تذمر واستياء في الناصرة: ماذا حلّ بالحركة والمحال التجارية في البلدة القديمة؟

رغم العديد من محاولات إنعاش الحركة التجارية في السوق والبلدة القديمة بعد انتهاء أعمال التطوير، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل وبقيت أكثر من ثلثي المحلات التجارية في السوق مغلقة منذ العام 2000.

تذمر واستياء في الناصرة: ماذا حلّ بالحركة والمحال التجارية في البلدة القديمة؟

جانب من المحال التجارية المغلقة بالبلدة القديمة في الناصرة (عرب 48)

عبر تجار وأهال في البلدة القديمة بمدينة الناصرة عن تذمرهم واستيائهم إزاء تراجع الحركة التجارية في وقت كانت تعج فيه قبل سنوات بالأنشطة السياحية والحركة التجارية، وتستقطب الباعة والمستهلكين من كافة أنحاء البلاد، وخصوصًا في أيام السبت.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وذكروا أن الحركة التجارية في سوق المدينة تراجعت تدريجيا مع بدء افتتاح المراكز والمجمعات التجارية في مدينة حيفا أولا ومن ثم في البلدات المجاورة، وحين أصبح بمقدور كل عائلة أن تمتلك سيارة خاصة والتنقل بسهولة بين الأسواق والمراكز التجارية الكبيرة.

أعمال تطوير استمرت لسنوات

وكانت الضربة القاضية التي تلقاها سوق الناصرة والبلدة القديمة في العام 2000، حين أجبر أصحاب أكثر من 300 محل تجاري على إغلاقها بسبب أعمال التطوير التي أجريت فيه تحت مسمى "الناصرة 2000"، وفي حينه جرى نقل المصالح التجارية بشكل مؤقت إلى ساحة في وسط المدينة حتى الانتهاء من أعمال التطوير التي كان مقررا لها أن تنتهي في غضون 6 شهور، لكنها استمرت لسنوات طويلة كانت كفيلة بجعل أصحاب المصالح التجارية ينتقلون إلى أماكن أخرى فمنهم من استقر على الشارع الرئيس وآخرون انتقلوا إلى المجمعات التجارية ومنهم من فقد الأمل بالعودة إلى السوق واختاروا إغلاق محالهم والتوجه للعمل في مجالات أخرى.

ورغم العديد من محاولات إنعاش الحركة التجارية في السوق والبلدة القديمة بعد انتهاء أعمال التطوير، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل وبقيت أكثر من ثلثي المحلات التجارية في السوق مغلقة منذ العام 2000.

جائحة كورونا

وقال سامي زغايرة وهو من سكان البلدة القديمة، لـ"عرب 48"، إنه "بعد العام 2015 وحين فشلت جهود البلدية بإعادة الحياة إلى البلدة القديمة وخشية أن تتحول إلى بؤرة فساد لا يصلح العيش فيها، نهضت مجموعات شبابية ومن خلال مبادرات معظمها ثقافية وسياحية وفنية وعملت على إنعاش البلدة القديمة وبعث الحياة فيها من جديد".

سامي زغايرة

وأضاف "نشأت العديد من بيوت الضيافة والنزل التي استقبلت السائحين من داخل وخارج البلاد، إلى جانب المقاهي الثقافية والمعارض من الأعمال اليدوية والفنون وبيع التحف والأدوات التراثية والتذكاريات، ثم جاءت بعد ذلك الحراكات الشبابية مثل جمعية ’بلدنا’ و’بليبل’ لتفتتح فروعا لها وتعزز نشاطها في البلدة القديمة، وبالفعل فقد تحولت البلدة القديمة في تلك السنوات القليلة إلى منطقة تنبض بالحياة".

وتابع أن "الضربة الأولى التي تلقتها هذه المبادرات الحيوية كانت بسبب جائحة كورونا التي اجتاحت البلاد نهاية العام 2019 واستمرت لغاية العام 2021، وقد سادت حالة من الركود الاقتصادي وتوقفت السياحة الوافدة إلى المدينة والتي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لهذه المصالح والمبادرات، وألغيت جميع الاحتفالات بالأعياد الميلادية وكذلك المهرجانات الثقافية وأهمها مهرجان ’القهوة العالمي’ الذي كان ينعش الحركة التجارية على مدار يومين، كما توقفت الأمسيات الفنية والبرامج التي تنظم بالشراكة والتعاون بين كل هذه المبادرات".

الحرب على غزة

ومنذ جائحة كورونا وبعدها بدأت هذه المشاريع والمبادرات تتهاوى الواحدة تلو الأخرى نتيجة الخسائر المادية وعدم القدرة على النهوض من جديد، وما إن أوشكت بعض هذه المبادرات على استعادة عافيتها حتى جاءت الحرب على غزة لتقطع خيط الأكسجين مجددا وتنعدم الحياة بالبلدة القديمة.

وذكرت أم الشريف وهي إحدى النشاطات في البلدة القديمة ومن سكان الحي، لـ"عرب 48": "نحن لا نشعر أننا نعيش إطلاقا، إنها حالة موت بطيء تشهدها البلدة القديمة وجميع الأحداث الكبيرة تركت أثرا كبيرا على هذه المنطقة الحساسة بمدينة الناصرة، بداية من جائحة كورونا ومرورا بأحداث هبة الكرامة في أيار/ مايو 2021 ووصولا إلى الحرب على غزة، في وقت نرى أن بلدية الناصرة قد أهملت البلدة القديمة حتى أن خدمات النظافة وجمع النفايات قد تراجعت بالفترة الأخيرة".

ركود اقتصادي في المدينة بأكملها

وقال مدير مقهى "ليوان" الثقافي، سامي جبالي، وهو المحل الوحيد الذي ما زال يشهد بعض البرامج والفعاليات في نهاية كل أسبوع، لـ"عرب 48"، إن "هناك حالة ركود اقتصادي في المدينة بأكملها وليس فقط في البلدة القديمة وربما في المجتمع العربي عموما".

وأضاف "هنالك معنويات منهارة لدى جميع الفئات مما يحدث في غزة وحالة الغموض التي تضع المنطقة برمتها على برميل بارود، بالإضافة إلى التخوف من الآتي والمجهول"، مشيرا إلى أن المقهى الذي يديره لا يزال يشهد حركة تجارية لا بأس بها بنهاية كل أسبوع وهي متفاوتة من أسبوع لآخر.

الظروف والأحداث المتلاحقة

بانة حداد

وقالت بانة حداد وهي صاحبة استوديو وغاليري "لوز" للتصميم الجرافي والتصاميم الفنية والفنون البصرية، لـ"عرب 48"، إن "انطلاقتي في بداية العام 2019 كانت مشجعة جدا وكنت متحمسة لمشروعي ولطالما رأيت بالبلدة القديمة كنزا دفينا أستطيع أن أفرغ فيه طاقاتي الهائلة، وكنت في حينه طالبة جامعية لكن أحلامي تحطمت على صخرة الظروف والأحداث المتلاحقة والدعم الذي كنت أصفه بالضئيل جدا سواء من المدينة أو من البلدية".

وأكملت "كنت على مدار 5 سنوات أبحث عن الظروف المناسبة وكيفية تهيئة وتطويع الظروف من أجل النهوض بمشروعي، لكن بسبب الحرب على غزة طاقاتي وصلت إلى الصفر ومن هنا جاء القرار بوقف المشروع في البلدة القديمة واستمراره من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فقط".

الإغلاق يهدد مبادرات عديدة أخرى

غادة بولس

أما غادة بولس التي أغلقت أهم مشروع أقامته بالبلدة القديمة، قالت في حديث لـ"عرب 48"، فقالت إن خسارتها كانت مضاعفة حيث كانت مرشدة سياحية للمجموعات الوافدة إلى البلاد وصاحبة زاوية غادة للثقافة والتراث الفلسطيني، وذكرت "كنت أستعيض من خلال عملي كمرشدة سياحية عن الخسارة في مشروعي التراثي الذي مصدر دخله الأساسي من السياحة الوافدة إلى المدينة، لكن مع توقف مجال السياحة بالكامل فلم يعد هناك أي مصدر يكفي لتسديد النفقات، لذلك نلاحظ اليوم بأن معظم المبادرات التي ما زالت تفتح أبوابها تعمل فقط في نهاية كل أسبوع لأن الإنتاج من دون استهلاك هو ليس سوى مضيعة للوقت وخسارة، ومهما بلغ حبي للمصلحة فإنها تتحول إلى عبء ما دمت لا أشعر براحة اقتصادية".

وأوضحت "لست نادمة على قرار إغلاق المشروع، ففي بداية الحرب ومنذ أحداث السابع من أكتوبر كنت أنا وصاحب العقار نعتقد بأن الحرب ستستمر لمدة شهر كحد أقصى، وقد مضى اليوم 9 شهور عليها ولا حلول في الأفق ولا سياحة داخلية ولا أجنبية ولا أي شيء، وأعتقد أن مبادرات عديدة أخرى في طريقها إلى الإغلاق بالبلدة القديمة".

التعليقات