القمع في مصر "منهجي"... ولا مؤشرات على انفراجة قريبة

أطلقت السلطات المصرية، مؤخرا، سراح بعض الناشطين السياسيين المعروفين، ما أنعش الآمال في انفراجة من جانب سلطة تتعامل بعدائية مع كافة أطياف المعارضة، غير أن المدافعين عن حقوق الإنسان يؤكدون أن القمع لا يزال "منهجيا"

القمع في مصر

توضيحية من القاهرة (أ ب)

أطلقت السلطات المصرية، مؤخرا، سراح بعض الناشطين السياسيين المعروفين، ما أنعش الآمال في انفراجة من جانب سلطة تتعامل بعدائية مع كافة أطياف المعارضة، غير أن المدافعين عن حقوق الإنسان يؤكدون أن القمع لا يزال "منهجيا" ولا مؤشرات على انفتاح في الأفق.

وفي العام 2021 الماضي، بدا أن البلد العربي الأكبر ديموغرافيا، يسجل نقاطا إيجابية رغم الانتقادات التي توجه إليه بانتظام بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، بدءا من عمالة الأطفال وانتهاء بالإعدامات خارج القانون مرورا بالاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء القسري.

وفي البداية، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قام بإسكات المعارضة تدريجيا في مصر منذ وصوله إلى السلطة في العام 2013، وسط ضجة إعلامية محلية كبيرة، إلغاء حال الطوارئ السارية في البلاد منذ سنوات، وبالتالي تعليق العمل بقانون الطوارئ وبالمحاكم الاستثنائية.

ثم تم الإفراج عن بعض وجوه الحركة الحقوقية والنشطاء السياسيين الليبراليين بل وكذلك عن ناشطة إسلامية.كما أطلق سراح الباحث المصري-الإيطالي باتريك زكي. أما حسام بهجت أبرز وجوه حركة حقوق الإنسان الذي كان يحاكم باتهامات تصل عقوبتها الى 3 سنوات، فقد أدين ولكن كانت عقوبته اقتصرت على الغرامة.

ومطلع هذا الأسبوع وصل الناشط المصري-الفلسطيني، رامي شعث، إلى فرنسا بعد عامين ونصف أمضاها في الحبس الاحتياطي، ولكنه أرغم على التنازل عن جنسيته المصرية مقابل الإفراج عنه.

ولكن الوقت ذاته، صدرت أحكام قاسية ضد ناشطين سياسيين مصريين آخرين. فعلاء عبد الفتاح حكم عليه للمرة الثانية منذ وصول السيسي للسلطة بالسجن 5 سنوات، وهو نفس الحكم الذي صدر بحق الناشط الشاب والنائب في أول برلمان انتخب ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، زياد العليمي، إضافة إلى أحكام أخرى بالسجن صدرت بحث ناشطين آخرين.

وإذا كان الرئيس المصري قد ألغى حال الطوارئ، فقد أُقرت تشريعات جديدة في القانون العام بعضها أكثر قمعية من قانون الطوارئ، ومن بينها تشريع يقضي بأن تقوم كل المنظمات غير الحكومية بتسجيل نفسها لدى السلطات الرسمية قبل منتصف كانون الثاني/ يناير الجاري وإلا فسوف يتم حلها.

وكان هذا القانون آخر مسمار في نعش الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إحدى أقدم وأهم المنظمات الحقوقية المصرية. وبعد 18 عاما من العمل، تغير خلالها 3 رؤساء في مصر وقامت ثورة شعبية وانقلب الجيش على رئيس دولة منخب (المعزول الراحل محمد مرسي) ، أعلنت المنظمة الإغلاق الكامل.

ودانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان "تزايد الاستهانة بسيادة القانون وتنامي انتهاكات حقوق الإنسان وتزايد الملاحقات البوليسية سواء المغلفة بغطاء قانوني أو قضائي".

واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن "محاولات مصر السطحية لخلق انطباع التقدم في حقوق الإنسان لم تخفِ القمع الحكومي الوحشي لجميع أنواع المعارضة".

السيسي يتحث عن وضع حقوق الإنسان في مصر (أ ب)

وفي لقاء مع الصحافيين هذا الأسبوع، قال السيسي موجها حديثه إلى المنظمات الحقوقية مستخدما لهجته المستجدية والعاطفية: "هل تحبون شعبنا أكثر منا، هل أنتم تخافون على بلادنا أكثر منا... نحن بلادنا لا تجد الأكل... هل أنتم مستعدون لمساعدتنا؟".

ويكرر السيسي بانتظام رؤيته لحقوق الإنسان والتي تقتصر على توفير الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء التي يعتبرها أهم من حق التجمع المحظور عمليا في البلاد.

وعندما قدم السيسي في أيلول/سبتمبر لماضي، "الإستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان" حرص على التركيز على ذلك المحور. ولكن المنظمات غير الحكومية تؤكد أن الإطار التشريعي الراهن غير مقبول.

وفي هذا السياق، تشير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن تسجيل المنظمات غير الحكومية "عملية معقدة تتطلب مئات الأوراق" وليس هناك أي ضمانة بإتمام التسجيل بعد الخوض في كل الإجراءات المطلوبة لأن "التسجيل يتوقف على موافقة وزارة التضامن الاجتماعي علنا".

مدير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، عيد ("أ ب")

وكشف مؤسس الشبكة العربية، جمال عيد، الذي يتعرض منذ سنوات هو وزملاؤه لمضايقات من السلطات، إن مسؤولا دعاه إلى "حظر العمل على حرية التعبير وأوضاع السجون".

وأضاف "نرفض أن نتحول لمؤسسة تعمل على الموضوعات الغير ذات أهمية، فلن نتحول إلى مؤسسة متواطئة أو جنجوز" أي منظمة غير حكومية تابعة للدولة.

وبعد ما تعرض له، قرر جمال الذي ما يزال ممنوعا من السفر وما تزال أمواله مجمدة، أن يغلق المنظمة.

وكثيرون مثله ممنوعون من السفر وأموالهم مجمدة، وفق المنظمات الحقوقية التي تؤكد أن هناك 60 ألف سجين رأي وسجين سياسي في مصر.

ولذلك، وصفت منظمة العفو الدولية و20 منظمة غير حكومية أخرى الوضع بأنه "كارثي" مشيرة إلى وجود "ناشطين سلميين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومحامين وأساتذة جامعات وصحافيين محبوسين لمجرد أنهم مارسوا حقهم في حرية الرأي والاجتماع السلمي والتنظيم".

ولإسكات أي معارضة، تستخدم السلطات سلاحا آخر وهو الطابع المحافظ للمجتمع المصري. فقد تم توقيف عشرين من الفتيات والسيدات المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي في العام 2020 بتهمة "الدعوة إلى الفجور"، وفقا لمزاعم السلطات.

وأوضحت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن السلطات المصرية "وسّعت القمع ليشمل المدافعين عن الحقوق خارج البلاد بالقبض على أفراد أُسرهم في مصر وأحيانا ‘إخفائهم‘".

وأكدت المنظمة أنه "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتحمل السماح للدولة بإبادة المجتمع المدني المصري الذي كان حيويا في السابق بهذه التكلفة الزهيدة، وعليه الضغط على الحكومة".

التعليقات