31/10/2010 - 11:02

المقاومة... ظل الحرب الأهلية الفلسطينية..../ يونس العموري*

المقاومة... ظل الحرب الأهلية الفلسطينية..../ يونس العموري*
أما وقد سكتت إلى حد ما لغة "بنادق المليشيا المتقاتلة" والمتصارعة على ما يسمى بوهم السلطة الفلسطنينية، اعتقد أننا بتنا نعيش اليوم حالة فضائحية من نوع جديد، ومن الطراز الأول، وبكل ما تحمل الكلمة من معنى، حيث سياسات الردح والذم والقدح التي اصبحت جزء من المشهد الفضائي المفتوح على الغراب...

وحالة الفضيحة هذه إنما تعكس حالة الإنهيار العام التي تعيشه القضية الفلسطينية على مختلف مستوياتها وعلى كافة جبهاتها وأصعدها. حيث انهيار منظومة المفاهيم الأخلاقية حتى بحدودها الدنيا، بل إن المشروع الوطني الفلسطيني ذاته بات منهارا ولا ملامح له بالظرف الراهن، حتى أن أدوات وروافع المشروع الوطني قد أصبحت في مهب الريح بعد أن فقدت تلك الروافع والأدوات مصداقيتها الفعلية والحقيقية على الأرض، فالمقاومة قد صارت متلهية بالصدام الداخلي والصراع الدموي، وأصبحت المقاومة عبئاً ثقيلا على الجماهير، التي يفترض أنها داعمة ومساندة لحركة الفعل المقاوم على الأرض، على اعتبار أن هذه المقاومة اليوم قد فقدت بوصلتها وفقدت توجهاتها، وافقدت نفسها حاضنتها والمتمثلة بالجماهير الحاضنة والحامية لمشروع المقاومة.

وهذا على الأقل ما تم انتاجه حتى الآن جراء الصراع الدموي الفلسطيني الداخلي ( الحرب الأهلية) حيث أن المقاومة لا تقبل القسمة على اثنين، بمعنى أنها لا يمكن ان تقبل تقسيم الجماهير الى من يؤيدها وذاك من يقف ضدها. وفي المشهد الفلسطيني اليوم نرى انقساما حاد المعالم حول ماهية المقاومة وأدواتها وحتى لفعلها، الأمر الذي يعني، فيما يعني، أن تلك الجماهير لم تعد معنية بمشروع المقاومة بروافعها وأدواتها وأطرها الحالية، حيث يتراءى بالمشهد الشعبي أن هذه المقاومة وحسب الرأي الجماهيري الشعبي أو حسب المزاج العام لم تعد ممثلة فعلية وحقيقية لحالة المقاومة ولحالة استيعاب الجماهير لها. مما يعني ان الإنهيار الوطني التي خلفتها (الحرب الأهلية المحدودة الجغرافيا) حتى الآن قد افقد المقاومة حالة الإجماع التي كانت تحظى به.

وعليه فهناك انهيار بقيم ومفاهيم المقاومة نتج وينتج عنها رفع الغطاء الشعبي عنها. وهذا أخطر ما يمكن أن تواجهه مشاريع المقاومات الشعبية والوطنية. وبالتالي تصبج تلك المقاومة حالة معزولة جماهيريا وإن كانت تحظى بتأييد شعبي ما، مع العلم أن التأييد الشعبي للمقاومة لابد من ان يحظى بحالة اجماعية كاملة وشاملة لضمان استمراريتها... الأمر المفقود بالظرف الراهن جراء جر و زج تلك المقاومة بالصراعات الداخلية على وهم السلطة والدخول في السجالات، التي من الممكن ان تبدأ من نقطة ما ولا يمكنها ان تنتهي عند اي انجاز معين.. أعتقد أن الخطأ الإستراتيجي الذي وقع فيه سلاح المقاومة هو انحرافه نحو الداخل وتوجيهه نحو الشريك في الوطن بصرف النظر عن ماهية هذا الشريك او توصيفه من هذا الإتجاه اوذاك.

كان من المفترض أن تبتعد المقاومة بكافة أذرعها وتشكيلاتها عن كل اشكال السجالات السياسية الداخلية وعدم تدنيس طهارة سلاح المقاومة في فعل الإقتتال الداخلي بصرف النظر كما أسلفنا عن مسببات وحيثيات هذا الإقتتال...

وحتى يكون الحديث ذات معنى، وحتى نكون واضحين في محاولة للوقوف على اعتاب حقائق الأشياء، وحتى لا نمعن في التفسيرات وإعادة الكلام والحديث لتوصيف اللحظة الراهنة فلسطينيا، لابد من محاولة فهم مجريات الفعل على الأرض لرسم خطوط الطريق، واستيضاح معالم المرحلة من خلال الغوص في تفسير ماهية الظرف السياسي الراهن.. وحتى نقول ما يجب أن يقال بعيدا عن الرغبة في سماع ما يراد من كلام... فثمة من يتعامل مع قضايا الواقع الفلسطيني وكأنه الحاكم بأمره وكأن فلسطين قد اضحت محررة وتحظى بالسيادة والإستقلال، وبالتالي يصبح السجال الداخلي وبلغة البنادق أمرا مشروعا، مع العلم أن لغة التخاطب الفعلي ما بين الفرقاء في الوطن لا يمكن أن تستكين في ظل لغة البنادق التي من المفترض أن لا يتم تدنيس مهماتها، وهو الأمر الذي وقع وأصبح حقيقة مرئية وفعلية على الأرض....

والسؤال المطروح اليوم هل ثمة مقاومة وطنية فعلية على الأرض تأخذ بعين الإعتبار مهمات المرحلة وحقيقة الفعل المطلوب في ظل الإنقسام الجماهيري الشعبي على المقاومة وفعل المقاومة، وبعد أن أصبحت هذه المقاومة وبكل تشكيلاتها مفتقدة للحد الأدنى من المتطلبات الفعلية التي تحددها طبيعة الصراع وتناقضاته الرئيسية والأساسية بالظرف الراهن...؟؟ وهل بالإمكان الإبقاء على معادلة الصراع التي حكمت المنطقة خلال العقود المنصرمة بعد أن صارت الحرب الأهلية الفلسطينية جزءاً من المشهد السياسي العام في المنطقة..؟؟

اعتقد أن الكثير من التساؤلات باتت طارحة لنفسها وبقوة حول ماهية المقاومة الفلسطينية واستراتجياتها.. والكلام الذي كان محرما أصبح اليوم من ضرورات المرحلة.. وتحديد إستراتجية الفعل المقاوم ذاته قد صار أولوية من أولويات تحديد منطلقات الصراع من جديد، وإعادة صياغة مفاهيم العمل الوطني ككل والاتفاق على طبائع العمل المقاوم. بل لابد من العمل طويلا حتى تتم إعادة الثقة ما بين الجماهير والمقاومة ذاتها على قاعدة إعادة احترام هذه الجماهير وتعدديتها السياسية والاجتماعية واحترام الآخر بصرف النظر عن طبيعة هذا الآخر طالما هو في الإطار الوطني العام...

اعتقد أن الكثير من التشويهات قد طالت الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا أخطر ما يمكن أن يواجه حركة الفعل السياسي الوطني بالظرف الراهن الذي اصبح مكشوفا ضائعا تائها ما بين ضياع المقاومة ذاتها في صراعات الداخل، وما بين افتقاد الخطاب الفلسطيني السياسي للحالة الإجماعية التي يفترض ان تنبثق عن المؤسسة الفلسطينية التي صارات فاقدة لشرعيتها ولعناوينها ومشكوكاً بالتالي بأدائها، على اعتبار أن تلك المؤسسات على الأقل تواجه حالة لا اجماعية من قبل الشعب على شرعية تمثيلها له...

فما بين مؤسسات منظمة التحرير ومؤسسات السلطة يدور السجال اليوم والكل يدعي أنه الشرعية ويملك قانونية اصدار القرارات والمراسيم... وبالمقابل فالمقاومة قد ضاعت وكما قلنا بمتاهات ودهاليز السجالات الداخلية وأقحمت نفسها بمعارك ليست لها بالأساس....

ولا شك أن المشهد الفصائلي اليوم التي تتكون منه الحركة الوطنية الفلسطينية مشهدا مشوها وهزيل الأداء. فحركة حماس كانت، عبر سنوات نضالها وعبر دماء مجاهديها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، قد نجحت في ضخ زخم جديد في حركة التحرر الوطني الفلسطيني، ثم نجحت في تقديم نفسها كحركة تلتزم الديموقراطية (أي الإرادة الشعبية) حين وافقت على خوض انتخابات المجلس التشريعي وحققت فيها فوزاً باهراً بتزكية شعبية واسعة..

وكان يمكن تفسير التأييد الشعبي لحماس على أنه «إنذار» من الفلسطينيين لتنبيه قيادة فتح إلى أخطاء سلطتها التي غرقت في الفساد، وأضافت إليها خطيئة الانحراف السياسي الذي تفاقم بعد رحيل الزعيم ياسر عرفات، فقارب في حالات كثيرة حدود الخيانة لتاريخها ودماء مجاهديها وأماني شعبها التي تواضعت في ظل الواقع العربي البائس بانحرافه المشين، إلى حد التسليم باتفاق أوسلو الذي لا يحقق حتى الحد الأدنى من الأدنى من الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني في سلطة وطنية فوق أرضه، فكيف بحلم الدولة والاستقلال؟!.. فضلاً عن أن هذا الاتفاق البائس لم ينفذ، فعلاً، واكتفت إسرائيل بأن تقبل منه ما يلائمها ثم تركت الباقي يموت بالإهمال!

إلا أن هذه الحركة قد ضاعت هي الأخرى في أتون التصارع الداخلي ما بين التطرف الأيدلوجي والإعتدال الفكري وما بين ضرورات المرحلة وتحديد أولويات الفعل السياسي على الأرض وانضباط حركة مناصريها ومحازبيها وعدم الضياع بلغة التكفير والتخوين وهو الأمر الذي لا يستوى والحركة النضالية ذاتها... وضرورة الوعي بأن حماس لا يمكنها ان تحكم الكل الفلسطيني برؤية وأيدلوجية حماس فقط... لابد من الوعي بأن فلسطين لا تحكم بالنظرة الشمولية أحادية الاستقطاب أو ثنائية التوجه... فقط لا غير....

وما كان للمشهد الفلسطيني أن يكتمل بالصورة الراهنة إلا من خلال العمل على إضعاف أداء الحركة الوطنية ككل، وذلك عبر الكثير من الأساليب والوسائل لعل أهمها العمل على تدجين وتهجين الممانعات في المشهد الفلسطيني وقد تحقق هذا الهدف إلى حد كبير.... وبذات الوقت إغراق الساحة الداخلية بعوامل التوتر والتفجير للظرف السياسي، وإبعاد الكل المؤثر بصناعة الموقف الوطني الصحيح عن دائرة التأثير بدهاليز صناعة القرار الوطني الفلسطيني.... والأهم برأيي هو إعداد العدة ميدانيا لقوى المقاومة أو تلك التي من المفترض أنها تمثل الفعل المقاوم على الأرض (مع الكثير من الملاحظات حول طبيعة وشكل أداء الفعل المقاوم الفلسطيني) لتدخل في أتون الحرب الأهلية. فكثير من المقدمات السياسية وتلك اللوجستية قد اتخذت في لحظات محددة شكل التحريض على الحرب الأهلية... وهاهي النتائج ماثلة وواضحة للعيان... حول ماهية المقاومة ومشهديتها الراهنة ... وماهية الظرف السياسي الحالي التمزقي التناحري المتواصل على أكثر من جبهة ومستوى وصعيد....

التعليقات