30/03/2020 - 13:55

يوم الأرض وهبة أكتوبر والتوصية

المجد والخلود لشهداء يوم الأرض، المجد والخلود لشهداء الانتفاضة الثانية، وشهداء النضال الفلسطيني منذ انطلاقه.

يوم الأرض وهبة أكتوبر والتوصية

انتابني شعورٌ ونحن تحت القصف الإعلامي المركز منذ ظهور ما حصلت عليه القائمة المشتركة، من المقاعد في الكنيست، أن كل المسيرة الطويلة لنضال الفلسطينيين داخل المنطقة المستعمرة منذ عام 1948 ليست إلا أحداث تاريخية ليست ذات شأن. وهذه النتائج بالفعل تستحق الاحتفاء، على الأقل من منظور من لا يزال يرى في المشاركة في الكنيست، وسيلة العمل السياسي الرئيسية المتوفرة.

غير أن ما لا يستحق الاحتفاء به، بل الإدانة، هو التوصية التي قدمتها القائمة المشتركة لمجرم الحرب، بيني غانتس، وما يترتب عليها من عواقب على مستوى الوعي الجماعي والذاكرة التاريخية.

لم تكن تلك النتائج الانتخابية حصيلة معركة شعبية ميدانية، ولا تضحيات كبرى، في مواجهة شاملة مع قوات القمع الصهيونية، وليست منعطفًا تاريخيًا. وإذا ما كان هناك أي منعطف تاريخي، في مجال الممارسة البرلمانية، فهو وصول حزب عربي قومي يتحدى يهودية الدولة إلى الكنيست – التجمع - عام 1996، وتشكيل القائمة المشتركة في المرة الأولى عام 2015.

وإذا كان نجاح التجمع الوطني الديمقراطي في تغيير الخطاب السياسي عند العرب في الداخل، قد أشبع تقييما ونقداً، إيجابًا وسلبًا (في الدوائر الفلسطينية والعربية والإسرائيلية)، وبات مرجعًا لكل باحث في تحولات التجربة السياسية لفلسطينيي الداخل، فإن العبرة الأساسية من إقامة القائمة المشتركة وخوض الأحزاب العربية الانتخابات مجتمعةً، قد تم تضييعها في فوضى حساب المقاعد والتخلي عن القيم. والعبرة هي خلق وحدة في ظروف الانقسام الفلسطيني الكارثي، وكذلك حالة الاستقطاب العمياء التي أثارها تحويل الثورات العربية إلى حروب أهلية وطائفية. وعشية تلك الانتخابات، أي عام 2015، سألنا أحد قادة السلطة الفلسطينية، بعد أن قدمنا واجب العزاء بوفاة الشهيد زياد أبو العين في مدينة رام الله، وكنا وفدًا من التجمع، لماذا تصرون على قائمة مشتركة، ولماذا لا تخوضون الانتخابات بقائمتين. وكان المسؤول ومعه أيضًا مجموعة نواب وزراء، ينقلون رأي الجبهة والعربية للتغيير اللتين ناهضتا الفكرة بشدة. وأظهر هذا المسؤول إعجابه بالمنطق الذي طرحناه، بل طلب مني تلخيص النقاط التي طرحتُها في تسويغ فكرة القائمة المشتركة، مكتوبة، وإرسالها إليهم في اليوم التالي لبحثه على المستوى الرسمي، وهذا ما فعلته دون تأخير.

والحقيقة، رغم نقدنا الشديد لسلطة رام الله، فإننا أردنا أن يضغطوا على المعارضين للفكرة، لا أن يشجعوهم على الهروب من الفكرة كما كانوا يفعلون في السابق. وتولى جمال زحالقة متابعة الاتصالات مع الجبهة، ومن ثم شكل التجمع وفدًا رسميًا لإدارة المفاوضات مع الأحزاب الأخرى على تركيب القائمة.

غير أن هذا المشروع الوحدوي، ما لبث أن بدأ يتقوض من داخله، على يد القوى التي كانت في الأساس مناهضة للفكرة، من خلال المنافسة الشخصية بينهم أو من خلال سرقة مقعد التجمع، والأخطر من خلال الهبوط بالخطاب السياسي.

ليست انتخابات للكنيست في آذار/ مارس 2020 محطة تاريخية. محطتان تاريخيتان جسدتا وحدة الفلسطينيين، تستحقان أن نذكرهما ونستعيد معانيهما، ونبني على دروسهما، خاصة في ظروف التهتك الوطني والأخلاقي. هما يوم الأرض عام 1976، وهبة القدس والأقصى - أكتوبر 2000. والحقيقة أنه أيضًا جرت محاولات حثيثة لتفريغ هاتين المحطتين من مغزاهما.

هبة يوم الأرض، كانت تلك المواجهة التي أطلقها فلسطينيو 48 دفاعًا عن الأرض، فامتدت إلى الضفة والقطاع، موحدة الشعب الفلسطيني بأكمله. كانت تلك مفارقة مدهشة، أن يكون هذا الجزء من شعبنا الفلسطيني، الذي شكّك الكثيرون من التجمعات الفلسطينية الأخرى في وطنيته، مولّدًا هبّةً عارمة في كل فلسطين التاريخية، وأن يتحول هذا اليوم إلى ذكرى وطنية تُحيا سنويًا من قبل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. لم يضع هذا اليوم الدامي ستة شهداء ومئات الجرحى حدًا لسرقة الارض واستعمارها، ولكنه ولّد ديناميات جديدة على مستوى الفعل الوطني وبلورة الهوية الوطنية الفلسطينية.

أما المحطة الوطنية الشاملة الثانية، فهي هبة القدس والأقصى. وهذه الهبة فاقت هبة يوم الأرض، بمقاييس كثيرة؛ الأول، أنّها كانت استجابة جماهيرية قلّ نظيرها لنداء شعبنا الذي كان ينتفض من أجل دحر الاحتلال والاستيطان، أي لم يكن السبب المباشر مصادرة الأراضي كما كان في يوم الأرض، إنما من أجل القضية الفلسطينية ككل؛ الثاني، سقوط عدد كبير من الشهداء، 13 شابًا ومئات الجرحى ومئات المعتقلين؛ الثالث، طول مدتها، إذ استمرت 8 أيام؛ الرابع، شموليتها، إذ كانت شعبية بكل المفاهيم، بمشاركة الشباب والكبار والنساء.

إن استحضار هذين الحدثين المؤسسين، والغوص في معانيهما، يكتسب أهمية خاصة في هذه الظروف، لأن من شأن ذلك أن يُفرمل الانحراف والتهوّر، ويوقظ الوعي مجددًا بأننا شعبٌ نخوض معركة وطنية تحررية تاريخية ولسنا ناخبين، أو مهاجرين. وأننا لسنا مطيةً لأي من مجرمي الحرب الصهاينة.

المجد والخلود لشهداء يوم الأرض، المجد والخلود لشهداء الانتفاضة الثانية، وشهداء النضال الفلسطيني منذ انطلاقه.

التعليقات