15/11/2018 - 03:00

مخطوطات البحر الميّت... رابط ثمين مع ماضي الكتاب المقدّس

مخطوطات البحر الميّت... رابط ثمين مع ماضي الكتاب المقدّس

من "مخطوطات البحر الميّت" | nationalgeographic

 

المصدر: theconversation.

ترجمة: فريق تحرير روزَنَة - فُسْحَة.

 

سحب "متحف الكتاب المقدّس" في واشنطن، خمس مخطوطات من صالات عرضه، بعد أن كشفت مجموعة من الاختبارات، أنّ هذه المقاطع مزوّرة، وليست من المخطوطات الكتابيّة القديمة.

مخطوطات دفعت عائلة غرين Green، مالكة "شركة Hobby Lobby"، ملايين الدولارات طوال العقد الماضي؛ لتكون بمنزلة جواهر ملكيّة في المتحف، الّذي يعرض تاريخ الكتاب المقدّس وإرثه؛ فما الّذي دفع عائلة غرين لصرف هذه المبالغ الكبيرة، مقابل مقاطع المخطوطات الصغيرة هذه؟

 

اكتشاف مخطوطات البحر الميّت

كان اكتشاف مخطوطات البحر الميّت دراماتيكيًّا منذ اللحظة العرَضيّة الأولى للاكتشاف؛ ففي عام 1947، دخل أحد البدو، الّذين كانوا يرعون ماشيتهم على تلال العدوة الغربيّة للبحر الميّت، دخل كهفًا قُرب وادي قُمران في الضفّة الغربيّة، وتعثّر بجرّة طينيّة تحوي لفافات جلديّة. في العقد التالي، اكتُشفت عشرة كهوف أخرى، ضمّت قطعًا تصل حدّ الـ 10 آلاف، تعود إلى حوالي 900 مخطوطة، وكان وراء أغلب هذه الاكتشافات أفراد من بدو المنطقة.

 

جانب من وادي قُمران

 

ذهب بعض هذه المخطوطات إلى "دائرة الآثار العامّة" الأردنيّة، وقليل منها إلى إسرائيل، بعد عدد من المعاملات المعقّدة، لكنّ معظم هذه المخطوطات عادت "سلطة الآثار" الإسرائيليّة لتسيطر عليه عام 1967.

ضمّت المخطوطات أقدم نُسخ كتب الكتاب المقدّس العبريّ، وكتابات يهوديّة قديمة أخرى: صلوات، وتعليقات، وقوانين دينيّة، ونصوصًا سحريّة وروحيّة/ صوفيّة، مخطوطات ألقت الضوء على جذور الكتاب المقدّس، واليهوديّة، وحتّى المسيحيّة.

 

الكتاب المقدّس ومخطوطات البحر الميّت

قبل اكتشاف مخطوطات البحر الميّت، كان أقدم مخطوطات الكتاب المقدّس العبريّ المعروفة آنذاك، يعود إلى القرن العاشر الميلاديّ، في حين ضمّت مخطوطات البحر الميّت، أكثر من 225 نسخة من التدوينات الكتابيّة، الّتي تعود إلى ما قبل ذلك بـ 1200 سنة على الأقلّ.

توزّعت هذه المخطوطات بين مقاطع صغيرة ومخطوطة كاملة للنبيّ إشعياء، وكلّ كتب الكتاب المقدّس العبريّ، باستثناء كتابَي "أستير" و"نحميا"، وأظهرت أنّ كتب الكتاب المقدّس اليهوديّ كانت معروفة قبل زمن يسوع، وكانت تعامَل بنفس درجة القداسة، وتحتوي تقريبًا على نفس المضمون.

 

"مخطوطات البحر الميّت" في متحف الكتاب المقدّس" بواشنطن | ساول لويب (أ ف ب)

 

في المقابل، لم يكن ثمّة تسمية جامعة كما نعرفها اليوم بـ "الكتاب المقدّس"، بل تشكيلة واسعة من كتابات مقدّسة ليهود متنوّعين، بما في ذلك كتب متعدّدة، لا يشملها الكتاب المقدّس اليهوديّ الحديث.

علاوة على ذلك، أظهرت مخطوطات البحر الميّت، أنّه في القرن الأوّل قبل الميلاد، توافرت نسخ مختلفة لعدد من الكتب، الّتي ستصبح جزءًا من الشريعة اليهوديّة Canon، وخاصّة الأسفار: الخروج، وصموئيل، وإرميا، والمزامير، ودانيال.

هذه الاكتشافات كانت بمنزلة أدلّة، ساعدت الباحثين على فهم كيف تشكّل الكتاب المقدّس، لكنّها في الآن ذاته لا تؤكّد رسالته الدينيّة ولا تدحضها.

 

اليهوديّة والمسيحيّة

تتفرّد مخطوطات البحر الميّت، بأنّها تشكّل ما يشبه مكتبة مجموعة يهود محدّدة، عاشت في قُمران في الفترة من القرن الأوّل قبل الميلاد إلى حدود عام 68 الميلاديّ، مجموعة ربّما انتمت إلى طائفة "الأسينيون Essenes"، وهي حركة يهوديّة متشدّدة، أتى على ذكرها عدد من كتّاب القرن الميلاديّ الأوّل.

 

بقايا من مخطوطات البحر الميّت | كايسي ل. أولسون وأورن جاتفيلد (phys)

 

تقدّم المخطوطات كنزًا ثمينًا من نصوص دينيّة، لم تكن معروفة من قبل، وبعض هذه النصوص كتبه "الأسينيون"، ويقدّم أفكارًا عن وجهة نظرهم، وعن خلافهم مع يهود آخرين، من قَبيل "الفريسيين Pharisees".

لا تأتي مخطوطات البحر الميّت على ذكر يسوع والمسيحيّين الأوائل، لكنّها تساعد - بشكل غير مباشر - على فهم العالم اليهوديّ، الّذي عاش فيه يسوع، ولماذا كان لرسالته أتباع ومعارضون؛ فالأسينيون والمسيحيّون الأوائل، كانوا يؤمنون معًا، بأنّهم يعيشون في الزمن الّذي تنبّأ به الأنبياء؛ زمن سيؤسّس فيه الله مملكة سِلْم/ سلام، وسيبعث فيه معلّمًا يكشف المعنى الحقيقيّ للكتابات المقدّسة.

 

الشهرة والتزوير

لقد شجّعت الشهرة، الّتي حازتها مخطوطات البحر الميّت، المزوّرين وسوق الآثار السوداء معًا؛ إذ إنّها غالبًا ما يشار إليها، على أنّها الاكتشاف الأركيولوجيّ الأكبر في القرن العشرين؛ لأهمّيّتها في فهم الكتاب المقدّس والعالم اليهوديّ، في زمن يسوع.

غالبًا ما تجذب الآثار الدينيّة التزوير؛ إذ إنّ الناس يريدون دومًا اتّصالًا مادّيًّا يربطهم بإيمانهم؛ ففي عام 2002، جذب ما سُمّي حينئذٍ "مثوى يعقوب/ جيمس "James Ossuary انتباهًا كبيرًا، وهو صندوق من حجر الكلس، أُعلن أنّه النعش الّذي دُفن فيه أخو يسوع، وبعد سنوات قليلة تبيّن أنّه كان حقًّا صندوقًا أصيلًا لشخص يُدعى يعقوب/ جيمس، عاش في القرن الميلاديّ الأوّل، لكنّ إضافة جملة "أخو يسوع" من طرف مزوّر، هي الّتي جعلته يبدو ثمينًا.

 

الصندوق المعروف بـ "مثوى يعقوب"

 

إنّ الحماسة الّتي يبديها العلماء والباحثون، بمنشوراتهم ومناقشاتهم للنصوص الجديدة المكتشفة، يبدو أنّها مسؤولة جزئيًّا عن خلق هذه السوق السوداء.

ثمّ إنّ الإعلان الأخير حول تزوير مخطوطات "متحف الكتاب المقدّس"، يؤكّد أنّ الآثار يجب أن يُنظر إليها بارتياب عالٍ، إلّا إذا كان مصدرها معلومًا بشكل كامل.

 

 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من الإنجليزيّة والفرنسيّة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، بإشراف المترجمين، أسامة غاوجي ومعاد بادري.

موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا. 

* الموادّ البصريّة الواردة في هذه المقالة من اختيارات هيئة التحرير، لا المصدر الأصل.

 

 

التعليقات