"الأكاديمية الإسرائيلية تفتقد د.عزمي بشارة"../ كتب: هاشم حمدان

-

 

تحت هذا العنوان، رغم عدم دقته، نشر موقع "Walla" تقريراً، قبل بضعة أيام، يتضمن آراء خمسة مختصين في كليات العلوم السياسية والفلسفة والتاريخ والحقوق والعلوم الاجتماعية، في عدد من الجامعات الإسرائيلية، حول مساهمة د.عزمي بشارة، التي وصفها التقرير بـ"العظيمة" في العلوم الاجتماعية، والتي لا تزال تدرس في الجامعات الإسرائيلية.

تجدر الإشارة إلى أن واقع الحال لا يعني أن الأكاديمية الإسرائيلية فعلاً تفتقد د.بشارة، وإنما لكون جميع المحاضرين المذكورين، ما عدا سموحا، هم من المحسوبين على قوى اليسار الأكثر جذرية.

ويشير معد التقرير إلى أنه رغم عمق المكانة الأكاديمية لبشارة في البلاد، إلا أنه لا يحظى باحترام الجمهور الإسرائيلي. وبحسبه فقد قوبل "غياب هذا المثقف العربي الذي يتحدث العبرية بطلاقة وبلسان حاد واحتل العناوين" (على حد قول معد التقرير).. قوبل بتنفس الصعداء كأنما أزيلت شوكة من جسد الجمهور الإسرائيلي..

يقول البروفيسور يوآف بيليد إن عزمي بشارة هو "فيلسوف سياسي"، وهذا مجال مشترك للعلوم السياسية والفلسفة. وبرأيه فإن مقالات د.بشارة وفكره هي جزء لا يتجزأ من موضوعة "السياسة والحكم في إسرائيل" في الجامعة. ويضيف أن "أساس مساهمة بشارة هي في موضوع القومية والمجتمع المدني، وأحد أهم مقالاته هو "بين القومية والأمة: تأملات في القومية. وفي الواقع فإن الحديث هو عن مقال تجعلنا ترجمته السياسية نكتشف أنه البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي".

وبحسب أقوال بيليد فإن المقال يعتبر تجديداً من جهة الحوار السياسي في إسرائيل. " لقد ميز بشارة في مقالته هذه بين القومية والأمة، حيث أن إحداهما هي الأساس العرقي؛ يهودي وفلسطيني، أما الثانية فهي تقوم على المواطنة. وقد ادعى بشارة، وبحق، أن الحكم الذاتي بدون دولة المواطنين هو أبرتهايد. ولذلك فهو يقول إنه يجب أولاً العمل على مبدأ دولة المواطنين، ولاحقاً مبدأ الحكم الذاتي القومي. وبذلك يشكل فكر بشارة تغييراً مبدئياً عما يعرض في الرؤية المستقبلية للفلسطينيين، والتي لا تتحدث عن مبدأ دولة المواطنين، وإنما عن استقلال سياسي، وهو ما يعتقد بشارة بأنه غير ممكن لوحده".

ويضيف بيليد: "أذكر أن بشارة، الذي كان في إدارة المعهد الأكاديمي فان- لير في القدس، اتجه إلى السياسة". وبحسب بيليد فقد شعر بالأسف لذلك، ويقول "كنت أعتقد ولا زلت، أن الحديث عن خسارة كبيرة. فكل شخص بإمكانه أن يكون سياسياً، ولكن لا يوجد الكثير من الأكاديميين والمثقفين بمستواه".


يقول البروفيسور عادي أوفير، رئيس كلية التاريخ والفلسفة للعلوم والنظريات في جامعة تل أبيب، إن مساهمة د.عزمي بشارة في الخطاب الفلسفي مهمة جدا. ويشير إلى مقالين آخرين، عدا عن المقال الذي أشار إليه البروفيسور بيليد.

الأول هو "مسألة الأقلية الفلسطينية في إسرائيل". وبحسب أوفير فإن الحديث عن تحليل اجتماعي- سياسي للأقلية العربية في إسرائيل، بما في ذلك أزمة الهوية وعملية الأسرلة. وهو الأساس الذي تطور لاحقاً إلى نظرية كاملة، بموجبها من الممكن أن يحصل تسوية تاريخية فقط في حالة واحدة، تسوية سياسية تعترف بالظلم (النكبة) الذي وقع بحق الشعب الفلسطيني.

أما المادة الثانية، التي يعتبرها أوفير مساهمة مهمة، فهي ترجمة لعدة مقالات عن "التنوير". وبحسبه فقد كانت محاولة لإدخال "شيء ملتهب" جداً إلى الحوار باللغة العبرية، نقاش بين "حداثيين" و"ما بعد حداثيين"، من خلال مطالعة مقالات لـ "كانت" و"مندلسون" و"هابرمس" و"فوكو".

وبرأي البروفيسور أوفير فإن حملة التحريض ضد بشارة، والتي بدأت منذ زمن، ومهاجمة "دولة المواطنين" وكل من أيدها، تعبر عن عدم فهم منهجيتها. ومع ذلك، يضيف، إن هناك شيئاً آخر يقف وراء ذلك، "يوجد هنا تعبير عن الخوف.. الخوف من أن بشارة يكشف الكذب الذي نعيشه. فالموقف الواقعي جداً لبشارة ليس موقف ادعاءات كلاسيكية معادية للصهيونية، وإنما تكشف عن العنصرية في السلطة الإسرائيلية، والكذب الأساسي في تعريف إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية".

ويتابع أوفير أنه لا يمكن تبديد التناقض في "الدولة اليهودية الديمقراطية"، ولذلك فإن "كل من يشير إلى ذلك يصرخون بوجهه، وهذا ما حصل لبشارة".


ويقول البروفيسور سامي سموحا، وهو عالم اجتماع ومختص بالعلاقات اليهودية- العربية في إسرائيل، إن د.بشارة قد صاغ من جديد الخطاب السياسي العربي في إسرائيل. ويضيف أن فكر بشارة يطرح الأسئلة الصعبة بشأن طبيعة الدولة، كما تحدى الخطاب الشعبي الصهيوني- اليهودي في هذا الشأن.

وتطرق سموحا إلى المساهمة غير المباشرة التي كانت لبشارة في صياغة الخطاب السياسي للعرب في إسرائيل. وبحسبه فإن الوثائق التي نشرت مؤخراً، مثل "الرؤية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل"، لم تكن لتنشر لولا مساهمة د.بشارة. ويقول:" بدون شك فمن الصعب رؤية هذه الوثائق تنتشر بدون تأثير بشارة".

كان لسموحا خلاف في الرأي مع د.بشارة، فالإثنان لم ينظرا بنفس النظرة إلى دور الأكاديمي، في حين خصص د.بشارة عدداً من المقالات لنقد سموحا. ويعطي سموحا مثالاً على ذلك بالنسبة لمصطلح "أسرلة العرب". فيقول إنه وصف العملية التي يمر بها العرب في إسرائيل، إلا أن بشارة حاججه في ذلك، وقال بأن سموحا لا يقوم بدوره، وأن من واجبه التحدث عن انتقاداته لهذه العملية، والقول بما يجب أن يطمح إليه المجتمع.

وبحسب سموحا فإن شخصية د.بشارة أصبحت أكثر تهديداً على الجمهور في إسرائيل لثلاثة أسباب؛ أولها لكونه عروبياً، وأن حقيقة كون بشارة يتحدث عن أمة عربية، تجعله يشكل تهديداً أكبر مما يشكله سياسي عربي محلي. أما السبب الثاني، بحسب سموحا، فهو سعي بشارة في التأكيد على فلسطينية العرب في إٍسرائيل وكفاحه ضد الأسرلة. وهو ما لا يعتبره سموحا بالأمر البسيط، لأنه إذا كان العرب في إسرائيل فلسطينيين، فإن ذلك يعني أنهم جزء ممن تعرّفهم الدولة كأعداء. ويضيف سموحا أن بشارة لم يطمس الحدود بين "العربي الإسرائيلي" و"الفلسطيني" بل محاها تماماً. أما السبب الثالث الذي يسوقه سموحا فهو "اعتراض بشارة على الطابع اليهودي للدولة".

ويضيف أن هذه الأسباب الثلاثة، بالإضافة إلى كونه إنساناً ذا مستوى عال، وفيلسوفاً، وقائد حركة طلابية، وخطابيا طلق اللسان، كل ذلك جعل أقواله "متحدية ومتطرفة ومهددة أكثر بنظر اليهود والمؤسسة الإسرائيلية".


يقول د.أيال غروس المختص بالقانون الدستوري والقانون الدولي، إن د. بشارة ليس حقوقيا، ولكنه وبالرغم من ذلك فإن مجال انشغال د.بشارة السياسي كان يتصل بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل، و"اضطر" أكثر من مرة إلى مواجهة "ردود الفعل من الجهاز القضائي في إسرائيل".

وبحسب أقوال غروس، فإن بشارة كان من وضع في الساحة القضائية النقاش المهم بشأن التصادم بين الدولة اليهودية والدولة الديمقراطية. ويضيف "وإن لم يكن ذلك بالمنظار القضائي الفوري، فقد كان لبشارة مساهمة كبيرة في النقاش العام بهذا الشأن".

ويضيف أنه قد ظهر اسم د.بشارة بشكل خاص في النقاش حول شطب اسمه وشطب قائمة التجمع من المشاركة في الانتخابات البرلمانية للكنيست الـ 16. وقد استندت المطالبة بشطب القائمة إلى سببين موجودين في قانون أساس الكنيست: نفي كون دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وبند تأييد الكفاح المسلح لدولة "معادية". وقامت لجنة الانتخابات في حينه بشطب قائمة التجمع استناداً إلى هذه الادعاءات، إلا أن المحكمة العليا رفضت ذلك، وقبلت استئناف التجمع الوطني الديمقراطي.

ويقول غروس إن المحكمة في الواقع قررت أن المواقف التي عرضها د.بشارة لا تصل إلى حد يتيح إدانة الدولة له. وقررت المحكمة أن هناك مميزات جذرية في نظرية بشارة لا تنفي وجود الدولة". إلا أن التحدي الفوري الذي وضعه د.بشارة أمام المحكمة هو التأكيد على أن "دولة المواطنين" تتناقض مع مسألة الدولة اليهودية الديمقراطية. وطرح القضاة، الذين أصدروا القرار بشأن عدم شطب قائمة التجمع، التساؤل "هل إسرائيل، كدولة ديمقراطية، هي دولة جميع مواطنيها؟"، وبذلك انكشف التناقض في أوجه.

ويضيف غروس: " إدعاء د.بشارة أن إسرائيل يجب أن تكون دولة جميع مواطنيها أعاد إلى الصدارة السؤال: هل إسرائيل، التي تعرف نفسها كدولة يهودية وديمقراطية، هي لكل مواطنيها؟ أم لمواطنيها اليهود". وبحسب غروس فإنه بسبب ذلك، فقد اعتبر د.بشارة كمن يشكل تهديداً على الدولة اليهودية.

ويقول البروفيسور أمنون راز- كركوتسكين، وهو محاضر في كلية التاريخ اليهودي، إن من بين الأمور المهمة في رؤية د.بشارة القومية هي تناوله في مقالاته في الفكر اليهودي من موشي مندلسون، مروراً بوولتر بنيامين، وانتهاء بيشعياهو ليفوفيتش. ويضيف إنها حقاً مثيرة حقيقة أن من يعرّف على أنه "عدو إسرائيل" هو أنه المسؤول عن ترجمة أحد المؤلفات المهمة لمندلسون، الذي يعتبر أحد أهم فلاسفة العصر الحديث، إلى العبرية. وفي المجموعة التي نشرها د.بشارة تحت عنوان "ستة مقالات عن الحرية"، فقد أكد على اهمية التفكير الفلسفي لمندلسون، بل وتماثل معه في نقاشه مع "كانت".

ويضيف أمنون راز، أنه وبشكل يزيد عما هو لدى مندلسون، فإن مبدأ المواطنة لدى بشارة هو ليس شيئاً يمنح للمواطنين، وإنما هو ملك لهم. والمجتمع الإسرائيلي ليس على استعداد لتقبل المساواة من الموقع الذي يتحدث منه. وأن ما يزعج المجتمع الإسرائيلي هو أن اعتراف بشارة بحق الشعب الإسرائيلي- اليهودي في تقرير المصير، يأتي في نفس الوقت الذي يطالب فيه بالمساواة الكاملة والتي يجب أن تتبع في الدولة.

وبحسب كركوتسكين، فإن الإعلام الإسرائيلي لعب دوراً في عملية "الشيطنة" لعزمي بشارة. وعلى سبيل المثال فإن بشارة يقول إنه لا أمل بمقاومة الاحتلال بدون مبادرة سياسية شاملة، إلا أن الإعلام الإسرائيلي أختار أن يتجاهل مثل هذه الأقوال. كما اختار الإعلام الإسرائيلي إخفاء أقوال بشارة بشأن العمليات الإنتحارية، حيث أن التقرير الذي كتبته عميرة هس عن أقوال د.بشارة في اجتماع في مدينة رام الله ضد العمليات الانتحارية تمت إزالتها بعد وقت قصير من مواقع الانترنت، بدون إبقاء أي ذكر لذلك.

التعليقات