خاص | روسيا أم النظام أم "داعش"؛ من وصل لرفات باومل أولًا؟

موقع "عرب 48"، جمع شهادات تقود لاستنتاج وحيد، يقول إن الرفات كان في مخيم اليرموك في جنوب العاصمة، وتحديدًا في مقبرة الشهداء القديمة في المخيم، لكن من وصل إليه أولًا، الروس أم النظام أم داعش؟

خاص | روسيا أم النظام أم

(مكتب الصحافة الحكومي)

ما أن أُعلن عن استعادة جثة الجندي زخاريا باومل، أحد الجنود الإسرائيليين الثلاثة الذين فُقدت آثارهم في أعقاب معركة السلطان يعقوب، في بداية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حتى بدأت التكهنات عن المكان حيث كان رفاته مخفيًّا فيه، وهوية الجهة التي عثرت عليه. ساعات بعد ذلك وبدأت جميع الخطوط والتقاطعات تدل على الأرض التي أخفيت فيها الجثة، كانت مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في العاصمة السورية دمشق.


الخط زمني

التزم النظام السوري الصمت بعد الخبر، حتى الساعة السادسة مساء من يوم الأربعاء، تنقل قناة الميادين اللبنانية عن "مصدر إعلامي سوري لم تسمه، أن دمشق لا علم لها بأي عملية تسليم لرفات الجندي الإسرائيلي"، تابع المصدر أن "ما جرى هو دليل جديد يؤكد تعاون المجموعات الإرهابية مع الموساد"، ونفى أيضًا امتلاك دمشق لأي معلومات حول موضوع الرفات برمته وحول تواجده من عدمه.

زخاريا باومل

ليلًا، قدم القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة" أنور رجا، رواية يتهم فيها من وصفها "بمجموعات مسلحة" بنقل رفات باومل، من مخيم اليرموك في جنوب دمشق، وحتى تركيا، ومنها إلى إسرائيل.

ظهيرة الخميس، ومن موسكو، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمر بوتين، تسليم الرفات إلى تل أبيب. قال بوتين أثناء لقائه برئيس الحكومة الإسرائيلية في موسكو، أمس، "حدد عسكريونا بالتعاون مع العسكريين السوريين مكان دفنه، ويسرنا أنه سيكون بإمكان إسرائيل تكريمه عسكريًا، وسيكون بإمكان أقربائه أن يحملوا الزهور إلى قبره".

الموقع

لم يحدد بيان جيش الاحتلال المنطقة التي عُثر فيها على الجثة في سورية، كما قال إن العملية التي تم بواسطتها استعادة الجثة لم تكن ضمن صفقة تبادل، بل عملية عسكرية أطلق عليها اسم "مغن حزين"، كما لم تكشف روسيا عن المكان الذي كان الرفات موجودًا فيه، فيما لم يعلن النظام السوري عن تلك المعلومة تجنبًا للمزيد من الإحراج، فأين كان الرفات؟

مقبرة الشهداء، مخيم اليرموك، أيار 2018

موقع "عرب 48"، جمع شهادات تقود لاستنتاج وحيد، يقول إن الرفات كان في مخيم اليرموك في جنوب العاصمة، وتحديدًا في مقبرة الشهداء القديمة في المخيم، لكن من وصل إليه أولًا، الروس أم النظام أم داعش؟

مخيم اليرموك 82

خاض عناصر من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، مع عناصر من الجيش السوري عام 1982، مواجهة مباشرة ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي في البقاع اللبناني، بعد أن رفضوا الانصياع لأوامر الجيش السوري بالانسحاب من المنطقة، انتهت المعركة، التي عرفت باسم معركة السلطان يعقوب، بقتل ثلاثة جنود للاحتلال واغتنام الدبابة التي كانوا يقودونها، من طراز "ميركافا".

أيام بعد المعركة، تظهر الدبابة مع جثة أحد الجنود، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق. عناصر "فتح" الذين عادوا من تلك المعركة، هم من أبناء مخيم اليرموك، كما أكد رئيس تجمع الفلسطينيين السوريين الأحرار "مصير"، أيمن أبو هاشم، في حديثه لـ"عرب 48".

دبابة الـ"ميركافا"، سلمها الروس لإسرائيل عام 2016 

وقال أبو هاشم إن الجثة عرضت في شوارع المخيم، كما الدبابة "الميركافا"، لكن أين ذهبت بعد ذلك؟ هذا السؤال من غير الممكن أن تجيب عليه إلا منظمة التحرير الفلسطينية أو حركة فتح أو المخابرات السورية.

وتابع أبو هاشم أن أمرًا بالغ الحساسية، مثل دفن الرفات، لم يكن متاحًا الوصول إليه أو الانكشاف عليه إلا لواحدة من هذه الجهات الثلاث فقط، ولا يمكن لأي جهة أخرى الإفادة بغير ذلك.

"دفنت الجثة في مخيم اليرموك"، بحسب ما أكد الناشط الفلسطيني السوري أبو سلمى خليل، وتابع أن عمليات البحث عنها لم تكن خلال الثورة السورية فقط، بل قبل ذلك بكثير؛ "دائما كانت عمليات البحث عن رفات الجندي الإسرائيلي قائمة في مقبرة الشهداء القديمة في مخيم اليرموك".

بعد عرضها على العلن في شوارع مخيم اليرموك عام 1982، اختفت الجثة، وتولى دفنها عناصر من حركة فتح في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، في قبر حمل اسم "شهيد فلسطيني".

البحث المُضني

خلال الثورة السورية، الجهة الوحيدة التي حاولت الوصل إلى رفات باومل داخل المخيم، هي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وفق ما أكد قيادي سابق في المعارضة السورية المسلحة، في جنوب دمشق، رفض الكشف عن اسمه، وتابع بالقول إن "تنظيم ‘داعش‘ بحث بضراوة عن الرفات في مقابر المخيم واستمر ذلك لسنوات".

الناشط أبو سلمى خليل، ورئيس تجمع مصير، أيمن أبو هاشم، أكدا أن عمليات البحث كانت قائمة حتى قبل عام 2011، وخروج المخيم عن سيطرة النظام.

وقال أبو هاشم "كنا نسمع بين الفترة والأخرى أن الأمن السوري ألقى القبض على أشخاص كانوا ينبشون القبور في مخيم اليرموك، بحثًا عن قبر جنود إسرائيليين، كان هذا خبرًا معتادًا كل فترة في أوساط أهالي المخيم"، فيما يشدد خليل على أنه "كان هناك أكثر من محاولة للعثور على القبر والرفات قبل الثورة".

في شتاء عام 2008، اعتقل الأمن السوري فلسطينيًا سوريًا من مخيم اليرموك، سمّاه المصور والناشط الفلسطيني السوري فادي خطاب بـ "أ ب ر"، قتل تحت التعذيب بعد شهر من اعتقاله.

وأوضح خطاب في حديثه لـ"عرب 48" أن المخابرات السورية تأكدت في ذلك العام، من أن حركة فتح قد دفنت رفات الجنود الإسرائيليين الثلاثة في مقبرة الشهداء بأسماء شهداء فلسطينيين، لكنها لم تنجح بتحديد مكانه على وجه اليقين، وبعد بحث مكثف، جندت المخابرات السورية "أ ب ر"، والذي تمكن من الوصول إلى المعلومة كاملة، لكنه رفض الإفصاح عنها، فتم اعتقاله وتعرض للتعذيب، لكن وبحسب الخطيب، قتل مصدر المعلومات الأخير للمخابرات السورية، قبل أن يدلي بمعلومة واحدة عن مكان القبور.

وبحسب أقوال الخطيب، فإن النظام السوري لم يكن قادرًا على الوصول إلى رفات الجنود الثلاثة، وتبقى الجهة الوحيدة التي تمتلك تلك المعلومة، هي حركة فتح فقط.

السيناريو الأقرب للحقيقة

قدّم قيادي سابق في أحد فصائل المعارضة السورية في مخيم اليرموك، سيناريو مختلفا تماما يتناقض مع ذلك الذي قدمه جيش الاحتلال والرئيس الروسي حول الجهة التي عثرت على رفات باومل، وقال المصدر في حديثه لـ"عرب 48"، إن الرفات تم الوصول إليه فعلًا  في الفترة بين نهاية عام 2017 وبداية عام 2018، من قبل تنظيم "داعش".

وأكد القيادي الذي رفض الكشف عن اسمه "وصلنا الخبر، لقد تمكن عناصر تنظيم الدولة من الوصول إلى قبر الجندي الإسرائيلي في مقبرة الشهداء، ونقلوه إلى حي الحجر الأسود".

كان تنظيم "داعش"، الذي سيطر على مخيم اليرموك في نيسان/ أبريل عام 2015، يمتلك طريقين باتجاه دمشق، الأول يصله بمنطقة السيدة زينب، التي تسيطر عليها ميليشيات إيرانية، والثاني باتجاه القدم الذي تسيطر عليه الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري، التي كانت مدعومة من روسيا.

عبر أحد الطريقين، بحسب المصدر، خرج رفات باومل قبل سيطرة النظام على مخيم اليرموك، أي أن الرفات تم نقله إلى دمشق قبل أكثر من عام من الآن.

وما يدعم رواية القيادي، وضع مقبرة الشهداء اليوم، وما تعرضت له من النظام وتنظيم "داعش"، إذ قصف النظام مقبرة الشهداء بالبراميل المتفجرة وصواريخ الفيل في العشرين من نيسان/ أبريل والرابع والعشرين من أيار/ مايو عام 2018، ما حول المقبرة إلى أنقاض.

سبق ذلك بعامين قيام تنظيم داعش في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2016، بتحطيم شواهد القبور في المقبرة، وجرف عدد من القبور.

وبالعودة إلى ما قاله المصدر، يبدو أن البحث أو العثور على رفات باومل دفع الطرفين، النظام وداعش إلى تدمير المقبرة.

على ضوء ذلك، تصبح الرواية الأقرب للحقيقة، أن "داعش" تمكن من الوصول إلى رفات الجندي بالفعل قبل سيطرة النظام مع روسيا على كامل جنوب دمشق في أيار/ مايو 2018، وتمكن من نقله إلى دمشق، عبر أحد الطريقين المسيطر عليهما من قبل حلفاء النظام، روسيا وإيران.

من "داعش" إلى القوات الروسية

يبدو الطريق الذي سلكه الرفات من مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك باتجاه تل أبيب قد مر بدمشق عبر القوات الروسية. وهو ما يدعم الرواية التي تقول إن "داعش" قام بتسليم الرفات إلى الفرقة الرابعة في جيش النظام التي كانت منتشرة في منطقة القدم المحاذية للمخيم، والتي كانت تتلقى دعمًا روسيًا، وتفيد الرواية أن ضباطًا روسًا هم من تولوا مفاوضات السيطرة على جنوب دمشق كاملًا عام 2018.

وصول رفات الجندي باومل إلى تل أبيب، أمس (أ ب)

وشارك الضباط الروس في عمليات التفاوض بشكل مباشر مع قيادات المعارضة في جنوب دمشق، مستبعدين حتى أي رأي للنظام السوري في عملية التفاوض أو وضع الشروط، التفاوض شمل، أيضًا، إخراج مقاتلي "داعش" من مخيم اليرموك والحجر الأسود، إلى جنوب سورية (بادية السويداء).

رجح قيادي سابق في وفود تفاوض جنوب دمشق (رفض ذكر اسمه)، أن يكون "داعش" سلم الرفات إلى القوات الروسية، مقابل السماح له بالتوجه إلى بادية السويداء، إذ كانت عمليات القصف غير المسبوقة على الحجر الأسود ومخيم اليرموك، قادرة على إنهاء وجود التنظيم داخل المنطقة وليس نقله، وقال القيادي إنه يميل إلى هذا التفسير فقط لقيام التنظيم بتسليم الرفات الذي كان يدرك أهميته بالنسبة للقوات الروسية وتل أبيب، وبالتالي موافقة القوات الروسية على إخراج عناصر التنظيم من جنوب دمشق، إلى بادية السويداء.

دمشق لا تعلم شيئًا

عادت دمشق لتؤكد مساء أمس، الخميس، وهذه المرة عبر الوكالة الرسمية للأنباء (سانا)، أنها لا تعلم شيئًا عن تسليم رفات باومل، وقد تكون هذه المعلومة صحيحة 100%.

إذا كان الرفات قد خرج من مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، باتجاه مواقع "داعش" في الحجر الأسود، ثم سلمت إلى قوات روسية في حي القدم بجنوب دمشق، فقد تكون غادرت دمشق إلى موسكو، من دون أي علم لقوات النظام وسياسييه بالصفقة كاملة، أو بموعدها أو حتى بتفاصيلها.

 

التعليقات