سكاكين مخبّأة

Getty

 

إلى أينَ تذهبُ ملامحي؟

 

في كلِّ هذا المشي

أتأمّلُ ما تبقّى منّي في زجاجِ الشّوارعِ،

في كاميراتِ المراقبة،

في لقطاتِ سيلفي العابرينَ الّتي أمرُّ فيها صدفةً،

في مرايا الغرفِ المؤقّتة

حيثُ آلافُ الوجوهِ المكدّسة

 

تُرى

إلى أينَ تذهبُ ملامحي

بعدَ أن تكونَ هناك؟

 

*

 

لونٌ مُنْسَحِب

 

سجائرُ تنسكبُ مثلَ ماءٍ باردٍ في الرّئاتْ

في أصابعَ تحرّكُنا خطوطًا ودوائرَ خفيفةً في القماشة

تمشي دونَ أن تعرفَ جهاتِها

حيثُ الشّكلُ الّذي يصيرُ بُقْعَةً عَلَيَّ الآن

أزرقُ

لا لونَ

له

 

*

 

عَمارةٌ شديدةُ الهدوء

 

في الرّأسِ ضوضاءٌ مِنْ شدّةِ الصّمت

النّفوسُ المهجورةُ تسكنُها أرواحٌ تصرخُ بلا ضجيج،

في حيطانِها كائناتٌ تلوذُ بالعتمةِ حينَ يَدْخُلُها الغريب،

 

لكنّها الحرب 

في خواءِ شوارعِ

النّهار

 

*

 

إن لم تخنّي الذّاكرة

 

فإنَّ هذهِ العلاماتِ من أثرِ انفجارِ فرن

أو مِنْ أثرِ حادثٍ في ضبابِ الطّريق

أو من أثرِ اختلالِ توازنِ درّاجةٍ طارَ بجسمي إلى محلِّ أبو منير، أسفلَ الطَّلْعَة

أو من أثرِ أظافرَ تنهشُ في الظَّهْرِ تحتَ وطأةِ رغبتِها بالمزيد،

لكنّها خانتني،

 كما تفعلُ دائمًا

 

هذه العلاماتُ

سكاكينُ كان يخبّئُها لكَ كلَّ مرّةٍ فائضُ

سذاجتِك

 

*

 

ثقوبٌ سوداء

 

تَنْفَتِحُ في طريقِكَ ثقوبٌ

لها أنْ تنتهي بِكَ إلى الأسودِ

لو لَمْ تعرفْ أينَ خبّأتَ مفاتيحَ إغلاقِها

 

الغرقُ لا يحتاجُ أكثرَ مِنْ استنزافِ التيّارِ للعضلاتْ

العضلاتُ مهما كانت قويّةً وماهرةً

سترتخي

 

*

 

أرواحنا أحيانًا

 

في منشأةٍ تأكلُ حيطانُها نفسَها

غبارٌ مُضاءٌ بما في النّوافذِ مِنَ

انكِسارات

 

تدورُ،

غرابٌ أنيقٌ يشتهيها،

يغنّي لضعفِها الجميلِ حتّى يكبرَ

رويدًا رويدًا

فتنامُ

ويشمُّ

لحمَها

 

*

 

شفّاف

 

نارٌ في باطنِ كفّي

مِنْ وحيِ الصّحراءِ الممتدّةِ في الصّمت

أمسحُ وجهَ العالمِ بالنّور

فيفتحُ عينيهِ ويبصرُني

شفّافًا لا أبصرُ

نفسي

 

*

 

بعدَ كلِّ هذا المشي

 

حفاةً مشينا كلَّ هذا الرّيف

أهدينا للطّريقِ وجوهَ أقدامِنا

وأهدَتْنا الطّريقُ خشونَةَ الأحافير

ثمَّ لم نَجِدِ النّهر:

ابتلعَهُ البحرُ عن آخرِهِ

أو جَفَّ من أثرِ

احتباسِنا

 

*

 

دونَ أنْ تبتلَّ الطّريق

 

هيّا أيّها القاربُ الخفيف

خذْ ضعفَنا في جولةٍ قصيرةٍ

ليتحسّنَ مزاجُه،

فهوَ منذُ اختلالِ موادِّ الذّاكرة

لمْ يعدْ يحبُّ الاختلاطَ

لم يعدْ يرى المتعةَ في الأشياء

يصعبُ عليهِ أنْ يغادرَ السّرير

رغمَ أنَّهُ مِنْ سلالةِ فلّاحينَ يسبقونَ الشّمسَ دومًا في موعدِها مع الأرض

 

خُذْهُ

اِقطفْ لَهُ أصنافًا جديدةً مِنْ ضفّةِ التّجربة

أسمِعْهُ أصواتَ العصافيرِ في ورشةِ الرّيح

دَعْهُ لو رَغِبَ

أَنْ يمشي الماءُ تحتَ قدميهِ

دونَ أَنْ تبتلَّ

طريقُه

 


 

علي مواسي

 

 

 

شاعر وباحث. محرّر مجلّة فُسْحَة- ثقافيّة فلسطينيّة. له مجموعة شعريّة بعنوان "لولا أنّ التفّاحة"، وكتاب من تحريره بعنوان "الثقافة الفلسطينيّة في أراضي 48"، ومشاركات في مشاريع كتابيّة وفنّيّة جماعيّة عديدة.