27/05/2022 - 20:02

أدوات من أجل إعادة وصل فلسطين المُجزّأة

أدوات من أجل إعادة وصل فلسطين المُجزّأة

من مخيّم البدّاوي للّاجئين الفلسطينيّين في لبنان، 2010 | أ ف ب

 

العنوان الأصليّ: Tools for connecting a fragmented Palestine.

المصدر: Mondoweiss.

ترجمة: علاء سلامة - فٌُسْحَة.

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ الفلسطينيّين يشكّلون مجتمعًا عالميّا. ثمّة، خارج الشرق الأوسط، حضور لتجمّعات فلسطينيّة في دول متنوّعة، من الولايات المتّحدة وتشيلي وهندوراس وغواتيمالا وألمانيا. كثيرون منهم يحافظون على صلاتهم بوطنهم الأصليّ، وبالفلسطينيّين الّذين يعيشون في إسرائيل والمناطق المحتلّة ومخيّمات اللجوء في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. تحدّت شبكات الدعم والمعلومات مرور العقود وآلاف الكيلومترات، وحافظت على ارتباط الفلسطينيّين بعضهم ببعض حول العالم.

في كتابها الأخير «لاجئون شبكيّون»، تستكشف ناديا الحاجّ كيف ساهمت وسائل نشر المعلومات وتكنولوجيا الاتّصال في تعزيز الاتّصال بين أجزاء المجتمع الفلسطينيّ العالميّ، وكيف أظهرت في الوقت نفسه تحدّيات جديدة. الحاجّ، أستاذة مساعدة في «جامعة ويلزلي» ولاجئة فلسطينيّة، أجرت دراسة واسعة من خلال مقابلات في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، وتجهيز عدد من الاستبيانات ومسوح المعلومات على فيسبوك وشبكات تواصل اجتماعيّة أخرى.

تنقل الحاجّ إلى القارئ كيف يمكن التكنولوجيا الحديثة أن تخلق أو تعيد خلق، أو في بعض الأحيان أن تكشف العلاقات بين الفلسطينيّين الّذين يعيشون في مخيّم نهر البارد للاجئين في لبنان، وأولئك الّذين نشؤوا في المخيّم ثمّ غادروه ليعيشوا في أماكن أخرى حول العالم. لنهر البارد تاريخ صعب. أُنشئ عام 1949، وتهدّم إلى حدّ كبير عام 2007 بسبب المواجهات العنيفة الّتي شهدها، بين جماعة «فتح الإسلام» والقوّات المسلّحة اللبنانيّة. يتكوّن المخيّم من مناطق عدّة أخذت أسماءها من أسماء القرى الفلسطينيّة الّتي أُجْبِرَ اللاجئون على تركها. هذه الممارسة تربط فلسطينيّي نهر البارد بالشعوب المهجّرة حول العالم، مثل الصحراويّين الّذين يعيشون في مخيّم «تندوف» للاجئين في الجزائر.

السؤال الأهمّ الّذي تسعى الحاجّ إلى الإجابة عنه، من خلال عملها البحثيّ، هو كيفيّة تطوُّر التفاعلات المتبادلة والتعاونيّة الّتي تربط اللاجئين الفلسطينيّين بالفلسطينيّين في الشتات، ضمن سياق يميّزه حضور وسائل التواصل وتبادل المعلومات. ما تتوصّل إليه هو أنّ "المساحات الرقميّة توفّر فرصًا إضافيّة للفلسطينيّين في الشتات؛ من أجل تطوير روابط اقتصاديّة ومعنويّة مع أقربائهم الفلسطينيّين، ومع قراهم الأصليّة".

الأمثلة كثيرة جدًّا، وتتعلّق بنواحٍ مختلفة من الحياة. عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، خاصّة فيسبوك، يُعلن الجنازات والولادات والزيجات وافتتاح الأعمال. في قصّة ممثّلة لقصص كثيرة أخرى، تظهر أنّ الروابط قويّة حتّى بين غير الأقرباء. توفّي في مخيّم نهر البارد فلسطينيّ كبير في السنّ، يعود أصله إلى قرية الدامون. نشرت عائلته الخبر على الإنترنت وصفحات فيسبوك. لم يحرّك خبر الوفاة فلسطينيّي الشتات الّذين يعود أصلهم إلى الدامون فحسب، بل كذلك آخرون ممّن يعودون بأصولهم إلى أماكن أخرى، لكنّهم عاشوا في مخيّم نهر البارد، هؤلاء، أعربوا عن حزنهم، وساهموا في دفع نفقات الذبائح والطعام من أجل عزاء الرجل، ووزّعوا نسخًا من القرآن في جنازته.

مقابلات الكاتبة مع الفلسطينيّين في الشتات تمثّل أداة قويّة من أجل فهم الدوافع خلف دعمهم المادّيّ، الّذي يقدّمونه إلى الفلسطينيّين في مخيّمات اللجوء في لبنان. في إحدى المقابلات، يشرح فلسطينيّ انتقل إلى الولايات المتّحدة وأصبح مهندسًا:

"إنّني أعرف جيّدًا ما يعنيه أن يتضوّر الإنسان جوعًا، أو ألّا يستحمّ لأسبوع كامل، أو ألّا يتملّك كفايته من الملابس، أن يخاف من اليوم القادم، ويقلق ألّا تنجو العائلة يومًا آخر، لن أتخلّى عنهم أبدًا، حتّى لو ضحّيت ببعض منّي من أجلهم".

تستكشف الحاجّ كيف أنّ المهاجرين الفلسطينيّين ليسوا مسؤولين فقط عن التحويلات المادّيّة، بل عن ’تحويلات‘ اجتماعيّة أيضًا؛ أي "أفكار ومعرفة وممارسات ومهارات تشكّل تفاعلهم واندماجهم في المجتمعات المضيفة". الفلسطينيّون المهاجرون في دول ديموقراطيّة ساهموا، من خلال تبادل الأفكار والمعلومات عبر وسائل الاتّصال الحديثة، في تعظيم شكوك الفلسطينيّين في مخيّمات اللجوء حول «منظّمة التحرير الفلسطينيّة» و«حَماس». يظهر هذا التأثير بقوّة خاصّة لدى الشباب الّذين بدؤوا يتصوّرون أطرًا سياسيّة ديموقراطيّة وغير فاسدة؛ من أجل تجاوز النخب التقليديّة، ومن أجل تحدّي الاحتلال الإسرائيليّ.

لم يقدّم كتاب ناديا السابق «الحماية وسط الفوضى: خلق حقوق ملكيّة في مخيّمات اللجوء الفلسطينيّة»، تحليلًا معمّقًا لعلاقات القوّة بين الفلسطينيّين. لا يمكن أن نقول الأمر ذاته حول هذا الكتاب. من أهمّ ما وجدته الكاتبة، من خلال بحثها، أنّ الشعور بالخجل كان واحدًا من أهمّ أدوات الفلسطينيّين في المخيّمات؛ من أجل الحفاظ على بعض القوّة في علاقتهم بالفلسطينيّين المهاجرين، الّذين عادة ما يكونون أكثر تأثيرًا وقوّة. عند تحليلها لصفحات الفيسبوك الّتي تربط اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان بأولئك في الشتات، تكتشف الحاجّ "منشورات سلبيّة كثيرة تنتقد المهاجرين الفلسطينيّين عندما يفشلون في فعل اللازم من أجل الردّ على مطالبات بإرسال النقود أو دعم المخيّم".

للخجل تأثير قويّ ليس على الفلسطينيّين في المَهاجِر فحسب، بل على أقاربهم الّذين يعيشون في المخيّمات أيضًا. تشرح واحدة من المقابلات كيف أنّ إحدى عائلات المخيّم اضطرّت إلى إنكار صلتها بابنها الّذي هاجر ونجح في الخارج، لكنّه لم يقدّم الدعم لأهل المخيّم. قبل قيام العائلة بذلك، واجه أفرادها الكثير من المشاكل في العمل والزيجات.

في السياق الّذي درسته الكاتبة، يبدو أنّ ثمّة تفضيلًا لدى وسائل التواصل نحو الضغط الاجتماعيّ. مع ذلك، لدى الكاتبة أسباب لتأكيد أنّ دراستها تخالف في نتائجها أولئك المتشائمين في أمر التكنولوجيا، مثل الباحثين الأكاديميّين الّذين يرون أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ تروّج سلوكيّات لامبالية. تتوصّل الكاتبة إلى نتائج قريبة من تلك الّتي وجدتها البروفيسورة ميريام أوراغ من «جامعة ويستمينستر»، الّتي نشرت عام 2011 «فلسطين أونلاين: الإنترنت وصناعة الهويّة»، وفيه تجادل بأنّه بالنسبة إلى المجتمع الفلسطينيّ فإنّ لشبكة الإنترنت القدرة على "خلق، أو إعادة خلق، الروابط بين الناس".

في هذا الكتاب المبحوث جيّدًا، والمعزّز بمقابلات تدعم طرحه الأساسيّ، تنهي الكاتبة بملاحظات قد تقلق بعض القرّاء. تترك هذه الملاحظات نبرة الكتاب وراءها، وتقدّم لائحة من الخطوات الّتي تهدف إلى تعزيز النشاط المتبادل. على الرغم من أنّ هذه الخطوات منطقيّة، إلّا أنّها تظهر خارجة عن النصّ في هذا الكتاب. إنّ أقوى دروس في كتاب الحاجّ ليست تلك الّتي تضعها الكاتبة في آخر الكتاب، بل هي أفكار تظهر في نصّ الكتاب كلّه. يُظهر كتاب «لاجئون شبكيّون» أنّ المجتمع أقوى من مجموع جميع أفراده، وأنّه يمكن هؤلاء الأفراد أن يكونوا على بُعْد آلاف من الكيلومترات عن بعضهم بعضًا، وأن تبقى صلتهم قويّة رغم ذلك. مساهمة هذا الكتاب قيّمة جدًّا لحقل الدراسات الفلسطينيّة، ولحقل دراسة التقاطعات بين التكنولوجيا الحديثة والتطوّرات السياسيّة والاجتماعيّة.

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا. 

 

 

التعليقات