25/10/2018 - 18:44

الانتخابات المحلية وغياب السياسة

تشهد السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا للأحزاب وانسحابا للسياسة على حساب القضايا المحلية، وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى خروج أكبر مدينتين، الناصرة وأم الفحم، من سلطة الأحزاب إلى سلطة قوائم فردية ومحلية

الانتخابات المحلية وغياب السياسة

بغياب الدولة الوطنية يكتسب الحكم المحلي لدى العرب في إسرائيل أهمية خاصة، فإضافة إلى كونه المورد الرئيسي للتشغيل والتوظيف، فهو الحيز الذي يتمتعون فيه بنوع من "الحكم الذاتي المحدود" لإدارة أو المشاركة في إدارة شؤونهم في مجالات عدة، أهمها التعليم والبيئة والقضايا الاجتماعية والبنى التحتية؛ والأهم من كل ذلك، ممارسة السلطة التي يحرمون منها في المستوى الوطني العام.

اجتماع تلك العوامل تجعل أهمية انتخابات الحكم المحلي لدى العرب في إسرائيل تفوق أهمية انتخابات الكنيست، كما يبين ذلك التفاوت الكبير في نسبة التصويت، إذ تفوق هذه النسبة 90% في الحكم المحلي وتنخفض إلى حدود 60% في انتخابات الكنيست، وذلك بعكس المجتمع اليهودي، الذي تنخفض فيه نسبة المصوتين في الحكم المحلي إلى 58% وترتفع لحدود 80% في انتخابات الكنيست.

وباستثناء بلديات المدن التي كانت قائمة قبل 1948 ونجت من النكبة، فإن غالبية المجالس المحلية العربية، والتي تحول بعضها لاحقا إلى بلديات، قد تشكلت في أواخر الستينيات بعد انتهاء الحكم العسكري، حيث جرى بداية تكليف مجالس معينة تشكلت من مقربين من السلطة، وهو ما حكم تشكيلاتها اللاحقة التي أفرزتها الانتخابات لبضع سنوات أخرى.

التشكيلات المذكورة انكشف عيبها وقصورها عندما عارضت القرار الوطني، الذي تمثل بإضراب يوم الأرض عام 1976، وظهرت كمجرد صنائع يحركها مكتب مستشار رئيس الحكومة في حينه، أمنون لين.

ولعل من أهم منجزات يوم الأرض تكسير عكاكيز السلطة تلك، وانتخاب مجالس وطنية في غالبية قرانا ومدننا، وهي عملية تعززت لاحقًا من خلال سحب سقف الإجماع الوطني على السلطات المحلية، والتي باتت تجري انتخاباتها تحته، مع بعض الشواذ هنا وهناك.

وإن كان الانقلاب السياسي قد وقع فعلا في السلطات المحلية العربية بعد يوم الأرض، فإنه لم يترافق مع انقلاب في المستوى الاجتماعي، حيث ظلت العائلية هي العنصر المهيمن على الساحة المحلية إلى جانب قوائم حزبية هجينة هنا وهناك، وذلك باستثناء بعض المدن التي تختلف فيها قوانين اللعبة مثل الناصرة وأم الفحم.

وتشهد السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا للأحزاب وانسحابا للسياسة على حساب القضايا المحلية، وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى خروج أكبر مدينتين، الناصرة وأم الفحم، من سلطة الأحزاب إلى سلطة قوائم فردية ومحلية؛ الأولى بعد خسارة الجبهة والثانية بعد تخلي الحركة الإسلامية (الشمالية) التي سيطرت على البلدية لسنوات، طويلة طواعية عن خوض الانتخابات. هذا الانسحاب والتراجع يصل ذروة جديدة في الانتخابات الحالية التي تجري الأسبوع المقبل، وتشهد هيمنة القوائم العائلية بشكل شبه كامل على المشهد الانتخابي.

وفي حين تحاول المدينتان الأكبر، الناصرة وأم الفحم، في هذه الانتخابات استعادة مجد مضى كل بطريقتها، تبرز الحالة السياسية وما يكتنفها من اندحار وتفكك في المستويين الفلسطيني والعربي، كعامل مغذي للنزعات الفردية والعائلية والحاراتية، إلى جانب تجلي عيوب العامل الذاتي الذي يخشى أن لا يكون قد نجح في كسر حالة الانقسام، والذي قاد إلى الخسارة في الناصرة بسبب الطابع النخبوي اللاصق به، رغم تجميع كل الأحزاب السياسية حول مرشح توافقي.

العكس يحدث في أم الفحم، فقد انحسب مرشح البيت الفحماوي للرئاسة والمحسوب (سابقًا) على الحركة الإسلامية (الشمالية)، د. سمير صبحي، من التحالف الذي ضم كل من الجبهة والتجمع وأبناء البلد، وتنازله طوعا عن زخم انتخابي وقوة معنوية وأخلاقية، كانت ستساعده في الوصول الى كرسي البلدية.

التعليقات