الضربة الخاطفة السريعة، يوم السبت27 ديسمبر2008، التي أودت بحياة عشرات الفلسطينيين، وخاصة رجال الأمن الذين كانوا يحتفلون بتخرّجهم، وضرب عدّة مكاتب ومواقع بهدف قتل قيادات من حماس، كان المتوقع تواجدها في تلك المكاتب، رمت إلى شّل القدرة على رّد الفعل المقاوم، بالمفاجأة، وشراسة الضربة، ومن ثمّ الاندفاع في فرض شروط معركة خاطفة تنسجم مع العقليّة الصهيونيّة للقيادات السياسيّة المتعاقبة، وعقيدة جيش ( إسرائيل) المعتاد على حروب سريعة بلا خسائر، والذي تلقّن درسا مهينا ومحبطا له في حرب تموّز 2007، بأيدي رجال المقاومة اللبنانيّة (حزب الله).
أن يصرّح أولمرت بعد ستّة أيّام من الحرب على غزّة بأنه يريدها حربا ( غير طويلة)، فإنه بهذا يقّر ضمنا بأن الحرب الخاطفة فشلت، وهو ما يؤكده قصف صواريخ المقاومة الذي يستهدف مدنا، ومستوطنات، وقواعد عسكريّة، تبعد قرابة 40 كيلو مترا في عمق الكيان الصهيوني، ورغم كثافة الطيران في سماء غزّة، وبكّل أنواعه، وقدراته، ومهماته.
أولمرت والجنرالات، خططوا أن تكون هذه الحرب قصيرة، خاطفة، ساحقة، ماحقة، ولكن شعب فلسطين في قطاع غزّة - والمعركة معركته كلّه، لأنها لا تستهدف حماس، أو الجهاد الإسلامي، أو بقية فصائل المقاومة، بمعزل عن شعبنا - واجهوا الهجمة القاسية بثبات، وتماسك، وبعزيمة واحدة، وهذا ما فوّت على الضربة الخاطفة أوّل أهدافها: الانهيار، والانفجار الداخلي، أي انتفاضة مضادة ناجمة عن يأس، وبتأثير من الحصار القاسي...
الفصيلان الرئيسان في قطاع غزّة، حماس والجهاد، ردّا على العدوان بإطلاق عشرات الصواريخ، وهذا ما برهن على استيعاب فاجعة الخسائر، وتجاوز تأثير ( المفاجأة)، التي كان يفترض أن لا تحدث بعد كّل خبراتنا في الصراع.
أولمرت ووزارته بأحزابها المشاركة والمتنافسة، وجنرالاته، يقفون بعد سبعة أيّام من الحرب على قطاع غزّة أمام خيارات صعبة، تزداد صعوبة مع كّل صاروخ يسقط على المدن، والمستوطنات...
أولمرت يريدها حربا غير طويلة!..كيف؟! بالهجوم البرّي على مدن، ومخيمات، وقرى القطاع؟
هذا ما يتمناه المقاومون في غزّة، لأنهم بهذا سيحيّدون سلاح الجو الصهيوني، وسيتعاملون مع الدبابات ككتل معدنيّة عمياء في شوارع المدن، وأزقتها، مّما سيسهّل اصطيادها، وإلحاق خسائر في جنود الجيش الذي ذاق مرارة الاشتباك مع المقاومين على أرض لبنان، والذي - وهذا ما لا يجب أن ينسى- تمّ توقيفه على أبواب بيروت، النصف الغربي من مدينة بيروت، التي ما كانت مساحتها تزيد عن أربعة كيلومترات مربّعة، ولمدّة تقارب الثلاثة أشهر في العام 1982.
إذا كانت دبابات أولمرت وجيشه تتحرّك في الأوحال، مترددّةً في خوض المعركة البريّة، فما هو واجبنا نحن الفلسطينيين، وتحديدا في الضفّة الغربيّة؟
أن نطيل أمد المعركة، لأننا بهذا نفوّت فرصة أولمرت وجنرالات جيش الاحتلال، من الاستفراد بأهلنا في غزّة، وننهي حقبة (أوسلو)، والصراع على السلطة، ونعيد الاعتبار لأهدافنا الوطنيّة، ونمسك كشعب فلسطيني بقرارنا...
كما كتبت مرارا وتكرار، أعود من جديد، والفرصة الآن سانحة،لأجدد الدعوة إلى تفجير الانتفاضة ( الثالثة)، انتفاضة التصحيح والتغيير، تصحيح المسار، وتغيير الأطر السياسيّة، فالمفاوضات فشلت، والقيادات التي تحكمّت بالقرار الفلسطيني منذ أوسلو عام 1993 وحتى يومنا فشلت، وتسببت في خسائر فادحة أوّلها إضاعة الأرض، وتمزيق الصفوف، وإشاعة الفساد، وتحويل القضيّة الفلسطينيّة إلى مكاسب شخصيّة وصوليّة.
تفجير الانتفاضة وبكّل أشكالها، وقدراتها، وبثقافتها الشعبيّة البطولية المبدعة، سيعني إنجاز الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة ميدانيّا - على الأرض - وإنهاء حالة الترهّل، واليأس، والإحباط...
من غزّة، من مخيّم جباليا الشجاع، تفجّرت الانتفاضة الأولى، وها هي من غزّة الصامدة تأتي الفرصة لانتفاضة متجددة، تشكّل فصلاً سيشهد قيامة فلسطين من جديد، وعودة شعبها ليكون منارةً بدمه، وتضحياته، وبطولاته...
في اليوم الثامن أكتب، مراهنا على أن ما يريده ويتمناه أولمرت وجنرالات جيشه لن يتحقق، فهذه الحرب ستكون طويلة، وطويلة جدّا...
ولأن أعداء شعبنا يريدون اختصار هذه الحرب، وتحقيق بالسياسة والدبلوماسية المخادعة ما لم يقدروا على تحقيقه بالحرب، فإنني أتوقّع، كما كثيرين، أن يلجا هؤلاء الأعداء، إلى طرح ( هدنة) أو تهدئة دائمة، بحجّج إنسانيّة، والهدف أن تهزم المقاومة في غزّة، وفي كّل فلسطين، وتعاد غزّة للحصار من جديد، لينفّذ فيها حكم الموت البطيء، ويتّم انعاش خطاب سلام أوسلو وأدواته!.
في هذا المخطط يشترك قادة الكيان الصهيوني، وأوروبا المنافقة، وأنظمة حكم عربيّة - انظروا إلى ممارساتها - وقيادات فلسطينيّة، تحديدا جماعة المفاوضات الخيار الذي لا خيار غيره!
هذه الحرب لا تخّص حماس وحدها، ولا الجهاد وحدها، ولا فصائل المقاومة في قطاع غزّة، إنها حرب على روح الشعب الفلسطيني المقاوم، فإن كُسرت في القطاع فستزداد ضراوة وشراسة هؤلاء المتحالفين في الهجوم على المقاومة في العراق، وفي لبنان، وعلى كّل من يفكّر بالمقاومة، وستبدأ مرحلة جديدة في تصفية القضيّة الفلسطينيّة.
هذه حرب يحب أن تكون طويلة، وأن نمّدها طولاً يعني أن نلّف حبالها على عنق مخططات وأهداف الكيان الصهيوني، وأن ننهي حالة الضياع والتيه فلسطينيّا، ونفضح بدمنا انحياز أنظمة حكم عربيّة للعدو الصهيوني، وخنوعها للأهداف الأمريكيّة...
أكتب بعد سبعة أيّام، وها نحن في اليوم الثامن، وأرى أنه رغم موت أطفالنا، وهدم البيوت على رؤوس أهلنا، وتدمير المساجد، والجامعات، والمدارس، فإن المعركة ستكون طويلة، في حربنا الطويلة التي لم تبدأ وتنته في العام 48، ولا في العام 56، ولا في العام 67، ولا في العام 73 ولا بحصار بيروت عام 82، ولا في الحروب على لبنان، والتي أنهزم فيها هذا العدو وهرول هاربا خزيانا في العام 2000، وفي تموّز العام 2006...
الحرب على غزّة، أعني على فلسطين وشعبها، بدأت يوم السبت 27 ديسمبر الشهر الأخير من عام 2008، وها هي تدخل اليوم الثالث من أوّل شهر في العام الميلادي الجديد 2009.. والزمن الفلسطيني مفتوح على أيّام، وأسابيع، وشهور، وسنوات.. فهذه حرب لا نهاية لها إلاّ بمجىء زمن فلسطين، وقيامتها - كما قام السيّد المسيح من الموت - مكلّلةً بانتصارها المجيد...
التعليقات