26/11/2024 - 18:56

هدنة مؤقتة أم تسوية؟

فيما يرى لبنان أن الاتفاق لوقف إطلاق نار هو سياسي، وليس فقط أمنيا أو مؤقتا لستين يوما أي هدنة، بل تترتب عليه مفاوضات ترسيم الحدود البرية واستعادة أرض محتلة، فإن إسرائيل تعتبر الاتفاق أقرب إلى الهدنة المؤقتة.

هدنة مؤقتة أم تسوية؟

تفقد الأضرار في منطقة البسطة، وسط بيروت (getty images)

ستحسم الساعات القريبة المقبلة الأنباء عن إعلان متوقع لوقف إطلاق النار ينهي العدوان الإسرائيلي على لبنان، بوساطة أميركية أساسا، وبدعم فرنسي، فيما يبدو أن كل طرف من طرفي الاتفاق، لبنان وإسرائيل، يرى أو يفسر الاتفاق وفق متطلباته الفورية والضرورية.

ففي لبنان سعى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، إلى التوصل لاتفاق يوقف الحرب فورا لمنع المزيد من معاناة وتشريد المدنيين، وكذلك الحفاظ على سيادة لبنان استنادا إلى القرار 1701 دون تعديل، وهو القرار الذي أنهى حرب تموز 2006. وكذلك الحال بالنسبة لحزب الله، الذي يسعى لوقف الحرب فورا لوقف معاناة قاعدته الاجتماعية والشعبية، رغم إعلانه عن استعداده لخوض حرب استنزاف طويلة مع إسرائيل بعدما استعاد جزءا كبيرا من قدراته العسكرية والقيادية.

كما يعوّل لبنان على أن الاتفاق لوقف النار استنادا للقرار 1701 سيؤدي إلى ترسيم الحدودية البرية مع إسرائيل، من رأس الناقورة غربا إلى قرية الغجر شرقا، وكذلك مزارع شبعا المحتلة.

إذًا، يعتبر لبنان الإعلان عن وقف إطلاق النار بمثابة اتفاق أمني تترتب عليه تسوية سياسية مع إسرائيل بما يخص ترسيم الحدود، استنادا إلى القرار 1701، دون زيادة أو نقصان.

في المقابل، ترى إسرائيل في الإعلان عن وقف إطلاق نار بأنه اتفاق أمني، لذلك قرر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عدم عرضه للتصويت في الحكومة، وإنما في "الكابينيت" السياسي – الأمني.

ولا ترى إسرائيل في الاتفاق مقدمة لتسوية سياسية أو اتفاق سياسي، والأرجح أن تتهرب من مفاوضات لترسيم الحدود مع لبنان، أي أنها تعتبره "هدنة" إلى حين دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في نهاية كانون الثاني/ يناير القريب. وهذا ما يفسر تصريحا نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول قال فيه إن اتفاق وقف إطلاق النار ليس اتفاقا لسنتين أو عشر سنوات، بل ستجري متابعة تطبيقه بشكل يومي، بمعنى أن ما تعتبره إسرائيل خرقا للاتفاق قد ينهيه.

لا يبدو أن إسرائيل تركز على أن الاتفاق يستند إلى القرار 1701، بل تتعامل معه كاتفاق مؤقت أو هدنة على غرار الهدن المؤقتة التي كان يُعلن عنها في ختام كل مواجهة عسكرية مع فصائل المقاومة في قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر، في انتظار مواجهة قادمة.

والحافز الأساسي إسرائيليا للتوصل لوقف إطلاق النار كما ذكر مسؤولون، هو حاجة الجيش إلى "إنعاش قواته" بعد أكثر من عام على الحرب، وتجديد مخازنه بالذخيرة، وتجنب قرار في مجلس الأمن يدعو لوقف الحرب على جبهتي غزة ولبنان، وكذلك حصولها على تعهد أميركي يدعم حرية العمل العسكري ضد حزب الله على الحدود السورية – اللبنانية، إضافة إلى أن الجيش أعلن أنه استنفد أهدافه الإستراتيجية في الحرب بضرب القيادة السياسية والعسكرية لحزب الله ومخازن الصواريخ طويلة المدى. كذلك أن وقف الحرب سيوفر لنتنياهو منفذا من مواجهة قضية إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية في ظل استنزاف قوات الاحتياط على الجبهتين. فهو قد يحقق وقف إطلاق نار على جبهة تجنيد الحريديين.

كذلك فإن المواجهة الأساسية أو المركزية بالنسبة لنتنياهو هي إيران مع عودة ترامب للبيت الأبيض، وهو يعتقد أنه استطاع "تحييد" جبهتين أماميتين لإيران هما غزة ولبنان، وكذلك فصلهما عن بعضهما البعض.

إذًا، فيما يرى لبنان أن الاتفاق لوقف إطلاق نار هو سياسي، وليس فقط أمنيا أو مؤقتا لستين يوما أي هدنة، بل تترتب عليه مفاوضات ترسيم الحدود البرية واستعادة أرض محتلة، فإن إسرائيل تعتبر الاتفاق أقرب إلى الهدنة المؤقتة، وفر لها تعهد أميركي بدعم تحركاتها ضد حزب الله، تحديدا بما يخص ضد تجديد ترسانته الصاروخية، وهذا بالنسبة لها يعني بدء نزع سلاح حزب الله، أو نزع السلاح الثقيل أو الإستراتيجي الذي يهدد إسرائيل.

وكذلك حال تعامل سكان البلدات الإسرائيلية الحدودية الذين أعلنوا رفضهم للعودة إلى منازلهم بعد وقف إطلاق النار، وكذلك قرار الحكومة بعدم عودة هؤلاء السكان بشكل فوري وإنما تدريجي.

هذا يعني أن الاتفاق قد يوقف الحرب في الأيام أو الشهور القليلة المقبلة، لكن إسرائيل لا تعتبره حلا للنزاع أو مقدمة لحل النزاع أو للتسوية السياسية مع لبنان أو عودة إلى هدنة عام 1949، كما يرى لبنان، بل إن الحرب على حزب الله سوف تستمر بوسائل أخرى.

لن يعود سكان البلدات الحدودية الإسرائيلية لبيوتهم قريبا، وكذلك لن يعود سكان البلدات اللبنانية في الجنوب طالما ظلت القوات الإسرائيلية فيها لمدة ستين يوما، لذلك يظل وقف إطلاق النار "فضفاضا" أو هشا، على الرغم من رغبة حزب الله لوقف طويل لإطلاق النار، حتى يتمكن من ترتيب صفوفه، واعتبار إسرائيل أنها غيرت الواقع الأمني في جبهتها الشمالية. فنظرة الطرفين لإعلان وقف إطلاق النار متباينة، ما بين هدنة أو اتفاق أمني إلى اتفاق استنادا إلى القرار 1701 أو عودة لاتفاق هدنة 1949، نحو تسوية سياسية.

التعليقات