18/09/2018 - 17:17

توترات قبيل الانتخابات البلدية

الاستنفار والتجنيد اللذان نراهما في الانتخابات المحلية في القرى والتجمعات العربية لا يشبههما تجنيد ولا استنفار، لا في انتخابات كنيست، ولا في مواجهة قانون القومية ولا في مواجهة هدم منزل، ولا في أي عمل وطني أو اجتماعي آخر.

توترات قبيل الانتخابات البلدية

الاستنفار والتجنيد اللذان نراهما في الانتخابات المحلية في القرى والتجمعات العربية لا يشبههما تجنيد ولا استنفار، لا في انتخابات كنيست، ولا في مواجهة قانون القومية ولا في مواجهة هدم منزل، ولا في أي عمل وطني أو اجتماعي آخر.

هذان الاستنفار والترقب اللذان يعاوداننا مرة كل خمس سنوات، لم تشهدهما الجماهير العربية في تاريخها سوى مرة واحدة، كان هذا في يوم الأرض الأول عام 1976، أي قبل حوالي أربعة عقود، حيث كان الجميع ينتظر نتيجة إعلان الإضراب العام، ويترقّب هل سينجح الإضراب أم سيفشل، وماذا سيكون رد فعل السلطة التي كانت تهدد وتتوعّد!

كلما اقترب موعد الحسم، تفاقم التوتر وسخنت الأجواء، وحتى كلمة عابرة ممكن أن تؤدي إلى مشكلة تتحول إلى شجار قد يتّسع، فيخرّب علاقات اجتماعية بُنيت بين الناس على مدار سنين، شاركوا بعضهم البعض في أفراحهم وأتراحهم ولقاءاتهم العادية، وفي علاقات النسب والجيرة وغيرها.

المهم أن جميع المتوتّرين جدًا، يرفعون شعار المصلحة العامة ومصلحة البلد، وهنا يُسأل السؤال الشرعي، ما دام أن مصلحة البلد هي همُّ الجميع، فالمفروض هو أن نتعاون ونستغل هذا الاستنفار بالفعل لمصلحة البلد، إلا أن ما نراه ونلمسه هو الاستعداد لدى كثيرين للعنف اللفظي ضد المختلفين أو المنافسين لهم، وليس بالضرورة أن يكون هذا الاستعداد للعنف موجّها من قبل المرشح الرئاسي نفسه، بل من مؤيديه المستفيدين من وجوده بشكل خاص، وأقصد كبار المنتفعين وليس صغار الموظّفين العاديين.

المجالس البلدية، هي المشغّل الرئيسي في الوسط العربي، وذلك بسبب انعدام المناطق الصناعية، وندرة العمل الزراعي، حيث باتت الوظائف والمقاولات في البلديات هي رأس المال، من البناء وملحقاته، إلى النظافة العامة، إلى المرافق والدوائر المختلفة التابعة للبلديات، مثل المدارس الثانوية وملحقاتها، ورياض الأطفال وتوابعها إلخ.

هذا الصراع في لبّه، هو في جوهره على الاقتراب قدر الممكن من طبق السلطة، حيث توزّع الميزانيات والأعمال الكبيرة إلى من هم أقرب.

الإستعداد للعنف، يشير إلى غياب النزاهة في منح المناقصات، وعدم الشفافية، ويقول بأن من يجلس في قمة هرم السلطة يُغفل أو يعاقب فئات لم تسانده ويمنح من دعمه، أو أنه فضّل بعض مؤيديه على بعضهم في توزيع الكعكة، الأمر الذي يعني خوف الموظف على عمله، وقلق المقاول على مصدر رزقه، ومن إعادة تقسيم العمل بما لا يرضيه أو يحدد من أرباحه.

لو جرى قبول الموظفين بحسب المؤهلات، وبمواصفات واحدة تُطبّق على القريب والبعيد، على الموالي والمعارض لرضي الجميع، ولو أن مناقصات العطاءات فيها الشفافية المطلوبة لاطمأن الجميع ولما حدث كل هذا التوتر والاستنفار، وهذا العنف اللفظي أساسه الخوف من فقدان مصادر عيش عادية أو مصادر ربح كبيرة، وكلما كان الربح أكبر كان الاستعداد للعنف أكبر.

في المجتمع القريب منا، وأقصد المجتمع اليهودي، لا يُفصل موظف أو عامل بسبب موقف سياسي ضد رئيس بلدية، لأن المنافسة حزبية بالأساس، وممنوع أن يتعرض لأي ضغط في التصويت لهذا أو ذاك، وإذا فُصل موظف من عمله بدون سبب يتعلق بعمله فبإمكانه التوجه إلى محكمة العمل التي تعيده، ولكن في مجتمعنا نرى التوتر والخوف لدى الموظفين خشية العقاب، في بعض القرى يجري فصل جماعي للعمال، ويعيش المقاولون توتّرا خشية تراجع أرباحهم أو فقدانها.

المركزية تعرف أن هذه نقطة ضعفنا، فنراها تتدخل في محاربة الفساد في الوسط اليهودي بشكل مقبول وفعّال، حتى أن الشرطة تعتقل رؤساء بلديات ومقاولين وغيرهم، وتلاحقهم الصحافة، حتى وصل النبش في مصروفات سارة زوجة نتنياهو، والتحقيق مع ابنه ومعه هو نفسه، بينما لم نسمع عن نشاط حقيقي لمراقب الدولة في الوسط العربي إلا نادرًا، ومع ملاحظات بسيطة وتافهة، وهذا يأتي فقط بعد شكاوى وإلحاح من المعارضين لمن يجلس في السلطة، وقد يتعرض المحاسب البعوث من قبل مراقب الدولة نفسه إلى الرشوة، فيتجاهل التجاوزات ويقزّمها، هذا يعني أن السلطة المركزية معنية بتنمية فوضى الإدارة في مجالسنا المحلية، بل وتمنح الكثير من مجالسنا شهادات تقدير في حسن الإدارة، وعادة تأتي هذه الشهادة من القائم مقام في وزارة الداخلية لشؤون العرب، الذي يكون عادة ضابط جيش متقاعدا، لا علاقة له بالعمل البلدي.

أن الأكثرية من أبناء مجتمعنا باتوا مستسلمين لهذا الوضع البائس للأسف، ويعترفون ضمنا بأن الانتخابات المحلية هي تجاذب أو تنافر في المصالح الخاصة، التي تفتقد في جوهرها إلى رؤية شاملة اقتصادية وثقافية وسياسية وبنيوية، وتفتقر للنزاهة والشفافية، هذا ما تمثله قوائم معظمها حمائلية، تفتقر لأدنى رؤية شاملة، ويتمركز هدفها في تحقيق مصلحة لأحد أفراد العائلة بوظيفة دسمة أو مناقصة على شيء محرز. لهذا السبب نرى ضعف القوائم الحزبية في الانتخابات المحلية التي تقوم على الفكر والرؤية الأوسع والأشمل وهي تتحمل إلى حد ما المسؤولية بهذا.

أخيرا أودّ أن أذكر الناس العاديين، وأصحاب الوظائف الصغيرة، أن يترفّعوا وبأن لا يكونوا لعبة بأيدي كبار المستفيدين والطامعين بكعك البلديات، الذين يختلقون التوترات لأجل مصالحهم الضيّقة.

التعليقات