27/06/2020 - 22:47

حوار | الضم... الطريق الأقصر إلى الترانسفير

* الضم سيأتي على ثلث الضفة الغربية ويضع 400 ألف فلسطيني في معازل * الكيان الفلسطيني سيحرم من الحدود مع الأردن والمشاطئة مع البحر الميت * سيتم حرمان الضفة الغربية من ربع مساحتها الزراعية * الاحتلال سيسطر على مياه نهر الأردن وعشرات الآبار الجوفية

حوار | الضم... الطريق الأقصر إلى الترانسفير

منطقة الأغوار (أرشيفية - رويترز)

*د. جاد إسحق:

  • الضم سيأتي على ثلث الضفة الغربية ويضع 400 ألف فلسطيني في معازل
  • حرمان الكيان الفلسطيني من الحدود مع الأردن والمشاطئة مع البحر المي
  • اقتطاع ربع المساحة الزراعية في الضفة الغربية
  • سيطرة الاحتلال على مياه نهر الأردن وعشرات الآبار الجوفية

قرار الضم الذي تعتزم الحكومة الإسرائيلية تنفيذه منذ مطلع تموز/ يوليو المقبل، لا يقتصر على منطقة الأغوار بل يشمل أيضا سحب السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات، ما يعني أن 32% من مساحة الضفة الغربية (ما يعادل 1812 كيلومترا مربعا) ستقع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، فيما سينتج عن الضم وضع 400 ألف فلسطيني يعيشون في 161 تجمعًا فلسطينيًا، في معازل.

ووفق قراءة أجرها د. جاد إسحق لخطة الضم الإسرائيلية المستندة إلى خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فإن 33 تجمعا فلسطينيا يقعون على 23 كيلومترا مربعًا من مساحة المنطقة المصنفة "B" سوف يصبحون في معازل، إضافة إلى 52 تجمعًا فلسطينيًا بتعداد سكاني يزيد عن 1500 فلسطيني لكل تجمع في المنطقة "C" سوف يتحوّلون أيضا إلى معازل، هذا ناهيك عن 20 تجمعًا فلسطينيًا في القدس الشرقية (j1) بتعداد سكاني 281 ألف فلسطيني و56 تجمعا بدويًا بتعداد سكاني 5600 فلسطيني.

وتتركز مناطق العزل في الأغوار والمنطقة المحاذية للبحر الميت شرقا، وفي الأراضي الواقعة بين جدار الفصل العنصري والخط الأخضر غربا، بما في ذلك المنطقة الحرام – غرب القدس والمعازل الاستيطانية في ممرات الربط بين شرق وغرب الضفة الغربية.

وبالحديث عن معازل استيطانية يهودية أسوة بالمعازل الفلسطينية التي سينتجها قرار الضم، تشير القراءة إلى أن عدد المستوطنات التي ستقع في معازل هي 16 بؤرة استيطانية عشوائية يبلغ عدد المستوطنين فيها 15675 مستوطنًا فقط، في حين يجري الحديث عن عزل 400 ألف فلسطيني.

وفي ما يتعلق بتبادل الأراضي، فإن مجموع ما سينقل للكيان الفلسطيني هو 942 كيلومترا مربعا تشمل أراضي في منطقة المثلث، التي يُمكِّن نقلها إسرائيل من التخلص من 290 ألف فلسطيني يعيشون في 16 بلدة فلسطينية في إسرائيل، أي ما يعادل نصف المساحة التي ستضمها إسرائيل من الضفة الغربية، علما بأن نقل هذه الأراضي مشروط بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، في حين أن اقتطاع الأراضي الفلسطينية يرتبط بقرار الضم أحادي الجانب.

حول ترجمات قرار الضم على الأرض وأثره على حياة الفلسطينيين والتغييرات الجيوسياسية والاجتماعية الاقتصادية المترتبة عليه، كان هذا الحوار مع مدير معهد الأبحاث التطبيقية القدس – أريج، د. جاد إسحق.

"عرب 48": عند الحديث عن الأغوار ماذا نقصد جغرافيًا؟

د. جاد إسحق

د. إسحق: نقصد المنطقة الممتدة بين عين البيضا - بيسان شمالا إلى البحر الميت جنوبا والتي يترواح عرضها بين 3 إلى 10 كيلومترات في عمق الضفة الغربية، في حين ستبقى أريحا داخل الكيان الفلسطيني وسترتبط بسائر أرجاء الضفة الغربية عبر طريق "المعرجات" التي تصل إلى رام الله مباشرة، بعد تعذر الوصول إليها عن طريق القدس.

وتشكّل هذه المنطقة 26% من مساحة الضفة الغربية، وسيقطع ضمها إلى إسرائيل التواصل الجغرافي بين الضفة الغربية وبين الأردن، ويضع عشرات التجمعات الفلسطينية في معازل وتحت خطر الترانسفير، كما سيحرم الكيان الفلسطيني من حقوق المشاطأة مع البحر الميت ومن مياه نهر الأردن، ويحوله إلى كيان تحده إسرائيل من جميع الجهات.

إضافة إلى حرماننا من 89 ألف دونم تشكل 25% من الأراضي الزراعية الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث تنص الخطة على إمكانية استئجار تلك الأراضي بترخيص من إسرائيل لفترة محدودة، ويبدو أنها طريقة لصرف المزارعين الفلسطينيين من أراضيهم عبر وضع العراقيل المتعلقة بالتراخيص والدخول والخروج إليها وغيرها، كما سيحرم هذا الضم الفلسطينيين من مصادر المياه الجوفية المتمثلة بعشرات الآبار.

"عرب 48": من الواضح أن الدخول لهذه الأراضي لفلاحتها ولو بالاستئجار سيرتبط باستصدار تصريح للدخول إلى إسرائيل، خاصة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قال بشكل واضح إنه لن يتم منح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين الذين سيقعون في منطقة الضم؟

إسحق: صحيح، سيتم انتزاع الأراضي من مالكيها الشرعيين ومنعهم من فلاحتها بكل الطرق، حتى لو كان ذلك بالاستئجار، وبالتالي ماذا سيفعل هؤلاء الذين تم وضعهم في معازل بدون أرضهم، إنها أقصر طريقة للترانسفير.

نتنياهو في منطقة تطل على مستوطنة "هارحوما" الواقعة شمال مدينة بيت لحم في الضفة المحتلة (أ ب)

كما أن سحب السيادة الإسرائيلية على المستوطنات سيعني ضم الأراضي الواقعة بين الجدار الفاصل وبين الخط الأخضر، وتكريس الجدار كحدود سياسية، وبالتالي وضع المزيد من العقبات أمام أصحاب الأراضي الذين وقعت أراضيهم خلف الجدار ويعانون الأمرّين لفلاحتها وقطف ثمارها. عمليا بدأت إسرائيل بإعلان هذه الأراضي "مناطق عسكرية" و"أراضي دولة" تمهيدا لضمها.

"عرب 48": وهل الضم سيقطع مناطق فلسطينية عن بعضها البعض؟

إسحق: نعم، بواسطة الأنفاق "الكورودورات" حيث يريد المستوطنون إقامة الأنفاق التي تربط بين مستوطنة "أرئيل" ومنطقة الأغوار وبين الطريق 433 التي تمتد من "بسغوت" إلى "يسعور" وتصل إلى "موديعين" والمنطقة الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية.

إضافة إلى ربط كل أنحاء إسرائيل مع الخليل في ثلاث ممرات، ومن البديهي أن شوارع الأبرتهايد تلك تجعل الفلسطيني يضطر إلى قطع مسافات طويلة للوصول من مكان إلى آخر، لكي يتنقل المستوطن الإسرائيلي بالسرعة والحرية الممكنة.

"عرب 48": ولكن الشوارع الالتفافية التي ربطت المستوطنات وعزلت التجمعات الفلسطينية هي من ثمار أوسلو؟

إسحق: صحيح، ولكن الضم سيضفي الصفة القانونية على الأمر الواقع الذي نشأ بعد أوسلو، وكانوا قد أسسوا له قبل أوسلو أيضا، بحيث يصبح غير قابل للتغيير، وهو واقع المعازل الذي يجعل تنقل الفلسطيني من بلدة إلى أخرى محكومًا بالمرور بالحاجز الإسرائيلي الذي لا يحترم صغيرا ولا كبيرا.

مواجهات مع قوات الاحتلال خلال قمعها لاحتجاجات على مخطط الضم، بلدة حارس، محافظة سلفيت (أ ب أ)

وعلى سبيل المثال، هناك 16 بؤرة استيطانية عشوائية يسكنها بضع آلاف من المستوطنين وسبق أن تنازلوا عنها في المفاوضات ووافقوا على إزالتها أكثر من مرة، تعيد الخطة تثبيتها بثمن عزل عشرات وربما مئات آلاف الفلسطينيين لربط هذه البؤر الاستيطانية بإسرائيل.

"عرب 48": تحدثت عن 942 كيلومترًا مربعًا سيتم نقلها للكيان الفلسطيني مقابل اقتطاع 1818، أين تقع تلك الأراضي؟

إسحق: أولا الحديث يجري عن نقل هذه الأراضي إذا جرى توافق خلال مفاوضات وبعد انصياع الفلسطينيين للاشتراطات التعجيزية التي تضعها الخطة الأميركية، بالمقابل فإن الضم يمكن أن يتم بقرار أحادي الجانب تتخذه الحكومة الإسرائيلية، ما يعني أن الإسرائيليين سيأخذون دون أن يعطوا شيئا.

أما الأراضي التي يجري الحديث عنها فهي أراضي المثلث الذي يواجه ضمه للكيان الفلسطيني معارضة شديدة من الفلسطينيين أنفسهم والبالغة مساحتها 242 كيلومترا مربعا إضافة إلى 290 كيلومترًا مربعًا جنوب المنطقة الصناعية التي تقترح الخطة إقامتها جنوب شرق قطاع غزة وتشمل المنطقة العمرانية الزراعية المقترحة بحسب الخطة الأميركية ومساحتها 230 كيلومترًا مربعًا، إضافة إلى 180 كيلومترًا مربعًا في منطقة الخليل.

مستوطنة "معاليه إفرايم" في منطقة الأغوار (أ ب)

في المقابل نحن خسرنا 50 كيلومترًا مربعًا في منطقة اللطرون و1383 كيلومترًا مربعًا من مناطق المياه الإقليمية لقطاع غزة و164 ألف دونم من جنوب البحر الميت.

"عرب 48": تحدثت عن 20 تجمعًا فلسطينيًا في القدس الشرقية (j1) بتعداد سكاني يصل إلى 281 ألف فلسطيني يعيشون في معازل؟

إسحق: هناك 177 ألف فلسطيني هم سكان كفر عقب ومخيم شعفاط وأبو ديس والعيزرية، يقعون خارج جدار الفصل العنصري الذي يحيط بالقدس وبعضهم يحملون هوية القدس مثل كفر عقب وشعفاط، وبعضهم لا يحملونها لأن التصنيف الإسرائيلي لا يعتبرهم من سكان القدس مثل أبو ديس والعيزرية. من يحملون هوية القدس ويفصلهم عنها الجدار يقعون في المنطقة الحرام بين القدس والضفة، ومن لا يحملون هويتها وينتمون لها يعانون من صعوبة الدخول إليها لتلقي الخدمات مثل العيزرية وأبو ديس، أما من يعيشون داخل السور فهم في معزل أيضا لأنهم من جهة لا يتمتعون بالمواطنة الإسرائيلية، رغم ضم مدينتهم بل بوثيقة إقامة فقط، وهم من جهة ثانية معزولون عن محيطهم الفلسطيني.

جدار الضم المحيط بالقدس (أ ب أ)

"عرب 48": تفصلنا أيام قليلة عن الأول من تموز/ يوليو ولا أحد يعرف جازما فيما إذا كان قرار الضم الإسرائيلي سيخرج إلى حيز التنفيذ وبأي حجم، أم لا، في حين أن القرار الفلسطيني بالتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل اتخذ للضغط على إسرائيل ومنع قرار الضم، وسط مشاكل تحول دون تحويله إلى إجراء دائم للرد على الضم، ما هي ترجيحاتك؟

إسحق: القرار الإسرائيلي المنتظر يواجه الكثير من العقبات والمعارضة الداخلية والإقليمية والدولية، وخاصة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية في مقدمتها الأردن، ما سيجعل من مسألة إعادة النظر في تطبيقه أو تأجيله أو تقليص حجم الضم إلى الحد الذي لا يثير ردود فعل قوية، مسألة واردة جدا.

ولكن في حال اتخذ قرار الضم أو لم يتخذ، على الفلسطينيين اتخاذ عدة خطوات لترميم وضعهم الداخلي والخارجي، في مقدمتها إنهاء الانقسام وتوحيد الصفوف وصياغة نظام سياسي فلسطيني بعيدا عن المحاصصة والمصالح الشخصية والفئوية، إلى جانب تبني إستراتيجية صمود وانفكاك من التبعية الاقتصادية، والعمل على إنشاء تحالف دولي لرعاية عملية السلام كبديل عن الولايات المتحدة التي فقدت صفة الراعي المحايد.


*جاد إسحق: هو المدير العام لمعهد الأبحاث التطبيقية - القدس (أريج) وهو معهد فلسطيني رائد يقوم بإجراء البحوث حول الزراعة والبيئة واستخدام الأراضي والمياه.
حصل على بكالوريوس في الهندسة الزراعية من جامعة القاهرة وماجستير في العلوم من جامعة "روتجرز" في أميركا وحصل دكتوراه من جامعة "إيست أنجليا" في المملكة المتحدة. وكان عميداً لكلية العلوم في جامعة بيت لحم. نشر أكثر من 100 مقال وكتاب في مجال اهتمامه.
ترأس الوفد الفلسطيني لمجموعة العمل البيئي في المحادثات المتعددة الأطراف، وهو عضو في اللجنة الوطنية الفلسطينية لتسجيل أضرار الجدار، واللجنة الوطنية الفلسطينية للمحكمة الجنائية الدولية، والمجلس الأعلى للابتكار والتميز ، ومجلس البحث العلمي ، وهيئة تحرير مجلة السياسة المائية.

التعليقات