"مَهْرَجاز" الثالث: الجاز يشقّ طريقه في فلسطين

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

تتعدّد المهرجانات والعروض الموسيقيّة الفلسطينيّة طوال السنة، وتتنوّع في أصنافها والفنّانين المشاركين، إلّا أنّ مهرجانًا مختلفًا انطلق قبل عامين، بدأ يأخذ مكانة خاصّة في المشهد الثقافيّ في فلسطين، وينتظره هذه الأيّام جمهور غفير في نسخته الثالثة، ألا وهو "مَهْرَجاز – مهرجان فلسطين المستقلّ للجاز"، الّذي سينطلق يوم الأربعاء 16 تشرين الأوّل (أكتوبر)، ويمتدّ حتّى 26 من الشهر نفسه، في مدينتَي حيفا ورام الله، يتخلّله عروض موسيقيّة وأفلام وورشات عمل.

بدأ "مَهْرَجاز" يشقّ طريقه في فلسطين عام 2017، عندما قرّر منظّموه أنّهم يريدون جلب موسيقى "الجاز" إلى المجتمع الفلسطينيّ؛ "بسبب الفكرة الخاطئة عن الجاز وأهداف هذه الموسيقى؛ لذلك اجتمعنا، مجموعةً من الأصدقاء والمقرّبين، وتداولنا فكرة تنظيم مهرجان خاصّ للجاز أطلقنا عليه ’مَهْرَجاز‘"، كما يقول المبادر إلى فكرة المهرجان جميل مطر، في حديثه إلى فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة عن البدايات، ويضيف: "في أوّل سنة كنّا ستّة أشخاص، بنينا الفكرة وأخرجناها إلى النور. وكانت ردود الفعل مفاجِئة بالنسبة إلينا، ومرحِّبة ومشجّعة، وكثير من الناس تطوّعوا معنا، ومن هنا كانت البداية، وهذا دفعنا إلى الاستمرار".

 

"بتذكّرك في الخريف"

يغيب الجاز عن التاريخ الموسيقيّ الفلسطينيّ والعربيّ، فقد انطلق في الولايات المتّحدة منتصف القرن التاسع عشر، في ظروف سياسيّة اجتماعيّة تاريخيّة، تزامنت مع انتهاء الحرب الأهليّة الأمريكيّة وإلغاء نظام العبوديّة؛ إذ تفاعل العبيد الأفارقة بموسيقاهم المحمّلة بتراث أفريقيا وتراث الأغاني، خلال عملهم في الحقول، مع الموسيقى الأوروبّيّة وموسيقى الكنائس. وانتشر الجاز أساسًا بين مجتمعات السود الأمريكيّين من أصل أفريقيّ، ليتحوّل لاحقًا إلى موسيقى شعبيّة في أمريكا ومجتمعات أخرى في العالم.

 

برنامج "مَهْرَجاز" 2019

 

بدأ الجاز يدخل الموسيقى والأغاني العربيّة من خلال بعض الأعمال، ويقول مطر في ذلك: "العرب يستمعون لفيروز، وجزء من موسيقى فيروز مأخوذ من الجاز؛ فزياد الرحباني أخذها وأعدّها في أعمال موسيقيّة لفيروز. الناس تستمع لها ولا تعرف أنّها جاز، مثل أغنية ’بتذكّرك بالخريف‘، وهي في الأصل جاز باسم ’ورق الخريف‘، لها نسخ عديدة عالميّة".

وفي السؤال عن حضور الجاز في أعمال الفنّانين الفلسطينيّين المحلّيّين، يرى مطر أنّ: "الجاز لا يدلّ على ’جانر‘ موسيقيّ، بل على توجّه. السؤال: ما هو الجاز بالنسبة إلى كلّ فنّان الجاز؟ فالجاز تطوّر كثيرًا تاريخيًّا من حيث السرعة أو البطء، وهذا شيء مرتبط بكلّ فنّان. ثمّة مشكلة عالميّة في مفهوم الجاز، حتّى أنّ مهرجانات عالميّة للجاز صارت تستضيف موسيقى ’هيب هوب‘؛ لأنّها الموسيقى الرائجة، ويمكن أن تكون منقذًا لصعوبات تمرّ بها المهرجانات من ناحية مادّيّة".

 

نضال

يؤكّد آدم حاجّ يحيى، أحد المنظّمين في المهرجان، كلام زميله جميل، ويرى أنّ الجاز لا يمكن حصره ضمن جانر معيّن، إنّما "توجّه موسيقيّ ونتاج عن مصاعب وردّ فعل على ظروف سياسيّة واجتماعيّة، ويحكي قصّة، ولديه فلسفة. ونحن نرى توازيًا بين المجتمع الفلسطينيّ والمجتمع الأفروأمريكيّ؛ لذلك نهتمّ بأن يعكس ‘مَهْرَجاز‘ هذه الروح من خلال الفنّانين الّذين نستضيفهم. على سبيل المثال، ستشاركنا هذه الدورة من المهرجان الفنّانة أكوانارو، وهي أمريكيّة من أصل أفريقيّ، ناشطة سياسيّة ونسويّة معروفة، أجرت بحثًا عن علاقة النساء ذوات البشرة السمراء، بالجاز والنسويّة والنضال النسويّ للنساء ذوات البشرة السوداء، وسوف تقدّم محاضرة في ذلك في أثناء المهرجان".

 

جميل مطر

 

ما يميّز "مَهْرَجاز" أيضًا أنّه يقدّم ورشات عمل تعليميّة ومفتوحة للجميع ومجّانيّة، تُعرّف الناس جوانب مختلفة من عالم الجاز الواسع، ويقدّم مجموعة من الأفلام بالتعاون مع "مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام"، تتناول دور الموسيقى - ومن ضمنها الجاز - في النضال السياسيّ والتغيير المجتمعيّ؛ إذ ستُعرض أفلام دراميّة ووثائقيّة من تونس وسيريلانكا ومصر وبريطانيا.

يرى حاجّ يحيى أنّ تطوّر فعاليّات "مَهْرَجاز" بشكل سنويّ أمر ضروريّ لنجاحه وتوسّعه، ويقول: "إلى جانب مدينة حيفا، سوف نعرض لأوّل مرّة في رام الله، وسيكون ثمّة عرض في قرية عبلين الجليليّة؛ فنحن نطمح إلى أن يصل المهرجان، ليس فقط إلى المدن، بل إلى بلدات صغيرة، وندخل أماكن جديدة أيضًا".

 

استقلاليّة ضدّ القمع

لا يخفي حاجّ يحيى التحدّيات الماليّة والتنظيميّة أمام طاقم المنظّمين، ولا سيّما أنّ المهرجان غير ربحيّ، ويؤكّد استقلاليّة المهرجان، ويقول: "كما نؤمن بمفهوم الجاز موسيقيًّا وكذلك تنظيميًّا، فنحن لا نتعامل مع أجسام إسرائيليّة أو أيّ جهة مرتبطة بالاستعمار. وليس فقط ذلك، إنّما لا نتعامل مع أيّ جهة تقمع شرائح مجتمعيّة لأيّ سبب كان. نحن ندرك أنّ المشروع ليس سهلًا، وخاصّةً لأنّه مستقلّ، ونحاول التوجّه إلى صناديق، وحصلنا هذا العام على شراكة مع ’مؤسّسة عبد المحسن القطّان‘. ثمّة تحدّيات في بيع التذاكر بأسعار معقولة، والوصول إلى أماكن جديدة. نعتمد كثيرًا على التطوّع والأشخاص الّذين يقدّمون لنا المساعدة والتبرّعات والدعم المعنويّ".

 

آدم حاجّ يحيى

 

وعن العروض المشاركة هذه السنة، يقول جميل مطر: "ثمّة أربع فرق جاز مشاركة، وكلّ فرقة لها فلسفتها الخاصّة؛ أوّل فرقة هي ’فرقة أمير الصفار‘، وهو فنّان عراقيّ أمريكيّ، يدمج الجاز في موسيقى شرقيّة على مقامات عراقيّة؛ فللّذين يرغبون في الاستماع لدمج الجاز في الموسيقى الشرقيّة أنصحهم بهذا العرض. أمّا العرض الثاني فهو لفرقة ‘نو تونجز‘ من فرنسا، تعتمد في تسجيلاتها على موسيقى قبائل موجودة في غابات الأمازون وأصواتها، ويتعاملون مع الآلات الموسيقيّة بشكل مختلف، لا كما نعرفه بشكل عامّ. العرض الثالث سيكون لجيم بلاك من الولايات المتّحدة، وهو معروف بأعظم درامرز في عالم الجاز، يدمج الروك فيه، وقد بدأت مسيرته بداية التسعينات بتقديم الجاز الممزوج بالروك، وأخذ اسمه شهرة عالميّة، وسيقدّم ورشة في المهرجان. والعرض الرابع سيكون كما ذكرت لأكوانارو، ستُلقي شعرًا وستعزف فرقتها، وهو عرض للأشخاص الّذين يحبّون أن يستمعوا لكلمات إلى جانب الموسيقى، تطرح مواضيع سياسيّة وجندريّة".

يُذكر أنّ العروض تُنَظّم هذا العام في مدينة حيفا في "بار وغاليري فتّوش"، وفي مدينة رام الله في "مؤسّسة عبد المحسن القطّان".

 

 

ربيع عيد

 

صحافيّ فلسطينيّ، كاتب وعضو طاقم في فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة.  بالإضافة إلى عمله الصحافيّ، يعمل حاليًّا مركّزًا إعلاميًّا في جمعيّة الثقافة العربيّة. عمل رئيسًا لتحرير صحيفة فصل المقال. حاصل على البكالوريوس في  العلوم السياسيّة من جامعة حيفا، والماجستير في الإعلام والدراسات الثقافيّة من معهد الدوحة للدراسات العليا.