10/07/2017 - 18:02

معرفة لفلسطين والفلسطينيّين

معرفة لفلسطين والفلسطينيّين

د. مهنّد مصطفى في مؤتمر "طلبة الدكتوراه الفلسطينيّين الثالث"

 

عقد 'مدى الكرمل: المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة' السبت الماضي، 8 تمّوز (يوليو) 2017، مؤتمر طلبة الدكتوراه الفلسطينيّين الثالث، والذي عرض خلاله 12 طالبًا فلسطينيًّا أبحاثهم في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، والتي يعدّونها في مختلف الجامعات الفلسطينيّة والإسرائيليّة والعالميّة.

تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة كلمة المؤتمر التلخيصيّة، والتي ألقاها الدكتور مهنّد مصطفى، عضو اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر.

***

نصّ الكلمة:

تكمن أهمّيّة مؤتمر 'مدى الكرمل' الثالث لطلّاب الدكتوراه الفلسطينيّين، في سعيه إلى تشجيع إنتاج معرفة منحازة، وباللغة العربيّة، أي معرفة وطنيّة لفلسطين والفلسطينيّين، فهذا النمط من المعرفة هو الذي يصقل مفاهيم المؤتمر وتأطيره.

يرمي المؤتمر إلى أمرين نراهما غاية في الأهمّيّة: إنتاج معرفة منحازة، لكنّها علميّة وتعتمد المناهج البحثيّة الرصينة، وتُنتج باللغة العربيّة؛ اللغة جزء من ماهيّة المعرفة، لذلك فإنّ عرض طلّاب شباب فلسطينيّين بحوثهم باللغة العربيّة، يُعَدّ، بحدّ ذاته، جهدًا معرفيًّا لا يقلّ مثابرة عن الجهد المعرفيّ المبذول، فكرًا ودراسةً، في موضوع البحث. ونحن نضع أمامهم تحدّيًا لأخذ الإنتاج المعرفيّ العلميّ باللغة العربيّة، في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، على محمل الجدّ في مسيرتهم الأكاديمّية والبحثيّة.

لا نعني بإنتاج معرفة وطنيّة لفلسطين والفلسطينيّين الانعتاق من التراكم المعرفيّ الإنسانيّ، والأطر النظريّة العالميّة، والأبحاث المنجزة في الحقل العلميّ الذي يبحثه الطلّاب المشاركون ويدرسونه، بل نعني بها الاستئناف على كلّ ذلك، من خلال النقد، والتفكيك، والتركيب، والتأطير، وإعادة إنتاج المعرفة القائمة بمفاهيم وأطر متجدّدة؛ فالاستئناف على المعرفة القائمة لا يعني الانعزال عنها، بل يعني أن نملكها لا أن تملكنا، وأن نحيط بها لا أن تحيط بنا، وأن نعقلها لا أن تحتلّ عقولنا فتتحوّل إلى أيديولوجيا قاتلة للعقل المعرفيّ العلميّ.

نهدف من هذا المؤتمر، إذًا، أن يسعى طلّاب الدراسات العليا الفلسطينيّون إلى إنتاج معرفة فلسطينيّة تعيد إنتاج الحداثة الفلسطينيّة المبتورة منذ عام 1948، وتعيد الاعتبار للحقل الثقافيّ الفلسطينيّ، ولا سيّما أنّ المؤتمر يجمع شبابًا فلسطينيّين يدرسون في جامعات من كلّ أنحاء العالم، وهم يلتقون في هذا المؤتمر على نحو استثنائيّ لطرح معرفة في واقع غير طبيعيّ يعيشه شعب مشتّت، لينتجوا معرفة فلسطينيّة في حالة غير طبيعيّة، وهو تحدّ سياسيّ وعلميّ في الوقت نفسه. ويتمثّل التحدّي السياسيّ في إنتاج حقل فلسطينيّ علميّ وسوسيولوجيّ في واقع التجزئة السياسيّة، ليتحوّل الحقل الثقافيّ المعرفيّ إلى أساس وحدة الشعب الفلسطينيّ.

نلتقي في المؤتمر ليطرح الطلّاب أبحاثهم في قضايا المجتمع، والسياسة، والقانون، بتنظيم مؤسّسة علميّة فلسطينيّة، وضعت نصب أعينها إنتاج معرفة فلسطينيّة ناقدة للأطر الاستشراقيّة أو المهيمنة، ولا سيّما في الأكاديميّة الإسرائيليّة.

هذا اللقاء متعدّد الأبعاد، إذ إنّه لقاء بين طلّاب فلسطينيّين لم يلتقوا في محفل واحد سابقًا، قادمين من أنساق علميّة مختلفة، ومن منهجيّات بحثيّة متنوّعة، ومن سياقات سياسيّة مختلفة، ويدرسون في جامعات محلّيّة وعالميّة، ونحن نتيح لهم فرصة عرض أبحاثهم وتداولها بينهم. كما أنّه لقاء بين الطلّاب وأكاديميّين فلسطينيّين يختزلون أمامهم تجربتهم البحثيّة، وكذلك لقاء مع محيطهم الاجتماعيّ، يكشفون أمامه أبحاثهم التي قد تبقّى على رفوف مكتبات جامعاتهم، أو منشورة في مجلّات علميّة بلغات أجنبيّة.

وهذا كلّه عمل ثقافيّ وفعل سياسيّ، قبل أن يكون نشاطًا معرفيًّا، يحوّل هذا اللقاء إلى مساهمة في المقاومة المعرفيّة الفلسطينيّة للسياق السياسيّ الذي يُجزّئ الشعب الفلسطينيّ، ومقاومة معرفيّة للأطر الاستشراقيّة والاستعماريّة القائمة.

ظهر في المؤتمر تنوّع الكتابة، بصفتها فعلًا إجرائيًّا وتفكيرًا منهجيًّا، وبرز تنوّع التوجّهات الناقدة، وحَسَنٌ أن كانت توجّهات ناقدة محافظة كما كانت توجّهات ناقدة إصلاحيّة، فكلاهما فعل تنويريّ إذا اعتمدا على العقلانيّة والتفكير العلميّ.

والمطلوب من الطلّاب ربط النقد بالكتابة، وربط الكتابة بالنقد، وربط الكتابة الناقدة، أو النقد المكتوب، وهي بحدّ ذاتها فعل معرفيّ غير مفهوم ضمنًا في ظلّ الثقافة الشعبويّة السائدة، بوطن وبشعب ننتمي إليهما.

نريد من الإنتاج المعرفيّ الوطنيّ استعادة الوطن معرفيًّا وثقافيًّا، واستعادته سرديًّا - تاريخيًّا، واستعادته في الوعي، بعد القطيعة مع الحداثة الفلسطينيّة والعربيّة التي أحدثتها النكبة الفلسطينيّة. كما نريد من الطلّاب أن يكونوا باحثين، وأن يستمرّوا بفعل الكتابة والنقد، نريدهم أن يكونوا مثقّفين منتمين إلى وطنهم وشعبهم.

فشكرًا لكم جميعًا، وشكرًا لمركز 'مدى الكرمل' بكلّ طاقمه على إنجاح هذا اليوم الرائع.

 

د. مهنّد مصطفى

 

 

محاضر جامعيّ مختصّ في العلوم السياسيّة، ومدير البرامج البحثيّة في 'مدى الكرمل: لمركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة'.

التعليقات