رَحْ نِبْنيها

منذ أن تقع عيناك على عبارة 'رَحْ نِبْنيها'، تنتابك، لا شعوريًّا، روح التّحدّي النّابعة من بساطة الجملة المصوغة باللّغة العامّيّة؛ هذا التّحدّي الّذي ربطه الفلسطينيّ بالاحتلال الصّهيونيّ لأراضي فلسطين من النّهر للبحر، فأصبح مبدأً وقيمةً من قيم العيش الكريم، ونهجًا عصيًّا على التّغيير.

من هذا المنطلق، أطلقت مجموعةٌ من الشّباب الفلسطينيّ، مدعومةً بقلّةٍ من الشّخصيّات الوطنيّة الفلسطينيّة، وعددٍ من المؤسّسات في القطاعين الخاصّ والعامّ، حملةً وطنيّةً تحت عنوان 'اليوم الوطنيّ لشهداء القدس'، تهدف إلى توفير حاضنةٍ شعبيّةٍ فلسطينيّةٍ لأهالي شهداء مدينة القدس تحديدًا، فتعيد بناء البيوت الّتي هدمها الاحتلال، وتكون سندًا لهم في معركة استرداد جثامين أبنائهم الّتي لا تزال محتجزةً في ثلّاجات العدوّ الباردة.

نقش وكورال الثّورة الفلسطينيّة

'رَحْ نِبْنيها'؛ أمسيةٌ فنّيّةٌ وطنيّةٌ، تُعَدّ جزءًا من برنامج الحملة الوطنيّة لشهداء القدس، والّتي تُنظّم لحشد الدّعم الماديّ  لإعادة إعمار بيوت شهداء القدس، أحيتها كلٌّ من 'فرقة نقش للفنون الشّعبيّة'، و'كورال الثّورة الفلسطينيّة'، الّذي قدّم عرضًا بعنوان 'نزلنا ع الشّوارع'  لأغاني الثّورة الفلسطينيّة، في قصر رام الله الثّقافيّ، على أن يذهب ريع الأمسية بالكامل لأهالي شهداء المدينة المحتلّة.

أجواء من الحماس والطّاقة الإيجابيّة تارةً، ومشاعر غضبٍ وحزنٍ تارةً ثانية، سادت مبنى القصر الثّقافيّ، لا سيّما عندما افتتح ممثّل أهالي شهداء القدس، المحامي محمّد عليّان، والد الشّهيد بهاء عليّان، الأمسية بكلمةٍ مؤثّرةٍ شدّد فيها على أهمّيّة وجود الحاضنة الشّعبيّة والرّسميّة الدّافئة والدّاعمة لقضيّة الشّهداء، قائلًا: 'نحن الأقوياء... نحن الصّابرون... نحن الصّامدون المؤمنون بعدالة قضيّتنا'.

بدأت الحملة يوم الجمعة، 5 شباط (فبراير) 2016، في مساجد الضّفّة الغربيّة، لتُستكمل يوم السّبت بالأمسية الوطنيّة الثّقافيّة 'رَحْ نَبْنيها'، وتتواصل الأحد في أربعة عشر كنيسةً موزّعةً في أراضي فلسطين المحتلّة، على أن تُختتم الحملة الاثنين، من خلال تبرّعاتٍ مباشرةٍ في صناديقَ ستوضع في كلٍّ من رام الله، ونابلس، وطولكرم، وسلفيت، وبيت لحم، والخليل، وخارج جامعة القدس – أبو ديس.

المحامي محمّد عليّان، والد الشّهيد بهاء عليّان
بعدسة: فادي عاروري

غياب القدس القسريّ

اللّافت للّنظر في قضيّة الحملة الوطنيّة لشهداء القدس، غياب القدس نفسها مكانًا ومضمونًا، بشبابها ونشطائها ومساجدها وكنائسها؛ والسّبب المباشر لذلك يتمثّل بالقيود الّتي تعيشها المدينة المحتلّة، دون غيرها من مدن فلسطين، فقد يُسجن أيّ مقدسيٍّ يحاول جمع الأموال لصالح أهالي الشّهداء بتهمة تمويل ما يُسمّى 'الإرهاب'، لمدّةٍ حدّها الأدنى سبع سنواتٍ، وهو ما ينطبق على الفلسطينيّين في أراضي 48، ما جعل أهالي القدس في ضائقةٍ نفسيّةٍ ومادّيّةٍ، وهنا كان من الضّروريّ جدًّا أن تتوفّر الحاضنة الشّعبيّة الوطنيّة الموحّدة، لتسقط كلّ مخطّطات الاحتلال بكسر عزيمة الصّمود والإرادة في قلوب ونفوس أهالي الشّهداء العظماء.

موسيقى الرّفض

بعد كلمة المحامي محمّد عليّان، الّتي تخلّلتها هتافاتٌ ثوريّةٌ للجمهور، مثل: 'إذا هدّوها رَح نِبْنيها'، بدأ عرض 'كورال الثّورة الفلسطينيّة' بعنوان 'نزلنا ع الشّوارع'، ليضيف نكهةً من الثّوريّة والتّحدّي، إذ غنّوا أغاني فلسطينيّةً وطنيّةً قديمةً، مثل 'ثوري... ثوري'، 'رمّانة'، 'طلّ سلاحي'، 'من سجن عكّا'، ليشعلوا المسرح بروحٍ تفتقدها القضيّة الفلسطينيّة في الوقت الرّاهن، روحٌ أصلها الرّفض لنهج التّخاذل والاستسلام، ومضمونها يحثّ بشكلٍ مباشرٍ على الانتفاض وإزالة الاحتلال من جذوره، اعتمادًا على نهج الكفاح والمقاومة، فما أُخذ بالقوّة لا يستردّ إلّا بالقوّة.

في ختام الأمسية، كانت مع فرقة 'نقش للفنون الشّعبيّة'، مجموعةٌ من الأطفال، تتراوح أعمارهم بين العاشرة حتّى السّادسة عشرة، دبكوا على ألحان الثّورة الفلسطينيّة بشكلٍ متناسقٍ وملهمٍ، فقد ذكّروا الجميع أنّ الجيل جيلٌ واثقٌ وجريءٌ باقٍ على العهد، وغير ناسٍ لحقّه بالحرّيّة والأرض، ما أضفى نوعًا من الأمل المتلازم في حياتنا نحن الفلسطينيّين، عند كلّ مشاهدٍ ومستمعٍ من الجمهور، مهما اختلف مكان وجوده في أرض فلسطين الواسعة، فالرّسالة برّاقةٌ كشمس الأرض، تعد بحرّيّةٍ سقفها السّماء.

*صورة الخبر الرّئيسيّة بعدسة: عرين ريناوي