تحليل خاص | أسود المغرب.. رفع حالة "الجنون" وتوّعد بطل العالم

كان يعي مدرِّب المنتخب المغربي تمامًا أنَّه بكلّ الأحوال سيستقبل اللَّعب في مراحل معيَّنة من المباراة، وسيواجه الضَّغط العالي من المنتخب البرتغالي، فقام بتقسيم اللِّقاء إلى مراحل؛ في بداية المباراة كان المنتخب

تحليل خاص | أسود المغرب.. رفع حالة

(Gettyimages)

المنتخب العربي المغربي يصنع التّاريخ، رفع الطُّموح، رفع حالة الجنون وتأهَّل إلى نصف نهائي كأس العالم كأوَّل منتخب عربي وأوَّل منتخب إفريقي يصل إلى هذه المرحلة من البطولة بتغلُّبه على المنتخب البرتغالي المدجَّج بالنُّجوم.

نحن نتحدَّث عن منتخب واجه في مرحلة المجموعات كلّ من المنتخب الكرواتي وصيف بطل العالم وتعادل معه، ثمَّ واجه المنتخب البلجيكي صاحب المركز الثّالث في البطولة السّابقة وتغلَّب عليه أداء ونتيجة، ثمَّ هزم المنتخب الكندي ليتأهَّل إلى دور الثَّمانية متصدِّرا لمجموعته، فواجه الماتادور الإسباني وتغلَّب عليه، ثمَّ واجه المنتخب البرتغالي المدجَّج بالنُّجوم، وفاز عليه وبدأ بكتابة التّاريخ.

الثِّقة التي زرعها الرَّكراكي بهذا الفريق والثِّقة التي يؤمن بها اللّاعبون بأنفسهم يحتاج إلى تحليل علم نفس وليس إلى تحليل مجرَّد مباراة كرة قدم. فمن غير الطَّبيعي أن تدخل إلى مباريات أمام منتخبات لديها أسماء مرعبة وتتفوَّق عليهم تكتيكيًا وفنِّيًا.

منتخب المغرب ضمن الأربعة الكبار، منتخب المغرب واحدا من أربع منتخبات مرشَّحة لنيل لقب كأس العالم، نحن نتحدَّث عن واقع ولا نتحدَّث عن أوهام وأماني، فاليوم أحد عشر لاعبًا مغربيًا بإمكانهم مقابلة أي منتخب في العالم ويتفوَّقون عليه، هذه القاعدة التي كتبها المنتخب المغربي.

تشكيلة المنتخبين

بدأ المنتخب المغربي اللِّقاء بخطَّة 4-1-4-1 بقيادة النَّجم وليد الرَّكراكي؛ ياسين بونو في حراسة المرمى؛ أشرف حكيمي، جواد اليامق، رومان سايس ويحيى عطيَّة الله في خطّ الدِّفاع؛ في المحور تواجد سفيان امرابط؛ في الوسط تواجد كلّ من حكيم زيّاش، عزّ الدّين اوناحي، سليم املاح وسفيان بوفال وفي المقدِّمة تواجد يوسف النِّصيري مهاجم صريح.

بدأ المنتخب البرتغالي اللِّقاء بخطَّة 4-3-1-2؛ ديوغو كوستا في حراسة المرمى؛ دييغو دالوت، بيبي، روبين دياز ورافاييل جيريرو في خطّ الدِّفاع؛ في الوسط تواجد بيرناردو سيلفا، روبين نيفيز واوتافيو دا سيلفا؛ في مركز صناعة اللَّعب تواجد برونو فيرنانديز خلف المهاجمين جواو فيليكس وغونزالو راموس.

تحليل اللِّقاء

بدأ المنتخب المغربي اللِّقاء بغياب نايف أكرد قلب الدِّفاع الأساسي للمغاربة، والظَّهير الأيسر غاب مزراوي. بذلك يكون المنتخب المغربي قد بدأ اللِّقاء بغياب اثنين من أعمدة الدِّفاع في الفريق، فشارك في قلب الدِّفاع جواد اليامق وفي مركز الظَّهير الأيسر يحيى عطيَّة الله الذي بإشراكه كانت الضّارّة النّافعة بالنِّسبة للمنتخب المغربي، فمزراوي هو بالأساس أيمن القدم، بينما عطيَّة الله أيسر القدم الميزة التي سهَّلت عليه إغلاق الجهة التي يتواجد بها تمامًا وكان أحد نجوم اللِّقاء.

كان واضحا منذ بداية اللِّقاء أنَّ المنتخب المغربي لن يسلِّم الاستحواذ بالكامل للمنتخب البرتغالي كما فعل أمام المنتخب الإسباني، فالمنتخب الإسباني يعاني من مشكلة التَّهديد على مرمى الخصم على عكس المنتخب البرتغالي الذي يملك الكثير من الحلول والإستراتيجيّات الهجوميَّة، فتسليم الكرة بشكل كامل للمنتخب البرتغالي منذ بداية اللِّقاء كان سيكون انتحارا مغربيا كاملا.

كان واضحًا من خلال اللِّقاء أنَّ الرَّكراكي درس فرناندو سانتوس جيِّدًا، فمنذ بداية اللِّقاء استحوذ المنتخب المغربي على الكرة، وهدَّد مرمى المنتخب البرتغالي في أكثر من مناسبة.

كان يعي مدرِّب المنتخب المغربي تمامًا أنَّه بكلّ الأحوال سيستقبل اللَّعب في مراحل معيَّنة من المباراة، وسيواجه الضَّغط العالي من المنتخب البرتغالي، فقام بتقسيم اللِّقاء إلى مراحل؛ في بداية المباراة كان المنتخب المغربي هو المنتخب المبادر، هذه المبادرة لم تأتِ من فراغ، فهدفها الأوَّل والأهم هو هدف معنوي، وذلك لكسر الخوف لدى لاعبيه من رهبة المنتخب البرتغالي، ومحاولة بعثرة أوراق المدرِّب سانتوس منذ بداية اللِّقاء.

حتّى الدَّقيقة 20 كان المنتخب المغربي هو المسيطر مع تشكيل خطورة واضحة على المنتخب البرتغالي، وضياع واضح في منتصف ملعب المنتخب البرتغالي.

بعد ذلك سلَّم المنتخب المغربي الكرة واعتمد سياسة بناء اللَّعب السَّريع مباشرة بعد استرجاع الكرة، لينضم اوناحي إلى الرِّواق الأيمن رفقة زيّاش، واختراق حكيمي منطقة عمق الملعب لخلق الزِّيادة العدديَّة في الوسط لكن بتحفُّظ مع الأخذ بعين الاعتبار خطورة المرتدّات البرتغاليَّة.

كان لدى المنتخب المغربي أسلوب هجومي واحد اعتمده، وهو العرضيّات، عكس المعتاد، لإدراك الرَّكراكي ضعف دفاع المنتخب البرتغالي في التَّعامل مع العرضيّات، وهنا أيضًا تكمن الفائدة من إشراك عطيَّة الله، حيث خلق جبهة مع بوفال على الجهة اليسرى، بالإضافة إلى الجبهة التي كوَّنها زيّاش واوناحي على الجهة اليمنى، ولاحظنا فعلًا خطورة المنتخب المغربي عند لعب العرضيّات التي جاء من إحداها الهدف الأوَّل بعد عرضيَّة من عطيَّة الله وارتقاء ولا أروع من النِّصيري.

الأمر الآخر المميز الذي قدَّمه المنتخب المغربي في المباراة هو روعة ومهارة الخروج بالكرة من تحت الضَّغط الذي يخلقه المنتخب البرتغالي، والذي كان يفشل كثيرًا في هذه المباراة وذلك لوجود املاح مع اوناحي خاصَّة، مع زيّاش وحكيمي في الجهة اليمنى بالتَّمريرات السَّريعة ومهارة اوناحي في المراوغة، فكانت الكرة تتنقَّل من الجهة اليمنى عن طريق زيّاش أو حكيمي إلى أقصى الجهة اليسرى التي يتواجد فيها بوفال وعطيَّة الله، ويثبِّت نصيري نفسه داخل منطقة جزاء منتخب البرتغال، إلى أن نجحت هذه الطَّريقة واستطاع المنتخب المغربي تسجيل الهدف عند الدَّقيقة 43.

على الصَّعيد الدِّفاعي، كان يعي الرَّكراكي خطورة الجهة اليسرى البرتغاليَّة التي يتواجد فيها جيريرو ويميل إليها فيليكس، فقام بتثبيت حكيمي في الخلف وعودة زيّاش لمساندة حكيمي دفاعيًا وإغلاق المساحات، إذ قدم زيّاش مباراة أسطوريَّة على الصَّعيد الدِّفاعي وتضحية كبيرة بالعودة للخلف للمساندة الدِّفاعية.

كانت هناك مشاكل كبيرة للمنتخب البرتغالي بالتَّغلُّب على الضَّغط المنخفض للمنتخب البرتغالي في نصف ملعبه، بالإضافة إلى التَّغطية التي طبَّقها النَّجم سفيان أمرابط بين الخطوط، الأمر الذي أجبر المنتخب البرتغالي على اللَّعب في الأطراف التي يغلقها حكيمي وزياش من جهة، وعطيَّة الله وبوفال من الجهة الأخرى.

ليتغيَّر الرَّسم التَّكتيكي للمنتخب البرتغالي إلى 4-3-3 بتوجُّه برونو إلى الجهة اليمنى وفيليكس إلى الجهة اليسرى واختفى راموس بين جواد اليامق ورومان سايس، وبذلك اختفت كلّ نقاط القوَّة للمنتخب البرتغالي.

في الشَّوط الثّاني بدأ فيرناندو سانتوس بمحاولة إيجاد الحلول للتَّسجيل، فأقحم كريستيانو رونالدو وجواو كانسيلو مكان نيفيز وجيريرو لتتحوَّل الخطَّة إلى 4-4-2، برونو جناح أيمن وفيليكس جناح أيسر متحرِّر لفتح المجال لكانسيلو للعب العرضيّات.

الشَّوط الثّاني كان دفاعيا تمامًا بالنِّسبة للمنتخب المغربي معتمدين على المرتدّات الخطيرة التي أهدرها شديرة في أكثر من مناسبة.

في الدَّقيقة 64، ومع توالي ضغط المنتخب المغربي، خرج املاح ودخل مكانه بدري بنون لأنَّ دفاع المنتخب المغربي أصبح، منخفض جدًا وأصبحت عرضيّات المنتخب البرتغالي خطيرة. وبالتّالي أصبح يلعب بخماسي دفاعي في الخلف، بخطَّة 5-4-1.

هذه التَّغييرات حدَّت من خطورة المنتخب البرتغالي وأصبحت محاولاتهم لا تسمن ولا تغني من جوع، لينتهي اللِّقاء بفوز المنتخب المغربي وتأهلّه التّاريخي للمربَّع الذَّهبي للبطولة.

على الهامش

* منتخب الأسود حتى الآن قدَّم مزيج ما بين التَّرابط القوي الذِّهني والنَّفسي والصَّلابة الدِّفاعية، والتَّوازن، الجمال، السُّهولة والبساطة أثناء الاستحواذ على الكرة.

* في عمليَّة البناء والتَّحضير اعتمد أشكال وطرق متعدِّدة، في التَّدرُّج ونقل الكرة للثُّلث الأخير، فالرَّكراكي يملك عناصر ممتازة ومميَّزة تمتلك القدرة على تنفيذ تلك الأدوار، واستخدام سلاح المرتدّات بطريقة ذكيَّة جدًا.

* سبب تدهور مستوى المنتخب البرتغالي هو فرناندو سانتوس، سيبقى سانتوس هو عنصر تدمير المنظومة بالكامل، فمعه لا يوجد هيكل تنظيمي للفريق، بالإضافة إلى عدم استغلال الأفراد ووضع نظام يمتلك القدرة على احتواء الجميع، انعدام الشَّكل الخططي أثناء الاستحواذ، مع الانتشار السَّيئ. المنتخب البرتغالي يملك لاعبين كبار ذو قيمة فنِّيَّة عالية ولديهم حلول فرديَّة متعدِّدة، لكن المشكلة الكبرى تكمن في المدرِّب الذي لا يمتلك حلا للتَّصحيح وتسبَّب بتدهور منظومة كاملة وحرمان جيل مميَّز وقوي من الوصول للأدوار القادمة.

رجل المباراة

حكيم زيّاش، لاعب استثنائي في بطولة استثنائيَّة، قدَّم تضحيات دفاعيَّة كبيرة بالإضافة الى قيمته النَّوعيَّة في الهجوم، شكَّل مع حكيمي سدا منيعا على الجهة اليسرى، يستحق لقب رجل المباراة بكل تأكيد.

التعليقات