خاص | صراعُ إسرائيل والسلطة على العمال الفلسطينيين

بدأت الحكاية عندما أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في 18 آذار/ مارس الماضي، عن سماحه للعمال الفلسطينيين، بالبقاء والمبيت في إسرائيل لفترة طويلة، في قرارٍ غريبٍ بعض الشيء، وبناءً عليه سُمح لعمال الزراعة الفلسطينيين، البقاء لمدة شهر متواصل

خاص | صراعُ إسرائيل والسلطة على العمال الفلسطينيين

فحص أحد العمّال الفلسطينيين (وفا)

في ما يلي الجزءُ الثاني من سلسلةِ تقاريرٍ للمخرجة، سهى عرّاف، خاصّة بـ"عرب 48" الذي سيُسلّط من خلالها، الضوء، على العمّال الفلسطينيين في إسرائيل، والصعوبات التي يواجهونها، وفقَ تسلسلٍ زمنيّ لن يتركَ ما سبق، ولن يتوانى في تغطية ما سيأتي، ولا سيّما في ظلّ التحديات الجسيمة التي واجهها العمّال -ولا يزالون- إثر تفشّي وباء كورونا المستجد.


يُقال إن الفن محاكاةٌ للواقع. لا أظنّ أن هناك كاتبًا سينيمائيًّا أو مسرحيًّا أو روائيًّا اقتادته مخيلته وشطحت به بعيدا عن الواقع ليكتب مثل "السيناريو" الذي يُجسّده الواقع الذي نعيشه، والذي تعالى وتفوق على أيّ مخيلة مجنونة في إبداعها، إذ إن فيروس وباء كورونا المستجد، فرض "سيناريو" عبثيًا من الصعب تصديقه لكنه الواقع المُعاش في زمن تفشّي الفيروس.

الموساد الإسرائيلي يجول ويصول في أوروبا ليسرق الكمامات والمواد الطبية، مفتخرًا بقيامه بمهام سرية وذات خطورة، فيما يُراقب جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك)، هواتف الناس ويقوم باكتشاف من يحمل الفيروس، ومن خالطَ مُصابينَ به، ويسلمهم إلى الشرطة. ورغم صعوبة الواقع الذي نعيشه في البلاد، إلا أنّ ما تشهده الضفة الغربيّة المُحتلّة، أصعب وأكثر قساوة وبؤسًا؛ فكيف انقلبت الآية في ليلةٍ وضحاها ليُصبح الفلسطيني الذي يعيش في الضفة، حارسًا لجدار الفصل العنصري؟ وكيف آلت الأحوال بالسجين ليُصبح سجانًا، وحارسًا لسجنه، مُطالبا الارتباط المدني والعسكري في الضفة بإغلاق الثغرات والفتحات في الجدار، وتعزيز تواجد قوات جيش الاحتلال على امتداده؟ وكيف أصبح جدار الفصل العنصري جدارًا واقيًا وآمنًا بالنسبة لبعض الفلسطينيين الذين يعيشون خلفه؟

بدأت الحكاية عندما أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في 18 آذار/ مارس الماضي، عن سماحه للعمال الفلسطينيين، بالبقاء والمبيت في إسرائيل لفترة طويلة، في قرارٍ غريبٍ بعض الشيء، وبناءً عليه سُمح لعمال الزراعة الفلسطينيين، البقاء لمدة شهر متواصل، فيما سُمح لعمال البناء المكوث لفترة شهرين متتاليين في إسرائيل، شريطة عدم رجوعهم إلى الضفة خلال فترة عملهم في البلاد.

للوهلة الأولى يبدو الأمر جيدا بل ممتازًا بالنسبة للعمال الذين حُرموا من هذه الإمكانيّة، منذ عام 1993، بعد اتفاقية أوسلو، فمع توقيع الاتفاقية أصبح دخول العمال إلى البلاد مرتبطًا بالحصول على تصريح خاصّ أطلق عليه العمال "البطاقة الممغنطة"، و"المحظوظ" بين العمال، هو من وافقت إسرائيل بعد فحص أمني مشدد له ولعائلته ولماضيه؛ أن تعطيه هذه البطاقة. ولم يُسمح حينها بالبقاء في إسرائيل، سوى لقلةٍ نادرة اقتصرت على كبار السن، ولفترة قصيرةٍ لا تصل لأشهر.

جنود يفتحون العبارات قرب الطيبة قضاء جنين قبل أيّام (صورة خاصّة بـ"عرب 48")

بانت الحقيقة؛ سقطت الأقنعة الإسرائيلية

أُعطيَ العمال الفلسطينيون فرصة لـ3 أيام، لترتيب أمورهم، وهكذا دخل العمال من خلال الحواجز الإسرائيلية وهم يحملون فراشهم على أكتافهم، في مشهد يذكّر بالتهجير الفلسطينيّ الطافح بالذعر؛ تمامًا كما كان حالُ بعضِ العمّال المذعورين من إمكانية انتقال عدوى كورونا إليهم، ولا سيّما في ظلّ تفشي الفيروس في إسرائيل، وارتفاع أعداد المصابين بالوباء، بشكل يوميّ.

وأيّ بديلٍ يتوفّر أمام العمال سوى الوباء الذي أقبلوا عليه في سبيل لُقمة العيش، لألّا يُصيبهم الجوع والعَوَز؟ ولا سيّما أن عدد العاطلين عن العمل، يبلغُ مليون عامل في يومنا هذا، فيما لا يتعدّى الحدّ الأدنى للأجور في الضفة 1450 شيكل في الشهر، أي ما يعادل نحو 50 شيكل يوميا.

كان الترتيب بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ينصّ على أن يتم توفير أماكن سكن لائقة للعمال أثناء إقامتهم في البلاد، وتوفير الرعاية الطبية لهم، وهو ما قد يعتبره البعض "جنّة" بالنسبة للعمال، وبخاصّة أن السلطات الإسرائيلية لم تُتِح لهم مثل هذه الإمكانيّة، منذ 30 عامًا، بحجّة أن بقاءَهم داخل إسرائيل، ومبيتهم في مدنها، يشكّل خطرًا أمنيًا عليها، لكن "النظرية الأمنية" أُلغيت في لحظة، ولم يعُد عمال الضفةّ خطرًا أمنيا بالنسبة لسلطات الاحتلال.

في هذا الصّدد، قال رئيس اتحاد نقابات العمال المستقلة في الضفة وغزة، محمود زيادة، لـ"عرب 48"، إن "التغيير في السياسية الإسرائيلية تجاه العمال (الفلسطينيين) لا علاقه له بالأمن، فالموضوع موضوع مصالح اقتصادية فقط".

وتساءَل زيادة في ما يخصّ استغلال العمال؛ "كيف انقلبت الآية في ليلة واحدة، ولم يعُد العمال مصدرًا للقلق الأمني والهاجس الإسرائيلي؟ خلال 24 ساعة سقطت الأقنعة الإسرائيلية والنظرية الأمنية، وبانت الحقيقة العارية".

واعتبر زيادة أن إسرائيل "تعرّت تمامًا وبانت طبيعة العلاقة بين العمال الفلسطينيين وإسرائيل، فبعد أن كانوا يُطاردون ويُهانون ويُعذبون على الحواجز، أصبح دخولهم إلى إسرائيل بهذه السهولة وأمام ناظري الجيش الإسرائيلي".

ولم تكن الصورة وردية، فلم يتوفر مأوى لأغلبية العمال، ما اضطرهم للمبيت في ورش البناء، أو المزارع والمشاتل، وفي كل زاوية تقيهم من المطر والبرد. وبعد مرور أقل من أسبوع، تم إلقاء عاملٍ عانى من الحرارة، وظهرت لديه أعراض الفيروس، على حاجز بيت سيرا، حيث تمّ إحضار العامل بسيارة شرطة أنزلته وفرّت مسرعة، ليقوم متطوعو لجنة الطوارئ الفلسطينية، بالاتصال بالإسعاف الذي وصل بعد 3 ساعات، ونقل العامل إلى المستشفى.

وفي اليوم التالي وصل عامل آخر إلى حاجز بيت سيرا، وأخبر المتطوعين أن صاحب عمله قال له إن عليه العودة إلى الضفة، بسبب ظهور أعراض كورونا عليه.

عبّارات يدخل عبرها العمّال (صورة خاصّة بـ"عرب 48")

وقال ابن قرية بيت سيرا، والمتطوع في لجان الطوارئ، إبراهيم أبو صفية (25 عامًا): "أعمل صحافيًا، ولكنني كذلك متطوع في لجان الطوارئ التي تشكلت خصيصا لمساعدة واستقبال العمال العائدين من إسرائيل إلى الضفة، لأن حاجز بيت سيرا هو أحد أهم الحواجز في المنطقة".

وأضاف أبو صفية: "نتواجد 3 أشخاص بشكل دائم على الحاجز، لنستقبل العمال ونمدّ لهم يد العون، وفي تمام الساعة 11:45 (من اليوم الذي أُلقيَ فيه العامل على حاجز بيت سيرا) وصلت سيارة شرطة (إسرائيلية) إلى الحاجز، وفي المقاعد الأمامية جلس شرطيان وفي الخلف شاب فلسطيني".

وتابع: "توقفت السيارة أمام الحاجز، ونزل الشاب وهو يجرّ قدميه جرًّا وبالكاد يستطيع السير، وبدت عليه حالة إعياء شديدة. نزل الشرطيان من السيارة، وقاما بتعقيم السيارة، ثم استقلّاها وغادرا المكان، فيما طلب الشاب منا عدم الاقتراب منه لأن الشرطة أخبرته أنه مصاب بكورونا، وقال لنا إن اسمه مالك جيوسي، ويعمل في ورشة بناء في تل أبيب".

وأردف أبو صفية: "قمنا بالاتصال بالإسعاف، وقدّمنا للشاب كرتونة ليجلس عليها بدلا من الجلوس على الأرض، وعرضنا عليه الطعام والماء لكنه رفضهما، وجلس على الكرتونة، وكان يرتجف من البرد، ولم نستطع الاقتراب منه خوفا من انتقال العدوى إلينا حتى جاءت سيارة الإسعاف ونقلته إلى نابلس".

وتبيّن لاحقًا، بعد إجراء الفحوصات، أن الشاب ليسَ مصابًا بفيروس كورونا، إلا أن مشهد إلقاء العمال على الحواجز، أخذ بالازدياد، ما أثار حفيظة السلطة الفلسطينية، ما دفع رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد اشتية، كي يناشد العمال، بالعودة إلى الضفة.

وبعدها بأيام معدودة، تبيّن أن العدوى تفشّت في مصنع في "عطروت" يعمل فيه عشرات العمال الفلسطينيين، وبعد عودة قسم من العمال إلى عائلاتهم، ونقل بعضهم العدوى إلى ذويهم، حتى أن حالةَ الوفاة الأولى بسبب الفيروس، كانت والدةَ أحد العاملين في مصنع "عطروت"، والتي كانت في الستينات من عمرها.

هنا اختلفت الصورة تماما، وبدأت أرقام المصابين في الضفة بالارتفاع بعد أن كان عددهم محدودا، وبعد أن اقتصرت الإصابات قبل ذلك، على مدينة بيت لحم فقط، والتي عالجت الموضوع بحكمة واستطاعت أن تحاصر انتشار العدوى.

ولأوّل مرة خرجت أصوات في الشارع الفلسطيني، تطالب العمال بالعودة فورا إلى الضفة الغربية، مُحمّلةً إيّاهم مسؤولية تفشي الوباء في الضفة، مما تسبّب بزيادة حالة الذعر في الشارع الفلسطيني، والقلق من وجود العمال داخل الخط الأخضر؛ فبعد أن كان العمال مصدر دخْل، باتوا "مصدر عدوى".

ولقيَت مناشدات السلطة الفلسطينية، وضغطها على العمال بالعودة، استجابةً عند بعضهم، فقد تم عودة 250 عاملا إلى الضفة، حيث استقبلتهم السلطة على الحواجز، وتم نقلهم بحافلات مُعقّمة إلى مقر فحص كورونا، ثم إلى الحجر الصحي في فنادق رام الله، ولحسن الحظ، اتّضحَ أن العيّنات التي أُخِذَت من العمال الـ250، كانت سالبة، غيرَ حاملةٍ للفيروس.

عبّارات أخرى يدخل عبرها العمّال (صورة خاصّة بـ"عرب 48")

تهريبُ العمال من الضفة... إلى الضفة

وازداد الأمر سوءًا حين قامت إسرائيل بإغلاق جميع الحواجز التي تفصل بينها وبين الضفة، في نهاية الشهر الماضي، ولم يتبقَّ للعمال الذين لم يتوفر لهم الحدّ الأدنى من الشروط الإنسانية، مجالٌ للمكوث في إسرائيل، ما يُحتّم عليهم العودة يوميا إلى منازلهم! ولكن كيف سيدخلون ويخرجون من الضفة إذا كانت جميع الحواجز مغلقة؟

ولم يتبقّ للعمال "القانونيين"، الذين يحملون تصاريح، وغيرهم، سوى أن يتسللوا يوميا من الضفة إلى داخل الخط الأخضر عبر الثغرات الموجودة في الجدار.

وهنا بدأت حكاية أخرى أكثر تعقيدا، فالسلطة الفلسطينية أدركت جيدًا أنها لا تملك أي وسيلة للحفاظ على مواطنيها سوى تشديد الإجراءات الاحترازية، وعلى رأسها إجراء فحوصات لكل من دخل إلى إسرائيل وعاد إلى الضفة، بالإضافة إلى فحص كل طالب جامعي عاد إلى الضفة، ولكل من خالطَ سائحين.

ولكن ماذا بشأن العمال الذين يدخلون إلى إسرائيل ويعودون إلى الضفة يوميا؛ ماذا عساهم يفعلون مع الإجراءات الوقائية التي فُرِضت بالأساس لحمايتهم وحماية أُسرهم؟ من هذه النقطة بالتّحديد، بدأت ظاهرة جديدة عبثية، وهي تهريب العمال من الضفة، داخل الضفة، فبعد أن كان التهريب مقتصرا فقط على التهريب من الحواجز وفتحات جدار الفصل في الضفة إلى إسرائيل، بات التهريب داخل الضفة ومحافظاتها، في ما يُمكن أن يُطلَق عليه؛ "تهريب داخليّ"، والذي يسعى المُهربون من خلاله، تهريب العمال من الضفة إلى أماكنَ أخرى فيها، حيثُ توجد ثغرات وفتحات في الجدار، بعيدة عن أعين الشرطة، وقوات الأمن الفلسطيني التي وُزّعت في جميع أنحاء المحافظات الفلسطينية، وقامت بدوريات مكثفة للحدّ من خروج ودخول العمال العشوائيّ، وللحدّ من تفشي العدوى.

وقد نجحت قوات الأمن الفلسطيني بإلقاء القبض على 3 مهربين ممن ينشطونَ في "التهريب الداخلي"، وزجهم في السجن حتى يُقدموا إلى المحاكمة.

ولم يتبق للسلطة سوى أن تُكثّف جهودها لمحاصرة الوباء، لذا تشكلت لجان طوارئ في كل بلدة، كما في المناطق المحاذية للجدار، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، وقامت لجان الطوارئ بحراسة الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها العمال ذهابا وإيابا، كما حذّرت لجان الطوارئ، العمال، من خطورة الذهاب إلى عملهم في ظلّ الوباء، وتدخلت قوات الأمن فقط في الحالات التي لم يستجب العمال للمتطوعين في اللجان، علمًا بأن قوات الأمن لا تستطيع الاقتراب من الجدار بحسب اتفاقيات أوسلو إلا لمسافة 100 متر.

وأصبح العامل الفلسطيني بين المطرقة والسندان، فمن جهة، قام صاحب عمله بتهديده بإلغاء تصريحه بشكل فوري، في حال لم يحضر إلى عمله خلال جائحة كورونا، ما يعني أنه مفصول من عمله حتى إشعار آخر مع عدم إمكانية تجديد تصريحه مستقبلا، ومن جهة أخرى هناك خوف العامل على سلامته، وسلامة عائلته، كما أن التزامه بالإجراءات الاحترازية الفلسطينية والتي ستُجبره على إجراء الفحوصات، بالإضافة إلى احتمال خضوعه للحجر الصحي، ستُعطّله عن عمله أمام صاحبِ عملٍ ومقاولين لا يرحمون، إذ إن همّهم الوحيد، وصول العمال إلى أماكن عملهم فقط، دون مراعاتهم صحيًا وإنسانيًّا.

القبض على مُهرّبٍ للعمال

لذلك حاول العمال الهرب من أعين رجال الأمن بكافة الطرق، وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لعناصر أمن يُلاحقون العمال، ويلقون القبض عليهم، ويقتادوهم إلى مراكز الفحوصات.

وفي فيديو آخر انتشر قبل أكثر من أسبوعين، شاهدنا جيش الاحتلال يقود عمالًا فلسطينيين إلى سطح مرحبا، القريبة من رام الله، ليلًا، لكي يتسللوا إلى الضفة.

وقال أمين سر حركة فتح في محافظة بيت لحم، ورئيس لجنة الطوارئ في المدينة، محمود المصري لـ"عرب 48" إن "ملف العمال ملف شائك جدا ومُركّب. لا تستطيع السلطة الفلسطينية أن تتكفل بدخلِهم (العمّال)، ولا نستطيع أن نقول لهم لا تذهبوا إلى العمل، لكننا حاولنا الضغط على إسرائيل من خلال مناشدة العمال بالعودة إلى الضفة بعد حوادث إلقاء العمال على الحواجز لنشكل ضغطًا عليها، لكي تُحسّن من ظروف إقامة العمال لأننا نعلم حقّ العلم بأن إسرائيل بحاجة لعمالنا ولا تستطيع الاستغناء عنهم".

وأضاف المصري: "لكن الأمور لم تتحسن بتاتا، وأكثر من ثلث العمال الذين عادوا وأُجريت لهم الفحوصات، تبيّن أنهم مصابون بالفيروس. إسرائيل تحاول أن تُحرّض العمال ضد السلطة، وحادثة سطح مرحبا هي مثال على ذلك، فالجيش الإسرائيلي الذي أوصل العمال إلى المنطقة، قال لهم: اهربوا من الشرطة الفلسطينية لأنه إذا أُلقي القبض عليكم، فسيمنعونكم من العودة لعملكم وسوف يأخذونكم إلى الحجر الصحي لأسبوعين".

وتابع المصري: "للأسف، صدّق العمال الرواية الإسرائيلية ولاذوا بالفرار، فالجيش الإسرائيلي يضغط عليهم، وأرباب عملهم يهددونهم بإلغاء التصاريح في حال رفضهم (استئناف) أعمالهم خلال أزمة كورونا".

رئيس لجنة الطوارئ في بيت لحم، محمود المصري

بدوره، قال محافظ جنين، اللواء أكرم رجوب، في حديث مع "عرب 48": "نحن نريد أن يستمرّ العمال في عملهم في إسرائيل. العمال الذين يعملون داخل الخط الأخضر هم ركيزة للاقتصاد الفلسطيني، وثلث الاقتصاد الفلسطيني مدخوله من عمال الضفة الذين يعملون في إسرائيل، لذا نحن بحاجة أن يستمروا في عملهم".

وأضاف رجوب: "الحد الأدنى ليومية العامل في إسرائيل (يتراوح بين) 250 و300 شيكل، وهناك عمال يتلقون 700 شيكل يوميا. اليوم هناك 200 ألف عامل في إسرائيل، ما يعني أن المدخول اليومي للعمال هو 60 مليون شيكل يوميا".

أما زيادة، رئيس اتحاد نقابات العمال المستقلة في الضفة وغزة فقال إن "عمال الضفة الذين يعملون في إسرائيل يعانون الأمرّيْن من استغلال إسرائيل لهم ولحقوقهم، ومعاناتهم على الحواجز والملاحقات الإسرائيلية المستمرة لهم على الحواجز والجدار، وفي كل بقعة، فهم يتعرضون بشكل يوميّ للذلّ والمهانة والتعذيب والتنكيل بهم".

وأوضح زيادة أن "الجيش الإسرائيلي يلاحقهم باستمرار ويلقي القبض عليهم، ويزجّهم في السجون، ويغرّمهم ماليا، كما أن العمّال يُضربون ويُربطون لساعات طوال في الشمس، وتحت المطر، مقيدي اليدين ومعصوبي العينين".

وتابع: "أذكرُ أن هليكوبتر إسرائيلية، قامت قبل عدة سنوات، بملاحقة العمال وألقت القبض عليهم بواسطة شباك يصطادون بها الحيوانات، والآن تلاحق الشرطة الفلسطينية العمال، يا لسخرية القدر".

وعملت السلطة الفلسطينية بكل طاقتها لكي تمنع تفشي الفيروس، إلا أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 322 في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى 115 إصابة في القدس المحتلة، بحسب ما قاله الناطق باسم الحكومة الفلسطينية في رام الله، إبراهيم ملحم، في الإيجاز الصحافي المسائي حول آخر مستجدات فيروس، كما قال ملحم إن 70% من الإصابات سببها العمال الذين نقلوا العدوى لذويهم، بينما 10% من الإصابات حدثت نتيجة عودة المسافرين والطلاب الذين يتعلموا في الخارج و12% هم ممن خالطوا الوفد اليوناني الذي كان سببا في انتشار المرض بيت لحم.

محافظ جنين، اللواء أكرم رجوب (صورة خاصّة بـ"عرب 48")

فئتان أساسيتان للعُمّال

وقال الرجوب في معرض إجابته عن سؤالنا حولَ الطرق الوقائية والتدابير التي يتخذها في محافظته: "منذ البداية وعندما خرج العمال للعمل في إسرائيل اجتمعنا بالمدير الصحي للمحافظة، وقمنا بفرز العمال بقوائم دقيقة تشمل أرقام هواتفهم، وأماكن عملهم، ونحن نتحدث هنا عن العمال القانونيين (حاملي التصاريح) منهم وغير القانونيين والذي يبلغ عددهم في محافظة جنين حوالي 12 ألف عامل".

وأضاف الرجوب: "(هناك) فئتان أساسيتان: الأولى هي فئةُ عمال البناء، والخطر على هذه الفئة ومنها، أقل من (العمّال) الآخرين، نظرا لأن عملهم يقتصر فقط داخل الورشات، فهم لا يخالطون الشارع الإسرائيلي وليسوا بتماسٍ يوميّ معهم، إلا في حال شراء العامل للطعام وما إلى ذلك، لذا فإن احتمالية أن تُصاب هذه الفئة أقلّ من احتمال أن تُصاب غيرها".

وتابع: "الفئة الثانية هم عمال المطاعم والسوبر ماركت والملاحم والمسالخ، ومحطات الوقود، والمخابز... إلخ. نحن قلقون جدا على سلامة أفراد هذه الفئة لأنهم على علاقة يومية واحتكاك يومي مع الزبائن، وقمنا بالاتصال بهم جميعا هاتفيا، وشرحنا لهم سُبُل وطرق الوقاية، وطالبنا منهم حين عودتهم أن يأتوا إلينا ليتم فحصهم وعلاجهم بشكل مجاني، إذا ما أُصيبوا بالعدوى لا سمح الله".

أفراد أمن فلسطيني يتفقدون السياج (خاصّة بـ"عرب 48")

الرجوب: "لا نملك مستشفيات مُجهّزة ولا ميزانيات ولا مختبرات حديثة"

وأكمل الرجوب: "في محافظة جنين قمنا بإرسال 6000 رسالة نصية للعمال الذين يعملون في إسرائيل، وشكلنا لجان طوارئ تقف على الجدار والشريط الحدودي مع إسرائيل، بالتنسيق مع الأمن الفلسطيني، والشبان (المتطوّعون) يتواجدون بشكل يوميّ لمدة 24 ساعة على الحدود لاستقبال العمال".

واستدرك الرجوب: "لأكن صادقًا معك، فالجدار الشائك مُخترق ومُمزّق قبل كورونا بكثير، وهناك مسافات طويلة من الجدار لا توجد فيها أسلاك، ومنها يهرب العمال يوميا، ولم نأبه لأنه من مصلحتنا استمرارُ عمل أبنائنا في إسرائيل، لكن بعد كورونا اختلفت الصورة لأن إمكانية العدوى كبيرة، ونحن لا نملك لا مستشفيات مجهزة، ولا ميزانيات، ولا مختبرات حديثة ومتطورة".

وأردف: "كل ما نملكه هو التدابير الوقائية مثل إغلاق مناطق لمنع انتشار العدوى، وفرض حصار على مناطق انتشر فيها الوباء، وتوزيع رجال الأمن في الشوارع ليساعدوا في تنظيم وتسيير حياة أبناء شعبنا".

إحدى النقاط التي يدخل منها العمال (صورة خاصّة بـ"عرب 48")

"باستطاعتهم إغلاق الجدار لكنهم لا يريدون"

وقال الرجوب: "هدفنا الأول حياة الإنسان الفلسطيني وحمايته، لكن الإسرائيليين لم يتعاونوا معنا بتاتا وضربوا بعرض الحائط ما تم الاتفاق عليه. طالبنا منهم إغلاق الفتحات في الجدار، كما طالبناهم بتعزيز دوريات الجيش على الجدار لأننا لا نستطيع السيطرة الكاملة على دخول وخروج العمال خصوصا بعد أن قامت إسرائيل بإغلاق جميع المعابر، فجميع العمال يدخلون ويخرجون (عن طريق) التهريب".

وسأل "عرب 48" الرجوب؛ "ممن طلبتم وما كان ردّهم؟"، ليُجيب: "من الإدارة المدنية، والعسكرية، وردوا علينا، (بما مفاده) أنهم يُعانون من أزمة خانقة في الميزانيات، ولا يمكنهم إغلاق الجدار، ولا تتوفر لديهم قوات عسكرية لكي يكثفوا من تواجدهم في منطقة الجدار. هم لا يريدون فعلَ أيّ شيء، وباستطاعتهم إغلاق الجدار لكنهم لا يريدون".

في محافظات أخرى اضطر المتطوعون في لجان الطوارئ ليس فقط الحدّ من دخول وخروج العمال من الثغرات، بل إلى إغلاق ثغرات الجدار بأنفسهم.

وقال رياض أبو حمدة (55 عامًا) من سكان قرية حبلة قضاء قلقيلية، والذي يعملُ مديرًا لمكتب تأمين نهارا، فيما يتطوع في لجان الطوارئ منذ شهر بشكل يومي منذ الساعة الخامسة مساء وحتى انتصاف الليل: "نحن نتطوع في 3 ورديّات، في قرية حبلة هناك 4 ثغرات في الجدار، يتسلّل منها العمال، ونحن نقف على مقربة 100 متر من الثغرة، ونحول دون وصول العمال إلى الثغرات".

وأضاف أبو حمدة: "نتعرض بشكل شبه يوميٍّ لصراخ دورية الجيش الوحيدة التي تتجوّل في المنطقة. أحيانا يلقون علينا قنابل صوتية لنبتعد، وأحيانا يصرخون، وحين يبتعد الجنود نحاول أن نُغلق الثغرات بأسلاك حديدية، كما نحاول إغلاق البوابات المفتوحة بما تيسّر من أسلاك".

بعض العمال الفلسطينيين قرب إحدى الثغرات (صورة خاصّة بـ"عرب 48")

والنتيجةُ حالة سخط وحنق على العمال، في الشارع الفلسطيني، وبحسب وزير العمل الفلسطيني، نصري أبو جيش، فإن حوالي 30 ألف عاملٍ قرروا عدم العودة حتى خلال أعياد اليهود وفضلوا البقاء في إسرائيل.

وقال الرجوب: "إسرائيل تتعامل مع عمالنا بعنصرية كبيرة، فإذا مرض العامل الفلسطيني لا يقومون بعلاجه، بل (يقومون بـ) رميه على الحواجز".

وأضاف: "هذه أزمة إنسانية وأخلاقية كبيرة، إذا كانت إسرائيل تسمح للعمال بالدخول والعمل، لكن لا تريد توفير المبيت والفحص لهم، على الأقل، فليصرّحوا بذلك على الملأ".

التعليقات