دراسة: الأوبئة بسبب تلوث المياه تتجاوز السياج الحدودي لغزة

97% من مياه الشرب في قطاع غزة ليست صالحة للشرب، ومصدر 26% من الأمراض المنتشرة في القطاع من المياه الملوثة، و12% من وفيات الأطفال في القطاع مرتبطة بأمراض معوية ذات صلة بالمياه الملوثة

دراسة: الأوبئة بسبب تلوث المياه تتجاوز السياج الحدودي لغزة

منشأة للمياه استهدفتها غارة إسرائيلية (أب)

97% من مياه الشرب في قطاع غزة ليست صالحة للشرب، ومصدر 26% من الأمراض المنتشرة في القطاع من المياه الملوثة، و12% من وفيات الأطفال في القطاع مرتبطة بأمراض معوية ذات صلة بالمياه الملوثة، وفي المدارس هناك مرحاض واحد فقط لكل 75 طالبا في المدارس ومغسلة واحدة لكل 80 طالبا، و 33% من راتب العامل الغزي يخصص لشراء مياه الشرب مقابل0.7% في العالم الغربي.

هذه المعطيات وردت في دراسة شاملة لمعهد "راند" الأميركي بشأن أزمة المياه في قطاع غزة، والتي تحذر من أن انتشار الأوبئة الناجمة عن تلوث مياه الشرب وعدم تطهير المياه العادمة لن تبقى خلف السياج الحدودي.

وبينت الدراسة أن أكثر من 25% من الأمراض في قطاع غزة ناجمة عن المياه الملوثة. وقبل أربع سنوات كان أكثر من 12% من وفيات الأطفال في القطاع مرتبطة بأمراض معوية مصدرها تلوث المياه، ومنذ ذلك الحين ترتفع الأعداد، حيث أن انهيار البنى التحتية أدى إلى ارتفاع حاد في الجراثيم والفيروسات.

وبحسب صحيفة "هآرتس"، التي حصلت على نسخة من الدراسة، فإن هذه المعطيات تم جمعها في دراسة تشرف عليها د. شيرا عفرون، وهي باحثة سياسية تقود "خطة إسرائيل" في المعهد، الذي يعتبر "غير سياسي وغير ربحي، ويقدم استشارات لحكومات وهيئات دولية بشأن صياغة سياسات شعبية". وفي إطار هذه الدراسة تم جمع معطيات ومواد من مصادر مختلفة في قطاع غزة والضفة الغربية وإسرائيل ومصر والأردن.

يشار إلى أن أزمة المياه في قطاع غزة ليست جديدة، كما أن فك الارتباط مع القطاع عام 2005 والحروب العدوانية الإسرائيلية المتكررة أدى إلى تفاقم الأزمة، بحيث أن 97% من مياه الشرب في القطاع ليست صالحة للشرب بموجب المعايير الدولية المعروفة. ويعتمد 90% من سكان القطاع غزة على منشآت تحلية مياه خاصة، بسبب تضرر المنشآت الكبيرة خلال الحروب أو عدم صيانتها نتيجة للحصار. وأدى ذلك إلى أن القطاع لم يعد قادرا على تزويد مياه الشرب المطلوبة لنحو مليونين من السكان.

وأشارت الدراسة إلى وجود مرحاض واحد فقط لكل 75 طالبا في المدارس، ومغسلة واحدة فقط لكل 80 طالبا. كما أن المياه هنا هي مياه مخزنة أو يعاد استعمالها، ما يعني أن مكوث الأطفال في المدارس يعرضهم لخطر الإصابة بالأمراض المعوية.

وفي المستشفيات فإن غسل الأيدي لدى الانتقال من مريض إلى مريض غير متبع بشكل دائم، وذلك لتوفير المياه للعلاجات والحالات الخطيرة.

وتشير التقديرات إلى أنه خلال سنتين فإن مصادر المياه القليلة التي تعمل اليوم ستتوقف عن العمل بدون صيانة ملائمة.

وتقول عفرون "في العام 2009، قبل حربي "عامود السحاب 2012" و"الجرف الصامد 2014"، فإن أكثر من 12% من وفيات الأطفال كانت مرتبطة بالإسهال والذي يمكن علاجه بسهولة.. التفكير بأن ذلك يحصل خلف سياج قوة مائية مثل إسرائيل هو أمر لا يعقل". على حد تعبيرها.

وأشارت الدراسة إلى أن معدل مصروف الفرد على استهلاك المياه في العالم الغربي يصل إلى 0.7% من الدخل الشهري، بينما تصل النسبة إلى 33% في قطاع غزة، علما أن نسبة البطالة في القطاع تزيد عن 57%. بحسب الدراسة.

وبينت الدراسة أن هناك عاملا آخر يسبب ارتفاع الحالات المرضية، وهو وضع البنى التحتية، حيث أن شبكتي المياه والكهرباء قد تضررتا بسبب الحروب، وخاصة الحرب الأخيرة عام 2014، ولم يعد هناك منشآت لتطهير المياه العادمة قبل أن تتدفق إلى البحر أو تستخدم للزراعة.

وأشارت الدراسة إلى أن كمية المياه العادمة التي تتدفق يوميا من قطاع غزة إلى البحر تعادل حجم 43 بركة سباحة أولمبية، بما يشكل سببا مركزيا لتجنب دخول سكان القطاع الى البحر، بحسب عفرون.

ولفتت الدراسة إلى أن تقديرات الباحثين كانت تشير إلى أنه لا يمكن تحديد موعد انتشار وبأ الكوليرا في قطاع غزة بسبب المياه العادمة، لأن السكان تلقوا التطعيمات. ولكن هذه التقديرات تغيرت في أعقاب قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي كانت تقدم تطعيمات بشكل جار لنحو 1.3 مليون فلسطيني في القطاع، وتستقبل سنويا أكثر من 4 مليون زيارة طبية.

وفي هذا السياق تقول عفرون إنه بدون بديل جدير للمساعدة الطبية التي كانت تقدمها الأونروا، فإن انتشار الأمراض والأوبئة هي مسألة وقت، والتي "قد تصل إلى كارثة إنسانية".

وقدم الباحثون توصيات عاجلة بإقامة هيئة مشتركة لإسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية من أجل الاستعداد لانتشار الأوبئة. وبحسبهم، فإنه في حين يتركز الحوار الدولي على الأمراض الخطيرة وأبعادها، فإن هناك حاجة ملحة لمعالجة أمراض التلوث التي مصدرها مياه الشرب والمياه العادمة.

وتقول عفرون إنه "يجب التفكير بحلول فورية، لأن الاعتقاد أن ذلك سيظل خلف السياج الحدودي هو كمن يدفن رأسه في الرمل، فتلوث الياه العادمة في غزة يؤثر على إسرائيل، والفيروسات الموجودة هناك كانت في إسرائيل في السابق. وإذا لم يعالج ذلك فإن إسرائيل ومصر ستواجهان أزمة صحية مصدرها قطاع غزة".

وتؤكد أيضا أن الحديث عن أزمة يمكن حلها، ولكن ما يحول دون ذلك هو حواجز سياسية.

أما بشأن أزمة الكهرباء، فيقترح الباحثون استخدام الطاقة الشمسية، لكونها طاقة رخيصة نسبيا، ويمكن تفعيلها في البيوت والعيادات والمدارس.

وتلخص عفرون بالقول إن "الحديث عن حلول للطاقة والمياه والجهاز الصحي. ويجب مواصلة محاولة تجنيد تمويل ودعم لمشاريع كبيرة في مجال تحلية المياه وتطهير المياه العادمة وشبكة الكهرباء والطاقة الشمسية وغيرها. ولكن في الوقت الذي يجري فيه العمل على مشاريع تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات وتستغرق سنوات لتطبيقها، كما تقتضي موافقة الأطراف ذات الصلة، يجب التفكير بحلول فورية".

التعليقات