25/05/2024 - 16:13

مازن سعادة... حوار أخير

مازن سعادة... حوار أخير

الكاتب الراحل مازن سعادة (1947-2024).

 

مقدّمة ما قبل الموت

هذا حوار صريح مع روائيّ فلسطينيّ لاجئ في رام الله، من قرية مقدسيّة هي بيت محسير، صاحب الروايات الّتي تُحدث بطبيعتها وبنيتها المركّبة جدلًا يطول في أوساط القرّاء والمثقّفين، عُرِف بيننا بالصراحة في قول ما يشعر به. طاولات كثيرة انقلبت أمامنا بفعل تشنّجه وسخطه على كلّ شيء، يعيش هذا الكاتب في جبل عالٍ بقرية كوبر وحده، وسط الظلمة والوادي العميق، في بيته طابقان ومكتبة ضخمة لطالما سرقنا منها كتبًا لمّا يراجعنا فيها مازن حتّى الآن. أجمل ما في مازن ضحكته الطويلة حين نكشف طفولته وهشاشته، وارتباكه وهو يتعجرف برأي صلب، يرشقه في وجوهنا في ليل النقاشات العنيفة داخل بيته المرتفع.

الآن، لم يَعُدْ مازن الستّينيّ يقلب الطاولات على أصحابها، صار يجلس ويداه الكهلتان ممدودتان على الطاولة، متهيّئتان لنقاش طويل هادئ لا يتراجع فيه قيد نظرة.

 

مقدّمة ما بعد الموت

الآن، وقد مات مازن سعادة قبل أن يرى حواره منشورًا في فُسْحَة- ثقافيّة فلسطينيّة، المساحة الألمع في المشهد الثقافيّ الإعلاميّ الفلسطينيّ، فُسْحَة الّتي طالما قرأ فيها مواضيع كان يناقشنا فيها، أو ينقلها إلينا عبر رابط، ما الّذي سنقوله عنه وعن موته؟

توقّف قلب الروائيّ الجميل بفعل تسمّم دم مفاجئ، بعد أن تلقّى جرعة كيماويّ، وانطلق إلى عمّان دون كمامة، ودون أن يدرك أو دون أن يرغب في أن يدرك خطورة ذلك. تعامل مازن مع السرطان كأنّه حادث سير، أو هو مجرّد تكرار سخيف في سياق آخر لطلقة القنّاص الإسرائيليّ الّتي هشّمت ركبته ذات انتفاضة وطن، وقعد بعدها يمشي على عكّازة. "سأخرج من السرطان كما خرجت من العكّازة، ومن السجن الرهيب، ومن مجتمع رام الله الثقافيّ البائس"، هكذا قال لنا وهو يغادر إلى عمّان لرؤية شقيقه القادم من الخارج. قالب الطاولات على الرؤوس، وكاسر الجرار خارج كلّ مقهًى، لن يعود إلى رام الله بعد الآن؛ ليمخر المارّة وغبار المدينة وتجّارها وفاسديها بسيّارته الفولسفاجن.

هذا حوار أخير مع أجمل مَنْ سكن رام الله من عائدي المنافي، ممّن علّموا شباب المدينة الأدباء، أنّ الكتابة ما هي إلّا صفعة رشيقة وذكيّة في وجه القبح.

 


 

زياد خدّاش: تسكن في أعلى منطقة في قرية كوبر، هل تساعدنا الأمكنة العالية على الكتابة؟

مازن سعادة: لكلّ مكان طبيعة، مزاج يترك أثره في ما نكتب. للبحر أثر في الكتابة، وللجبل أيضًا أثر كما للصحراء والواحة. من تجربتي، أثّرت الأمكنة كثيرًا في طبيعة ما أكتب؛ لأنّ الكتابة هويّة كاتبها. وهنا أذكر تجربة الروائيّ المبدع محمّد شكري، تجربة حياة التشرّد والطبيعة القاسية حفرت عميقًا في طبيعة كتاباته.

 

زياد: أنت تسكن مكانًا ليس فقط شاهقًا، لكنّه يضمّ تحت ترابه رفات كاتب شاهق هو حسين برغوثي. كيف تنظر إلى تجربة البرغوثي؟ وهل وجودك في قريته المدفون فيها له معنًى خاصّ لديك؟

مازن: جمعتني صداقة وعلاقة مختلفة مع الرائع حسين، وكان بيننا قضايا مشتركة عميقة، بقيت سرًّا بيننا. كنت ألتقي أنا وحسين صباح كلّ يوم جمعة خلال السنوات 1996 – 1999. كان قوسه واسعًا، وحين يطلق سهمه يصيب. أعتقد أنّ الكاتب الفلسطينيّ المعاصر الوحيد الّذي ورّث تلاميذ كتّابًا نجباء هو حسين. لم أتأثّر بكتاباته، لكنّي تأثّرت به إنسانًا ومبدعًا، منه أيقنت كيف يكون الكاتب إنسانًا حقيقيًّا، وكيف يتفاعل الشكل مع المضمون والجوهر.

 

زياد: نتذكّر مشهدًا لن ننساه، كنّا فجرًا في بيتك المطلّ على وادٍ ليس في كوبر، أتحدّث عن بيت آخر في رام الله، رأيتك تقفز وتصيح: يا الله! انظروا، يا أوغاد، أكان يجب أن أعود إلى فلسطين حتّى أدلّكم على أجمل أنواع الضباب؟ نحن في تمّوز لا في شباط، انظروا إلى ضباب رام الله الصيفيّ، انظروا، يا أوغاد، قفزنا نحو النافذة، وصُعِقْنا من سحر المشهد. بعد سنوات من الإقامة في ضباب رام الله السحريّ، أما زلت تصرخ وتصيح: انظروا، يا أوغاد، سحر رام الله؟

مازن: أما زالت رام الله هي رام الله، يا زياد؟ ألا ترى أبراج الحجارة وقد سدّت الأفق الّذي كنّا نراه؟ تذكّرني رام الله بنيويورك، حاولت غير مرّة وأنا أمشي في شوارع نيويورك في سنة 1996 أن أرى السماء، لكنّي لم أرَ إلّا ناطحات سحاب. نعم، ما زال الضباب جميلًا في كوبر، فلم تَغْزُها حتّى الآن ناطحات السحاب. تعال إلى كوبر، وسأصرخ معك: انظر، أيّها الوغد، ما زال هناك أفق، ما زال هناك مشهد جميل. 

 

زياد: بدّلت بيوتًا كثيرة، يا مازن، في رام الله أتذكّرها واحدًا واحدًا، وأخيرًا استقررت على جبل، عمّ كنت تبحث؟

مازن: كان لديّ حلم أن نبني حيًّا، مجتمعًا يضمّ فنّانين وكتّابًا ومبدعين. بدأنا ولكنّ الحلم خبا، فقد غادر أغلبهم. لم يبقَ من الحلم إلّا بقايا.

 

زياد: أريدك أن تصف لي لحظة دخولك فلسطين، هل صُدِمْت؟

مازن: وصفتها في رواية «أطوار الغواية». عندما دبّت قدماي على أرض الاستراحة في أريحا، شعرت بأنّي أدخل قرية مكسيكيّة هجرها أهلها بعد أن دمّرها اليانكي الأمريكيّ، كانت مدينة من غبار.

 

زياد: حين عدت أنت إلى فلسطين من المنفى، كنت وما زلت أقرب الّذين عادوا إلى جيلي السرديّ؛ ربّما بسبب عفويّتك وميلك إلى البوهيميّة وركل القواعد. كنّا نحتاج إلى هذا المجنون الّذي يصفع النوافذ المغلقة، والكتابة اليابسة، والمجاملات. كيف تنظر إلى مناخ المجاملات والصفقات الأدبيّة والمقاولات في رام الله تحديدًا؟

مازن: الأسوأ من المجاملات والتشجيع المتبادل بين الكتّاب والكاتبات وأصحاب السطوة، أنّ بعض الكتّاب يكتب وهو يتطلّع إلى نيل جائزة تلك المؤسّسة، ويكتب حسب مواصفاتها واتّجاهاتها، والأسوأ أيضًا الكتابة في قضايا ما زالت هامشيّة في حياتنا، المثليّة الجنسيّة وما شابهها، طمعًا في نيل حظوة المؤسّسات ذات السلطة والنفوذ في العالم. من النادر أن تجد كاتبًا يكتب حرًّا من قيود تلك السطوة. سيكون مغامرًا أو تهمّشه المؤسّسة ذات الباع الطويل في تسييد الطاعة، والقناعة بأنّ ما كان أفضل ما يكون. لا ولن يسقط وليّ النعمة الديكتاتور إذا كان ما كان هو أفضل ما يكون.

 

زياد: خالك الروائيّ، أوّل رئيس لـ «اتّحاد كتّاب فلسطين»، أسعد الأسعد، قال لي مازحًا إنّه أحيانًا ينكر معرفته فيك، حين يُؤْتى على اسمك في الجلسات، وأحيانًا يعلنها بصوت عالٍ: مازن ابن أختي، بين الخال وابن الأخت - حسب رأيي - مسافة جماليّة كبيرة في الكتابة. كيف تنظر إلى تجربة الخال الشيوعيّ في الكتابة والنضال؟

مازن: أسعد كان أوّل من فتح لي مغارة علي بابا، فتح لي مغارة ملأى بالكتب والروايات. مبكّرًا قرأت روايات الشيوعيّين السوفييت، «الحرس الفتيّ»، «كيف سقينا الفولاذ»، «الدون الهادئ»... وتولوستوي، وغوركي، ومايا كوفسكي. أدخلني تلك المغارة، ولمّا أخرج منها حتّى الآن، لمّا أستحوذ بعد على ما فيها من كنوز. أمّا في ما كتب خالي، الكاتب والأديب أسعد الأسعد، فإنّي أتجرّأ وأقول إنّ «ليل البنفسج» كانت درّة ما كتب، أمّا ما تلا فقد كان متعجّلًا ومستعجلًا، وواثق أنّه لو قُيِّض له أن يعيد ما كتب لكان أجمل وأعمق.

 

زياد: طيلة مسيرتك في الكتابة الروائيّة، كيف ينظر مازن سعادة إلى إنجازاته وإضافاته السرديّة للكتابة الفلسطينيّة؟

مازن: في تجربتي، لم أحشر نفسي في نمط أو مدرسة. حين أقارن بين روايتي الأولى «السنديانة» وروايتي الأخيرة «كتاب ظلّ الفنّانة الفلسطينيّة سافو وأمير تايتنيك» (تحت الطبع)، أرى مسافةً كأنّي لست أنا مَنْ كتب الرواية الأولى. في روايتي الأولى نحت في اللغة، الشكل، أمّا أنا الآن فقد تحرّرت من تعب النحت في اللّغة والشكل.

روايتي أضحت أكثر سلاسة، أكثر حرّيّة، وأكثر تعدّديّة، وهذا ما اشتغلت عليه؛ تعدّد الأصوات في الرواية. روايتي ليست صوتًا يبوح أو يروي، وإنّما أصوات عدّة، متنافرة، متصارعة. في روايتيّ الأخيرتين، مزجت بين الرواية والمسرح، قد يكون هذا ما أضفته، المسرح جزء من أحداث الرواية. وإذا اتُّهِمْت أو رأى البعض أنّي أبالغ في تصوير مشاهد جنسيّة حميمة، فإنّي أميل إلى ذلك ليس رغبة في التشويق أو الإثارة، وإنّما لأنّ تلك المشاهد جزء من البناء الدراميّ. أنا أميل إلى الجرأة في وصف حالات الجسد، ليس من قبيل الإباحيّة بل جزءًا من دراما أحداث الرواية وبنيتها. أذكر هنا الكاتب الروائيّ الراحل علي الخليلي، التقيته صدفة في عام 2006 نازلًا درج «وزارة الثقافة الفلسطينيّة». سمعت اسمي يتردّد نازلًا الدرج مع خطوات الراحل علي الخليلي. أوقفني وضمّني، وقال: "كنّا في سيرتك قبل قليل، إنّهم يتجادلون في مسرحيّتك «آخر ساعة»"، ثمّ ضمّني مرّة أخرى، وقال: "لا أحد منّا يتجرّأ على أن يكتب ما كتبته أنت في «آخر ساعة»، شكرًا، مازن؛ لأنّك الأجرأ". قلت: "شكرًا، أيّها الصادق علي". قبل أن أدخل مكتب الإدارة في «وزارة الثقافة» سمعتهم يهاجمونني، شعرت حينذاك أنّهم على استعداد ليرجموني، لكنّهم حين دخلت المكتب صمتوا جميعًا، بمَنْ فيهم خالي أسعد الأسعد.

 

زياد: هل أنت راضٍ عن مستوى الرواية الفلسطينيّة؟

مازن: نعم، من حقّنا أن نفخر نحن كتّاب فلسطين بأنّ الرواية الفلسطينيّة قطعت أشواطًا بعيدة، وذلك بفضل عدد كبير من الرواة، بحيث أصبح من الصعب تعدادهم. نحن أمام طفرة في الرواية، ليس من ناحية الكمّ فقط، وإنّما من ناحية المستوى أيضًا. لدينا رواة حقيقيّون، ثابروا، واكبوا وأبدعوا. ولم يقتصر إبداع الرواية على الرجال فقط، بل نساء أبدعن في السنوات الأخيرة. نعم، في أطياف الوجود الفلسطينيّ ثمّة عشرات الرواة الّذين أبدعوا، وأضحوا نجومًا في سماء الرواية العربيّة والعالميّة.

 

زياد: لكنّ الرواية الفلسطينيّة بعامّة، بعد العمالقة غسّان وجبرا وإميل حبيبي، أضحت ذات أفق متوقّع، لا اختراقات هنا أو هناك، ولا ذهاب نحو الأسئلة الصعبة، وكثير من تجاربها غرق في العاطفة واللغة والحماسة. لا أخفيك، لقد توقّعتك ساخطًا على وضع روايتنا الفلسطينيّة الّتي لم تلصق إحداها في قاع الجمجمة، لقد خذلتني، يا مازن.

مازن: الأحزاب حملت هؤلاء العمالقة، وكتبوا في مرحلة سادت فيها الرواية وساد فيها الشعر، أخذوا بعض الألق من ألق القضيّة ومن قضايا النكبة. أما وقد استحوذت التكنولوجيا ومنصّات التواصل على المساحة الكبرى من حياتنا المعاصرة، فقد خبا ألق الرواية والشعر والإبداع بشكل عامّ. وهذا يمتدّ إلى بلدان العالم وفي المجالات كافّة. هل لك أن تعطي اسم ممثّل عربيّ أو عالميّ بوزن أنتوني كوين؟ هل لك أن تجد مخرجًا سينمائيًّا الآن بوزن جودار؟ ماكينة الدعاية والإعلان تختار نجومها مؤقّتًا، وإلّا فماذا تعني هيمنة فنّ اللحظة في وقتنا الراهن؟ هل من مغنّية بوزن فيروز في وقتنا الراهن، يا زياد؟ "تمبروري آرت".

الرواية الفلسطينيّة المعاصرة فيها خصوصيّة التجربة الفرديّة أكثر من رواية السبعينات والثمانينات. وفي روايات جيلنا والأصغر من جيلنا جرأة أكبر من روايات الزمن الجميل.

 

زياد: لماذا لم تذكر رواية «رائحة النوم»؟ لديّ حديث مستفيض عنها، ففي البداية استقبلناها - أتحدّث عن جيلي - بفرح كبير، فقد كانت مجنونة وبعيدة وغريبة ومركّبة وصريحة. لكنّنا بعد نقاشات طويلة أحسسنا بأنّ حداثتها كانت نتيجة قرار، وأحسسنا بك تجلس في غرفة مطلّة على الوادي في ليل كوبر، وقلت لنفسك: سأكتب رواية حديثة.

مازن: لم أكتب «رائحة النوم» في غرفة مطلّة على الوادي في ليل كوبر أو فجرها. كتبتها على درج سجن السلط، وحارة النصارى في البلدة القديمة في القدس، وأكملت كتابتها في بيت كنت استأجرته في قرية سردا. وكي أنتهي منها؛ اعتكفت ستّة أشهر في ذلك البيت، وعشت تهويمات ’كرعوش‘ بطل الرواية، ورسمت اللوحات الخمس الّتي رسمها في الرواية. كنت على وشك أن أصبح ’كرعوش‘ في الواقع، لكنّ الّذي أنقذني من جنونه أنّي سافرت ووجدت بطلًا آخر أكثر وضوحًا من بطلي ’كرعوش‘.

 

زياد: أنت مثقّف شجاع، ويوجد شبه إجماع على جرأتك وصراحتك في التعبير عن آرائك النقديّة تجاه الحركة الثقافيّة الفلسطينيّة. اسمح لي أن أقلّدك في شجاعتك بهذا السؤال، أنت بدأت كاتبًا في صفوف حزب سياسيّ، ثمّ خرجت عنه، وبدأت تكتب بحرّيّة كبيرة، السؤال: هل صحيح ما يُقال إنّ الأحزاب السياسيّة الفلسطينيّة كانت تتنافس في تبنّي أدباء يتبعون لها، على حساب موهبتهم وقدراتهم الأدبيّة؟

مازن: عندما قرّرت نشر روايتي الأولى «السنديانة»، كنت ما زلت عضوًا في «الجبهة الديمقراطيّة»، وكنت خارجًا من السجن حديثًا. أعطيت مسوّدة الرواية لقيادة الحزب كي أحصل على تصريح بالنشر. كلّفت قيادة الحزب مسؤول الثقافة والإبداع في الحزب سالم النحاس آنذاك لتقييم الرواية. بعد أسبوعين أبلغتني القيادة أنّ مفتي الإبداع في الحزب لا يوصي بنشر الرواية؛ لأنّ فيها نفَسًا برجوازيًّا صغيرًا. تلك الحادثة حفرت حفرة الانهدام بيني وبين الجبهة. قرّرت أن أنشر الرواية، فأرسلتها إلى «دائرة المطبوعات والنشر» الأردنيّة؛ كي أحصل على رقم إيداع وتصريح طباعة، إلّا أنّ الدائرة أيضًا رفضت الرواية لأنّها تتحدّث عن القمع ومصادرة الحرّيّات في الأردنّ. حينذاك، قرّرت طباعة الرواية سرًّا وتوزيعها سرًّا، ضدّ قرار الحزب وضدّ قرار الحكومة. الأحزاب، كأيّ سلطة، تريد أبواقًا تمجّد القائد أو الرئيس والحقيقة المطلقة.

 

زياد: أنت كاتب ساخط جدًّا، ولا يتحمّل العوج. في الآونة الأخيرة، أحسّ بأنّك بدأت تتأقلم مع مناخ رام الله، وصوتك العالي لم يَعُدْ عاليًا في المقهى، أهو السّنّ أم الضجر أم الرغبة في استراحة صغيرة؟ أم ماذا؟

مازن: أجدني كما لو أنّي أصرخ في قربة مخرومة. مَنْ يحيطون بك أو بي، يعرفون وربّما أكثر منّي ومنك، لكنّهم عن وعي وافقوا على أن يكونوا على هامش الهامش، وكأنّ دورهم قد انتهى في  الهامش الهشّ المريح.

 

زياد: قال لنا محمود درويش مرّة إنّه حذّرك من كتابة الشعر، بعد أن جرّبت الفنون كافّة "إوعَ الشعر! إلّا الشعر، يا مازن". ما زلت أسمع صوت محمود وهو يحذّرك، هل استجبت لتحذير محمود؟

مازن: التقيت محمودًا في مكتبه في عام 2003، وكنت عائدًا من فرنسا برفقة مخرجة فرنسيّة أرادت أن تنتج فيلمًا عن فلسطين بعنوان «فلسطين بعين شاعر». التقينا محمود درويش في مكتبه. يومذاك سألني: مَنْ كتب قصيدة الشعر في فيلم «موسم زيتون»؟ وكان الفيلم من إخراج حنّا إلياس، وقد عُرِض في قاعة «سينما القصبة»، وحضره درويش. قلت: أنا.

لم أسأله عن رأيه في القصيدة وعن رأيه في الفيلم، ولم أكتب الشعر بعد ذلك، إلّا شذرات أو مقاطع بقلم أبطال رواياتي، خاصّة روايتي الأخيرة «كتاب ظلّ الفنّانة الفلسطينيّة سافو وأمير تايتنيك». أنا لا أدّعي أنّي شاعر أو ضليع بالعروض وبحوره.

 


 

زياد خدّاش

 

 

 

كاتب فلسطينيّ من قرية بيت نبالا المهجّرة خلال النكبة، يعيش في مخيّم الجلزون. يعمل معلّمًا للكتابة الإبداعيّة في مدارس رام الله. في رصيده الإبداعيّ اثنتا عشرة مجموعة قصصيّة.

 

 

 

التعليقات