02/07/2022 - 15:30

الكتب القديمة...

ومهم أن يحظى كل كتاب بالمتابعة والقراءة والنقد، من قراء ومثقفين ونقاد محترفين، وأن نكون موضوعيين كي يبقى لما نكتب مصداقية، فلا نبالغ في مديح كتاب أو في ذمه، بل أن نكون حقيقيين ومن دون مآرب مسبقة

الكتب القديمة...

توضيحية (Getty Images)

كثير ما نقرأ عن كتب صادرة حديثًا، يتابعها النقاد والقُراء والمتعاملون مع الأدب، على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الصحف والمواقع الإلكترونية. الطباعة صارت ميسّرة جدًا مقارنة بالحقب السابقة، وهذا أمر مبارك، فقد كنا نشكو من قلّة الإصدارات، فنحن الآن في الطريق الصحيح.

هذ ظاهرة جيّدة جدًا، ومهم أن يحظى كل كتاب بالمتابعة والقراءة والنقد، من قراء ومثقفين ونقاد محترفين، وأن نكون موضوعيين كي يبقى لما نكتب مصداقية، فلا نبالغ في مديح كتاب أو في ذمه، بل أن نكون حقيقيين ومن دون مآرب مسبقة لإرضاء أو إغضاب أحد، عند تناول أي إنتاج أدبي.

هذا الحوارات والمراجعات تضخُّ الدماء في حركتنا الثقافية وتبعث نسمة منعشة في الجو العام الباهت الذي بات العنف والجريمة أحد ملامحه الأساسية إلى جانب ثقافة الاستهلاك.

شعوري أن هناك تجاهلا للتراث الأدبي والفكري العربي القديم وكذلك للأدب العالمي القديم، ولكن سأكتب فقط عن بعض الكلاسيكيات العربية.

لو أنّ الذين يدخلون معترك الثقافة يقرؤون أمهات التراث العربي لأدركوا أن هناك كنوزًا ينبغي عدم إهمالها أو تجاهلها بسبب قِدمها.

فما أجمل العودة بين حين وآخر إلى مؤلّف مثل طوق الحمامة في الإلف والأُلاف لابن حزم الأندلسي، فهو موسوعة في تفصيل مشاعر وحالات الحب ودرجاته وطرق التعبير عنها، في سرد قصصي جميل لا يخلو من التحليل النفسي لحالات العشق المختلفة.

وما أجمل العودة إلى رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي بين حين وآخر، وإلى أسلوبه المُدهش في السُّخرية السوداء، وفلسفته في الشّك التي سبقت فلسفة الشك الديكارتية بِقُرون، والتي يجمع الباحثون على أن دانتي الإيطالي قلدّها في جحيمه، إضافة إلى الغزارة النادرة في الاطلاع الشامل على ما سبقه وعاصره من أدب شعرًا ونثرًا.

الكتب "القديمة" ضرورية، وخصوصًا للكتّاب من الأجيال الشابة، وكذلك للجيل المتقدم لمن فاته الاطلاع عليها، فمن يسعى إلى التعامل مع الكلمة والحرف والثقافة العامة، لا بد له أن يبدأ من الأساسات، والقفز عن أمهات الكتب وتجاهلها، سوف ينعكس على الإنتاج الأدبي للكاتب، وقد يظنّ أحيانا أنه كشف جديدًا، في الوقت الذي سبقه إليه غيره منذ ألف عام.

لا يوجد كاتب عالمي لم يتأثّر بكتاب ألف ليلة وليلة، وبعضهم أخذ من قصصها وبنى عليها روايات، ومنهم كتّاب أميركا اللاتينية الكبار والكتاب الروس والأوروبيون وحتى اليابانيون، والكثير من قصصها حُوّلت إلى أفلام عالمية مثل لص بغداد، وأخذت وولت ديزني منها الكثير، مثل قصة علاء الدين والفانوس السّحري، فهي ممتعة لكل جيل وفيها حكمة وفلسفة حياة، وفضاء رحب من الخيال، وكان لها موقعها في الموسيقى فألّف الروسي ريمسكي كورساكوف سمفونيته الشهيرة شهرزاد، التي عرفناها في مرافقة سرد قصص ألف ليلة وليلة من إذاعة القاهرة في ساعة الإفطار الرمضاني الذي استمر ستة وعشرين عاما من إخراج طاهر أبو فاشا.

تبقى لدى الكاتب والمثقف ثغرة كبيرة ما لم يطلع على ألف ليلة وليلة وما فيها من جماليات وأفكار ذكية ومفاجآت، فهي مصدر أصيل في فن القصة.

من الكتب التي أشعر فيها بوجبة دسمة كلما عدت إليها وقرأت فصلا منها، هو كتاب "الإمتاع والمؤانسة" لأبي حيان التوحيدي، وهو من ثلاثة أجزاء في أكثر من 650 صفحة، وكُتبت في أجزاء على طريقة الليالي، شملت سبعًا وثلاثين ليلة مع إضافات وتوابع أخرى، وهي مجموعة من المسامرات بين أبي حيان المؤلف وأحد وزراء عصره، وأحاديث في شتى الفنون والعلوم والآداب والمعلومات الموسوعية.

للحيوانات والطيور حصّة من هذا المُؤلّف، فيحكي صفات وطبائع الكثير منها وممارساتها الحياتية في تكاثرها وتحصيل غذائها أو حماية نفسها من المخاطر المحدقة بها، بعضها مدهش لشدّة دقته وصحّته حتى يومنا، وبلا شك هناك بعض الأمور غير الدقيقة وفيها شيء من الغيبيات.

اقرأ/ي أيضًا | العِلم في الكِبَر..

الجميل في "الإمتاع والمؤانسة" هو موسوعيته، فهو يتطرق إلى الأدب والسياسة وإلى الأمم وأخلاقها وطباعها والحيوانات وغيرها، ونلاحظ أنه سابق لعصره عندما يرى في إحدى مسامراته أن الطيبين وأصحاب الصفات الحميدة تجدهم في مختلف الأمم من العرب والفرس والترك والهنود والصقالبة الأوروبيين وغيرهم ممكن أن يتفقوا ويتعايشوا ويتحابّوا، بغض النظر على انتماءاتهم العرقية أو المذهبية أو الدينية، كذلك الأشرار من كل الأعراق، يجدون بينهم ما هو مشترك ويتقرّبون من بعضهم ويدعمون بعضهم، مع تأكيده على عدم التعميم في طبائع الأمم.

التعليقات