11/05/2022 - 16:12

في وداع الشهيدة... شيرين أبو عاقلة

في وداع الشهيدة... شيرين أبو عاقلة

شيرين أبو عاقلة (1971 - 2022)

 

"لن أنسى أبدًا حجم الدمار، ولا الشعور بأنّ الموت كان أحيانًا على مسافة قريبة، في اللحظات الصعبة تغلّبت على الخوف، ورغم الخطر كنّا نصرّ على مواصلة العمل. ليس سهلًا أن أغيّر الواقع، لكنّني على الأقلّ كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم... أنا شيرين أبو عاقلة".

كانت هذه كلمات الصحافيّة الفلسطينيّة ومراسلة «قناة الجزيرة» شيرين أبو عاقلة الّتي استشهدت صباح اليوم الأربعاء، 11 أيّار (مايو) 2022، عندما أطلق عليها جنود الاستعمار الإسرائيليّ الرصاص الحيّ أثناء تغطيتها لاقتحامهم لمخيّم جنين في الضفّة الغربيّة.

كان صوت أبو عاقلة حاضرًا في كلّ بيت فلسطينيّ خلال انتفاضة القدس والأقصى (الثانية)، وما تلاها من محطّات فارقة في النضال الفلسطينيّ، وقد كانت بدايات ظهور هذا الصوت، الّذي عادة ما انتهى بقولها: "شيرين أبو عاقلة، الجزيرة، فلسطين"، تحديدًا من جنين المخيّم والمدينة خلال الانتفاضة في حينه، لتعود مرّة أخرى بعد ما يقارب عشرين عامًا إلى المكان نفسه مدركة، ربّما، أنّ إرادة القتل الإسرائيليّة في انتظارها، تلاحقها منذ عام 1997 حتّى عام 2022.

لقد تمكّنت شيرين برفقة زملائها وزميلاتها من تغيير الواقع، عبر مساهمتهم المصرّة في تشكيل ذاكرة فلسطينيّة عنيدة، وتمكّنوا من توثيق وأرشفة زمن فلسطينيّ متقلّب مليء بالمعاناة والدمار والحصار والاحتلال، وأيضًا الصمود أمام كلّ ذلك ومقاومته، وستظلّ شيرين جزءًا من تلك الذاكرة الجمعيّة الفلسطينيّة.

لم يكن غريبًا أن يثير استشهاد شيرين غضبًا وحزنًا جمعيًّا فلسطينيًّا وعربيًّا واسعًا، فقد كان لصوتها حضور دائم في صياغة الرواية الفلسطينيّة الإعلاميّة، على مدى العقدين الماضيين، وكانت جزءًا أصيلًا من الهمّ الجمعيّ الفلسطينيّ، والأمل.

نرصد في فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة شهادات وتعليقات كاتبات وكتّاب وفنّانات/ ين وباحثات/ ين وناشطات/ ين فلسطينيّات/ ين وعربًا، يتحدّثون فيها عن الزميلة الراحلة شيرين أبو عاقلة، رثاءً ووداعًا.

 

 

الكتابة الخائفة

إبراهيم نصر الله

تذهب الكتابة بقلبها المرتجف خائفة وهي تعيش أولئك البشر الّذين كلّما قبضوا بكامل أيديهم على قطعة من حرّيّهم اكتشفوا أنّهما لا يملكون المكان الآمن الّذي يخبّئونها فيه، سوى أجسادهم، ويواصلون، إلى أن تفيض حرّيّتهم عن مدى أجسادهم فيتحوّلون إلى شهداء.

شيرين... لروحك السلام.

إبراهيم نصر الله - روائيّ فلسطينيّ. 

 

 

 

 

شخصيّة تغيّر فينا

أحلام مصطفى

خرجت شيرين أبو عاقلة من مخيّم جنين عام 2002 إلى العالم.

هناك شخصيّات في حياتنا تغيّر لنا صورتنا عن أنفسنا وعن الحياة، وتحدث وفاتهم في نفوسنا غصّة وندبة غائرة، ليس لأنّ أراوحهم أغلى من أرواح الملايين، ولكن لأنّهم لمسوا فينا شيئًا.

كالكثير من الفلسطينيّين، وربّما العرب، كبرت والتلفاز في بيتنا يصدح بنشرة الأخبار أغلب اليوم، أمّا في أوقات الأزمات والنكبات، فكان ذلك الصوت لا يتوقّف.

كبرت وأنا أتشرّب حبّ الحقيقة وكره الظلم والزيف، قلت سأصبح صحفيّة عندما أكبر، وكبرت واتّجهت إلى دراسة الصحافة بعضًا من الوقت، ولكنّ رحلتي في البحث قادتني إلى مسالك أخرى.

البحث عن الحقيقة، الحديث بأصوات المقهورين، السير في دروب العدالة، الانتصار للإنسان قبل أيّ شيء... والتحرّر من كلّ قيد، من كلّ حاجز، من كلّ سطوة، كما أراد لنا الخالق.

هذه الحرّيّة ثمنها غالٍ، وطريقها طويل، أغلبه نقطعه في داخل أنفسنا. شيرين كانت صوتًا من تلك الأصوات الّتي كبرت معها، شخصًا من تلك الشخوص الّتي أشارت لي، هادئة مستكينة واثقة راسخة.

عادت شيرين إلى مخيّم جنين حيث بدأت، كان صوتها عاليًا في حياتها، وها هو صوتها أعلى ما يكون في مماتها.

اللهمّ ارزقنا حياة عريضة في الحقّ، واختم لنا بموت يصدح بالحقّ.

أحلام مصطفى - باحثة في الدراسات الثقافيّة. 

 

 

وجه للزمن الفلسطينيّ

الجمهوريّة

الانتفاضة الثانية، الحروب العدوانيّة المتكرّرة على غزّة منذ العام 2008، مسيرات العودة، ومواجهات حيّ الشيخ جرّاح في القدس، ومئات الأحداث والمظاهرات والمواجهات، وصولًا إلى الاقتحام الأخير لمخيّم جنين من قبل القوّات الإسرائيليّة.

محطّات فارقة على الخطّ الزمنيّ للنضال الفلسطينيّ المستمرّ حضرت فيها شيرين أبو عاقلة، على مدى أكثر من عقدين من التغطية الإعلاميّة، مقدّمة صورة نموذجيّة لعمل المراسلة الحربيّة الّتي كانت أبرز وجوهها في الشأن الفلسطينيّ. نقلت صورة القضيّة الّتي كانت جزءًا منها حتّى اللحظة الأخيرة، فكانت حياتها سيرة فلسطينيّة بامتياز، من النضال والمواجهة ونقل صورة الحقيقة وحتّى الشهادة.

اغتِيلَتْ شيرين أبو عاقلة صباح اليوم برصاص قنّاص قوّات الاحتلال الإسرائيليّة أثناء تغطيتها أخبار اقتحام مخيّم جنين.

الجمهوريّة. 

 

طمس للحقيقة

جمعيّة الثقافة العربيّة

منذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية وحتّى هذا اليوم الكئيب الّذي أعلن فيه عن استشهادها، خلال تغطيتها لاقتحامات وانتهاكات الاحتلال في جنين، كانت الشهيدة المناضلة شيرين أبو عاقلة صوتًا فلسطينيًّا بارزًا في نقل رواية شعبها وحقّه في التحرّر، مناصرة وداعمة لقضيّة فلسطين، ولرسالة عملها وناقلة للحقيقة من قلب الحدث.

إنّ مشهد الحزن العامّ يُظْهِرُ لوحده حجم الفقدان، وحجم تأثير الشهيدة ومصداقيّتها وحضورها في أذهان الناس عند اكتساب الحقيقة، ويُظْهِرُ كذلك حجم الإجرام والكذب الّذين يمتهنهما الاحتلال.

استهداف الصحافيّة الشهيدة شيرين أبو عاقلة هو جزء مقصود وممنهج لطمس الحقيقة، وحصار نقل صورة انتهاكات الاحتلال إلى العالم. وكان استهداف مئات الصحافيّين واغتيالهم أو أذيّتهم في فلسطين دليلًا على أنّ هذا الاغتيال ليس حدثًا منفصلًا ولا خطأً ولا يتحمّل أيّ كذبة إسرائيليّة تغطّي على هذه الجريمة وجرائم سبقتها.

ليبق اسمك يا شيرين عنوانًا للعمل الصحافيّ الأخلاقيّ، ولتبق ذكراك طيّبة في بثّ صوت قضيّتنا العادلة.

سنشتاق إلى صوتك الّذي ناصرنا وساهم في إعلاء شأن الحقيقة.

جمعيّة الثقافة العربيّة - حيفا. 

 

 

إعادة مركزة الصوت الفلسطينيّ 

جاد قعدان

استهداف وارتقاء الصحافيّة الشهيدة شيرين أبو عاقلة بأقبح وأسفل الطرق – رصاص قنّاص جبان – يعيد ليثبت أنّ الكلمة الحرّة هي من أكثر ما يهدّد هذا الكيان وهذا الواقع الغاشم والسفيه... كما قال درويش:

"لنا بلد من كلام، تكلّم تكلّم لأُسْنِدَ دربي على حجر من حجر

لنا بلد من كلام، تكلّم تكلّم لنَعْرِفَ حدًّا لهذا السفر".

ومن أجل أن نتكلّم نحن بحاجة للإصغاء، أي لإدراك الواقع والمؤلم من حولنا... ولإدراك هذا الواقع علينا أوّلًا أن نفهم أنّه لا يمكن الفرار من مصيدة اللغو وخداع النفس الإسرائيليّة الاستعماريّة إلّا بالإعراض عنها واعتزالها. لا ناقة لنا فيها ولا بعير، وأقصد بذلك اعتزال استهلاك الكذب والهراء الإسرائيليّ إن كان في مسلسل ما يسمّى بالـ ’الأخبار‘ أو غيره من ثقافة بنيت على منطق خداع الذات وإنكار الوجود والحقيقة.

في رحيل شيرين أبو عاقلة دعوة لإعادة مركزة صوت شيرين الممتدّ لزملائها في الصحافة الفلسطينيّة الحقيقيّة، الأبطال الّذين يدفعون ثمن تضحيتهم يوميًّا إن كان على شكل تضحية بالروح أو تضحيات أخرى مثل تهميش صوتهم وتصغير منصّاتهم ورتبهم. هؤلاء هم الّذين يجب أن يوضعون في المركز، وأعني أن نبدّل الهراء الصهيونيّ بأصواتهم العربيّة الجميلة الحرّة في كلّ يوم وفي كلّ ساعة وفي كلّ دقيقة. هذه هي الرسالة الّتي حملتها شيرين.

جاد قعدان - باحث ومدرّب وناشط. 

 

 

سنخسر الكثير

خالد جمعة

من بعدك... سنخسر كثيرًا يا شيرين.

إنّه يوم فلسطينيّ حزين... صار الكلام مثل صبّارة في الحنجرة، إن خرج جرح، وإن بقي أدمى.

كنّا نرى شيرين أبو عاقلة فنشعر بأنّها ابنة الجيران الّتي سهرنا في بيتها أمس، أو أنّها قريبتنا العائدة من سفر، ورغم كلّ تحفّظاتنا على «الجزيرة»، ظلّت شيرين بالذات بمنأى عن هذه التحفّظات، نثق بما تقول وكأنّها مخلوقة من صدق، وجهها القريب من القلب، لهجتها الّتي تتغيّر بتغيّر الموقف الّذي تنقله، دموعها المحتبسة وهي تجلس مع أمّ شهيد، أو صاحب بيت مهدوم، كأنّ كلّ مأساة فلسطينيّة هي مأساتها الشخصيّة، ببساطة كنّا نحبّها دون أن نعرف سببًا، ودون حاجة إلى سبب.

سنخسر الكثير من بعدك يا شيرين، ثقتنا بالخبر، سنخسر روحك الّتي لم تتردّد يومًا في الدخول بين الدبّابات وجيبّات العسكر لتنقل صورةً وخبرًا لم يجرؤ الآخرين على نقله، سنخسر طمأنينة الأمّهات لصوتك حين تقولين إنّ الولد بخير، وسنخسر وجهك على الشاشة وهو يقول: لا تقلقوا، أنا هنا إذن ستعرفون الحقيقة.

ويتردّد صوتك في إحدى مقابلاتك وأنت تتحدّثين بهدوء: "لن أنسى أبدًا حجم الدمار، ولا الشعور بأنّ الموت كان أحيانًا على مسافة قريبة، لم نكن نرى بيوتنا، كنّا نحمل الكاميرات وننتقل عبر الحواجز العسكريّة والطرق الوعرة، كنّا نبيت في المستشفيات، أو عند أناس لم نعرفهم، ورغم الخطر، كنّا نصرّ على مواصلة العمل، في اللحظات الصعبة تغلّبت على الخوف، فقد اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان، ليس سهلًا ربّما أن أغيّر الواقع، لكنّني على الأقلّ، كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم، أنا شيرين أبو عاقلة".

ستظلّ صورتك، طلّتك، صوتك، إلى أزمان كثيرة آتية، ستكونين مرجحعيّة الصحفيّ الحرّ، سيشبّهون أيّ صحفيّ جريء ومدافع عن الحقيقة بكِ، ستكون جوائز للشجاعة الصحفيّة باسمك، ستكون هناك شوارع وقاعات ومؤسّسات باسمك، ومع ذلك فإنّنا سنخسر كثيرًا، فمثلك لا يولدون كلّ يوم، ومثلك لا يستشهدون كلّ يوم بهذا العنفوان الّذي لجنود المقدّمة.

خالد جمعة – كاتب وشاعر.

 

لا تغيّر الصورة عدا حياة ملتقطها 

عبّاد يحيى

عاشت شيرين أبو عاقلة زمنين إعلاميّين، أوّل زمن كان فيه العالم بالكاد يرانا، ويفضلها وفضل صحفيّات وصحفيّين وصلت صورتنا ورآنا العالم وسَمِعَ وعَرَفَ.

نجت من الموت القريب في ذاك الزمن، أمّا الزمن الثاني الّذي نعيشه اليوم، فالعالم رآنا فيه وسمعنا أكثر ممّا ينبغي، رأى كلّ شيء وعرف كلّ ما يحدث.

صارت رؤيتنا مضجرة ومملّة، وبدا من الاعتياد أنّ ما يحدث مألوف وصار كأنّ الموت ابتعد.

استشهدت شيرين في الزمن الثاني، كأنّها صورة للزمن الأوّل، تذكير به وبحرارة الشعور أنّ الصورة والكلمة يمكن أن تغيّر شيئًا.

كلّما قال زميل أو زميلة إنّه ذاهب إلى تغطية مواجهات أسأل نفسي إن كانت ظلّت صورة تستحقّ أن تلتقط، وإن كان يمكن أن تغيّر شيئًا.

يبدو أنّ الصورة هنا لا تغيّر إلّا حياة ملتقطها.

وداعًا شيرين أبو عاقلة، أكثر من صحفيّة وصورة وصوت.

عبّاد يحيى - روائيّ فلسطينيّ.

 

 

الرمز الجمعيّ

علاء حليحل

كانت المغدورة شيرين أبو عاقلة جزءًا أساسيًّا من الفسيفساء المرئيّة للشعب الفلسطينيّ، شعب مشتّت يعيش في هوامش المنفى وفي هوامش الوطن، يتضوّر جوعًا لرموز جامعة، تشفي غليله وقهره عبر رؤية نفسه على الشاشات. كانت شيرين جزءًا من هذه الرؤية، متجذّرة في الذاكرة منذ اجتياح 2002 حين نقلت صورة وأصوات الدبّابات الحصينة الّتي غزت شبكة العنكبوت الواهية الّتي حاولت اتّفاقيّة أوسلو نسجها.

اجتياح 2002 يعني شيرين وجيفارا البديري ووليد العمري، طواقم ميدانيّة خرجت لتوثيق عطش شارون التقليديّ للدم الفلسطينيّ، وكانت شيرين مسؤولة عن بناء ذاكرة جديدة من رواية الشعب الفلسطينيّ السيزيفيّ. تطلّ على الشاشة من خلف النوافذ الّتي ترتجّ بضجيج الدبّابات العاتية، تبحث عن موؤل يمكن أن تطلع منه ’لايف‘... كان حضورها – هي وجيفارا – كامرأتين تغطّيان الحرب والاحتلال والاجتياح مبعثًا للفخر والخوف ’الفطريّ‘ عليهما في الوقت ذاته.

الأحداث الكبرى تصنع أبطالها، وهي تنتج أيضًا رموزها المصوّرة الّتي تنحفر في الذاكرة. صحفيّة جريئة تسعى مع الكاميرا والميكروفون – وبعض زملائها الّذين مثلها – لاستحضار فلسطين على الشاشة، حين كانت «الجزيرة» هي الشاشة بـ ’ال‘ التعريف، قبل أن تدهمنا وتذيبنا فلاتر الإنستغرام. لا يمكن توصيف الكثير من الناس بـ ’فلسطين الجميلة‘، لا منظرًا خارجيًّا بل بالحضور المهنيّ الواثق. صحفيّة عنيدة ومثابرة، اختلط في طلّتها جلبُ المعلومة الصحفيّة بالنظرة الواعية الّتي لا تفتر.

رصاصة القنّاص المتفجّرة الّتي اخترقت رأسها هشّمت قطعة بهيّة من قطع فسيفساء فلسطين المرئيّة للناس. كلّ حدث كهذا يزيد من عتمة وحزن رؤيتنا لأنفسنا، في زمن صار يعزّ فيه الفرح. نحن نحبّ شيرين لأنّها وفّرت لنا دائمًا شعورًا بدئيًّا ببعض العزيمة والمثابرة نقول عنه في ريفنا الأخضر: "بِنْشدّ فيها الضهر".

وظهورنا اليوم محنيّة أكثر ممّا كانت عليه قبل هذا الصباح الكريه.

علاء حليحل - كاتب مسرحيّ. 

 

 

ابنة البيت الدائمة

هنيدة غانم

الشعب الفلسطينيّ بكلّ أجزائه في الوطن الممتدّ بين النهر والبحر، في المنافي والشتات، في القرى والمدن والمخيّمات، في طقس حداد جماعيّ. الكلّ يشعر أنّه فقد إنسانة تربطه بها علاقة حميميّة إنسانيّة قريبة جدًّا، هذا الكلّ الّذي لم يلتقي بغالبيّته يومًا معها بشكل شخصيّ، أو يعرف عنها شيئًا وعن حياتها.

شيرين كانت جزءًا من كلّ بيت، من كلّ صالة جلوس، وكأنّها ابنة بيت دائمة، تجلس معنا تنقل تفاصيل الأحداث بكلّ مهنيّة ورصانة وأخلاقيّة قلّ مثيلها، بصوت دافئ هادئ ومطمئن حتّى في أصعب الأحداث.

صدفة تلتقي بها في الشارع، تبتسم بخجل وكأنّها ليست هذه الصحفيّة الاستثنائيّة الّتي تنتقل بين خطوط المواجهة تغطّي كلّ الأحداث الكبيرة، أو الّتي تقف أمام الكاميرا ستّ ساعات متواصلة ببثّ مباشر تنقل تفاصيل الاجتياح في الانتفاضة الثانية، وكعادتها تتحدّث بكلّ ثقة وهدوء وسلاسة نادرة.

شيرين أبو عاقلة سقطت في جريمة مرعبة للاحتلال أمام الكاميرات، جريمة وثّقت بالتفاصيل الصادمة. شيرين الّتي كانت تنقل الأخبار هي الخبر اليوم.

القلب حزين والفاجعة مرعبة، والكلام أحيانًا يخون صمت الحزن الّذي نزل على هذا الوطن المتعب.

قلبي مع الأصدقاء في «الجزيرة»، مع وليد العمري وجيفارا البدري ونجوان سمري ورانية زبانة ونداء إبراهيم، مع كلّ العاملين في مقرّ «الجزيرة» في رام الله ومع كلّ الصحفيّات والصحفيّين في فلسطين.

السلام لروحك يا شيرين،

سلام لك وسلام عليك،

سلام لروحك الشفّافة يا زهرة فلسطين.

هنيدة غانم - مديرة «مركز مدار للدراسات الإسرائيليّة».

 

 

التعليقات