وطن دافئ: الطفولة بصوت ريم بنّا

الراحلة ريم بنّا

 

اتّخذت موسيقى الأطفال في مسيرة ريم بنّا الفنّيّة حيّزًا كبيرًا جدًّا، نوعًا وكمًّا، فقد أطلقت [3] ألبومات مخصّصة للأطفال من مجمل ألبوماتها الـ [7]، شملت [34] أغنية: "قمر أبو ليلة" (1995)، و"مكاغاة" (1996)، و"نوّار بيلسان" (2009).

اهتمّت ريم عبر مشروعها الفنّيّ باستعادة وتوثيق الأغاني التراثيّة؛ كالأهازيج والتهاليل الفلسطينيّة، التي وصفتها بأنّها "عَمْ تِنْتَسى"، فأطلّت بها من جديد في توزيعات جديدة، وأصدرت أغاني تحمل روح التراث، والثقافة، والتاريخ الفلسطينيّ. غنّت ريم فلسطين، فأغنتنا وأغنت أطفالنا بعطائها وحبّها، وزرعت فيهم الأمل والحسّ الوطنيّ المتحدّي.

 

أولى اللغات

الموسيقى إحدى اللغات الأولى التي يتعرّض لها الطفل ويستجيب إليها، ولعلّها أهمّها، ولها دور أساسيّ في صقل الذات والأنا الحسّيّ والجسديّ لدى الطفل، وفي بناء الارتباط والاتّصال الأوّليّ لديه؛ تُستخدم الألحان والأغاني لتساعد الطفل على التواصل مع الآخر، وفي بناء وتعزيز علاقته مع الأسرة، والبيت، والبيئة.

 

 

كما تؤدّي الموسيقى لدى الطفل دورًا مهمًّا في توسيع خياله وتغذيته، فالكلمة المغنّاة تسرد الكيان، وتعطي معاني وتفاسير للمحيط، ومصداقيّة وحميميّة للوجود، وتساهم في وضع الأسس للنطق، واكتساب مخارج الحروف، وتطوير لغة الأمّ، واكتساب المخزون اللغويّ. أمّا اللحن، فينمّي لدى الطفل العاطفة، ويعطي مصداقيّة ومكانًا لمختلف المشاعر، كالحبّ، والخوف، والفرح، الغضب.

 

أيّام زمان

استحدثت ريم كلمات أغان وأهازيج، وصاغتها بطريقة تتناسب مع مقولتها الفنّيّة والوطنيّة، مثل: "بهلّل لَكْ"، و"حودي يا حوادي نزلو العرب عالوادي"، مانحة إيّاها طابعًا حديثًا على مستويي اللحن والتوزيع. وقد تناولت فيها مضامين تربط الطفل بالأرض والتراث، في إطار قيم محلّيّة وعالميّة، ما يؤدّي إلى تعزيز الجوانب الوطنيّة والإنسانيّة في شخصيّته وهويّته.

 

 

مثال على ذلك أغنية "عنّا بالحاكورة"، التي قد تظهر مفرداتها للوهلة الأولى عبثيّة، وُضعت للتسلية أو الترفيه لا أكثر، والتي تقول فيها: "خيار ولوز، خسّ وملفوف، حمّص فول وبندورة“، لكنّ ريم أرادت بهذه المفردات إحياء تاريخ مضى من "القعدات" الطيّبة المليئة بالعطاء، والحبّ، بالإضافة إلى الأكلات من "بيت ستّي، وعمتي، ولمّات الحارة"، كأنّها تحثّ الأهل والأجداد على محادثة الأطفال عن "أيّام زمان" بكلّ ما فيها من دفء وبساطة وطبيعيّة، كما ترسم هذه الأغاني في خيال الطفل صورًا من تاريخنا، وعاداتنا، ومعالمنا الفلسطينيّة والعربيّة.

أغنية "قمر أبو ليلة" أيضًا، التي أذكرها من طفولتي، تربطني بالزعتر، والزيت، والمناقيش، والكعك، والقطّينة، والدبس، والطحينة، وتمدّ خطًّا مستقيمًا بيني وأجدادي، وجدّاتي، وقريتي، وتاريخي، وثقافتي.

 

احترام الطفل

لم تأت ريم بأغاني الطفولة لتمنح الطفل معلومات ومضامين عليميّة/ وعظيّة (ألوانًا، وفصولًا، وأرقامًا، وغيرها)، إنّما لتدخله عالمًا مليئًا بطبيعة وجغرافيا الوطن، والعادات والتقاليد، والقيم التكافليّة، ودفء المشاعر.

 

 

ريم الفنّانة، وريم الأمّ، احترمت الطفل، خاطبته، حضنته، أدخلته ليغنّي معها، وليكون شريكًا لها، وبهذا أدّت دورًا مهمًّا في بلورة وتكوين هويّة الكثير من أطفالنا.

 

رنين حنّا

 

مغنّية ومعالجة بالموسيقى والحركة، وأخصائيّة في التربية الموسيقيّة لمرحلة الطفولة المبكرة. تحاضر في قسم الموسيقى والعلاج بالموسيقى في جامعة بار إيلان. أطلقت ألبومًا وكتابًا للأطفال بعنوان "قلبي غابة" (2017)، وألبومًا للطفولة المبكرة بمشاركة حبيب حنّا شحادة (2010).