16/07/2022 - 13:33

العودة إلى "طُنجرة الضغط"...

الحقيقة العميقة وراء الشعور بأنها "طنجرة ضغط"، ليس فقط الوضع المادي الصّعب والأزمات بمختلف أشكالها، والغلاء المستفحل والعمل في الليل والنهار للّحاق بإيقاع الحياة السريع والمصاريف الكثيرة، وليس فقط لائحة الأسعار وصفقات الرِّحلات الرخيصة نسبيّا، وقيمة الليرة التركية المنخفضة أمام

العودة إلى

صورة لمسافرين في مطار اللد (Gettyimages)

شغَل الازدحام في مطار اللد في الأسبوعين الأخيرين، مساحة كبيرة من أحاديث الناس في وسائل التواصل والمواقع الإخبارية، ونُشرت صورٌ تُظهر الصفوف الطويلة المنتظِرة.

بدأ هذا مع عطلة المدارس، وتضاعف بصورة كبيرة قبيل وخلال عيد الأضحى المبارك.

من الواضح أن وجهة أكثرية العرب هي تركيا في الدرجة الأولى، ثم غيرها مثل الجزر اليونانية، كذلك شرم الشيخ من خلال المعبر البرّي في طابا، ثم الأردن عبر الجسر.

معظم المسافرين العرب يعبّرون عن رغبة جامحة للخروج مما يسمونه "طنجرة الضغط"، ويبدأ هذا الشعور بالخروج منها ابتداء من المنطقة الحرّة في مطار اللّد حتى إقلاع الطائرة بعيدًا عن الأرض.

تشعر بشوق الناس إلى استراحة من هذا الصِّراع القاسي لأجل تحقيق الشروط الحياتية الأساسية، في واقع معقّد تزيده العنصرية بُؤسًا.

الحقيقة العميقة وراء الشعور بأنها "طنجرة ضغط"، ليس فقط الوضع المادي الصّعب والأزمات بمختلف أشكالها، والغلاء المستفحل والعمل في الليل والنهار للّحاق بإيقاع الحياة السريع والمصاريف الكثيرة، وليس فقط لائحة الأسعار وصفقات الرِّحلات الرخيصة نسبيّا، وقيمة الليرة التركية المنخفضة أمام الدولار، التي تمنح السّائح المتوسط الحال شعورًا بالغنى.

الحقيقة أنه إلى جانب الأسعار المنخفضة يحظى السائحون باحترام التُّجار وطواقم العاملين في الفنادق، وهذا يمنح السائح من أي جنسية كانت شعورًا بأنه مرغوب فيه وبأنه ليس أقل من أحد!

يتعامل الأتراك بمسؤولية كبيرة ووعي كبير تجاه مصدر هام من دخلهم القومي، فكل سائح من أي بلد كان يعامل بالتقدير والاحترام، فالسائح ثروة، والقانون متشدّد جدًا مع من يتسبب بضررٍ أو إساءة لسمعة السِّياحة، خصوصًا في المنتجعات السياحية الكبيرة.

لهذا السَّبب يشعر السائح العربي من بلادنا براحة نفسية كبيرة مقارنة بما يواجهه في وطنه من معاملة استعلائية، رغم أنه يدفع في إيلات أكثر بكثير من تركيا ومن مصر، وفوق ارتفاع الأسعار يواجه في أحيان كثيرة بعنصرية واضحة لا لِبس فيها.

يضاف إلى هذا، الحالة الرّثة التي وصلها مجتمعنا من جرائم باتت تمرّ كحوادث عادية روتينية، وحوادث غرق وطُرق، وتهديدات بالهدم، جعلت من واقعنا حالة مستمرة من الإحباطات المتراكمة، الأمر الذي جعل السياحة خارج الوطن هروبًا مؤقتا من الضغوط اليومية والسياسية الثقيلة.

من ناحية أخرى فقد أهملت السُّلطات الجانب السياحي في المناطق العربية، وجعلتها على هامش الهامش، ونادرة هي المواقع العربية التي يقصدها السائحون ويستفيد منها المواطن العربي، هذا الفرع مصابٌ بالشّلل وشبه معدوم، ومضروب بالعنصرية العميقة، مثل بقية فروع حياتنا كالزراعة والصناعة وغيرها.

نادرًا ما نرى سائحين في المدن والقرى العربية إذا استثنينا النّاصرة، وهذه أيضا تعاني من عدم توجيه وإهمال رغم الوعود الكثيرة بتنميتها سياحيًا، علمًا أنها تجذب مئات آلاف السائحين المسيحيين بشكل خاص من كل أطراف العالم، ولكن هذا لا يعود على أهلها بالفائدة، كما يفترض أن يكون فلا يبقى لهم سوى الفتات.

ما أن يعود الناس وتهبط الطائرة في أرض الوطن، حتى يبدأ التذمُّر، وتلاحظُ أمارات الاستياء على الوجوه، فالعودة إلى "طنجرة الضغط" ليست مستحبة، فهم يعرفون ما ينتظرهم من معاناة، وهي الأسباب الحقيقية العميقة التي تجعلهم يهربون كما لو كانوا في إجازة من سِجن كبير، منتهزين العطلة الصيفية والأعياد والأسعار المتهاودة مقارنة مع مسلخ الأسعار في بلادنا.

لا خلاص لنا من وطننا المصاب بكل هذه التشوهات والجروح والآفات، هذا وطننا ونحن نتحمل مسؤولية العمل على معافاته، وجعله مكانًا أجمل من العنصرية، بحيث لا يشعر العربي في أي مكان يقصده بالغربة، سواء كان في تل أبيب - يافا، أو في إيلات أو على شواطئ الوطن كله، ولا خلال عبور حاجز عسكري في طريقه إلى رام الله.

الحقيقة أن ضغط الحياة ينوء على المواطنين اليهود كذلك، ولكن ليس للأسباب ذاتها التي تحاصر العربي، فنتائج التمييز العنصري عبر عقود من الزمن باتت واضحة في كل معالم حياتنا، وتداعياتها باتت وأشدَّ حدَّة.

لا بأس في بضعة أيام من الرّاحة، والعودة مستعدّين للنضال مسلحين بالنفس الطويل والصّبر، للعمل بمثابرة على تغيير واقعنا الرّثّ، وجعله بيئة مريحة خالية من المعوقات والقذارات بكل تجليّاتها.

اقرأ/ي أيضًا | الكتب القديمة...

التعليقات