رائحة الموت تفوح من حوارة

أبدى رئيس بلدية حوارة قلقه من سيناريو تكرار هجمات المستوطنين، وهو لا يستبعد أن تطال الاعتداءات مستقبلا البشر، وإمكانية أن ترتكب عصابات المستوطنين مجزرة دموية بحق الفلسطينيين في البلدة.

رائحة الموت تفوح من حوارة

سلطان فاروق وابنته لمار وابنه جود من حوارة (عرب 48)

بدت الحياة في أزقة حوارة في قضاء نابلس بالضفة الغربية المحتلة عادية، لكنها تكون صاخبة حين التنقل إلى شريان وعصب الحياة على جانبي الشارع الرئيس في البلدة، الذي تحول منذ "الأحد الأسود" في 26 شباط/ فبراير الماضي، إلى ساحة معركة للبقاء والصمود والتصدي لإرهاب عصابات المستوطنين.

اعتاد أهالي حوارة على اعتداءات عصابات المستوطنين المتكررة، والتي مصدرها عصابات "شبيبة التلال" التي سيطرت على قمم الجبال المحيطة بالبلدة التي تحولت بأراضيها ومزارعها رهينة للاستيطان.

في يوم "الأحد الأسود"، تحولت الاعتداءات التي شارك بها أكثر من 200 مستوطن إلى حرب وجودية للفلسطينيين في حوارة، بإشعال شرارة الحقد والكراهية التي أتت على الأخضر واليابس، وأبقت على شهادات مروعة في الذاكرة الجماعية للسكان.

لمار وجود فاروق أنقذا عائلتهما من الموت بعد إشعال المستوطنين النيران (عرب 48)

كاد سلطان فاروق، متزوج وأب لثلاثة أطفال، أن يفقد زوجته وأطفاله، إذ أشعلت عصابات المستوطنين النيران في المرأب الذي يضم عشرات المركبات والعمارة السكنية المؤلفة من 4 طوابق، حيث كان في نابلس حين اتصلت به طفلته البكر لمار وأخبرته بأن عصابات المستوطنين حاصروا العمارة التي يقطنون بها ومرأب السيارات.

نيران ودخان

كانت مقاطع الفيديو التي وثقتها كاميرات المراقبة في العمارة والمرأب، يقول فاروق لـ"عرب 48"، تشير إلى أن عصابات المستوطنين خططت لمحرقة في حوارة، حيث تابعت تسجيل الكاميرات عن بعد، وتوافد قطعان المستوطنين الذين أضرموا النيران بالمركبات ومن ثم في العمارة.

رئيس بلدية حوارة لا يستبعد إقدام المستوطنين على ارتكاب مجزرة (عرب 48)

عاش فاروق ساعات من الرعب والخوف، إذ كان يتواصل مع عائلته المحاصرة بين ألسنة النيران عبر الهاتف الخليوي، ويتابع ما يحصل في محيط العمارة والمرأب عبر كاميرات المراقبة الموصولة لهاتفه.

أشعلت نيران المستوطنين الخوف في قلبه، وحركت الكوابيس في مخيلته حيال مصير زوجته وأطفاله، الذين عاشوا الموت بين النيران وألسنتها وأعمدة الدخان التي حاصرتهم وارتفعت عشرات الأمتار.

بدت لمار ابنة الـ12 ربيعا مصدومة من هول ما عاشته مع أمها وشقيقها جود البالغ من العمر 8 سنوات، وشقيقتها سوار التي ستحتفل قريبها بعيد ميلادها الثالث، عاشوا ساعات من حصار النيران وأعمدة الدخان التي كادت أن تخنقهم.

الاحتلال يعترض رئيس بلدية حوارة في تفقده للمنازل والمحال التجارية (عرب 48)

عاشت لمار ما وثقته كاميرات المراقبة حول العمارة السكنية ومرأب المركبات التابع لوالدها الذي كان بعيدا عن العائلة بسبب عمله في نابلس، ومنعه من الوصول للبلدة التي كانت محاصرة وتحولت إلى ثكنة عسكرية، قائلة إنه "شاهدنا عصابات من المستوطنين الملثمين يجمعون ألواحا من الخشب عند المركبات ومدخل العمارة ويشعلونها بالوقود".

صرخات ونداءات

على مدار دقائق طويلة، تقول لمار لـ"عرب 48" إنه "استمرت مجموعة من المستوطنين بتجميع الخشب من حول العمارة والمركبات وإضرام النيران بها، دون أن يمنعهم أي أحد من جنود الاحتلال الذين كانوا بالقرب من المكان، ألسنة النيران تصاعدت كما أعمدة الدخان، عشنا الموت حتى ساعات الفجر الأولى".

خيرية عودة: المرأة تدافع عن بيتها وأطفالها من اعتداءات المستوطنين (عرب 48)

في الحارة التي يخترقها الشارع الرئيسي لحوارة لم يكن الوضع أفضل حالا، تقول لمار إن "عشرات المنازل والمحال التجارية أضرمت النيران بها، كنا ننظر من أعلى السطح، ظلام دامس تضيئه النيران، الحي تحول إلى محرقة، صرخات ونداءات استغاثة لبعض العائلات والأطفال، لإنقاذها من اعتداءات المستوطنين التي استمرت لساعات، في مشاهد توحي وكأن عجلة الحياة توقفت".

بغض النظر عن عدد الساعات التي قضتها لمار مع أمها وشقيقها جود وشقيقتها سوار، في دائرة الخوف والترويع ونيران حقد المستوطنين، بيد أن لمار بدت واثقة وبمعنويات عالية.

وسردت لمار كيف أنها تمكنت من إنقاذ أفراد أسرتها، حين قررت الصعود من بين ألسنة النيران إلى سطح العمارة في الطابق الرابع، في تلك الساعات قائلة إن "همي الوحيد كان إنقاذ عائلتي والعودة إلى الحياة".

حرائق ومجازر

ضمن الجهود للعودة إلى الحياة وتخطي هواجس الحرائق والدمار الذي خلفته عصابات المستوطنين، يسابق رئيس بلدية حوارة، معين الضميدة، الزمن، متنقلا بين استقبال الوفود التضامنية والسعي لإعادة إعمار وترميم المنازل والمحال التجارية التي أتت عليها نيران عصابات المستوطنين خلال اعتداءات ما بات يعرف بيوم "الأحد الأسود".

نصر فارس: حوارة عاشت محرقة ونخشى تكرار إرهاب المستوطنين (عرب 48)

ويبدي الضميدة قلقه من سيناريو تكرار هجمات المستوطنين في حوارة، ولا يستبعد أن تطال الاعتداءات مستقبلا البشر، وإمكانية أن ترتكب عصابات المستوطنين مجزرة دموية بحق الفلسطينيين في البلدة.

وأمام اتساع دائرة الاعتداءات والعربدة للمستوطنين تحت حراسة ودعم من قوات الاحتلال، يولي الضميدة أهمية كبرى للوفود التضامنية التي تعزز من صمود أهالي حوارة، قائلا في حديثه لـ"عرب 48" إن "الوفود التضامنية والتواصل مع أهالي حوارة في هذه المرحلة المفصلية، بمثابة صمام الأمان للبقاء والصمود والتصدي لقطعان المستوطنين".

النكبة والنكسة

أوضح رئيس البلدية أن حوارة تعيش مشاهد جديدة للنكبة، لافتا إلى أن ما تعرضت له حوارة وسكانها من قبل عصابات المستوطنين يعيد الذاكرة الفلسطينية إلى النكبة وكذلك النكسة، فما حدث في البلدة ليلة 26 من شباط/ فبراير الماضي، يعد نموذجا مصغرا للنكبة.

عصابات المستوطنين أضمرت النيران بعشرات المنازل في حوارة (عرب 48)

وأكد الضميدة أن حوارة التي تبلغ مساحتها 8 آلاف دونم وتعدادها السكاني نحو 8 آلاف نسمة وتقع جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، تخوض معركة وجود قبالة إرهاب المستوطنين الذين وبدعم وحماية من جنود الاحتلال أضرموا النيران في الأخضر واليابس، إذ استهدفوا الحجر والبشر الذين تصدوا وصمدوا قبالة هذه الاعتداءات والعمليات الإرهابية غير المسبوقة للمستوطنين.

واستذكر الضميدة مشاهد ما تعرضت له حوارة وسكانها، قائلا إن "اعتداءات المستوطنين على البلدة وسكانها ليس بالأمر الجديد، لكن ما حصل هو إقدام عصابات المستوطنين المدججة بالسلاح بمباغتة حوارة، وتحت جنح الظلام الدامس أشعلوا النيران في عشرات المنازل والمركبات والمحال التجارية، إذ أتت أياديهم على كل ما كان أمامهم، وحولوا البلدة إلى فوهة بركان".

إرهاب وقمع

عاشت عشرات من عائلات حوارة مسلسل الموت بين ألسنة النيران التي أشعلتها عصابات المستوطنين، فالمئات من أهالي البلدة، يقول الضميدة إنهم "توافدوا لإغاثة العائلات وإنقاذها من الموت المحتم، تصدوا لعصابات المستوطنين وتنادوا للدفاع عن بلدتهم، وذلك على الرغم من قمع قوات الاحتلال التي مكنت المستوطنين من الاستمرار في الاعتداءات والعدوان، حيث سطر السكان ملحمة بطولية حالت دون تهجير وتشريد العائلات التي طالتها اعتداءات المستوطنين".

نيران عصابات المستوطنين أتت على عشرات المركبات في حوارة (عرب 48)

عكس ما تعرضت له حوارة من الاحتلال ومستوطنيه، الإرهاب الذي مورس بحق الفلسطينيين بغطاء حكومي، سواء في إحراق عائلة دوابشة في بلدة دوما قضاء نابلس، وإحراق الفتى محمد أبو خضير من القدس، وهو حي، وهي المشاهد يقول الضميدة "التي تكررت في إضرام النيران في حوارة سعيا لتهجير سكانها، حيث لا تفرق ممارسات الاحتلال بين الفلسطينيين التي تضعهم جميعا في دائرة الاستهداف".

ما أغاض الاحتلال وأفشل مخططاته، يقول رئيس بلدية حوارة "تضامن الكل الفلسطيني مع حوارة وأهلها، حيث تلاحموا لتعزيز صمود السكان معنويا وأيضا ماديا، فالقضية في حوارة لا تقتصر على المال، بل هي معركة وجود، يعني نكون أو لا نكون، سواء في حوارة أو في أي بلدة فلسطينية، وفي هذه الحالة أثبت الشعب الفلسطيني أنه كالبنيان المرصوص والجسد الواحد".

صمود ودفاع

منع صمود أهالي حوارة قبالة اعتداءات المستوطنين وهجمات قوات الاحتلال من تكرار مشاهد اللجوء والتهجير، حيث تنبه سكان البلدة لما يتعرضون له من هجمات واعتداءات من قبل عصابات المستوطنين التي تمت بضوء أخضر من الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو.

9 عائلات حاصرتها النيران داخل منازلها في حوارة (عرب 48)

وفي حالة عكست الجسد الفلسطيني الواحد، سردت المربية خيرية عودة، تفاصيل الملحمة البطولية التي سطرتها المرأة الفلسطينية في حوارة بالدفاع عن منزلها وعائلتها وأطفالها، قائلة إن "ما تعرضت له حوارة كان محاولة من المستوطنين لمحو البلدة وإحراق سكانها ليكون مصيرهم الموت بين النيران، لكن النساء استماتت بالدفاع عن المنزل والعائلة، وبقيت صامدة في الأرض المحروقة، على الرغم من الخوف والهلع".

وتقول المربية عودة لـ"عرب 48" إن "الأطفال والفتية والفتيات وكبار السن عاشوا الموت والخوف على مدار ساعات من الإرهاب الذي نفذته عصابات المستوطنين التي كانت تهدف إلى تشريد وتهجير السكان، ودفعهم إلى الرحيل القسري تحت وطأة ألسنة النيران".

موت ودماء

تضيف المربية عودة إن "دفاعنا وثباتنا بالمنازل المحروقة، وصمودنا في الأرض كان بمثابة الرد الأمثل لإرهاب المستوطنين، فيما لا يزال الأطفال يعيشون إرهاصات الخوف والأزمات النفسية، إذ تخشى المرأة على أطفالها حين يخرجون من المنزل".

عصابات المستوطنين حاولت إضرام النيران بالمدرسة الثانوية في حوارة (عرب 48)

ولا تستبعد عودة التي تشغل منصب نائب رئيس بلدية حوارة، من تكرار هجمات واعتداءات المستوطنين على حوارة في المستقبل، إذ ترجح أن الاعتداءات مستقبلا ستفوح منها رائحة الموت وسفك دماء الفلسطينيين بالبلدة من قبل قطعان المستوطنين، الذين فشلوا بتمرير مخططهم القاضي للتهجير والتشريد للفلسطينيين، قائلة إن "فصول النكبة لن تتكرر في حوارة، نحن نتشبث في الأرض كتشبث الزيتون في فلسطين".

أمام تصاعد اعتداءات المستوطنين بإيعاز من الحكومة الإسرائيلية وغطاء من قبل قوات الاحتلال، تقول المربية عودة إن "الشعب الفلسطيني يخوض في هذه المرحلة معركة الكرامة والوجود، وحوارة هي النموذج المصغر لهذه الحالة التي تعكس تلاحم وصمود الفلسطينيين، قبالة عصابات المستوطنين التي باتت تعي أن الفلسطينيين لم ولن يستسلموا، ولن يرفعوا الراية البيضاء، وسيواصلون مسيرة النضال حتى التحرر والاستقلال".

الحزن والأسى

على الرغم من الصمود ومواصلة مسيرة النضال ومعركة البقاء والوجود قبالة إرهاب عصابات المستوطنين، بيد أن الستيني نصر فارس، لم يخف مشاعر الخوف والهواجس من المستقبل، قائلا إن "الوضع بات لا يطاق، حوارة وأهلها يتعرضون للإبادة المتدرجة".

وفود تضامنية في حوارة تتفقد الأضرار التي خلفتها اعتداءات المستوطنين (عرب 48)

وأضاف بنبرة ممزوجة بالحزن والأسى أنه "يوميا نعيش اعتداءات المستوطنين على أراضينا ومزارعنا والمواشي، والمحال التجارية، ولقمة عيشنا، فالبلدة أصبحت محاصرة بعصابات المستوطنين وتعاني بشكل يومي إرهاب شبيبة التلال".

وقال فارس لـ"عرب 48" إن "أهالي حوارة لم يتوقعوا أن تقدم عصابات المستوطنين على القيام باعتداءات إرهابية واسعة، واقتحام البلدة وإضرام النيران بمنازل مأهولة ومحال تجارية ليلا، هم أردوا ارتكاب محرقة ومجزرة بحق الفلسطينيين، وهذا تصعيد خطير جدا، وينذر بما هو قادم من سفك دماء وقتل للسكان على أيدي المستوطنين".

وأوضح أن "حوارة تتعرض لإرهاب المستوطنين بإسناد وحراسة من جنود الاحتلال".

المدخل الرئيس لحوارة تحول لثكنة عسكرية للاحتلال (عرب 48)

وختم فارس بالقول إن "البلدة تعيش حالة من التوجس والخوف، فما حصل من اعتداءات لم نعهدها في السابق، حيث لم يع السكان ما يحدث، فالنيران انتشرت كالهشيم بمنازل ومحال تجارية ومركبات، فيما قمع جنود الاحتلال بقنابل الغاز والرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط السكان الذين تصدوا لاعتداءات المستوطنين ومنعوا توسعها".

الشارع التجاري لحوارة في دائرة استهداف عصابات المستوطنين (عرب 48)
منظر عام لحوارة وعلى قمة الجبل البؤر الاستيطانية لشبيبة التلال (عرب 48)
لافتة توضيحية للمستوطنات التي أقيمت على أراضي حوارة (عرب 48)
حوارة وعلى التلال "غفعات رونين" "وهار براخا" (عرب 48)

التعليقات