10/11/2017 - 16:20

ب. مصطفى كبها: في مواجهة تهويد معالم البلاد ومسمياتها

بالعادة لا تختفي الأسماء بسهولة، بل تبقى لسنوات طويلة تحمي حيزها وهوية المكان، تتنفس من التاريخ وتربض فوق الجغرافيا، كما يقول قائل، هنا تقع قرية أو تلة أو صخرة أو رابية وهناك ينتصب جبل، من هنا يمر نهر، ولكنها أسماء

ب. مصطفى كبها: في مواجهة تهويد معالم البلاد ومسمياتها

مصطفى كبها

بالعادة لا تختفي الأسماء بسهولة، بل تبقى لسنوات طويلة تحمي حيزها وهوية المكان، تتنفس من التاريخ وتربض فوق الجغرافيا، كما يقول قائل، هنا تقع قرية أو تلة أو صخرة أو رابية وهناك ينتصب جبل، من هنا يمر نهر، ولكنها أسماء واضحة لا يمكن قراءتها بشكل مهجّن ولا يمكن كتابتها ناقصة، هي كما هي.

وبالعادة فإن استهداف الأسماء هو جزء من استهداف الإنسان والسيطرة على الأرض، كما هو أصل في فلسطين، التي واجهت وما زالت غزوة شاملة طالت الجغرافيا والتاريخ عبر عملية اقتلاع واحلال نجحت في تغيير ديمغرافية البلاد، وما انفكت تسعى إلى مسح الآثار والشواهد التاريخية التي تدل على هوية المكان وتغيير المعالم والأسماء الدالة على أصحابه الأصليين.

كيف طالت سياسة العبرنة أكثر من 9000 اسم لأماكن مختلفة في البلاد أشار إليها باحثون بريطانيون في القرن التاسع عشر، وآلاف المواقع ظهرت أسمائها بالعربية في خريطة وزعها الاستعمار البريطاني عام 1948 وكان من بين هذه الأسماء 5% فقط عبرية أو قديمة؟

هي أسماء كانت بالنسبة لإسرائيل أسماء غريبة وسلبية يجب إزالتها، واستكمال المهمة التي بدأتها الحركة الصهيونية قبل 1948، كما تقول الباحثة الإسرائيلية نوعا كدمون، في كتاب "على قارعة الطريق وعلى هامش الوعي"، حيث تشير إلى عدم الاكتفاء بطرد السكان من أرضهم ومن قراهم، بل إلى ضرورة تأسيس حيز جديد للأسماء ينسجم مع الرواية الصهيونية.

كما يندرج هدم القرى الفلسطينية المهجرة في عملية منهجية لمسح المعالم التاريخية، وهو ليس فقط جزء من عمليات العقاب التي مورست ضد االفلسطينيين ومنع عودة السكان إلى قراهم وخلق أمر واقع.

وقد عبر بن غوريون عن ذلك بقوله إن "علينا إبعاد الأسماء العربية لاعتبارات سياسية، ومثلما لا نعترف بالملكية السياسية للعرب على هذه البلاد فإننا لا نعترف بملكيتهم الروحانية وبأسمائهم".

وفي سياق الصراع المحتدم، يتشبث الفلسطينيون بسهولهم وجبالهم ووديانهم ويعيدون تشكيل مسمياتها، من خلال البحث والتنقيب وإعادة الاعتبار لهذه المسميات في إطار صيانة الذاكرة الوطنية ونقلها إلى الأجيال القادمة، في هذا الإطار يندرج كتاب البروفيسور مصطفى كبها "لكل عين مشهد- التسميات الفلسطينية في قضاء طولكرم الانتدابي- أبعاد لغوية جغرافية وتاريخية" الذي صدر حديثا.

حول كتابه الذي يرصد عبرنة أسماء مئات البلدات والمواقع، من سهول وجبال ووديان ومواقع في قضاء طولكرم ويعيد الاعتبار لأسمائها الفلسطينية كان هذا اللقاء.

لماذا قضاء طولكرم؟

قضاء طولكرم يعتبر من أكبر الأقضية في فلسطين وأكثرها تضررا، والحديث عن المنطقة التي سلخت عن طولكرم وتقع داخل الخط الأخضر، وهي تمتد من ميسر في الشرق وحتى مصب وادي الخضيرة في الغرب، أي حتى البحر، ومن وادي الخضيرة حتى مسجد سيدنا علي في الجنوب وكفر قاسم في الشرق وهي تشمل آلاف الأسماء، ويفترض أن يكون جزءًا من سلسلة من خمسة أجزاء تشمل كل مناطق فلسطين وتشكل معجما شاملا للأسماء.

هو عمل كبير، إذا ما أخذنا بالاعتبار أنك اعتمدت على المسح الميداني والمقابلات الشفوية، في بحث يشمل منطقة واسعة؟

البحث شمل عشرات المقابلات الشفوية التي تمت معاينتها ومطابقتها مع المراجع المكتوبة، وهو يضم عشرات الخرائط القديمة من مصادر مختلفة وجداول بالأسماء وتفسير للتسميات ومقدمة علمية، فيما تشمل التسميات، السهول والوديان والكثبان والجبال وغيرها من المواقع وليس المناطق المأهولة فقط.

نفهم من ذلك أنك تتبعت التسميات العربية وكيف تم تحويرها وتحويلها إلى مسميات عبرية في إطار سياسة تهويد الجغرافية الفلسطينية؟

التسميات العبرية التي تندرج في إطار الصراع على الحيز المكاني، اعتمدت على تحوير الاسم وملاءمته للعبرية أو على ترجمته أو على إبقاء نغمة الاسم، وفي كل الحالات يمكن الوصول إلى الاسم العربي الأصلي من خلال الاسم العبري، وفي حالات كثيرة أبقي على الاسم العربي بدعوى أن أصله عبري أو توراتي.

بحثت في أصل التسميات العربية أيضا ودلالتها؟

العرب كانوا يعتمدون البعد البصري في التسميات، فمثلا المنطقة المرتفعة أسموها "راس" والمناطق االمنحدرة "ظهر" والمناطقث الواطئة "خلة"، كما أن هناك دينامية في التسميات تتجدد بتجدد السياقات وأن هناك مواكبة للسياقات.

ما مدى النجاح الذي حققته عملية العبرنة؟ وهل أنستنا الأسماء العربية لمعالم بلادنا؟

هناك مناطق نجحت فيها العبرنة وهناك مناطق لم تنجح، لا يوجد قاعدة واحدة، ولكن بدون شك بأن العبرنة تغلغلت حتى في استعمالات الناس الذين لم يهجروا، هناك مدن وقرى لم يتم تهجيرها مثل جلجولية وكفر قاسم والطيرة وباقة وجت ومع ذلك فهم يتحدثون عن "ماؤور" وليس عن الاسم العربي للجبل الذي تقع عليه مستوطنة ماؤور وعن "لهفوت حبيبة" وليس عن الجلمة.

طبعا الكتاب يأتي في سياق سياسة الرد على العبرنة وترسيخ المفاهيم والتسميات وعروبة الأرض واللغة وليس صدفة أنه يصدر عن مجمع اللغة العربية؟

نعم، هو صراع نحن في الطرف الأضعف منه، بكل أسف، ولكننا أصحاب الأرض وأصحاب الحق ويفترض أننا نمتلك من المقومات ما يجعلنا نصون ما يمكن صيانته من معالم المكان وتسمياته كشاهد على حضورنا التاريخي والسياسي على هذه الأرض.

يصدر كتابك في الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم، الذي شكل المصدر الأولي لسياسة تهويد الأرض الفلسطينية بعد إعطائه شرعية دولية للاستيطان، ماذا تقول في هذه الذكرى؟

لا شك أن تصريح بلفورهو حد الوثائق المؤسسة للدولة اليهودية في فلسطين، وقد رسخ النشاط الاستيطاني الذي بدأ في فلسطين قبل ذلك وأعطاه غطاء دوليا، والمفارقة أن هذا التصريح قد أعطي قبل نحو ثلاثة أسابيع من استيلاء القوات البريطانية على فلسطين، حيث دخل البريطانيون القدس في التاسع من كانون أول/ أكتوبر 1917 واستولوا على شمال فلسطين في مطلع القرن الـ18، بينما صدر التصريح في 2/11/1917.

المهم أن هذه الوثيقة تعاملت مع اليهود كـ"شعب" يسعى للسيادة وبالمقابل لم تتعامل مع الفلسطينيين كشعب يستحق السيادة بل كمجموعة طوائف يجدر الحفاظ على حقوقها الدينية والمدنية، كما ورد في التصريح، علما أنها منحت انتدابا على فلسطين لمساعد شعبها على الحصول على الاستقلال.

وماذا يمكننا أن نستنتج، بالنسبة لوضعنا كفلسطينيين وعرب، بعد 100 عام؟

كنا وما زلنا طرفا ضعيفا في الصراع ولذلك خسرنا في كل جولة، علما أننا نمتلك من مقومات القوة لو تم استغلالها وتوظيفها بشكل صحيح وضمن استراتيجية مواجهة فاعلة، ما يجعلنا في موقع أفضل بكثير ويجعل ميزان القوى يميل لصالحنا.

 

التعليقات