أكاديميو النقب... آمال واعدة رغم أنف الظروف الصعبة

شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا كبيرًا في الإقبال على الدراسة الأكاديمية للطلاب العرب في النقب، جنوبي البلاد، ويزداد عدد الطلاب الجامعيين في المنطقة مع كل عام دراسي جديد، وتشهد شريحة الشباب تغييرات حياتية جدية بشكل دوري.

أكاديميو النقب... آمال واعدة رغم أنف الظروف الصعبة

(صورة توضيحية)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا كبيرًا في الإقبال على الدراسة الأكاديمية للطلاب العرب في النقب، جنوبي البلاد، ويزداد عدد الطلاب الجامعيين في المنطقة مع كل عام دراسي جديد، وتشهد شريحة الشباب تغييرات حياتية جدية بشكل دوري.

وبالرغم من الواقع المعيشي الصعب في قرى النقب والمعاناة اليومية من هدم البيوت وتضييق السلطات الإسرائيلية ونقص الخدمات الحياتية الأساسية، يُتوقع بحسب إحصائيات نشرها مجلس التعليم العالي تحقيق زيادة بنسبة 75% على الأقل في عدد الطلبة الجامعيين من عرب النقب الذين يبدأون دراسة اللقب الأوّل في الجامعات والمؤسسات التعليمية، بحكم التزايد الطبيعي والبرامج المخصصة، إذ يتوقع ارتفاع من 850 طالبًا في السنة الأولى من الدراسة في العام 2016 إلى 1,500 طالب في السنة الأولى من الدراسة في العام 2022. 

ولا توجد أرقام لعدد الطلاب من عرب النقب في الخارج وجامعات الأردن والجامعات الفلسطينية التي تتمتع بإقبال كبير من الطلاب العرب من النقب.

وعن دراسة الطلاب من عرب النقب في الجامعات الفلسطينية، قالت الطالبة شروق المسعودين من تل السبع لـ"عرب 48": "هناك قرابة 300 طالب عربي من النقب يتعلمون مختلف الألقاب الجامعية في جامعة فلسطين الأهلية في بيت لحم. أنا أتعلم موضوع العلاج الطبيعي ‘فيزوترابيا’ وبالنسبة لي كان البسيخومتري هو العائق أمام الدراسة في جامعات الداخل".

وأكدت أنه "بالرغم من ذلك تجربة الانخراط في الواقع العربي الفلسطيني في جامعة بيت لحم كانت تجربة تثقيفية جيدة، والدرجة التعليمية مهمة جدًا لكن مشاكلنا الرئيسية في أماكن التطبيق العملي للمواضيع التعليمية، حيث تضطر لعبور العديد من الحواجز الإسرائيلية بين مدينة وأخرى للوصول إلى مستشفى يطلب منك التطبيق فيه، وقد تختلف المستشفيات الإسرائيلية والمستشفيات الفلسطينية في طرق عملها".

اختيار مجال التعليم وملاءمته لسوق العمل

د. عواد أبو فريح

وقال الناشط الاجتماعي والسياسي ورئيس قسم "البيوتكنولوجيا" في كلية "سابير"، د. عواد أبو فريح، لـ "عرب 48": "حسب رأيي التحدي الأكبر هو اختيار المسار الصحيح للطالب بما يلائم قدراته وميوله والحاجة الاجتماعية، بالإضافة إلى سوق العمل ومتطلباته".

وأضاف أن "مجالات مثل الهايتك هي الأكثر طلبًا في سوق العمل، ونحن تقريبًا غائبون عنها، والتحدي الثاني هو الخروج من إطار المحددات الاجتماعية التي تمنعنا حتى عن الحلم، والتحدي الثالث هو حاجز اللغات، إذ تعتبر اللغة حاجزًا جديًا يؤثر على تقدم ومسيرة أبنائنا. مجتمعنا عليه إتقان ثلاث لغات من أجل تسلق سلم الأكاديمية، هي العربية والعبرية والإنجليزية ونحن ضعيفون فيها جميعًا، والتحدي الرابع وهو أحد العناصر الأكثر تأثيرًا كون مجتمعنا موجود بنسبة 60% من أفراده تحت خط الفقر، والأوضاع المادية الصعبة هي حاجز يؤثر على تحصيل أبنائنا وعلى استمرارية حياتهم الأكاديمية وكل المنح الموجودة لا تزال غير كافية".

فجوة اجتماعية

وقال د. أبو فريح إنه "بسبب الاختلاف في الانخراط في الأكاديمية بين الذكور والإناث في مجتمعنا هناك خوف من فجوة اجتماعية قادمة حيث تملأ الفتيات الحياة الأكاديمية ويغيب الشباب تقريبًا عن التعليم الجامعي فينتج وضع سيء من عدم التكافؤ بين الشريحتين قد يعود بعواقب سلبية على المجتمع، لذا يجب الاستثمار في تعليم بناتنا وتطوير قدراتهن  بطبيعة الحال، ولكن وجب الدفع بالمزيد من الذكور إلى الحياة الأكاديمية قدر الإمكان لتقليص الفجوة والوصول إلى التكافؤ الأسري والوعي الاجتماعي اللازم".

وختم د. أبو فريح بالقول إن "طلابنا لديهم القدرة على الإبداع والإنجاز، ويجب علينا تمهيد الطرق لهم وتذليل العقبات أمامهم. من أصعب المشاهد رؤية العشرات من بنات القرى مسلوبة الاعتراف يقطعن شوارع رئيسية سريعة على الأقدام للعودة إلى بيوتهن في ساعات الليل، وإن دل هذا على شيء فيدل على أهمية التعليم لدى بناتنا وأبنائنا وتقصير المجتمع بحقهم".

الحالة الاقتصادية

أيمن أبو عمرة

وقال مركز التوجيه المهني ومستشار شؤون الطلاب العرب في جامعة بئر السبع، أيمن أبو عمرة، لـ"عرب 48" إنه "تعلم في جامعة بئر السبع خلال العام 2017 نحو 1600 طالب عربي منهم ما يقارب 550 طالبا من النقب، درسوا في جميع الأقسام والألقاب التعليمية المختلفة. وتختلف ظروف الطلاب العرب في جامعة بئر السبع وبالذات الطلاب العرب من النقب، إذ يعاني الطلاب من عرب النقب من الأوضاع المعيشية الصعبة ويواجهون مشاكل في دفع الأقساط التعليمية ولا تكفيهم المنح والمساعدات التي تخصصها الجامعة أو النقابة أو عمادة الطلاب".

وأضاف: "يقضي الطلاب العرب من النقب عدة أيام في الأسبوع في الحرم الجامعي، والأمر يستلزم مصاريف كبيرة ومجهود أكبر، ويؤثر على فرصة إيجاد عمل بسبب ضغط الوقت وصعوبة الوصول من قرى النقب وخصوصا القرى مسلوبة الاعتراف للجامعة. ويضطر أبناء القرى مسلوبة الاعتراف للسفر لمدة لا تقل عن 3 ساعات في الصباح الباكر، وتقسم المسافة التي عليهم قطعها بين المشي على الأقدام من القرى لغاية الشوارع الرئيسة وبين ساعات الانتظار للمواصلات العامة، أي 3 أضعاف الوقت المطلوب في الوضع الطبيعي".

الطالبات العربيات من النقب

وأشار أبو عمرة إلى خصوصية وضع الطالبات العربيات، وقال: "يزداد الوضع صعوبة على الطالبات العربيات من النقب، فهن يعانين من انعدام فرص العمل المناسبة لهن تقريبًا، مقابل الظروف الحياتية التي تستلزم مشاركتهن في تحمل العبء مع الأهل أو الاستقلال في أقساط الجامعة على الأقل. وأحد المشاهد التي نراها في جامعة بئر السبع حاجة العشرات من الطالبات العربيات للتواجد في الجامعة من أجل استخدام الحاسوب لأداء مهامهن الأكاديمية".

وختم مركز التوجيه المهني ومستشار شؤون الطلاب العرب في جامعة بئر السبع بالقول: "هناك تقصير من كبير من السلطات المحلية وخاصة أقسام التربية والتعليم في المساعدة على تحمل العبء، في أبسط الأشياء، مثل توفير المواصلات للطلاب العرب، ونعاني أحيانا في محاولاتنا التنسيق معهم".

الطالب العربي في مقابل الطالب اليهودي

عامر الزبارقة

وقال العامل الاجتماعي ومدير وحدة دعم الطلاب العرب في مكتب عميد الطلبة كلية "سابير"، عامر الزبارقة، لـ"عرب 48" إن "الطالب العربي يأتي إلى الجامعة بعد إنهائه المرحلة الثانوية مباشرة في جيل 18 عاما، وهو صغير وغير جاهز، ولم يتلق التوجيه الأكاديمي الملائم بحكم المناهج والوضع الحياتي الصعب، بالإضافة إلى الضعف في اللغتين العبرية والإنجليزية ليتنافس مع الطالب اليهودي الذي يتعلم في لغته الأم بالجامعة".

أبناء القرى مسلوبة الاعتراف في الجامعات

وتحدث الزبارقة عن معاناة أبناء قرى النقب مسلوبة الاعتراف في الجامعات، وقال إن "أبناء القرى مسلوبة الاعتراف هم حالة خاصة، يعانون من الوضع الاقتصادي ونقص الخدمات وانعدام المواصلات العامة، فقد تمشي الطالبة عشرات الكيلومترات للوصول إلى محطة للحافلات، وقد تضطر لتفويت المحاضرات المتأخرة للوصول إلى منزلها، بالإضافة إلى انعدام الأرضية الخدماتية في القرى فلا كهرباء ولا ماء ولا وسائل اتصال مع العالم الخارجي ما يعيق التقدم الدراسي. ولا ننسى أن هؤلاء الطلاب لم يكونوا على تواصل سابق مع محيطهم الدراسي لذا قد يبقون مع كل التعقيدات التي يعانوها في حياتهم اليومية. ويصبح أحدهم منعزلًا وغير واثق ومتراجعًا عن الحياة الأكاديمية والاجتماعية".

وعن عمل كلية "سابير" في النقب لتحسين مسيرة الطلاب العرب، قال الزبارقة: "يحاول طاقم كلية ‘سابير’ بشكل مستمر تقريب الحياة الأكاديمية للطالب العربي والتعامل معه حسب قدراته. أنا شريك في لجنة توجيه لشؤون الطلاب العرب في الكلية وهناك العديد من البرامج التي قامت الكلية بإنشائها فقط لتحسين واقع الطلاب العرب، مثل برنامج ‘بوابة الأكاديمية’ وهو برنامج كامل لتخفيف العقبات أمام الطلاب العرب، حتى الاقتصادية فيعفي الطلاب العرب من دفع الأقساط التعليمية وامتحان البسيخومتري، ويتعامل معهم حسب قدراتهم التحصيلية، بالإضافة إلى الفعاليات اللامنهجية ومنها تنظيم إفطارات جماعية ورحلات طلابية للطلاب العرب لإدخالهم في الجو التعليمي والحياة الطلابية، ويتلقى الطلاب العرب مرافقة شخصية والهدف تخريج طلاب عرب بارعين في تخصصاتهم ومثقفين في ممارسة دورهم الاجتماعي".

 

التعليقات