31/10/2010 - 11:02

الحوار مضيعة للوقت../ مصطفى إبراهيم*

الحوار مضيعة للوقت../ مصطفى إبراهيم*
الأنباء الواردة إلينا يوميا تزيد من الإحباط وعدم التفاؤل.
وعلى رغم الدعوة التي وجهتها مصر للفصائل الفلسطينية للحوار، فإن الفلسطينيين لا يعلقون آمالا كبيرة على تلك الدعوة في ظل حدة الخلاف بين طرفي الصراع وتجدده، حيث لم يبق شيء إلا وتم تشويهه والعبث به وبمصير الشعب الفلسطيني ومستقبل أبنائه، وفي وقت ظل الفلسطينيون يراهنون على تجنيب قطاعي التعليم والصحة الخلافات والمناكفات السياسية.

الأنباء السيئة أخبرتنا أن قطاع التعليم كغيره من قطاعات المجتمع الفلسطيني غير مستثنى من الخلافات، ومع مطلع العام الدراسي الجديد أعلن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين الإضراب في مدارس قطاع غزة التابعة لوزارة التربية والتعليم العالي (التي تديرها عملياً حركة "حماس")، احتجاجاً على الخطوة التي قامت بها الوزارة في غزة بنقل عشرات المعلمين ومدراء المدارس المنتمين لحركة "فتح" من مدارسهم إلى مدارس أخرى، واعتبرتها "فتح" والاتحاد العام للمعلمين اجراءات تعسفية.

وبدلا من استيعاب الموقف والتفاوض على إنهاء الإضراب، ردت وزارة التربية والتعليم وحركة "حماس" بخطوات تصعيديه، وتعيين 2000 معلم ومعلمة لشغل الفراغ والعجز في المدارس، التي تغيب عنها المعلمون المضربون، وكذلك استدعاء واعتقال العديد من المعلمين والتحقيق معهم حول الإعلان عن الإضراب والتحريض على التزامه، وإرغامهم على التوقيع على تعهد بالتزام القرارات الصادرة عن حكومة غزة برئاسة إسماعيل هنيه.

الوزارة وحركة "حماس" ادعتا أن حركة التنقلات طبيعة وليست تعسفية، وجاءت بعد دراسة قامت بها الوزارة على إثر النتائج السلبية، وغير المرضية لامتحانات الثانوية العامة، حيث خلصت الدراسة الى توصيات من بينها أن هناك تكدسا لعدد كبير من مدراء المدارس، والمعلمين أصحاب الكفاءة العالية في مدارس دون غيرها، وعلى ذلك قامت اللجنة بحركة التنقلات التي شملت عشرات المعلمين ومدراء المدارس، ما جعل حركة "فتح"، والاتحاد العام للمعلمين يوجه اتهامات للوزارة ونقابة المعلمين التابعة لحركة "حماس" بأن تلك الخطوة تعسفية لإبعاد وإقصاء المدراء والمعلمين من أعضاء حركة "فتح".

الاتحاد العام للمعلمين وحركة "فتح" أعلنا عن بدء الإضراب مع بداية العام الدراسي على أن يكون لمدة خمسة أيام، ويلتزم المعلمون به. ومع أن الإضراب حق مكفول دستورياً، إلا أن ما رافق الإضراب من تهديد المعلمين غير الملتزمين بالإضراب والتلويح بطردهم من الوظيفة وليس إيقاف رواتبهم فقط، خلق حالا من القلق والخوف في صفوف المعلمين، ووضعهم في موقف صعب وعليهم اتخاذ القرار إما التزام الإضراب، أو الفصل من العمل، مع أن عدداً منهم غير مقتنع بالآلية التي أعلن عنها الإضراب، وعدم اتخاذ خطوات تحذيرية وصولا إلى الإعلان عن الإضراب الشامل.

بعض الفصائل الفلسطينية أيضاً عبر عن موقف مغاير لقرار الإضراب، إلا أن الخوف من الطرد من الوظيفة والتهديد بقطع الرواتب ارغم أعضاءها على الدخول في الإضراب، وبعد ثلاثة أيام من الإضراب ومع وصول الأنباء عن التوصل لاتفاق ينهي الإضراب، والتفاوض على حركة التنقلات وإعادة فتح مقر الاتحاد العام، أعلن لاحقا عن استمرار الإضراب ونفي التوصل الى حل.

حكومة غزة عينت 2000 معلم ومعلمة جدد للعمل بعقد مدته فصل دراسي واحد، وشن وزير التربية والتعليم فيها هجوما شرساً على المعلمين المضربين، وهددهم بالفصل من العمل، وقام المعلمون الجدد بالتوجه الى المدارس وهم لا يملكون الحد الأدنى من الخبرة التربوية والتعليمية، إذ أن معظمهم خريجون جدد، ولم يؤخذ في الاعتبار التخصص، المهم سد الفراغ في المدارس، والإثبات لحكومة را م الله أن أحداً لا يستطيع لي ذراعها، وتستطيع أن تدير العملية التعليمية بأي ثمن.

وفي رام الله كان الهدف من الإعلان عن الإضراب سياسياً، والضغط على حركة "حماس" وإحراجها، ومنذ البداية كان التهديد والتلويح بالفصل من الوظيفة وقطع الراتب للمعلمين غير الملتزمين بالإضراب، وهو السبيل الوحيد لإنجاح الإضراب، وشنت وسائل الإعلام التابعة لحركة "فتح" وفي مقدمها تلفزيون فلسطين، حملة من التحريض والاتهامات لحركة "حماس"، وقامت بنشر خبر فصل 40 موظفاً من وزارة الصحة، كانوا قد استنكفوا عن العمل منذ نحو عام بعد اتهامهم وزير الصحة في حكومة غزة بإقصائهم عن عملهم، ومنذ ذلك الوقت وهم لا يعملون، وبعضهم قطع راتبه من قبل حكومة رام الله.

إقحام العملية التعليمية وغيرها من القضايا في الخلاف السياسي وتشتيت الشعب الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس" خطير على مستقبل الشعب الفلسطيني، واستغلال الطرفين أي قضية خلافية لكسب مواقف سياسية ومصلحيه كل ضد الأخر، يعزز من حال الانقسام وفرض وقائع جديدة على الأرض من دون الأخذ بمصالح الشعب الفلسطيني وقضيته، ويعزز أيضاً من التفسخ الاجتماعي والكراهية بين أبناء الشعب الواحد.

يأتي ذلك ودعوة مصر للفصائل الفلسطينية لجولة جديدة من الحوار وصفها أحد المسؤولين الفلسطينيين بـ"التسالي وتضييع الوقت" وأنها لن تسفر عن أي شيء، خصوصاً وأن مواقف الطرفين متباعدة جداً وتفصلهما هوة كبيرة بحاجة الى جهد هائل لجسرها.

قضية إضراب المعلمين تعجل من مطالب الفلسطينيين بالعودة الى الحوار الشامل وعقد المصالحة الوطنية، والاتفاق على إصلاح الحال الفلسطينية بدءاً من منظمة التحرير ومؤسساتها الشعبية والنقابية وإعادة بنائها على أسس وطنية وإدراك الفلسطينيين أنهم ما يزالوا تحت الاحتلال، وان ما يجري يعزز من انقسامهم وعليهم العمل بسرعة لإعادة اللحمة بين صفوفهم وبناء مؤسساتهم الوطنية بناءً على إستراتيجية وطنية مقاومة تخلصهم من الاحتلال.

التعليقات