تزداد حالة القلق في المجتمع العربي وخصوصا بين أوساط المرشحين لانتخابات السلطات المحلية العربية، من جراء تصاعد وتيرة الجريمة وخصوصًا بعد استهداف وتهديد مرشحين ورؤساء سلطات محلية قبيل الانتخابات المقررة في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر القادم.
وأعلن عدد من المرشحين لرئاسة سلطات محلية عربية وآخرين ضمن قوائم عضوية في عدة بلدات عربية انسحابهم من الترشح للانتخابات إثر استفحال الجريمة وسط تقاعس الشرطة والحكومة الإسرائيلية.
ومن بين المرشحين الذين أعلنوا انسحابهم من الانتخابات كان د. هلال خوري الذي كان مرشحا لرئاسة مجلس محلي كفر ياسيف، كما انضم إليه 5 قوائم عضوية كانت داعمة له وهي: قائمة الإصلاح، قائمة العربية الموحدة، قائمة الميزان، قائمة الصداقة والإخاء، وقائمة المستقبل المستقل.
وفي سياق الجريمة المستفحلة في المجتمع العربي، بلغت حصيلة القتلى منذ مطلع العام الجاري ولغاية الآن، 158 قتيلا بينهم 9 نساء، وهي حصيلة قياسية مقارنة بالسنوات السابقة.
وكان عدد من رؤساء السلطات المحلية العربية قد اجتمعوا، مؤخرا، برئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، إذ شدد الأخير أمامهم على ضرورة إنشاء قناة تواصل مع رؤساء السلطات المحلية العربية، فيما أكد أنه سيتم العمل من أجل منع تدخل منظمات الإجرام في الانتخابات.
انعدام الأمن والأمان
وبهذا الصدد، قال د. هلال خوري، في حديث لـ"عرب 48"، عقب قرار سحب ترشحه، إن "قرار الانسحاب لم يكن سهلا سواء إن بالنسبة لي أو للمجموعة التي دعمت ترشحي لانتخابات المجلس المحلي، كوننا حظينا بمكانة كبيرة في كفر ياسيف والداعمين لنا من أجل الوصول لإدارة المجلس المحلي كرئيس وأعضاء مجلس مع توفر كافة الإمكانيات التي كانت من الممكن أن تمكننا من الفوز بمنتهى السهولة".
وأضاف أن "قرار الانسحاب كان نتيجة تفكير عميق، ردا على انعدام الأمن والأمان في المجتمع العربي، وانتشار الجريمة وخصوصا في كفر ياسيف التي ازدادت فيها وتيرة العنف، وارتفع معدل الجريمة في الآونة الأخيرة، فكان الانسحاب بمثابة خطوة احتجاجية في وجه السلطات والمسؤولين وجهاز الأمن العام (الشاباك)، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي لا يعير المواطن العربي اهتماما، ولا يسعى لحمايته من العنف والجريمة".
وتابع "لِما تقدَّم، كان لزاما علينا رفع شعار الاحتجاج، والمطالبة بالعمل الجاد لوضع حد لهذه الآفة المستشرية في المجتمع العربي، وتأثيرها على كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وشدّد خوري على أن "الجماعات التي لا تريد خيرا للبلاد، لا تستهدف البنية التحتية فحسب، وإنما تستهدف البنية البشرية أيضا"، مضيفا: "لن نستسلم، وسنخرج لنرفع شعارات التغيير والاستنكار في كل مكان، على قارعة الطريق، وفي الساحات، وفي الشوارع ووسائل الإعلام، والسوشال ميديا".
السلطات المحلية أصبحت هدفا لمنظمات الإجرام
وأعرب خوري عن استيائه الشديد من أوضاع السلطات المحلية العربيّة، قائلا: "لقد أصبحت غالبية السلطات المحلية هدفا، وعرضة لاحتلال الجماعات التي تعمل على تحقيق مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة، وتسعى إلى سرقة المال العام تحت غطاء مشاريع كاذبة، لذلك خرجنا نقول لجماهير شعبنا إننا لا نهدف للوصول لرئاسة المجلس، وإنما هذه وسيلة لا غاية؛ لتحقيق الأمن والأمان للمواطنين، والبحث عن آفاق جديدة لحياتهم ومستقبلهم، ولإخراج أبنائنا وأحفادنا من هذه البيئة المريضة الموبوءة والشائكة".
وتابع "لذلك علينا العمل ضمن مناخ مناسب، لنتمكن من العيش بما يليق بإنسانيتنا، فشبابنا يقوم بالهجرة تاركا بلاده، نظرا لهذه الظروف المأساوية التي نعيش تحت وطأتها؛ فاقتصادنا منهار، وأمننا معدوم، وليس أمامنا لمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة، إلا أن نبذل التضحيات الجسام، فهذه المرة لن نخوض الانتخابات، ولتكن المجالس المحلية فارغة، فهذه أبلغ رسالة بإمكاننا إيصالها للحكومة الإسرائيلية، لكي تقوم بالتعامل بجدية مع الاحتياجات الهائلة للمجتمع العربي المهمش من كافة النواحي، والذي يعامَل مواطنوه على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة".
وذكر أن "جريمة القتل أصبحت جريمة داخلية بعد تفشيها في مجتمعنا، ويجب أن نرفع الصوت عاليا، ونقول كفى، ويجب أن نتشارك جميعا في هذه الصرخة المدوية. لقد أصيب مصعب دخان المرشح لرئاسة بلدية الناصرة بطلق ناري في محاولة لاغتياله، وكأنها رسالة موجهة لنا، وكذلك الجريمة التي ارتُكبت في أبو سنان، حتى أنا تعرضت لحادثة إطلاق نار".
الحكومة الإسرائيلية تتجاهل كون المستهدف عربيا
وقال خوري إن "كل من يريد خدمة هذه البلد مستهدَف، وأنا أريد خدمة بلدي وشعبي لا إطلاق برامج فارغة من المضمون، ومع كل استهداف تتجاهل الحكومة ما حدث وتغضّ الطرف عن الفاعلين، كون المستهدف مواطنا عربيا".
وأضاف "ليس لدي ثقة بالمؤسسات الإسرائيلية، فالتقاعس من قِبلها وقلة الميزانيات، وانعدام البنية التحتية؛ كلها تؤدي لإحباط الجماهير العربية، في الوقت الذي تحتاج فيه الجماهير لبناء قرى جديدة أو توسيع الحالية، كما أن الجماهير بحاجة لجهاز تعليمي متطور، وهذا غير موجود للأسف الشديد، كما أنه لا يوجد مراكز ليمارس الشبان والشابات فيها أنشطتهم ويطوروا من مهاراتهم، وهذه الأجيال أمانة في أعناقنا، فهي ثروة بشرية".
مقاطعة الانتخابات
ومن جانبه، دعا رئيس قائمة المستقبل المستقل للعضوية التي أعلنت انسحابها في كفر ياسيف، الأستاذ جريس إلياس، خلال حديثه لـ"عرب 48"، إلى مقاطعة الانتخابات، وقال "بعد آخر جريمة قتل في كفر ياسيف كان قد بلغ السيل الزبى، وكان علينا اتخاذ موقف مندد بسياسة الحكومة الإسرائيلية التي لم تكتف بخلق المشاكل والخروقات بيننا، إنما حرضت وشجعت على الجريمة المنظمة بغية إبادة أبناء مجتمعنا وترحيلهم من بلداتهم".
ورأى أن "قرار الانسحاب كان بمثابة الصفعة في وجه الحكومة الإسرائيلية وحتى المؤسسات العربية المتماهية معها والصامتة إزاء تصرفاتها العنصرية بحق العرب. لم تعد المظاهرات تجد نفعا إن لم نتخذ مواقف حاسمة حيال ما يجري، والموقف الأنجع في هذه الحالة هو مقاطعة الانتخابات نهائيا حتى تلبية مطالبنا المحقة وعلى رأسها توفير الأمن والأمان للمواطنين. علمًا أن قرار الانسحاب هو قرار مشترك من مرشح الرئاسة د. هلال خوري بالتنسيق مع القوائم الأربع والقائمة الرئيسية قائمة عوني توما الذي كان رئيسا للمجلس المحلي في كفر ياسيف لمدة 20 عاما".
وشدد على أهمية مقاطعة الانتخابات بالقول "لقد دعوت إلى مقاطعة الانتخابات نهائيا، ويجب أن نستمر في موقفنا هذا حتى تحقيق مطالبنا بتوفير خدمات حقيقية للمواطنين في كفر ياسيف، ولا يقع اللوم على الحكومة الإسرائيلية وحدها بل تتحمل السلطات المحلية جزءا من المسؤولية، إذ أن سلطاتنا المحلية لا تحظى إلا بالفتات من الميزانيات الحكومية التي تستحقها، وبعض السلطات المحلية لديها هدر في المال ووجود سرقة للمال العام وعدم توفير الأمن للمواطنين في ذات الوقت، والمؤسف حقا أن القتل بات أمرا طبيعيا هذه الأيام، ولا تضطلع السلطات المحلية ولا لجنة المتابعة بالدور المناط بها في مكافحة الجريمة وهذا ما دعانا إلى اتخاذ مثل هذا القرار المصيري".
مقاطعة الانتخابات ليست الحل
وبدوره، قال الناشط الاجتماعي والسياسي، زاهي خازن، من كفر ياسيف، لـ"عرب 48"، إن "قرار انسحاب د. هلال خوري وقوائم العضوية غير واضحة، مع سمو ونبل هدفها المتمثل بوقف العنف ولكن لكي يكون لهذه الخطوة تأثير يجب أن تعمم التجربة على كل المجتمع لأن قضيتنا ليست محصورة جغرافيا بكفر ياسيف، سيما بعد مقتل نحو 160 ضحية من جراء دوامة العنف والجريمة منذ مطلع العام الجاري".
وحمل خازن الشرطة الإسرائيلية مسؤولية استفحال العنف والجريمة في المجتمع العربي، قائلا إن "الشرطة تتواطأ مع القتلة والمجرمين ولا تقوم بملاحقتهم، وهذا الوضع مزري ومحزن ولم يمر علينا وقت عصيب كالوقت الذي نعيشه اليوم، وعلى لجنة المتابعة واللجنة القطرية والنواب العرب ورجال الدين المؤثرين والأمهات الثكالى أن يتخذوا موقفا واضحا لإنهاء هذا الوضع المزري".
وختم خازن بالقول إن "تأثير المقاطعة ليس له الصدى الكبير، لأنه لا يوجد تشاركية ومواقف موحدة، وقليل من الأشخاص يستطيعون التأثير على الرأي العام، فضلا عن أن الكثيرين لا يريدون أن يتركوا غمار معركة الانتخابات فارغا، لذلك فإن الكثير من المجموعات تعقد لقاءات وهناك الكثيرين لا يريدون مقاطعة الانتخابات، وباعتقادي ستكون هناك قوائم انتخابية جديدة على الساحة. قرار المقاطعة لم ينته بعد ولا يمكن أن ينجح إن لم يجمع جميع المواطنين في كفر ياسيف على هذا القرار، ويجب أن يحظى القرار بموافقة الجميع حتى يحقق الهدف المرجو منه".
التعليقات