29/09/2017 - 12:16

العمال البريطاني أيضا ضحية اللوبي الصهيوني

ربما هي سلسلة اللقاءات الدولية التي أشارك بها للمرة الثلاثين، وسلسلة المحاضرات التاسعة في بريطانيا تحديدا، التي تأخذ حصة الأسد في تلك الجولات، وذلك بسبب أن حملة التضامن مع الفلسطينيين هناك تعتبر الأقوى والأنشط عالميا.

العمال البريطاني أيضا ضحية اللوبي الصهيوني

ربما هي سلسلة اللقاءات الدولية التي أشارك بها للمرة الثلاثين، وسلسلة المحاضرات التاسعة في بريطانيا تحديدا، التي تأخذ حصة الأسد في تلك الجولات، وذلك بسبب أن حملة التضامن مع الفلسطينيين هناك تعتبر الأقوى والأنشط عالميا. ومرة تلو المرة، نحاول توسيع خطاب التضامن مع الفلسطينيين لكي يتعدى مناهضة الاحتلال والحصار، أي "إسرائيل السيئة"، ليناقش مفهوم "إسرائيل الجيدة"، التي تحاول إسرائيل إقناع العالم به. هل هنالك حقا "إسرائيل جيدة"، هل "الحلم الصهيوني" بشروطه المثالية، ودون أن يتعرض لمقاومة الضحية أو لأي معارضة عالمية، يؤسس لحياة طبيعية وإنسانية؟.

الإجابة على هذا السؤال، لا يستنبط من واقع الصراع، بل من واقع الدولة، أي من الممارسات الروتينية للمشروع الصهيوني، وليس فقط من جرائمه المدوية. والروتين الأساسي الذي أنتجه هذا المشروع هو الدولة العبرية نفسها، مؤسساتها، منظومتها القانونية، والقيم التي تنتجها وتربي عليها أجيالها يوميا. هذا الروتين هو ما يجسد "الحلم الصهيوني"، وهذا الروتين هو الذي ينتج انتهاكا تلو انتهاك، وجريمة تلو جريمة.

قد يكون هذا هو الادعاء الأساسي الذي نطرحه أمام حركات التضامن الدولية، وفيه نؤكد أن المشكلة هي في الحلم (الدولة اليهودية)، وأن الجرائم التي ترتكبها هذه الدولة، هي نفسها أدوات تعريفها لنفسها كدولة يهودية، وأنها لا تستطيع أن تكون موجودة حتى ضمن روتينها اليومي الأساسي دون عمليات تطهير واقتلاع وتصفية مادية ورمزية للوجود الفلسطيني، أي أن الجرائم ليست خارجة عن الروتين الإسرائيلي بل هي ما يشكل هذا الروتين داخل النظام نفسه، مترجمة مخططات الاقتلاع والتصفية والتطهير إلى أدوات قانونية وإلى نظم إدارة محلية.

لا يمكن الحديث عن الحل، بالاكتفاء بـ"دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل"، الشعار الذي ما زالت تحمله حتى بعض القوى السياسية المركزية لدينا في الداخل. ولا يستطيع من يريد محاربة الجرائم الإسرائيلية، أن يكتفي بإخراج إسرائيل من الضفة وغزة فقط، بل عليه أن يخرج الصهيونية من النظام القانوني والسياسي للدولة، لأن مخططات الاقتلاع والتهجير والتصفية هي مخططات ناظمة لعلاقة إسرائيل مع الوجود الفلسطيني بكافة أشكاله، ولم تكن المواطنة يوما نظاما حاميا للفلسطينيين من الصهيونية ومخططاتها، بل كانت دائما أداة من أدوات سيطرتها وتمرير مخططاتها علينا.

أما الأهمية "الدبلوماسية" لهذا الادعاء، بالإضافة إلى أهميته السياسية، فهو أنه يفرغ خطاب الدفاع الإسرائيلي أمام الأوروبيين، القائم على انفصام اسرائيل، فهناك إسرائيل الجيدة/ الحقيقية، التي لو تركها العالم وشانها لأثبتت تفوقها الأخلاقي، وهناك إسرائيل المجرورة للحرب، التي تضطر –ربما- لارتكاب بعض الانتهاكات غير المقصودة أو الاضطرارية، دفاعا عن النفس ليس إلا.

أهمية الادعاء أن التصفية والاقتلاع والتطهير هي جرائم قائمة في الروتين الإسرائيلي، وفي لب المشروع الصهيوني، أنه يعري إسرائيل، ويسقط ادعاء التفوق الأخلاقي و"الشرعية" الت تحاول إسرائيل الاعتماد عليها. فإذا كانت إسرائيل تخرس العالم بادعاءات "الإرهاب الإسلامي" في غزة أو "الدفاع عن النفس الديمقراطية" في الضفة، فبماذا ستجيب إذا ما سئلت عن أسباب سن قانون منع العرب من السكن في أكثر من 500 بلدة جماهيرية، أو قانون تمييز البلدات اليهودية في الميزانيات، أو قانون/مخطط برافر، أو قانون الجنسية، أو قانون سحب التمثيل البرلماني، أو قانون منع ذكرى النكبة، أو قانون خفض صوت الآذان، أو قانون تقييد مشاركة الأحزاب السياسية أو قانون رفع نسبة الحسم، بماذا ستجيب إسرائيل على قوانين التصفية المادية والسياسية والرمزية تلك؟ خاصة أن إجابتها التقليدية: "الدفاع عن النفس"، لن تصمد هنا؟ بماذا ستجيب إذا سقط دفاع: "قليل من السواد الذي أضطر له" - بعض الانحرافات السلوكية في الضفة وغزة- شرعي لكي يحمي "الكثير من البياض الذي هو هدفي الحقيقي " -إسرائيل الدولة الديمقراطية راعية قيم الغرب الديمقراطي-.

ماذا سيحصل إذا كشفنا أن البياض الذي تختاره إسرائيل مفتخرة وبملء حريتها، هو ليس أٌقل حلكة من السواد الذي تلجأ إليه اضطرارا في الضفة وغزة؟ ماذا سيحصل لو كشفنا أن الحلم النقي الواسع الذي تعيشه إسرائيل داخل حدود ما تسيطر عليه تماما، هو ليس أٌقل خطورة من الكابوس المزعج الذي تعيشه "رغما عنها" في الضفة وغزة؟

وهذا بالضبط ما تخافه إسرائيل: أن يكتشف العالم أن "الفكرة المثالية" (الدولة اليهودية)، تحمل من الجرائم ما تحاسب عليه ليس أقل من جرائم الحرب التي ترتكبها "اضطرارا" بسبب أن الآخرين لم يفهموا بعد مدى نقاء وأخلاقية ما تريده إسرائيل. وأن يكتشف العالم أن المشكلة ليست في "الجرائم" المدوية فقط، بل في "الروتين اليومي" أيضا. المشكلة والعطب الأساسي ليست فقط في القصف ولا في الحصار الذين سيتوقفان إذا ما استسلم الفلسطيني، وليست في سرقة الأراضي – ستتوقف إذا ما وقع الفلسطيني عن التنازل عن أرضه طوعا-، بل المشكلة فيما تريده إسرائيل حتى لو لم تقاومها، المشكلة في قوانين وثقافة ومنظومة فكرية ترى في مجرد حضورك –والحضور دائما قوي وصاخب أو على الأقل واضح، وإلا شابه الموت- المادي والرمزي ما يضاهي الإرهاب.

وربما بسبب خوف إسرائيل من هذا الفهم، يضطر اللوبي الصهيوني إلى إحكام سيطرته لمجاراة التضامن المتزايد مع الفلسطينيين، النابع ليس فقط من بشاعة الجرائم الإسرائيلية، بل النابع من فهم أعمق لمفهوم الدولة العبرية نفسها.

المواجهة مع طبيعة الدولة العبرية، تتطلب أن يقوم الأوروبيون أولا بتحرير أنفسهم هم من قمع وابتزاز متواصلين يتعرضون له بشكل مستمر، وبنجاحات لا يستطيعون إغفالها يتوصل إلى التحكم بتفاصيل المشهد السياسي الذي يعيشونه. ليس فقط الفلسطينيون هم من يفقدون السيطرة على واقعهم، بل البريطانيون كذلك، أو بشكل أدق، كل من يريد منهم أن يعبر عن آرائه بشكل حر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهؤلاء رغم قلتهم – وهم في تزايد مستمر- إلا أن تبرمهم من عدم قدرتهم من التعبير عن آرائهم بشكل كاف فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يؤشر لشعورهم بفقدان السيطرة أو بقلة الحيلة، فان تتحكم سفارة ولوبي بحرية تعبير لآلاف النشطاء في دولة ما، هو مشهد غير روتيني ومدعاة للاستغراب، ومن ثم للاستياء والغضب.

ربما الغضب الذي يثيره ما يصفه عشرات من هؤلاء النشطاء، لما يعانونه من سيطرة لوبي أجنبي عليهم، أكبر من الغضب الذي يثيره انتهاك حرية الفلسطيني وكرامته من قبل المشروع الصهيوني، ليس لأن معاناة الأخير أقل، فمعانة الفلسطيني أعمق بما لا يقبل المقارنة، لكن بسبب أن نجاح الصهيونية في قمع ذلك البريطاني، هي ما يزيد من ثقتها وراحتها في قمع الفلسطيني، فهل تنجح هناك، وتفشل معنا؟ نحن الذين تتحكم في لقمة عيشنا والطريق إلى ما بقي من زرعنا، ومصدر رزقنا ومدرسة أولادنا ووعينا وحرية حركتنا وكمية المياه التي نستعملها وجودتها، وساعات الضوء وزرقة البحر في غزة ولون أسماكه الملوثة.

والجواب: نعم، قد تنجح إسرائيل في قمع حرية تعبير المتضامنين من شعوب قوية سيادية، وتفشل مع الضحية، لأنها سيطرت على كل وسائل حياته المادية والرمزية، فأبقت له حدودا ضيقة جدا من الخسارة. القوة أحيانا، هي في ضعفك، في تلك الحدود الضيقة، التي إذا خسرت، فلن تخسر إلا ضيقها.

في السنتين السابقتين تحديدا أمسى البريطانيون يسمعون استياءهم وضيقهم بل وخوفهم من اللوبي الصهيوني، والأهم من نجاحاته في إسكات الصوت الحر فيهم، أكثر من أي فترة مضت. فقد أعاد اللوبي الصهيوني تكثيف حملاته وعلاقاته ووسائل ضغوطه، وهذه المرة بتنسيق جار وليس فقط استراتيجي مع وزارة الخارجية الإسرائيلية والسفير الإسرائيلي في لندن، الذي يشهد له الجميع باستعمال وسائل ترهيب سياسي لم يسبق لأي سفير استعمالها، رغم أن القانون البريطاني –وغيره- لا يجيز أن يتلقى أي لوبي محلي تعليمات وتوجيهات أو تمويل من أي سفارة من السفارات الأجنبية في البلاد التي يعمل بها، كون ذلك يعد تدخلا في الشؤون الداخلية للدولة، الأمر الذي تحظره أعراف وقواعد الدبلوماسية الدولية.

وقد وضح تحقيق "الجزيرة" كيف تغلغل اللوبي الصهيوني واختراقه ليس فقط لسراديب السياسة البريطانية بل لسراديب الحياة الشخصية لمسؤولين بريطانيين، ووصل به الحد لمحاولات تدبير فضائح لأحد وزراء حكومة الحافظين، عقابا له من موقفه الرافض للاستيطان. أما ما يشير إلى قوة اللوبي الصهيوني والسفارة الإسرائيلية التي تعمل كلوبي ضد الدولة المضيفة، فهو ما يتعدى إمكانية إحاكة هذه المؤامرات والعلاقات الفاسدة مع كبار الموظفين البريطانيين، إلى حقيقة أن اكتشاف هذه الدسائس والمؤامرات لم يعقبها أي عقاب أو تصرف ملائم وفق معايير الدبلوماسية المتعارف عليها.

وقد تمثل أوج نجاحات اللوبي الصهيوني في نجاحه في أن تتبنى الحكومة البريطانية، –التعريف الجديد والذي يعرف أي نقد "غير تقليدي" يوجه إلى إسرائيل أنه "لا سامية"، ويعتبر ذلك تغييرا جديدا لا نستخف بأبعاده. جاء ذلك التغيير في نهاية عام 2016، في تعهد رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، بإصدار قرار حكومي بتبني تعريف بلوره مؤخرا "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة/ الهولوكوست"، المعروف ب IHRA والذي جاء فيه أن "اللاسامية يمكن أن تشمل انتقادات ضد إسرائيل كدولة يهودية"، مما يعني أن كل من سيجرؤ على انتقاد إسرائيل سيعرض نفسه "لخطر" وصفه باللاسامية.

ولم يقتصر نجاح اللوبي الصهيوني في جعل تيريزا ماي تتبنى هذا التعريف، بل جاءت الضربة الكبيرة من رئيس حزب العمال المعارض جيرمي كوربين، اليساري المعروف بدعمه غير المسبوق في الساحة السياسية البريطانية الرسمية لحقوق الفلسطينيين، ووعيه التام بجوهر المشروع الصهيوني، الذي وافق هو أيضا على تبني هذا التعريف الجديد للاسامية.

وهكذا بدا وكأن اللوبي الصهيوني في بريطانيا استبق "فوائد" ما يمكن أن يجنيه الفلسطينيون من انتخاب "صديقهم" كوربين رئيسا لحزب العمال، بأن خلق تقييدات جديدة في المشهد السياسي البريطاني، تجعل التعريف الصهيوني لللاسامية هو المتحكم الأكبر في حدود المسموح والممنوع المتعلقين بدعم الفلسطينيين ومناهضة الاستعمار والاستيطان والأبارتهايد والقمع الإسرائيلي في المشهد السياسي البريطاني.

مما قد يشير إلى أن دعم الصهيونية هو شرط حرية التعبير في بريطانيا نفسها. (هنالك إجراءات وقوانين مماثلة أقرت مؤخرا في دول أوروبية أخرى منها فرنسا وإسبانيا)، في عملية ماكارثية بامتياز، تضع كل من ينتقد إسرائيل في قائمة سوداء وتجعله عرضة ليس فقط للنقد، ولفقدان عمله ضمن عملية "تسويد وجه" متواصلة، بل للعديد من أنواع المحاكمات، ليس أقل.

كشف عشرات أعضاء حزب العمال الناشطين، عن حقيقة "تجميد عضويتهم" داخل حزب العمل لأشهر، بعد أن قام اللوبي الصهيوني بتقديم شكاوي ضدهم، تتهم ب"اللاسامية"، وأشار جميعهم أن عدد من يعتقدون أنه عوقب بهذه التهمة بعقاب تجميد العضوية يصل إلى الآلاف، فيما أكد بعضهم أنه يصل إلى "عشرات الآلاف". وقد تم تجميد عضوية هؤلاء الحزبية، أحيانا دون علمهم، ودون أي إجراء رسمي أو أي استدعاء لهم لسماع أقوالهم.

يغفل عنا أن عملية إقصاء الآلاف من ناشطي حزب العمل، لا تمثل مسا شخصيا لهؤلاء فحسب، بل إنها تعكس محاولات تلاعب اللوبي الصهيوني بمجريات النفوذ الداخلي في حزب العمال، المعروف بدعم كوادره لمواقف كوربين اليسارية والداعمة للفلسطينيين، لكن ليس بدعم الهيئات الرسمية في الحزب وأصحاب المناصب العليا فيه، فهؤلاء معروفون بعدائهم لكوربي ومحاربتهم لنفوذه دون هوادة. الأمر الذي يشير إلى بعض آليات اللوبي الصهيوني في محاربة كوربين وفي التأثير على الانتخابات الداخلية للأحزاب البريطانية.

هذه التطورات الجديدة، هي ما تجعلنا نؤكد أن هنالك دوافع لتضامن البريطانيين مع الفلسطينيين تتعدى دعمهم لعدالة قضيتهم، فهم عمليا يتضامنون أيضا مع أنفسهم ضد محاولات الترهيب السياسي للوبي الصهيوني، مع حقهم في التفكير والتعبير والتصريح والنشاط بحرية في بلدهم، هم يتضامنون مع قيمة وممارسة أسمها "الحرية"، "السيادة" على الذات على الأقل، وقد يكون نجاح اللوبي الصهيوني في قمع حرية التعبير الخاصة بشعوب أخرى، أكبر تجسيد لصحة ادعاءات الفلسطيني، ناهيك أصلا أن اللوبي الصهيوني "يضطر" للمغالاة في وسائل ضغطه وقمعه، لدرجة ربما لا يريد هو أن يضطر لها، وذلك كمحاولة للسيطرة على ازدياد التضامن مع الفلسطينيين.

وتتعالى في بريطانيا نفسها في السنتين الأخيرتين الأصوات التي تنتقد اللوبي الصهيوني ليس من باب الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، بل من باب الدفاع عن حقوق البريطانيين، فقد أكدت عرائض وقعت من قبل 200 محامٍ وأكاديمي، أن التقييدات التي تنتهجها السياسة البريطانية ضد حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل، بالإضافة إلى تبني تلك الحكومة التعريف الصهيوني للاسامية، يعد انتهاكا لحقوق الإنسان في بريطانيا.

وقمع المواطن البريطاني من قبل جهة غريبة في دولته، لا يتوقف على قمع حرية التعبير، فكما يحدث عندنا تماما، يقوم اللوبي الصهيوني في جميع الدول الأوربية بتهديد أصحاب القاعات الذين يقومون بتأجير قاعاتهم لمحاضرات أو ندوات لحملات التضامن، ورضوخ معظمهم لا يكون خوفا عينيا من عقاب ما، بل يكون معظم الأحيان تخفيفا لوجع راس ومضايقات فائضة عن حاجته. أما المخاوف الأخرى التي تواجه البريطانيين وتجعلهم يرضخون لضغوطات اللوبي الصهيوني، فهي تتعلق بالخشية من فقدان مصادر تمويل، أو تشويه سمعة من قبل وسائل إعلام وشبكات تواصل اجتماعي تقع تحت سيطرة أو نفوذ اللوبي الصهيوني، يشمل ذلك محاضرين في جامعات، أو حتى رؤساء جامعات، وأعضاء ورؤساء بلديات، عبر لوبي ناجع يستعمل التخويف، الابتزاز والملاحقة كأدوات عمل.

رغم كل ذلك، نشير إلى أن القضية الفلسطينية وإن خسرت من حضورها السياسي العالمي جراء الثورات العربية وتداعياتها وجراء تصفيتها كقضية تحرر والتعامل معها كقضية دبلوماسية من قبل السلطة، إلى أنها لم تخسر حضورها الأخلاقي عالميا، وما زالت رمزا للعدالة ولمحاربة الهيمنة، وما زال الفلسطيني لا يحتاج للكثير من المجهود لكي يقنع أي أوروبي بعدالة قضيته، وما زال اللوبي الصهيوني يضطر لمضاعفة جهوده وأمواله وإرهابه لكي يجاري الدعم (الشعبي) الذي يناله الفلسطيني فطريا ودون مجهود كبير. لكن ذلك يتطلب منا تركيز جهودنا والتأكيد على أن تعريف ومبادئ وقوانين الدولة اليهودية نفسها يلغي أي إمكانية لوجود "إسرائيل البريئة"، وأن ممارسات إسرائيل اليومية المتمثلة عبر نظامها القانوني والسياسي والتعليمي، هي ما عليه أن يخضع للمكاشفة والمحاسبة الدولية وليس فقط جرائمها في الضفة وغزة، فالأول يحمل من الجرائم ليس أٌقل مما يحمله الثاني. أما الأمر الثاني الذي علينا التشديد عليه فهو مدى تحول الصهيونية دوليا إلى حركة معادية للحريات في العالم.

التعليقات