31/10/2010 - 11:02

زمن (بيجين) و..أثرياء ( فوربس)!../ رشاد أبوشاور

زمن (بيجين) و..أثرياء ( فوربس)!../ رشاد أبوشاور
على مدى عقود، اعتدنا أن نسميها(بيكين)، لكنها في الدورة التاسعة والعشرين علّمت ( العالم) كيف يلفظ اسمها بالصينيّة الفصحى: بيجين.

من ملعب (عّش الطيور) المبهر العظمة والجمال طارت للعالم صورة جديدة للصين، فهي مذهلة بدقّة تنظيمها لدورة الألعاب التاسعة والعشرين التي بدأت يوم 8 /8/2008، والصين اختارت الرقم 8 لأنها تتفاءل به، وتفاؤلها كان في محلّه، فهي بميداليات الذهب تركت أمريكا وبمسافة شاسعة وراءها.

أسبوع الصين الساعيّة بهمّة ونشاط للعظمة لم يعد سبعة أيّام، فهو ثمانية أيّام، لأن قادتها وضعوا نصب أعينهم أن يمكّنوا بلدهم العريق من اللحاق بالأمم المتطورة، المتفوّقة، المتعلّمة، المصنّعة، وأن يسبقوها انطلاقا من جدارة أمّتهم التي قدمّت للبشريّة اكتشافات علميّة، ولكنها انحطّت لأسباب منها الاستعمار البريطاني الذي أفشى المخدرات لتسطيل تلك الأمّة العريقة، حتى بلغ الأمر حّد وصف الصينيين بشعب ( الذباب)، حيث قرأنا أن صينيين كثيرين كانوا يموتون على الأرصفة!

مليون ونصف المليون صيني تطوعوا لإنجاح الدورة التاسعة والعشرين، دورة بيجين، منهم سبعون ألفا عملوا على تقديم الخدمات للضيوف في أماكن مبيتهم، وتنظيم تنقلاتهم، وتوفير طعامهم في أوقاتها بالضبط.

شعب نشيط، مضح، ممتلئ حماسة لسمعة بلده، وأمته، و.. للقول للعالم : نحن هنا، لقد عدنا...

نحن العرب أيضا كنّا هناك، وافتضح أمر (دولنا) التي لم يفز رياضيوها سوى بذهبيتين، وفضيتين،وأربع برونزيات!.

ليس هذا ذنب الرياضيين العرب (المساكين)، الذين يمثّلون فشل ورثاثة ( دول) لا تأبه بمواطنيها، ولا بالانتماء لأمّة، ولكنها مسكونة بالمصالح التي يمكن اختصارها بكلمتين : التبعيّة، والنهب (الفساد).
من أين سيأتي التفوّق، ومن أين ستتجلّى روح الغيرة والمنافسة؟!

رئيس الصين الذي كان يجلس في منصّة احتفالية الختام المدهشة رقصا وغناءً وإمتاعا بصريا ضوئيّا، وتقديم تشكيلات جمالية ساحرة، وألعاب ناريّة تملأ سماء بيجين ناشرةً الفرح.. لم نقرأ اسمه في القائمة التي نشرتها مجلّة (فوربس)، والتي تضّم أسماء أغنى 15 ملكا وأميرا في العالم...

يبدو أن رواتب (قادة) الصين لا تمكنهم من توفير مليارات الدولارات أسوة بالحكّام العرب!
الحكّام العرب أشطر، فهم يدخّرون القرش على القرش، وهكذا يكنزون المليارات في بنوك أمريكا وسويسرا وبريطانيا، وهذا ما يجهله قادة الصين!

يبدو أن الأموال الواردة للدولة هناك في الصين تمّر على خزانة الدولة، ولا يتحكّم بها رئيس الدولة وغيره من كبار المسؤولين، فالأموال هناك توظّف لمصلحة الأمّة، وكّّل قرش يعرف إلى أين يذهب.

يعني بصراحة قادة الصين لا يمكن اعتبارهم حكّاما لهم صلاحيات كحكّامنا، وهذا ما يجعلنا نباهي بحكّامنا فهم أولو الأمر منّا، وعلينا أن لا نسألهم: من أين لكم هذا، فمثل هذا السؤال كان يوجّه لسيدنا عمر بن الخطّاب، أو لامتداده الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي أطفأ السراج عندما زاره زائر لشأن لا يهّم (المسلمين)، وأضاء سراج بيته لأنه من حّر ماله!

في قائمة الخمسة عشر فاز الحكّام العرب بنصف الثروات التي يملكها أغنى الملوك والأمراء في العالم !
نشر هذه الأسماء وأرقام ثرواتها الفلكيّة عوّض علينا كعرب الفشل في ( بيجين)، وجعلنا نفخر بما يمتلكه حكّامنا!.

في دورة بيجين للألعاب الأولمبيّة: أثيوبيا، وكينيا، وجامايكا، حققت كّل واحدة منها على حدة نتائج أفضل من حاصل جمع ( دول) العرب المشاركة مجتمعة.

الأرقام الكبيرة، أرقام المليارات، التي نشرتها ( فوربس) ردّت لنا بعض الاعتبار، فقادة الصين لم يرد لهم ذكر في ( فوربس)، ولا روسيا، ولا الهند، ولا ماليزيا، ولا جنوب أفريقيا، بينما (الحكّام) العرب احتكروا نصف القائمة تقريبا، فما أهميّة ميداليات الذهب، والفضّة، والبرونز؟! أي واحد من المليارديريّة يمكن أن يأمر بصّك ألوف الميداليات الذهبيّة، وفي كل حال: ما الفرق بين الميداليّة التي ينتزعها الرياضي في الميدان و..الأونصة؟ كلّها ذهب، ولماذا تعب الجسم، والركض، والغوص، واللكم، والنّط، والقفز بالزانة؟ المهم أن لا يقفز أحد يوما على تلك الأرقام، ويعيدها إلى بيت مال ( المسلمين)!

أنا وأي إنسان في هذا العالم يعرف كيف حصل (بيل غيتس) على ثروته الهائلة، فالكمبيوتر الذي قرّب المسافات وسهّل الحصول على المعرفة، وشركة ميكروسوفت بكّل فروعها، وما تقدمه من خدمات في العالم، هي منجزاته مع صديقه وشريكه الذي بدأ معه الرحلة وهما في المرحلة الثانويّة، فمن أين جمع أصحاب تلك الأرقام الفلكيّة هذه المليارات، ما داموا ليسوا مخترعين كبيل غيتس؟!

في بلاد العرب مئات ألوف حملة شهادات الدكتوراة بلا عمل، كفاءات يمكن أن تفيد الأمّة، وتسهم في تطورها العلمي والمعرفي، وتضعها في سنوات، على سلّم التقدّم، واللحاق بالأمم التي أخذت مكانها تحت الشمس، والتي لحقت بها الصين في أقّل من ستّة عقود.

مليارات مجمدّة، أرقام ميتة في بنوك الغرب يستفيد منها أعداء الأمّة، ويحرم منها أصحابها الشرعيون ورثة الأرض التي تفجّرت بثروة النفط والغاز: الشعوب المفقورة، المتخلّفة، المجهلّة، الممزّقة، المحرومة، المسكينة، المذلّة المهانة...
ما الفائدة التي تعود على أمتنا العربيّة من تلك المليارات، ومن المستفيد منها؟
كل الدراسات تحذّر من أن المستقبل القريب سيشهد الصراعات والحروب على الماء والغذاء!

بلادنا فقيرة مائيّا - النيل في خطر، ونهر الأردن قتلته (إسرائيل) التي تنهب مياه الضفّة الفلسطينيّة، والفرات تتحكّم به تركيّا - ومتخلّفة زراعيّا، فلماذا لا توظّف مليارات هؤلاء الحكّام وذويهم ومن لفّ لفّهم لإنقاذ مستقبل ملايين العرب؟!

دعوني أذكّركم بهذه الواقعة.. بعد ضّم (هونغ كونغ) للصين الأم، أجرت بعض الفضائيّات لقاءً مع أحد أثرى الأثرياء هناك، وكان السؤال للمهندس الذي يمتلك أكبر شركة مقاولات بناء، والذي تقدّر ثروته بأربع مليارات دولار: هل ستغادر هونغ كونغ بعد ضمّها للصين؟
ذلك المهندس الثري الذي جمع ملياراته بذكائه، وتعليمه، وتفوّقه، وعمله في الميدان، والخوذة على رأسه وكأنه مجرّد عامل بسيط : أنا لن أغادر بلدي، لقد جمعت ثروتي هنا وسأستمر في العمل والبناء لبلدي الصين...
لم يهرّب ملياراته لبنوك أمريكا وغيرها، لأنه يحّب الصين ويفخر بالانتماء لها...

أثرياء العرب لمن ينتمون، وبماذا يفخرون؟!
منهم من يصدّر الغاز (لإسرائيل) ويحرم منه غزّة، ومنهم من يفاوض أحد أثرياء اليهود على حّق العودة، والقدس والمقدسات.. للتخلّص من القضيّة الفلسطينيّة، لأنّ فلسطين ومليارات البنوك في صراع، وهذه المليارات لن تكون إلاّ مع أعداء فلسطين والعرب كافةً...

التعليقات