ يدّعي انتسابه إليه، ويفعل فعل صالبيه؛ ذلك أنّ المظلوم أَوْلى بالمظلوم، والمصلوب أَوْلى بالمصلوب، وابن البلد أَوْلى بابن البلد، وظالم اليوم كظالم الأمس، يزول ونبقى. فإن كانت روما بكلّ جبروتها قد ذهبت، يصبح رحيل الإنجليز مسألة وقت لا أكثر.

واصل الشعراء نشر قصائدهم، فكان منهم مَنْ استدعى أحداثًا تاريخيّة تتّصل في معناها بحدث الإعدام. في 27 حزيران (يونيو)، مثلًا، جاء في الافتتاحيّة الّتي نشرتها صحيفة « النفير» بعنوان «ماتوا...!» ما يأتي:

"بالأمسِ ماتَ غيرُهُمْ منْ شبابِ العرب

بالأمسِ تخضّبَتْ أعناقُ المشانقِ بدماءِ الشبابِ القاني

بالأمسِ علا النحيبُ، وذُرِفَت الدموعُ، وتقرّحتِ الأجفان

بالأمسِ بكتِ الأمّةُ ولكنْ دونَ أنْ تيأس"[11].

 

وكان الشاعر إبراهيم طوقان أكثر دقّةً في تحديد هويّة أولئك الشباب العرب، لاحقًا، في قصيدته «الثلاثاء الحمراء»، الّتي نشرتها صحيفة «اليرموك» في 10 تمّوز (يوليو):

"أنا في رُبى (عاليه) ضاعَ شبابي

وشهدتُ (للسفاحِ) ما أبكى دما

 ويلٌ لَهُ ما أظلما"[12].

 

اجتمعت صور المشانق والظلم والشباب والسلطة الأجنبيّة الّتي وقّعت صكّ إعدامهم، على نحو يكاد يتماثل مع الحدث الجلل؛ فشباب العرب الّذين أُعْدِموا في تلك الأبيات كانوا من جملة الوطنيّين العرب، الّذين صدرت أحكام إعدامهم عن الديوان العرفيّ في عاليه، بأمر جمال باشا السفّاح، الحاكم التركيّ، الّذي اشتهر بعدائه للعرب؛ فالمشانق الّتي نصبها الإنجليز في سجن عكّا، على هذا النحو، تستحضر المشانق الّتي نصبها جمال باشا في ساحة البرج ببيروت، وأعدم فيها 11 وطنيًّا من أعيان العرب في تاريخ 21 آب (أغسطس) 1915، وفي ساحة المرجة بدمشق حيث أعدم 21 وطنيًّا من القادة والصحافيّين العرب في 6 أيّار (مايو) 1916[13].

وكان من اللافت في قصيدة طوقان أنّ الشاعر لم يكتفِ باستحضار صور من التاريخ الحديث، بل استحضر أيضًا، بين أشياء أخرى، صورة محاكم التفتيش الّتي وصفها بـ "الباغية"؛ في إشارة منه إلى حكومة الانتداب، وكان منه أن منح الشطر الأكبر من قصيدته مبنًى أدبيًّا يستحضر فيه مبنى الموشّح الأندلسيّ؛ وكان أيضًا، أنّ صحيفة «اليرموك» نشرت قصيدة طوقان في الصفحة نفسها الّتي نشر فيها السيّد هاني أبي مصلح، صاحب الجريدة، مقالة بعنوان «أصحيحٌ هذا؟ أنّ فلسطين أندلس جديد!». كان شبح فقدان البلاد لقوًى أجنبيّة غير مسلمة ماثلًا، ليس من الممكن تجاهله، وعبّر طوقان عن ذلك بتوظيف بنية نصّه الشعريّ، والصور الّتي استحضرها في أبياته.

بل إنّ بعض الصحف لجأ إلى إعادة نشر قصائد يعرفها الشعب، كانت قد كُتِبَت قبل سنوات معدودات من حادثة الإعدام، تتّصل في معناها بالسياق الراهن آنذاك؛ إذ أعاد بعض الصحف نشر قصيدة «يا ظلام السجن خيّم» الّتي ألّفها الصحافيّ السوريّ، نجيب الريّس، من سجنه في جزيرة أرواد إبّان حكم الفرنسيّين لسوريا، سنوات العشرين. على أنّ صحيفة «الكرمل»، في عددها الصادر في 14 حزيران (يونيو)، أي قبل الإعدام ببضعة أيّام، طالبت بإعادة نشر القصيدة بعد إجراء تعديل بسيط عليها يتناسب مع واقعة إعدام الثلاثة[14]. فكان أن اسْتُبْدِلَت بكلمة "السجن" كلمة "القبر"، وبكلمة "الليل" كلمة "الموت"؛ فصار مطلع القصيدة يتقاطع في معناه مع صورة حياة الشهيد بعد الموت والرجاء في خلاص حتميّ. استمرّ نشر القصيدة في مختلف الصحف، مع التعديل المذكور بعد الإعدام، مع المطلع الآتي:

"يا ظلامَ القبرِ خيّمْ/ إنّنا نهوى الظلاما

ليسَ بعدَ الموتِ إلّا/ فجرُ مجدٍ يتلالا"

 

إلى جانب ذلك، نشرت بعض الصحف في أعقاب إعدام الثلاثة، قصائد كُتِبَت بلغة عامّيّة. وكان من صحيفة «اليرموك»، على نحو خاصّ، أن خصّصت زاوية أسمتها «عواطف طبقة الشعب». نشرت الصحيفة مشاركات أدبيّة، ساهم فيها أشخاص لا يُعْرَف عنهم اشتغالهم في الشعر والنشر؛ فاستلمت الصحيفة قصائد كتبها عتّالون وبيّاعون وعمّال وفرّانون وحرفيّون وغيرهم. تميّزت القصائد العامّيّة بقِصَرِها ومباشرتها. على سبيل المثال، نشرت «اليرموك» قصيدة قصيرة في 30 حزيران (يونيو) عنوانها «حرام علينا اللهو...»، موقّعةً باسم فهد الجلبوش، الّذي كان يعمل فرّانًا[15]. عبّر الجلبوش عن حزنه العميق في أعقاب الإعدام:

"ظَلَمِتْ يَلّلي حَكَمِتْ عَالْأَبْطال بِالْإِعدام/ فؤاد والزيرْ وِالْجَمْجومْ راحوا عْدامْ

وَاللهِ مِنْ حينْ ما قَرِّ الْقَرارْ بِعْدامْ/ وَانا مْقَرَّحِ الْجِفِنْ مِنْ كُثْرِ الْبُكا وِنْواحْ".

 

عبّرت العامّيّة عن انسيابيّة المشاعر وصدقها، بشكل بعيد عن التكلّف في الصياغة، وبعيد عن استخدام لغة عالية قد لا يفهمها كلّ قارئ. العامّيّة صورة من صور التعبير عن الهويّة المحلّيّة وإبرازها في وجه المستعمِر، والكتابة بالعامّيّة تعكس ردّ الفعل الفوريّ والصادق والطبيعيّ؛ وهو ما يمنحنا أداة أخرى، نفهم من خلالها ردّ فعل الناس على إعدام الثلاثة.

 

الوعي

إنّ التوثيق الأدبيّ لتداعيات الإعدام على الشعب ينطوي على أهمّيّة كبيرة، تتجلّى في جوانب عدّة. فإنّ القصائد المنشورة، على اختلاف صورها الدينيّة والتاريخيّة، وعلى اختلاف بناءاتها الشعريّة، وتوظيفاتها اللغويّة الفصيحة منها والعامّيّة، تتّفق جميعها على شيء واحد: مقاومة الاستعمار ومعارضة الظلم أيًّا كان وجهه أو لغته أو دينه.

كلّ ذلك وضع قضيّة الإعدام في سياق وطنيّ أوسع، تاريخيًّا وجغرافيًّا، ينطلق من فلسطين، ويتخاطب وجدانيًّا مع حوادث تستحضرها واقعة الإعدام، معبّرًا بذلك عن تجلّيات الظلم وتداعياته، وحجم الالتفاف الشعبيّ الواعي...

 

وكان من شأن ذلك أن ربَط قضيّة الإعدام بهويّة وطنيّة جامعة تجاوزت الحدود الجغرافيّة والتاريخيّة لفلسطين؛ فالإنجليز راحلون مثل الرومان والأتراك، والقرارات الظالمة ستبقى دمغة في التاريخ، مثل الفظائع الّتي ارتكبتها محاكم التفتيش في إسبانيا، أو سَجْن الوطنيّين العرب في جزيرة أرواد تحت حكم الفرنسيّين.

كان خطر الحركة الصهيونيّة واضحًا وماثلًا في الوعي، من حيث إنّها حركة استعماريّة أخرى تُضاف إلى سلسلة الاستعمارات السابقة، وظُلْم تاريخيّ صارخ، وهو ما عبّرت عنه النعايا الّتي نُشِرَت يوم الإعدام في صحف البلاد، بالإشارة إلى «وعد بلفور».

كلّ ذلك وضع قضيّة الإعدام في سياق وطنيّ أوسع، تاريخيًّا وجغرافيًّا، ينطلق من فلسطين، ويتخاطب وجدانيًّا مع حوادث تستحضرها واقعة الإعدام، معبّرًا بذلك عن تجلّيات الظلم وتداعياته، وحجم الالتفاف الشعبيّ الواعي، الّذي شارك فيه الناس من كلّ مشارب الحياة.

.........

إحالات

[1] "حول العفو عن المحكومين بالإعدام"، مرآة الشرق [حيفا، فلسطين]، 4/06/1930، ص2.

[2]  "العفو لا يحسن وقعه إلّا إذا كان شاملًا"، فلسطين [يافا، فلسطين]، 4/06/1930، ص1.

[3] "المحكومون بالإعدام: عفو من السجن إلى القبر"، الكرمل [حيفا، فلسطين]، 4/06/1930، ص4.

[4] افتتاحيّة صحيفة اليرموك [يافا، فلسطين]، 15/06/1930، ص1.

[5] "اهتمام العرب بالمحكومين بالإعدام"، الكرمل [حيفا، فلسطين]، 14/06/1930، ص4.

[6]  "بيان اللجنة التنفيذيّة إلى الأمّة العربيّة الكريمة"، الإقدام [يافا، فلسطين]، 16/06/1930، ص2.

[7] "في سائر فلسطين"، الزهور [حيفا، فلسطين]، 17/06/1930، ص2.

[8]  Cohen, Hillel, and Haim Watzman. Year Zero of the Arab-Israeli Conflict 1929 (The Schusterman Series in Israel Studies). 1st ed., Brandeis University Press, 2015.

[9] "أرجوحة الأبطال"، اليرموك [حيفا، فلسطين]، 19/06/1930، ص1.

[10]  الملّاح، "شهداء فلسطين"، الحياة [القدس، فلسطين]، 25/06/1930، ص3.

[11] "ماتوا ...!"، النفير [حيفا، فلسطين]، 27/06/1930، ص1.

[12]  إبراهيم طوقان، "الثلاثاء الحمراء"، اليرموك [حيفا، فلسطين]، 10/07/1930، ص1-2.

[13] Zachs, Fruma. "Transformations of a Memory of Tyranny in Syria: From Jamal Pasha to 'Id al-Shuhda', 1914-2000." Middle Eastern Studies, vol. 48, no. 1 (2012), pp. 73-88. Crossref; and Tamari, Salim, "A 'Scientific Expedition' to Gallipoli: The Syrian-Palestinian Intelligentsia and the Ottoman Campaign Against Arab Separatism." Jerusalem Quarterly, vol. 56 (2013), pp. 6-28.

[14]  "محلّيّات: يوم الثلاثاء"، الكرمل [حيفا، فلسطين]، 14/06/1930، ص5.

[15] فهد الجلبوش، "حرام علينا اللهو"، اليرموك [حيفا، فلسطين]، 30/06/1930، ص3.

 

 


إياد معلوف

 

 

محاضر ومترجم مستقلّ من فلسطين، حاصل على ماجستير الأدب الإنجليزيّ من جامعة حيفا، وطالب دكتوراه في الأدب المقارَن في جامعة تل أبيب. يعمل مدرّسًا للأدب الإنجليزيّ في «كليّة سخنين لتأهيل المعلّمين». درّس اللغة العربيّة لغير الناطقين بها في «جامعة كونيتيكت» في الولايات المتّحدة ضمن برنامج «فولبرايت».

 

 

التعليقات