23/12/2021 - 16:23

بين مسدس بن غفير وتصريح منصور عباس

وإذا كان التنظير السياسي المتمثل بالأهداف والشعارات يسبق عادة الفعل السياسي ويشكّل دليلا له، فإنّه لدى عباس وزمرته يمثل تبريرا لنهجه الموغل في الانحراف الوطني، والذي قايض القضية الوطنية بفتات الميزانيات، التي لا زالت وقد تبقى حبرا على ورق

بين مسدس بن غفير وتصريح منصور عباس

عباس وبينيت (إعلام الكنيست)

لا يمكن إغفال العلاقة بين إشهار عضو الكنيست العنصري، إيتمار بن غفير، لمسدسه في وجه الحارس العربي، بغية إثبات سيادته المستمدة من انتمائه اليهودي على المكان والمفروضة بقوة السلاح، وبين التصريح القبيح الذي جاء على لسان منصور عباس، بأن "إسرائيل ولدت وستبقى يهودية، والسؤال هو حول مكانة العرب ضمن هذا الثابت".

فتصريح عباس القبيح يمنح الشرعية لممارسة بن غفير الإرهابية، الذي أراد ببساطة إفهام العربي بـ"اللغة التي يفهمها" من هو "السيد" هنا، وأنّ القانون الذي يعطي للعربي الصلاحية بإصدار أوامره لليهودي، حتى لو كان في نطاق صلاحيته كحارس في موقف سيارات، يجب تغييره، لأنه يتناقض مع منطق الدولة اليهودية التي يتمتع فيها اليهود بالسيادة المطلقة.

في المقابل، فإنّ فعلة بن غفير غير المسبوقة هي امتداد لانتقال إرهاب عصابات المستوطنين من الضفة الغربية إلى مدن وتجمعات الخط الأخضر، واعتداءاتهم على العرب الفلسطينيين خاصة في اللد والرملة وغيرها من المدن فلسطين التاريخية، التي باتت تسمى "المدن المختلطة" بعد تهجير أهلها والسطو على بيوتهم، وهو إرهاب يستهدف اقتلاع البقية الباقية من سكان هذه المدن.

وتتماشى هذه الاعتداءات مع تصاعد إرهاب هذه العصابات ضد العرب الفلسطينيين في القدس والخليل والمناطق "ج" في الضفة الغربية، ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة ومنسقة يشكّل فيها المستوطنون رأس حربة لتنفيذ مخططات الاحتلال وأهدافه في تعزيز السيطرة على هذه المناطق.

وتكفي الإشارة، في هذا السياق، إلى بيان رؤساء الكنائس في القدس، الصادر عشية عيد الميلاد المجيد، الذي أشار إلى اعتداءات المستوطنين المتكرّرة على رجال الدين المسيحيين في المدينة المقدسة وسط صمت وتواطؤ من قبل شرطة الاحتلال، إلى جانب محاولات جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية المتكررة للاستيلاء على مبان مركزية في حارة النصارى، وخاصة فندقي "بترا" و"إمبريال".

وغني عن البيان أن بن غفير، الذي يسكن في البؤرة الاستيطانية الأكثر عدوانية الكائنة في قلب الخليل، والذي تتلمذ على أيدي كهانا ويتمثل بجزار الحرم الإبراهيمي باروخ غولدشتاين، بمعنى لا مشكلة لديه في إطلاق النار على العربي، كان حارس موقف أو غير ذلك، لأنه يمتلك الدافع، وهو كراهية العرب والتماثل مع جزاريهم والوسيلة المتمثلة بالسلاح، لذلك فإنّ بن غفير مع مسدس هو "قنبلة موقوتة"، كما يقول الكاتب في صحيفة "هآرتس"، روغل ألفر.

أمّا منصور عباس، فارتكب في محاولةٍ "تنظيريةٍ" تبريريةٍ لتهافتهِ خطيئةً أخرى أعظم، عندما قال إن إسرائيل ولدت دولة يهودية وستبقى كذلك، وهو ما لا يعني فقط إسباغ الشرعية على عملية ولادة حالة استعمارية اصطناعية قامت على أنقاض شعبنا وكيانه الوطني، بل محاولة تأبيد هذه الحالة والتشكيك، ليس فقط في محاولات زعزعتها من الخارج، بل وفي محاولات تغييرها من الداخل عبر نزع طابعها اليهودي الصهيوني الاستعماري وتحويلها إلى دولة مدنية لكل مواطنيها.

وإذا كان التنظير السياسي المتمثل بالأهداف والشعارات يسبق عادة الفعل السياسي ويشكّل دليلا له، فإنّه لدى عباس وزمرته يمثل تبريرا لنهجه الموغل في الانحراف الوطني، والذي قايض القضية الوطنية بفتات الميزانيات، التي لا زالت وقد تبقى حبرا على ورق، فأصبح كمن "لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن".

في المقابل، فإنّ شريكة رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، وتوأمته السياسية، أييلت شاكيد، لا تنفك عن وضع الدواليب وإعاقة أي إنجاز قد يحفظ ماء وجه منصور عبّاس وزمرته، ابتداء من إجهاض مشروع الاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب وتحويله من إنجاز إلى مؤامرة على القرى غير المعترف بها، مرورا بتعطيل العمل بـ"لم الشمل" حتى بعد إسقاط القانون وانتهاء بـ"قانون الكهرباء"، الذي اهتمت وصرّحت بأنّه لن يشمل القرى غير المعترف بها، هذا ناهيك عن إعلانها كل يوم وآخر عن خطط استيطانية في الضفة والقدس والنقب والجولان.

وكلّما تعمقت أزمة نهج منصور عباس وزمرته أخَذَ يستخدم مبررات ومسوغات لا يقبلها منطق ثوري أو إسلامي، وهي مسوّغات تقدّس الواقع الاستعماري عوضا عن السعي لتغييره وتحرير البلاد والعباد من براثنه، فقد رفعت منظمة التحرير الفلسطينية شعار الدولة العلمانية الذي صاغه اليسار الفلسطيني ردحًا من الزمن، ورفع التجمع الوطني الديمقراطي "شعار دولة كل مواطنيها" بحدود الخط الأخضر الذي صاغه عزمي بشارة في مرحلة أوسلو، واليوم يعود إلى الواجهة شعار الدولة الواحدة بأشكال مختلفة، وهي كلها شعارات تنطلق من عدم التسليم بالواقع الاستعماري وضرورة تغييره نحو حالة أكثر عدلا حتى تجاه المادة البشرية للقوة المستعمرة.

رامي منصور | ورطة "غوي السبت"

أمّا النهج الذي يبدأ بادّعاء العجز على مجابهة الواقع وينطلق من التسليم بمعطياته المفروضة بقوة السلاح، فقد خبرناه عربيا وفلسطينيا ورأينا ما انتهى إليه من تنازل عن كل شيء دون الحصول بالمقابل على أي شيء، رأينا قادة فلسطينيين وعربا أكثر حنكة ودهاء من منصور عباس، دخلوا في لعبة "التكتيك" وفي النهاية عصرتهم إسرائيل وألقت بهم قشورا على قارعة الطريق، ولن يكون منصور عباس بأوفر حظا منهم.

التعليقات