02/02/2021 - 14:28

شرطة للتطبيع مع العنصرية والقهر... والجريمة والفقر

لن نطبع مع الجريمة والفقر والقهر والعنصرية، والتعبير عن الرفض أن يكون مسموعًا وملموسًا، من الشمال للجنوب.

شرطة للتطبيع مع العنصرية والقهر... والجريمة والفقر

بدت ساحة الجريمة في طمرة، مساء أمس الإثنين، كأنها مأخوذة من فيلم عن وحدة المستعربين الإسرائيلية، إذ ظهر رجال الشرطة بزيّهم المدني يحملون أسلحة رشاشة بينما ينزف المصابون على الأرض، دون أن يحرك أفراد الشرطة ساكنا، بل ظهروا كأنهم في عملية في بلدة معادية، في الضفة مثلًا، وقد دفع ثمن ذلك الأبرياء الذين طالتهم رصاصات الشرطة.

وقبل ذلك بأيام، شاهدنا أفرادا من وحدة المستعربين في الشرطة، ينقضون على الفتية والشباب في مدخل أم الفحم، الذين يواصلون مظاهراتهم ضد الجريمة المستشرية. وظهر المستعربون ملثمون وبزي عسكري كأنه مشهد مأخوذ من مسلسل "فوضى" إياه.

من المشهدين في طمرة وأم الفحم نستنتج التالي: هدف الشرطة المركزي هو فرض "هيبة وسيادة" الدولة اليهودية على المواطن العربي، مرة من خلال إغراقه بالفقر والجريمة ومحاصرته عمرانيًا؛ ومرة ثانية من خلال الضرب بيد من حديد وقمع المتظاهرين المحتجين على الجريمة، واستخدام القنابل الصوتية والمسيلة للدموع، وملاحقة الفتية المتظاهرين والاعتداء عليهم ومن ثم إطلاقهم.

استنتجت المؤسسة الإسرائيلية أن مشكلة الجريمة في البلدات العربية تستدعي فرض "سيادة الدولة" و"تأديب المواطنين العرب"، لأن الجريمة بنظرها تعكس ضعفًا لمؤسسات وسلطات الدولة، وذلك بدلًا من معالجة جذور العنف والجريمة، وهي أولًا الظروف الاجتماعية – الاقتصادية الصعبة الناتجة عن ممارسة سياسات عنصرية طيلة عقود، بحيث خلقت مجتمعًا يمر بعملية تحديث مشوهة ونصفه يعيش تحت خط الفقر، وحالة اغتراب عن المكان والانتماء، وجعلت البلدات العربية فريسة لمنظمات الجريمة.

قبل جريمة طمرة بيومين، انتشر مقطع مصور لعناصر من الشرطة من مختلف الوحدات، تعتقل شابًا في المدينة في ساعات الليل، واعتدت على السكان واستخدمت القنابل الصوتية في منطقة سكنية مكتظة. وأكد المقطع بأن هدف الشرطة ترهيب المواطنين والاعتداء عليهم، مرة لترويعهم وترهيبيهم وإخضاعهم، ومرة لتظهر وكأنها تبذل مجهودًا استثنائيًا لمواجهة الجريمة.

لقد أثنى أحد النواب العرب قبل فترة وجيزة في الكنيست على أداء الشرطة وتحدى في ذلك زملاء له من القائمة ذاتها، فيما دعا نائب آخر إلى أن تقوم الشرطة بـ"تكسيح" منظمات الجريمة. لكن ما غاب عن بال هؤلاء الذي يمارسون خطابًا شعبويًا، هو أن حتى تقوم الشرطة بدورها مثل أي شرطة في العالم، يجب أن تتخلص من أمرين: عقيدتها العنصرية التي ترى بالعربي عدوًا وخطرًا عليها وعلى الدولة؛ وأن تتخلص من عقيدتها الأمنية في معالجة أزمة مدنية، جذورها وأسبابها وتجلياتها هي مدنية سياسية صرفة.

ليس بمقدور أي شرطة في العالم أن تحارب الجريمة في مجتمع ما طالما كانت عقيدتها أمنية وعنصرية. وليس بمقدور أي شرطة تقمع متظاهرين مدنيين ضد الجريمة باستخدام وحدات خاصة ومستعربين أن تكون حلًا للأزمة، بل هي جزء لا يتجزأ من المؤسسة التي صنعت الأزمة.

من غير المنطقي الفصل بين دور الشرطة وعقيدتها، لأن دورها مشتق من عقيدتها وفهمها لذاتها ووظيفتها، وفي حالة الشرطة الإسرائيلية، فإن الشرطة دورها أمني بالأساس، وتمارس مهمات عسكرية في الضفة الغربية، سواءً بتنفيذ الاعتقالات ومداهمة المنازل أو بقمع الاحتجاجات.

ليس بمقدور الشرطة معالجة الجريمة طالما أنها جزء من المؤسسة التي تسببت باستفحال هذه الجريمة، من خلال سياسات حصار وإفقار المجتمع العربي، وفي المقابل سياسات تحديث مشوهة لا تتجاوز ارتفاع عدد الأكاديميين وتحسين مستوى المعيشة لدى شرائح محددة.

أما السلطات المحلية التي من المفترض أن تكون المسؤولة عن إدارة وتنظيم المجتمع، فقد تحول عدد كبير منها إلى ساحة لمنظمات الجريمة، وجزء من الجرائم والاعتداءات على المنازل والمحلات التجارية والمؤسسات هو نتيجة صراع على هذه السلطات ومواردها.

الشرطة الإسرائيلية باختصار، ترى دورها بقمع وقهر المواطن العربي كونها جزءًا من المؤسسة، وتحديدًا الأمنية، ليطبع مع واقع الفقر والجريمة، والقهر والعنصرية. هذا دور الشرطة الإسرائيلية. ما العمل؟ أن تتخلص الشرطة من عقليتها الأمنية والعنصرية، وأن تتحول إلى جهاز مدني كما في أي دولة طبيعية (وهذا يستدعي ما هو أكثر من خطة خمسية لمحاربة العنف والجريمة، أي تغيير جوهري أكثر).

لن نطبع مع الجريمة والفقر، والعنصرية والقهر، والتعبير عن الرفض يجب أن يكون مسموعًا وملموسًا، من الشمال للجنوب.

التعليقات