فنّ التّطريز الفلسطينيّ في أيّامنا

قبل أن نبدأ في الحديث عن تراجع الزّي الفلسطينيّ الّذي يمتاز بالتّطريز، يجب التّطرق إلى تاريخ الأزياء الفلسطينيّة وكيفيّة نشأتها، ثمّ سنتناول بعض الأسباب الّتي أدّت إلى تلاشي هذا الفنّ وتراجعه، وكيف عاد بشكل آخر عن طريق الموضة المعاصرة من خلال إدخاله في كثير من الصّناعات مثل: الإكسسوارات، وزينة البيوت، والوشاح الّذي يوضع على الكتف، ومناديل الرّأس، إضافة إلى الثّوب الفلسطينيّ المتعارف عليه.

يرجع تاريخ ظهور الزّي التّراثيّ الشّعبيّ الفلسطينيّ المتكوّن من التّطريز المزخرف والخيوط الملوّنة إلى آلاف السّنين، حيث يُرَجح أنّه ظهر قبل 280 ألف عام قبل الميلاد.

وقد دلّت الزّخارف والنّقوش الموجودة في كثير من المدن الفلسطينيّة على ذلك، إذ أثبتت الدّراسات أنّ فنّ التّطريز الفلسطينيّ ما هو إلّا استمرار لحضارة وُجِدَت قبل آلاف السّنين، وهذا ما أظهرته النّقوش العاجيّة والفسيفساء في عهد الكنعانيّين.

التّنوّع

ولقد تنوّع التّطريز في الأزياء الفلسطينيّة، حيث فرضت العادات والتّقاليد الاجتماعيّة على الفتيات القيام بتحضير وتجهيز ملابس زواجهنّ المكوّن من الزّيّ الفلسطينيّ ذي الألوان والرّسومات الّتي تدخل الفرح والبهجة إلى القلب؛ ولم يقتصر ذلك عليهنّ، بل تعدّاه إلى الرّجال الّذين كانوا يتفاخرون بهذا الزّيّ، كغطاء الرّأس والثّوب الملوّن والمزخرف من كافّة الجوانب، حيث كانت لبعض الثّياب مناسبات خاصّة يشترك فيها الجميع، وتتّسم بطابع معيّن في الزّيّ. وبعد دخول الإسلام وانتشار تعاليم الدّين الإسلاميّ، انتقل فنّ التّطريز في ملابس الرّجال من الألوان والزّخارف إلى خطوط طوليّة من غير ألوان على الثّوب والسّروال.

ثوب من منطقة رام الله

ومن الجدير الإشارة إليه تنوّع أشكال وأنواع فنّ التّطريز الفلسطينيّ واختلافهما من منطقة إلى أخرى، فنجد أنّ لكلّ مدينة فلسطينيّة طابع خاصّ وصبغة معيّنة تتمثّل في نوعيّة التّطريز وشكله ولونه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر عدّة أنواع من أنواع التّطريز:

أوّلًا، تطريز الدّائرة، وامتازت به مناطق شمال وجنوب فلسطين، واستخدم هذا النّوع في المباني والملابس، والوحدات التّطريزيّة المستخدمة في هذا الفنّ هي 'النّماذج'، وتكون على شكل زهور، ومبانٍ، وطيور أهمّها العصافير.

ثانيًا، الزّخرفة المعروفة باسم المثلّث، وتسمّى أيضًا بالحجاب، لاعتقادهم أنّها تقيهم من الأرواح الشّريرة، وهي منتشرة في بعض المناطق الفلسطينيّة مثل أريحا، ويعدّ هذا الفنّ ركيزة من ركائز الفنّ الفلسطينيّ الشّعبيّ.

الانحسار والعودة

لقد تأثر فنّ التّطريز الفلسطينيّ بالكثير من العوامل التي أدّت إلى تراجعه وانحساره وعدم بروزه في العصر الحديث، رغم تمسّك كبار السّن بهذا الفنّ لعدم تقبّلهم ترك عاداتهم وتقاليدهم وتراثهم، ومن هذه العوامل التّطوّر والانفتاح الحاصل في عالم الأزياء، إذ نجد أنّ أغلب الشّباب، ومن الجنسين، يواكبون هذا التّطوّر مبتعدين عن كلّ ما هو قديم، وهذه أوّل العوامل الّتي أدّت إلى انحسار هذا الفنّ.

العامل الثّاني جاء بعد الاحتلال الصّهيونيّ لفلسطين، حيث عمل الاحتلال على طمس الهُويّة والتّراث الفلسطينيّين، بل وسرقتهما، من خلال نسب عدد من مركّبات الهويّة الفلسطينيّة له، كالمأكولات على سبيل المثال، بما في ذلك التّطريز الفلسطينيّ.

ونتيجة لهذه العوامل الّتي اجتمعت معًا وَحَدّت من توسّع هذا الفنّ، شعر الفلسطينيّون بالخطر الّذي يتعرّض إليه تراثهم من الاحتلال الصّهيونيّ، في محاولة لسرقة هذا التّراث وتشويهه، إذ قام الاحتلال بإنشاء مشاغل للتّطريز، محاولًا طمس هذا التّراث من خلال تغيير شكل التّطريز وتحويل أماكن الزّخارف على الثّوب، وتجاوز ذلك إلى شراء المطرّزات القديمة والتّخلّص منها. من هنا بدأ الفلسطينيّون بمرحلة الإحياء والتّجديد، إذ أُدْخِلَ فنّ التّطريز الفلسطينيّ لأثاث لبيوت، وللزّينة والإكسسوارات.

أمّا بالنّسبة للفتيات، فقد صرن يتباهين بارتدائهنّ الزّيّ الشّعبيّ المطرّز، حتّى أصبحت العروس في ليلة زفافها تفضّل ارتداء هذا الزّي، وأُدْخِلَ فنّ التّطريز في الكثير من الصّناعات اليدويّة، وهذا دليل قاطع على أنّ التّراث الفلسطينيّ سوف يبقى حيًّا وعصيًا على الاندثار.

...........

المراجع:

* التّطريز الفلسطيني، تاريخ التّطريز الفلسطينيّ. مؤسّسة القدس للثقافة والتّراث، 2011.

* محمد، سوزان. فنّ التّطريز الفلسطينيّ - الهويّة الفلسطينيّة التي لا تموت. مؤسّسة القدس للتّراث والثّقافة.

* الصّعيدي، هداية. فن التّطريز الفلسطينيّ القديم يُزين الثّياب العصريّة للشباب، غزّة، موقع العربيّة.